المعارضة السورية تقاتل على ثلاث جبهات وفي وقت واحد… والتدخل الروسي ترك أثره عليها وعلى المجتمع الدولي

حجم الخط
0

لندن- «القدس العربي»: بعد أربعة أشهر على بدء التدخل العسكري الروسي، الذي يعتبر الأول من نوعه خارج حدود روسيا الفدرالية منذ نهاية الإتحاد السوفييتي السابق، يشعر القادة الروس بأن حملتهم الجوية، إلى جانب قوات نظام بشار الأسد، بدأت تؤتي أكلها. فتحت ذريعة قتال الإرهاب الدولي، غير الرئيس فلاديمير بوتين من حظوظ قوات بشار الأسد، التي تكبدت، قبل وصول الطيران الروسي، سلسلة من الخسائر والتراجعات المهينة في إدلب وأريحا وجسر الشغور ومناطق الجنوب السوري قرب مدينة درعا وتدمر التي سيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية».
وعادت قوات النظام الجديد للهجوم، بعدما أجبرها المقاتلون المعتدلون والمتشددون في العام الماضي على التراجع وتبني سياسة الدفاع عن المناطق الرئيسية والانسحاب من النقاط التي لم يعد الجيش قادرا على الدفاع عنها. ففي الأسبوع الماضي سيطرت القوات الحكومية على بلدة الشيخ مسكين، التي كان يسيطر عليها مقاتلون تدعمهم الولايات المتحدة.

ربحنا الحرب

ونقل مراسل صحيفة «واشنطن بوست»، أندرو روث، عن محللين في موسكو قولهم إن الحكومة الروسية تعتقد أنها ربحت المعركة وبميزانية دفاعية قليلة، وبخسائر قليلة من الجنود لم تؤثر على وضع التدخل العسكري بسبب الدعم الشعبي له. ويقول إيفنغي بوشنسكي، الجنرال المتقاعد ونائب مدير مركز دراسات السياسات في موسكو: «ينظر للعملية هنا بأنها ناجحة»، مضيفا أنها «قد تستمر لمدة عام، ونجاحها يعتمد على ما سيجري على الأرض».
وتعلق الصحيفة بأن مقامرة الكرملين بوضع قوات روسية على الأرض في سوريا ستظل مرهونة بما ستؤول إليه الأحداث. وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قد حذر العام الماضي من وقوع روسيا في «المستنقع»، في تذكير واضح بالغزو السوفييتي لأفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي.
وفي هذا السياق لم تقدم موسكو أية إشارات عن الوقت الذي ستنتهي فيه العملية العسكرية، ومتى ستعلن النصر فيها، وفيما إذا كانت لديها استراتيجية خروج أم لا.
وتضيف الصحيفة أن القوات التابعة للأسد تواصل تقدمها، في الوقت الذي أعلن فيه عن تعليق المحادثات الدبلوماسية في جنيف، يوم الأربعاء، ولهذا تشعر روسيا بأنها ليست تحت أي ضغط لسحب قواتها أو وقف غاراتها الجوية.

يلعب على الخريطة

ويرى قنسطنطين فون إيغرت، المحلل المستقل، أن «بوتين يستطيع مواصلة اللعب على خريطة الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط، لأنها لا تكلفه شيئا».
ويقول فون إيغرت إن الدخول إلى دوامة الحرب الأهلية في سوريا سمح لبوتين بمواجهة ما يعتقد أنها سياسة تغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، واستعراض عضلاته العسكرية، والتأكيد لحلفائه في المنطقة أن روسيا تقف إلى جانبهم. ومع ذلك فلا أحد من المحللين في موسكو يعرف نهاية اللعبة الروسية. ويشير فون إيغرت إلى أن أحدا لا يسأل بوتين عما يفعله في أوكرانيا لأنها واضحة، وبالنسبة للشرق الأوسط فليس كثيرا.
ولم تكن الحملة العسكرية بدون خسائر واضحة، ففي تشرين الأول/أكتوبر أسقطت طائرة ركاب روسية كانت في طريقها من شرم الشيخ المصرية إلى روسيا وقتل 224 كانوا على متنها. وأعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن التفجير. وفي تشرين الثاني/نوفمبر أسقطت الطائرات التركية مقاتلة روسية دخلت الأجواء التركية وقتل أحد طياريها، أما الطيار الثاني فتم إنقاذه لاحقا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم الأربعاء، عن مقتل مستشار عسكري أصابته قذيفة هاون وحملت تنظيم الدولة المسؤولية.
ومع ذلك فلم تؤد هذه الحوادث إلى إثارة الرأي العام ومتابعة إعلامية مستمرة، مثل النزاع في أوكرانيا الذي أنكرت روسيا أي دور رسمي فيه.
وبحسب مكسيم شفيشنكو، الصحافي الذي أيد التدخل الروسي وسافر في ليلة السنة الجديدة إلى سوريا حيث أرفق مع مقاتلين تابعين لـ»حزب الله»: «هذه حرب لا تأثير لها في الحقيقة على سوريا».
والسبب هو «عدم تدفق النعوش» ولا يمكن مقارنتها حتى بدونستك، في شرق أوكرانيا، التي قتل فيها روس ومن ضمنهم جنود.

الدبلوماسية

واستطاع المسؤولون الروس، بمن فيهم وزير الخارجية، سيرغي لافروف، تجاوز الإنتقادات لموسكو وأنها لا تركز على ضرب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، بل ركزت ضرباتها على الجماعات المعتدلة، التي يلقى بعضها دعما من دول الغرب والولايات المتحدة، وذلك لأنها تعارض نظام الأسد.
وبل غيرت موسكو من طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة السورية وسبل حلها الدبلوماسية، خاصة في ما يتعلق ببقاء أو رحيل الأسد. ففي محادثات فيينا، التي حضرتها إيران لأول مرة، تم تجاوز مسألة مصير الأسد وتأجيلها. وكانت المعارضة السورية قد ترددت في الذهاب إلى جنيف بسبب ما رأته تراجعا أمريكيا حول مصير الاسد.
ولعل التقدم الدبلوماسي، الذي حققته موسكو، كان أهم من الإنجازات العسكرية، فنظام الأسد لم يستطع خلال الأشهر الأربعة الماضية من استعادة إلا 2% من الأراضي التي خرجت عن سيطرته. ويرى ستيفن سايمون، من معهد الشرق الأوسط، أن التدخل الروسي منح النظام السوري استقرارا وتماسكا. وقال إن التدخل أثر على الجهود الدبلوماسية، حيث لم ينبه المسؤولون الأمريكيون إلا بشكل نادر لأثره على مسار الحرب، كما يقول. ففي هذه المرحلة يعتقد الأمريكيون أن خيارات وطموحات المعارضة قد بترت، على ما يقول سايمون.
ويعتقد القائم بالأعمال السابق في سفارة موسكو، بسوريا ألكسندر أكسينيونك، أن موسكو ستحول جهودها في الأشهر المقبلة للجهود الدبلوماسية، مؤكدا أن العملية العسكرية الروسية لعبت دورا وستظل تلعب، وبدونها لم تحصل النشاطات الدبلوماسية التي نشاهدها الآن.

حلب

ولم يذكر الدبلوماسي السابق أن استمرار العمليات العسكرية هي التي أحبطت أو على الأقل أعاقت التقدم في جنيف. فقد طالبت المعارضة السورية بوقف القصف الروسي على مدينة حلب والمناطق الأخرى. وكان الرد، من النظام وروسيا، حصارا ومواصلة للعمليات العسكرية.
وفي هذا السياق ذكرت لويزا لافلاك ورولاند أوليفانت، في صحيفة «ديلي تلغراف»، أن القوات السورية قطعت آخر خطوط الإمداد إلى المعارضة، في حملة على مدينة حلب يعتقد أنها ستكون نقطة تحول في الحرب التي ستدخل عامها السادس. فبعد قصف جوي وقتال شرس، استطاعت قوات النظام، المدعومة من الميليشيات الإيرانية، كسر الحصار على قريتي نبل والزهراء. وبهذه الطريقة قطع النظام خطوط الإمدادات للمقاتلين في شرق حلب. وأصبحت قوات النظام تحاصرهم من الجنوب والغرب، فيما تحيط بهم قوات تابعة لتنظيم «الدولة» من الشرق. ويعتقد المحللون والناشطون أن استعادة النظام لشرق حلب ليست محتومة، ولكنهم يرون أن فرض الحصار على المقاتلين هو بداية لمعركة حاسمة.
ونقلت الصحيفة عن أبو العز، طبيب، قوله إن الروس يقصفون كل شيء. وكان يتحدث من عيادة عالجت 100 جريح مدني أصيبوا جراء القصف.
وتقول الصحيفة إن جماعات المعارضة تأثرت بالطيران الروسي وعلى ثلاث جبهات، في الوقت الذي يحاول الغرب دفعهم للتفاوض مع النظام. في شمال- شرق محافظة اللاذقية، حيث يتركز النظام والقوى الداعمة له، أجبروا على الخروج من آخر معاقلهم هناك.
ويعانون من ضغوط شديدة في الجنوب، خاصة المناطق ما بين دمشق والحدود الأردنية. وتشير الصحيفة هنا للغضب الذي أبداه وفد المعارضة في جنيف على العملية العسكرية في حلب. ورفضت روسيا مطالب المعارضة، وأكدت أنها ستواصل غاراتها الجوية. وعبر عدد من قادة المعارضة الميدانيين عن شكوكهم في العملية السلمية.
ونقلت عن قيادي في «الجيش السوري الحر»، تحدثت إليه عبر الهاتف من شمال- شرق حلب: «يتحدثون في الفنادق ونحن نموت في المعارك»، وأضاف: «لا تمثلنا المحادثات ولا تستطيع إنقاذنا».
وترى الصحيفة أن التدخل الروسي «غيّر اللعبة» لصالح النظام. ونقلت عن أرون ليند، من موقع «سيريا إن كرايسس» بمركز كارنيجي، قوله إن «المقاتلين يعانون من إنهاك بسبب القصف والهجمات على أكثر من جبهة وفي وقت واحد».
وأضاف أن «التدخل الروسي ترك أثره على المعارضة السورية والمجتمع الدولي». وتنقل الصحيفة عن خبراء قولهم إن أهداف السياسة الروسية، وهي إقناع واشنطن بوضع مسألة تنحي الأسد عن السلطة جانبا، قد تحققت.
ويقارن الخبراء الروس بين الحملات العسكرية، التي يقوم بها الجيش السوري، بالأسلوب الذي استخدمته روسيا في شرق أوكرانيا، حيث دعمت المتمردين هناك، في حملتين عسكريتين أثناء المحادثات، من أجل دفع حكومة كييف على القبول بشروط غير محبذة لها. وبحسب فيدور لوكيانوف، محرر مجلة «غلوبال أفيرز»: «هذه تصرفات طبيعية، فالبدء في التفاوض لا يعني التوقف عن القتال، فأنت تحاول تحقيق دينامية على الأرض تزيد من الضغوط على أعدائك. ولو كنت تعتقد أن هناك إمكانية لعقد صفقة، فستحاول السيطرة على أكبر قدر ممكن قبل التوقيع».

إحباطات

ولكن الصفقة بعيدة المآل، كما ترى صحيفة «لوس أنجليس تايمز». والسبب هو حالة عدم الإحباط التي يحملها كل طرف تجاه الآخر. فالمعارضة جاءت إلى جنيف تضغط باتجاه وقف التصعيد العسكري. أما الحكومة فقالت إنها لن ترضى بمحادثات «بشروط مسبقة».
وتقول الصحيفة إن محادثات جنيف كانت تهدف لتحقيق سلام دائم كمقدمة لإصلاح الحكومة وكتابة الحكومة وعقد انتخابات برلمانية.
ولكن النظام شعر بأن المبادرة العسكرية باتت بيده، ولهذا لم يظهر أي إشارة عن استعداده لوقف حملته العسكرية. وتشير الصحيفة إلى الخلافات الأخرى ومطالب الحكومة السورية بقائمة الجماعات التي ستشارك في المحادثات ورفض كل من دمشق وموسكو لجيش الإسلام وأحرار الشام، وهما من الفصائل المهمة والمؤثرة على الساحة الميدانية.
وقللت تداعيات الأيام الماضية من توقعات المراقبين حول حل قريب للأزمة السورية. فرغم إعلان دي ميستورا عن بدء المحادثات بشكل رسمي، يوم الإثنين إلا أن تعليقها بهذه الطريقة يؤكد أن طرفي النزاع ليسا مستعدين لمواجهة بعضهما بعضا.

بعيد المنال

وتقول صحيفة «إندبندنت»، في افتتاحيتها، إن «الحقيقة المرة» حول محادثات السلام السورية في جنيف تشير إلى أنه حتى لو انتهت باتفاق شامل بين طرفي النزاع، فلن توقف الحرب الأهلية، «بل على العكس ستزيد من حدتها».
مشيرة إلى أن جيشين، من الجيوش الثلاثة المشاركة في النزاع، وهما جيش الأكراد وتنظيم «الدولة» اللذان يسيطران على ثلثي مناطق سوريا، لا يشاركان في هذه المحادثات التي ستبدأ من جديد في 25 شباط/فبراير الحالي.
وبالنسبة لتنظيم الدولة، فلن يتلقى أبدا دعوة للمشاركة وسيواصل القتال، أما الأكراد فسيواصلون محاربته. وفي الوقت نفسه سيعمل تنظيم الدولة كل ما بجهده لتخريب المحادثات.
وأشارت الصحيفة إلى العملية الإنتحارية في السيدة زينب، جنوب دمشق، يوم الأحد، والتي قتل فيها 72 شخصا. وفي يوم الثلاثاء دعا رئيس وفد النظام، بشار الجعفري المعارضة لشجب الهجوم، ولم تقم بعد حسب الصحيفة.
وترى الصحيفة أن السبب نابع من طبيعة النزاعات التي «عششت» معا في داخل الحريق السوري.
ويعتبر الملمح الأكثر خطورة فيها هو النزاع الشيعي الممثل بالحكومة السورية وحلفائها الإيرانيين، والسنة، الذي يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية جناحه الأكثر عنفا وتطرفا.
وفي الوقت نفسه يعتبر أقل عداوة للأسد من بين الأعداء المحليين. وتصف الصحيفة محاولات دي ميستورا إقناع الأطراف السورية المتحاربة للتحاور في جنيف كمن كان يريد إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية في عز الحرب الباردة. «فقد تحيي المحاولة لكنك لا تريد المراهنة ماليا على نجاحها» تقول الصحيفة. كما أن احتمال تحقيق صفقة أصبح أصعب عندما قرر النظام السوري وحلفاؤه الروس شن عملية عسكرية واسعة في شمال سوريا ومحاصرة المقاتلين في حلب وقطع الإمدادات عنهم من تركيا.
وتعلق الصحيفة بأن محاولة الجيوش الاستفادة من التوقف في القتال واتفاقيات وقف إطلاق النار لتقوية موقعها في المفاوضات أمر يدعو للأسى وعادي في الوقت نفسه. ولكن وضع القوات التابعة للنظام أحسن من وضع المعارضة.
فبحسب تقديرات الأمم المتحدة تقوم الحكومة السورية بمحاصرة 187.000 شخص في البلدات والقرى المحاصرة، أما المعارضة المسلحة فتحاصر بلدتين يسكنهما 12.000 شخص، وهذا هو مستوى التناسق بين الطرفين.
وتتحدث الصحيفة عن هدف محادثات السلام، كما أقرتها الامم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر، بأنها مفاوضات تتم بين ممثلين عن النظام السوري وجماعات المعارضة، تقود في النهاية إلى انتخابات وحكومة جديدة، ولكن «أعداء الدم المنقسمين بناء على الطائفة الديني والساخطين على بعضهم، بسبب المذابح التي تعرض لها أبناء جلدتهم والدمار لوطنهم، لا يمكن أن يجبروا على الجلوس على طاولة واحدة، فهذا عبث تمارسه الأمم المتحدة لا قيمة له». وفي النهاية ترى «إندبندنت» أن سلاما يجب التوصل إليه رغم الغضب العارم والسأم، فملايين اللاجئين، الذين يتحركون وعائلات الضحايا الذين يقدرون بربع مليون يطالبون به، فهذا النزاع الذي يعتبر من أكثر النزاعات التي تؤثر على الإستقرار يجب أن يتوقف.
وعلى الغرب مواصلة دعمه للجماعات التي دعمها بطريقة مترددة، ويجب انتهاز أية فرصة دبلوماسية والبحث عنها، وإجبار كل من روسيا وإيران كي تمارسا الضغط على الأسد لكبح جماح قواته ووقفها، بلدة بعد بلدة وحصارا بعد حصار.
و»إن كانت محادثات جنيف ستترك أثرا، فيجب أن تجعل الحياة محتملة لمن يعيشون في الميدان، وحالا».

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية