المغرب خرج من الربيع العربي قويا ومستقرا… فلماذا يستهدفه «تنظيم الدولة»؟

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: طرحت عملية سوسة التي قام بها جهادي تونسي ضد سياح على شاطئ المدينة الساحلية أسئلة حول استقرار دول شمال المغرب العربي باستثناء ليبيا التي تعاني من مشاكل وحرب بين الفصائل منذ الإطاحة بنظام الزعيم الليبي معمر القذافي.
وقد شهدت تونس أول انتفاضة عربية في عام 2011 ضد ديكتاتورية بن علي وفتحت الطريق أمام ما صار يعرف بالربيع العربي حيث تغيرت أنظمة وأطيح بأنظمة شمولية وشرع الباب من جديد لعودة العسكر، بعد فشل تجارب ديمقراطية في مصر وتونس وإن بدرجات متفاوتة.
ومن بين دول المغرب العربي التي استجابت للتحديات التي فرضها الربيع العربي كان المغرب حيث قام بعدد من الإصلاحات التي منحت الحكومة والبرلمان سلطات جديدة، لكنها لم تكن بدرجة كافية تعني تخلي الملك عن سلطاته التنفيذية وتفويضها للمؤسسات التشريعية في البلاد.
ولكن تحرك الملك محمد السادس كان كافيا لتجنيب بلاده الاضطرابات التي عانت منها دول أخرى. ولهذا ظل المغرب العربي يتمتع بقدر نسبي من الاستقرار.
ولكن صعود تنظيم الدولة الإسلامية والتهديدات التي بدأ يفرضها على دول المنطقة وتوسعه أعاد الانتباه لوضع المغرب ومسألة الإصلاح فيه، سواء كانت سريعة أم بطيئة.
وفاقم تدفق عدد من المتطوعين المغاربة في صفوف التنظيم من المخاوف، فهناك ما يزيد عن 1.500- 1.600 جهادي يقاتلون في صفوف التنظيم في سوريا والعراق حسب تقديرات الحكومة.
كما أن اكتشاف قوات الأمن المغربية لشبكات تجنيد للناشطين المغاربة واستهدافهم أبناء المدن الفقيرة أثار حالة قلق مما يمكن أن يفعله العائدون من ساحات القتال في بلادهم. وحفل الموضوع المغربي وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية باهتمام عدد من الصحف والدوريات الإنكليزية.

انفصام

ففي تقرير لمجلة «نيوزويك» أعده جوناثان برودر تحت عنوان «جهاد ضد جو لو» (جو لو هو اختصار لاسم المغنية والممثلة جنيفر لوبيز) حيث يقول إن النظرة الأولى للمغرب تشير إلى استمرارية الاستقرار، رغم استمرار الفقر والفساد ومعدلات البطالة بين الشباب المغربي- وهي مشاكل كانت مسؤولة بدرجة كبيرة عن اندلاع الربيع العربي- وعانى المغرب من تهديد تنظيم القاعدة واستهدف بهجمات إرهابية في عام 2003 و2007 التي قتلت 46 شخصا في مدينة الدار البيضاء.
ورغم كل هذه التهديدات فالمغرب يعيش حياة سياحية وفنية تستقطب إليه نجوم الفن في العالم من فاريل ويليامز وستينغ ومارون5 وجنيفر لوبيز الذين شاركوا في مهرجان الرباط وأمام أكثر من 160.000 مشاهد رغم اعتراض عدد من المشائخ على طريقة أداء ورقص لوبيز وقدموا دعوى قضائية ضدها.
وتعلق سارة فوير من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على الوضع في المغرب بأنها تعبير عن حالة «انفصام في الشخصية»، فمن جهة يعيش البلد قدرا من الاستقرار ومن جهة أخرى يذهب أبناؤه للقتال مع الجماعات الجهادية.
ومرجع هذا التناقض هو الخصوصية المغربية النابعة من اتباع مذهب الإمام مالك وانتشار الصوفية في البلاد، وهناك بعد آخر يتعلق بما جرى لدول الربيع العربي التي عانت من ويلات الحروب والانقسام.
ويضيف التقرير إلى ان خبراء الشرق الأوسط ثمنوا الخطوات التي اتخذها العاهل المغربي حيث تحرك بعد توليه السلطة في عام 1999 سريعا لوقف الاعتقالات والتعذيب وحالات الاختفاء التي رافقت حكم والده الملك الحسن الثاني.
ورد الملك محمد السادس على التظاهرات التي خرجت إلى الشوارع بداية الربيع العربي بعدد من الخطوات التي أبعدت مخاطر التفكك والاضطرابات عن المغرب. فقد أعلن عن دستور جديد للبلاد وفي نهاية عام 2011 نظم انتخابات برلمانية أدت لفوز حزب العدالة والتنمية حيث أصبح أمينه العام عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة المغربية. ومنح الملك سلطات جديدة للبرلمان باستثناء الشؤون الأمنية والخارجية والدينية التي لا تزال بيد الملك.

إلى متى؟

والسؤال هو إلى متى سيحافظ المغرب على استقراره؟ وهل ستقضي مشاكل البطالة والفساد على جهود الإصلاح وتعيد المتظاهرين للشوارع.
ويرى كاتب التقرير أن التنازلات التي قدمها الملك والخوف من انتقال عدوى مشاكل دول الربيع العربي إلى بلاده هو ما خفف من حدة المعارضة.
لكن حاييم مالكا من معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية يرى أن إصلاحات المغرب ركزت فقط على الأمور المتعلقة بالدستور، ولكنها تجاهلت الأسباب التي تؤدي لعدم الاستقرار مثل غياب فرص العمل والإحساس بالتهميش والحرمان والشعور بالظلم وهي مشاكل عامة يعاني منها معظم سكان المنطقة خاصة قطاع الشباب.
ويظل استقرار المغرب مهما للمصالح الأمريكية التي تتعاون مع الأجهزة الأمنية المغربية لملاحقة التهديدات الإرهابية في المنطقة، ويشارك المغرب في الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وبالإضافة للمساعدات العسكرية قدمت واشنطن للرباط مليار دولار لزيادة معدلات التوظيف.
إلا أن جهود الملك لرفع مستويات البطالة أدت لنتائج مريحة. وبمساعدة من مستثمرين سعوديين حقق بعض النجاحات في توليد الطاقة من الريح والطاقة الشمسية للتعويض عن نقص النفط في البلاد. وأعادت الحكومة إصلاح مدينة طنجة والتي كان مقصد السياح حيث إعطاء الطرق وجها جديدا وافتتحت فنادق وأصلح الميناء.
واستثمر الملك في الصحراء الغربية في مجال البنية التحتية والسكن. ورغم كل هذا فأداء البلاد في مجال الزراعة والصناعة البطيء وزيادة معدل البطالة بنسبة 31%.
ويتوقع ان يتضاعف الناتج المحلي العام بنسبة 5% هذا العام إلا أن اقتصاديين يرون أن مشاريع الملك خاصة الإسكانية لم تفد إلا الحلقة المحيطة به.
وبدون فتح فرصة التنافس الاقتصادي كي يستفيد كل المغاربة من المشاريع الحكومية فلن يتحقق النمو الاقتصادي المرجو.
ويرى التقرير أن الفساد أثرعلى معدلات البطالة، خاصة من لم يستفيدوا من مشاريع الملك. وكما كشفت وثائق ويكيليكس عام 2010 في برقيات أرسلها دبلوماسيون أمريكيون أشاروا فيها إلى أن القصر حاول إجبار رجال الأعمال لمنح منافع لشركة يملكها الملك. وفي عام 2011 قام مستشارو الملك بتنويع ملكيته للشركات التي توزع المنتجات الغذائية وهو ما خفف الوضع على الطبقات الدنيا التي كانت تتأثر من ارتفاع الأسعار.

دور الأمن

ومن الأمور الأخرى التي تحافظ على استقرار البلاد تلك المتعلقة بالأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها الملك. وكان المغرب من الدول التي احتجزت فيها وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي أيه» مشتبها بانتمائهم لتنظيم القاعدة.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشول) صدر في أيار/مايو أثارت فيه قضية تعذيب المعارضين للحكومة لكن الناشطين يقولون إن الوضع لا تمكن مقارنته بما كان يحدث في عهد الملك الحسن الثاني.
وينقل عن رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي دريس اليازمي ان التعذيب ليس مبرمجا كما كان في الماضي ولم يستبعد وجود بعض الحالات.
ولكن تهديد المتطرفين الإسلاميين أدى لزيادة السلطات الأمنية رقابتها لهم، خاصة بعد تفجيرات الدار البيضاء وفي الفترة الاخيرة اعتقلت السلطات 10 أشخاص قالت إنهم يقومون بتجنيد أشخاص للقتال مع تنظيم الدولة في العراق وسوريا.

ظروف جيدة

وتعتبر ظروف الركود ومعدلات البطالة أرضية خصبة لتنظيم الدولة الإسلامية حيث انتعش في الدول المفككة والفاشل.
وتساءل روبرت لوني بمقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» (9/7/2015) عن السبب الذي يجعل تنظيم الدولة يستهدف المغرب
وأشار فيه للنشاط الأمني الذي يشهده المغرب من اعتقال خلايا نائم. وقال لوني إن مظهر الخوف من المقاتلين المغاربة مع تنظيم الدولة نابع من عودتهم وقد تعلموا أساليب القتال. ولكن مستوى العمليات التي سينفذها العائدون يعتمد على طبيعة الحنق الذي يسود في البلاد. ومن هنا يرى الكاتب ضرورة البحث عن مدخل إبداعي يجمع، كما يقول بين أفضل مبادئ الاقتصادي الغربي والإسلامي من جهة ومدخل روحي يرفض التطرف وإن حدث هذا فسيكون المغرب قادرا على المرور من الأزمة وقد يتحول إلى نموذج للدول التي تواجه تهديد تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي الوقت الذي نجحت فيه إصلاحات الملك الدستورية في نزع فتيل التوتر بالبلاد وإن بشكل مؤقت، إلا أن هناك حاجة ماسة في ظل التهديد الجديد للبحث أفكار جديدة تبعد المخاطر عن البلاد.
فقد كان المغرب هو البلد الوحيد من الذي خرج قويا من بين الدول التي حل عليها «الربيع العربي».
ومثل برودر في «نيوزويك» يرى لوني أن قدرة الحكومة المغربية على حل الأزمة الاقتصادية كفيل بإنهاء حالة الحنق.
فقد تأثر المغرب في الفترة ما بين 2008- 2009 بالأزمة الاقتصادية العالمية، ما أدى لتراجع تحويلات المغاربة في الخارج.
ورغم زيادة نسبة النمو بنسبة 4.6% في الفترة ما بين 2000- 2010 إلا ان معدلات الأمية والبطالة لم تتحسن في وقت زاد فيه الفساد والمحسوبية.
وفي هذا السياق يشير لوني لجهود الملك وحكومة العدالة والتنمية لمأسسة الإصلاح الإقتصاد ونشر الديمقراطية من «أسفل إلى أعلى» عبر منح السلطات المحلية سلطات أوسع فيما وعدت حكومة بن كيران بتحسين مناخ الإستثمار وخلق فرص عمل وتطبيق القانون ومحاربة الفساد. لكن تراجع النمو الاقتصادي في الفترة ما بين 2011- 2014 وزيادة معدلات البطالة التي يرى لوني أنها مثيرة للقلق خاصة بين الشبان.
وتصل إلى نسبة 39.9% بين الشبان القادمين من المراكز الحضرية. وهو ما يزيد حالة الأحباط بين الشباب المؤهل منه وغير المؤهل.
ويعتقد الكاتب أن الأداء الفقير للإقتصاد المغربي لا علاقة له بالنموذج ولكن بطريقة تطبيقه، خاصة في مجال الحكم الذي ركز على تشريع القوانين أكثر من تطبيقها.
ويضاف إلى هذا إهمال قوانين حقوق الإنسان التي ضمنت في دستور عام 2011.
ويعتقد لوني أن حذر الحكومة في تطبيق النموذج الإصلاحي كان عاملا في بطء العملية الاقتصادية، فقد تبنت حكومة العدالة والتنمية الفكرة الصينية للمأسسة المتدرجة. ولكنها لم تقم بإحداث تغييرات دراماتيكية والتزمت وهي تبحث عن طرق لتحسين الاقتصاد بالتغيير التدريجي.
ويرى الكاتب أن جزءا من مشكلة النمو في المغرب مرتبطة بعدم وجود تنسيق بين الوزارات المسؤولة عن عملية الإصلاح، فحزب العدالة والتنمية لا يسيطر على عدد من الوزارات الرئيسية التي يتعامل وزراؤها مع القصر مباشرة، وهو ما يؤثر على طبيعة النمو الاقتصادي لأن كل وزارة تعمل من أجل تحقيق أهدافها.
وعليه فحالة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي تتطلب استكمال عملية الإصلاح/التحول الاقتصادي عبر توزيعه وتنويعه وزيادة الإنتاج، وهو ما يجعل البلاد قادرة على مواجهة مخاطر تنظيم الدولة.
ولا بد من مدخل براغماتي للتنمية وأن يقوم الملك بـ»إقراض» بعض سلطاته للحكومة من أجل التغلب على معارضة المصالح الخاصة. ويشير الكاتب أن مدخل الإصلاح التدريجي في الصين نجح لأن الحكومة اختارت المدى الذي تريده للتقدم أماما.
ويرى الكاتب أن المغرب في حاجة ماسة للتغير حتى يدفع مخاطر تنظيم الدولة عنه. وفي الوقت الذي لا يزال امام البلاد خيار لإكمال التحول الاقتصادي إلا أن البديل عنه سيكون حربا وعنفا. ويربط الكاتب هنا خيار التغيير باختيار الملك.

استهداف الفقراء

وفي الوقت الحالي يستهدف تنظيم الدولة الفقراء من المدن المهمشة، خاصة في المدن الشمالية الفقيرة مثل تطوان وطنجة ومكناس ونادور حيث تصل نسبة البطالة إلى 20% ونسبة الأمية 67%.
وفي تقرير لصحيفة «التايمز» (16/7/2015) نقلت بيل ترو عن عدد من الناشطين قولهم إن التنظيم ينشط عبر شبكة قوية ويحصل من يجند شخصا على على 500 يورو. أما من يقنع بالسفر فيحصل على حياة جيدة ومال.
ونقلت تروعن رشيد 47 عاما صاحب «بسطة» للعطور أمام المسجد والذي كان عنصرا سابقا في تنظيم الدولة ومعتقل الآن داخل السجن في المغرب أن رجلا هادئا كان يحضر إلي كل ثلاثة أشهر ويجلس معي قرب كشك لبيع العطور أمام مسجد الحي في خوربيكة حيث تم تجنيده في الصيف الماضي.
ويقول رشيد إن الرجل أعطاه في البداية 500 درهم مغربي «وهو ما زاد من تجارتي وعاملني كأنني أمير».
ولم يكن الرجل الطيب في الحقيقة إلا جزءا من شبكة من الناشطين التي استهدفت الباعة المتجولين الذين كانوا يكافحون لتوفير احتياجات الحياة اليومية. وبعد ثلاثة أشهر أعطى الرجل رشيد 7.500 درهم لحجز تذكرة سفر إلى تركيا ومنها إلى سوريا.
وسافر رشيد إلى إسطنبول مع بائع متجول آخر من قرية أخرى وامرأة وابنها كانت تريد الانضمام إلى زوجها في مناطق تنظيم الدولة الإسلامية.
والتقاهم في المطار وسيط وبعد ثلاثة أيام وجد نفسه مع 50 مغربيا نصفهم نساء في غازي عينتاب وهم يحاولون قطع الحدود إلى سوريا.
ويتحدث رشيد «لم يكن هناك ماء أو طعام ولم يكن المهربون جيدين معنا وكانت المشاهد تشبه جهنم».
ويقول إنه هرب مع أنه كان يعرف سيسجن لو عاد إلى بلاده وأن 35 مغربيا من مدينة طنجة وما حولها سافروا في الشهر الماضي إلى سوريا.
ولم يكن الهدف دائما هو تحقيق المال فعبد العزيز (49) الذي يبيع رقائق البطاطا المصنعة اضطر للذهاب لأن زوجته ليلى مدرسة القرآن أقنعت للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في مسجدها، حيث شاهدت أشرطة للجيش السوري وهو يلقي براميل متفجرة على الأطفال السوريين «في يوم لم تأت من العمل واتصلت بي بعد أيام وطلبت مني الانضمام إليها في سوريا، وعندما رفض طلقته على الهاتف».
أما هشام، 21 عاما، من بلدة فنديق قرب سبتة التي تقع تحت الحكم الإسباني فقد أصيب برصاص أطلقه عليه قائده وأصابه في ظهره، وذلك عندما حاول الهروب من منطقة سيطرة تنظيم الدولة.. ويقول عمه عبدالقادر الذي يعمل سائق تاكسي عمومي أنهم شرحوا له عندما جندوه بأنه سيكون بطلا.
قال عبدالقادر أن هشام «شرح من السجن متحدثا عن وجود خلية سرية مكونة من ستة أشخاص اعتقلتها الشرطة المغربية. واتصلوا به لأول مرة عندما كان في طريقه لصلاة الفجر» وقالوا له «ستنقذ سوريا وسيسهم ببناء الدولة الإسلامية وسيحصل على وظيفة جيدة ووجد العكس».

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية