نواكشوط – «القدس العربي»: ما يزال المشهد السياسي الموريتاني، حسب مؤشرات يوم أمس، مشوبا بالتوتر ، رغم أن المفروض هو أن يتجه هذا المشهد للهدوء وأن يبتعد عن التأزم، بعد أن أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب علني قبل أيام، احترامه الكامل للدستور وعدم سعيه لتعديله من أجل مأموريات أخرى.
فما تزال المعارضة الموريتانية تحتفظ بتخوفها إزاء جدية النظام الموريتاني في السماح بتناوب دستوري طبعي على السلطة في انتخابات 2019 الرئاسية؛ فالمعارضة تتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالتخطيط للتحكم في الانتخابات المقبلة للبقاء في الحكم هو بنفسه أو عبر تنصيب خليفة له يكون طوع يده ويعمل تحت سيطرته.
وزاد من مخاوف المعارضة استمرار قياديين في أحزاب الموالاة في المطالبة ببقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز في السلطة لولايات إضافية رغم تأكيده هو على عدم رغبته في ذلك.
وكان آخر مثال على ذلك تأكيد سيدي محمد ولد أبوه نائب رئيس حزب الكرامة (موالاة) أمس، على «موقف الحزب الذي عبر عنه رئيسه سابقا، وهو أن الحزب كان ولا يزال يطرح موضوع المأمورية الثالثة لرئيس الجمهورية، مبررا ذلك بما شهدته البلاد من نهضة تنموية شاملة وما تحقق من إنجازات كبيرة».
وأوضح ولد أبوه وهو من رجال ثقة الرئيس «أن موقف الحزب هذا الخاص بالمأمورية الثالثة، يجسد حرص الحزب على أن يكمل الرئيس برنامجه الواعد لتواصل موريتانيا تقدمها في ظل سياسته البناءة».
ومما زاد في تخوفات المعارضة أيضا استمرار النظام الحاكم في تطبيق مخرجات الحوار السياسي الأخير غير المجمع عليه رغم التظاهرة الكبرى التي نظمتها المعارضة لرفض هذا الحوار جملة وتفصيلا، وللضغط من أجل حوار جاد جامع.
فقد صمتت الحكومة عن كل ذلك، وبدأت لجنة متابعة الحوار عقد اجتماعاتها للتحضير للاستفتاء المقرر منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، وللاتفاق على مسودة الدستور التي ستعرض على الاستفتاء الشعبي، ولإقرار جدولة للانتخابات النيابية والبلدية المقررة أواخر السنة المقبلة.
وأمام هذا الواقع، تعمل المعارضة الموريتانية لتوحيد صفوفها لمواجهة الأجندة الحكومية، والعمل على إفشال ما تؤكد أوساطها الخاصة أنه «مخطط يبيته الرئيس وموالاته، لفرض واقع سياسي أحادي يمكن الرئيس من السيطرة على الشأن العام لفترة أطول إما بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها تبعا لتعديلات الدستور، يكون الرئيس فيها قادرا على الترشح لولايتين دستوريتين أخريين دون احتساب ما مضى من المأمورية الحالية، أو بانتخاب رئيس يرشحه الرئيس ويدعمه العسكر ويواصل تطبيق سياسيات الرئيس ولد عبد العزيز ويكفل له حماية ظهره بعد مغادرته للسلطة».
وترى المعارضة الموريتانية، حسب بيان وزعته أمس، أن مسيرتها الأخيرة التي توحدت فيها جميع أطيافها، حققت نجاحا كبيرا وأظهرت أن أجندة الرئيس التي عكستها مخرجات الحوار، أجندة أحادية غير مجمع عليها بل يعارضها الكثيرون.
ودعت المعارضة في بيانها «جميع الأحزاب الوطنية والمنظمات المجتمعية والمبادرات والتجمعات الشبابية والشخصيات الوطنية الى التضامن والتنسيق والعمل المشترك من أجل فرض الظروف الضرورية لضمان التبادل السلمي على السلطة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتجنيب البلاد الانزلاق في مطبات القلاقل وعدم الاستقرار».
وحيا المنتدى المعارض في بيانه «بإجلال جماهير نواكشوط على هذه الهبة الوطنية الشجاعة والقوية، التي أظهرت عزم الشعب الموريتاني على مواصلة النضال بكل أشكاله حتى يفرض إرادته في تحقيق طموحاته المشروعة في العيش الكريم والعدالة والمساواة في ظل دولة القانون والمؤسسات».
وأهاب المنتدى «بالشعب الموريتاني أن يبقى يقظا ومعبئا لإحباط كل المناورات التي يقوم بها النظام من أجل استمرار هيمنته بشكل أو بآخر على مقدرات البلاد ومصيرها»، مثمنا في بيانه «روح التضامن النضالي التي جسدتها الأحزاب والمنظمات والمبادرات التي دعمت هذه المسيرة وشاركت فيها بفعالية وإخلاص مثل تكتل القوى الديمقراطية وحزب «إناد» وحركة «إيرا» وحزب الوطن ومبادرات الشباب المناضلة».
وأكد المنتدى المعارض «أن مسيرته التي نظمها يوم 29 اكتوبر/تشرين الأول 2016، شكلت حدثا بارزا غير مسبوق سيؤثر لا محالة على مجرى الأمور في البلاد حيث أجمع المراقبون على أن هذه المسيرة لم تشهد العاصمة مثلها لحجم الجمهور الذي حضرها ونوعيته وتنوعه وحماسه واندفاعه»، «فقد تدفقت عشرات آلاف المواطنين من كل الأعمار والأعراق والفئات، يضيف البيان، لا يحدوهم خوف ولا طمع، لا يحدوهم سوى مشاعرهم الوطنية وإحساسهم بالمسؤولية وامتعاضهم من واقعهم المرير ورفضهم لنظام يحتقرهم ويتلاعب بمصالحهم وخوفهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم».
وزاد البيان «لقد كانت هذه المسيرة، ولأول مرة، تجسيدا للعمل المشترك والمنسجم بين أهم مكونات المعارضة الديمقراطية بمختلف أطيافها من أحزاب سياسية وازنة وتجمعات حقوقية نشطة ومبادرات شبابية فاعلة، حيث التفت حول أهداف المرحلة المتمثلة في الوقوف في وجه العبث بالدستور ورموز الأمة، ورفض حكم الاستبداد والنهب والتجويع والبطالة والغلاء، والتضامن ضد العبودية ومخلفاتها، وضد الظلم والتمييز والقمع وخنق الحريات، وضد اختطاف الدولة من أجل استمرار هذا النظام بشكل أو بآخر».
وجزمت المعارضة الموريتانية بأن «مسيرتها أثبتت فشل الحوار المزعوم الذي نظمته السلطة، والذي أرادت من ورائه تضليل الرأي العام الوطني وصرف أنظار الشعب عن مشاكله وعن الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، من أجل تمرير مخططاته المشبوهة بعد أن فشل في تمرير مأموريته الثالثة».
وضمن المقالات والتدوينات الموازية لهذه التطورات السياسية، دعا المدون محمد الأمين الفاظل القيادي في المعارضة أمس في معالجة تحت عنوان «رسائل المسيرة الست»، كلا من النظام والمعارضة لاستخلاص الدروس.
وأكد المدون «أن الرد المنطقي والسليم على المسيرة يستوجب من السلطة أن تدعو إلى حوار جديد تشارك فيه، بالإضافة إلى المشاركين في الحوار السابق، جميع التشكيلات السياسية والنقابية والحقوقية التي دعت أو شاركت في مسيرة السبت، وحينها سيكون في الإمكان أن نتحدث عن حوار وطني شامل».
«أما المعارضة، يضيف المدون، فعليها أن تعرف أن جماهير العاصمة التي لم تُخْلف يوما أي موعد احتجاجي يُضرب لها، والتي ظلت تأتي وبكثافة لكل المسيرات التي يدعى لها، أصبحت اليوم تشعر بنوع من الملل من هذه المسيرات الحاشدة ذات المسار والشكل والخطاب الثابت الذي لا يتغير أبدا، فلا بد من كسر الروتين، والبحث عن أساليب نضالية أخرى تكون أكثر فعالية وأقوى تأثيرا».
ودعا المدون «المعارضة الموريتانية للقيام بخطوات ملموسة وجدية لتعزيز الثقة بين قادة المعارضة، ولتقوية الثقة بين قادة المعارضة والجماهير المعارضة»، مشددا «على ضرورة اتفاق المعارضة على تسمية مرشح مستقل وتوافقي تتقدم به في الانتخابات الرئاسية المتوقعة في منتصف العام «2019.
عبد الله مولود