ونحن على البر، وحتى لا يتورط الأخ الأستاذ أبو بكر البغدادي، وغيره من القراء الجدد لهذه الزاوية بالقراءة لنا، فيكتشفوا في النهاية أنهم أضاعوا وقتهم الثمين هباء منثوراً فيما يمكن أن يعود بالنفع على الأمة، أود الإشارة إلى أن هذه الزاوية، ومن اسمها «فضائيات وأرضيات»، هي في النقد التلفزيوني، وإذا كنا نخرج كثيراً عن مقتضى الواجب الوظيفي لها، فلأن الفضائيات العربية في الآونة الأخيرة، قد تحولت إلى منصات حزبية، فاستنزفتنا بأدائها خارج دائرة التخصص المهني.
لا بأس، إن دفع الفضول بعضهم للتورط، فقد أعذر من أنذر، وليس لأحد من هؤلاء أن يوجه اللوم لنا إن بددنا الوقت الذي كان يمكن أن يشغله فيما هو نافع وجاد، فهذه الزاوية للتسلية، ومن يريد الصرامة في التناول، فأمامه صديقنا الكبير «محمد عبد الحكم دياب»، جارنا بالجنب في كل يوم السبت، والذي كان سابقاً في الهجوم على مبارك ونظامه، في وقت كانت فيه المعارضة تهاجم الحكومة، لكنه الآن مع عبد الفتاح السيسي بالباع والذراع، مع آن السيسي وبحسب المنطلقات الفكرية لدياب، هو الأسوأ من المخلوع، فقد انحاز ضد الفقراء منذ اليوم الأول له في الحكم، وصار حارساً لأمن إسرائيل، وها هو يقول بالفم الملآن في حوار منشور بصحيفة أمريكية «أن سقوط مصر، يهدد أمن إسرائيل وأوروبا»… ومصر هنا المقصود بها حكمه، ومن قبل اعترض على المناداة بإسقاط النظام، فالدولة هي النظام… تكبير!
يا للهول، فقد أكدت التورط في الفعل السياسي، الذي أريد الابتعاد عنه، بمناسبة فوز «خديجة بن قنة»، في مسابقة « سي إن ان»، بلقب الإعلامية العربية الملهمة.
يُكتب لقبها «قنة»، وينطق كذلك، لكنها حريصة على أن تنطقه «جنة»، بكسر الجيم وتعطيشها، وهي في الضغط على الحرف الأول عند النطق، كأنها تريد أن تؤكد أن قراءته مختلفة عن الشائع على ألسنة العرب العاربة والمستعربة، لكن لا حياة لمن تنادي، فالإجماع منعقد من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر إلى أنه «قنة»، وهكذا حدث التوافق عليه بين عامة العرب وخاصتهم، ولو استجاب عموم القراء لنطقها، لاختلف نطقه من الصعيد، عن وجه بحري، ففي الصعيد يعطشون الجيم، ولا أدري من أين جاء البعض باليقين من أن المصريين جميعهم لا يعطشونها.
جهودي في قضية المرأة
لم أعرف بموضع المسابقة التي نظمها موقع « سي إن إن» عن الإعلامية العربية، الأكثر إلهاماً، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلا بعد إعلان النتيجة. وبهذه المناسبة العطرة فقد تلقيت رسالة من المجلس القومي للمرأة في مصر، يحيي فيه جهودي في الانحياز لقضية المرأة، مع أني لم انحز في يوم من الأيام لقضيتها، لكن على ما يبدو أنها رسالة روتينية، فما دام المرء من الكتاب فحتماً أنه ينحاز للمرأة وقضيتها ولمطالبها العادلة في قضية التحرر، الذي ارتبط في ذهني بموضة «الشعر المنكوش» وهي الموضة التي تم الإعلان عنها في سنة 1984… يا لي من شخص رائع يمتلك ذاكرة حديدية، فلا زلت أتذكر أنه في هذه السنة كانت «الموضة هي الشعر المنكوش».
سأكون سبباً في حملة على المجلس القومي للمرأة، لأنه تورط بإرسال رسالة لكاتب، ليس لأنه لم ينتصر أبداً لقضية المرأة في أي محفل، ولكن لأنه من الأعداء، ومن قبل نظمت وزارة الزراعة في عهد الانقلاب مؤتمراً حضره عبد الفتاح السيسي، وقد راعى انتباه رئيسة تحرير مجلة «روز اليوسف» أن هناك كرسياً ظل شاغراً، وأن الاسم المكتوب عليه هو اسمي، فكتبت هجوماً ضد الوزارة، إذ كيف تخصص مكاناً لإرهابي مثلي بايع أبو بكر البغدادي على المنشط والمكره، وسألت سؤالاً فتاكاً ينم عن عقلية معملية فذة: ماذا لو حضر (تقصدني) ومعه سلاحاً وقتل به رئيس الدولة (تقصد السيسي).
والمسألة لا تستحق هذه الهبة الوطنية المقدرة من رئيسة التحرير التي عينت في موقعها في عهد الانقلاب، وأثار تعيينها هجوماً عنيفاً من قبل الصحافيين بالمؤسسة العريقة لأنها من الاختيار الحر المباشر للعسكر. فمن الواضح أن الوزارة طلبت من المجلس الأعلى للصحافة قائمة بأسماء رؤساء تحرير الصحف بشكل روتيني، وقد وضع اسمي بشكل روتيني، ولو تمكنت من دخول القاعة بمدفعي الرشاش، ومن أجل أن أتعرف بنفسي على الكريم الذي يستخدمه السيسي، فيجعل وجهه يلمع طوال الوقت، وهل هو كريم «كامييل» الذي كنت استخدمه مراهقاً، أم نوع آخر من السلالة ذاتها؟
بعض الإعلاميين في عهد الانقلاب صاروا كما يقول المثل الدارج: «هبلة ومسكوها طبلة»، وليعذرنا القارئ لأننا في هذه الزاوية وبحكم التخصص نتعامل مع هؤلاء، الذين شغلونا عن أن نعطي لبرنامج «في العمق لـ»علي الظفيري» حقه من الاهتمام، وكذلك برنامج عبد الرحيم فقرا «من واشنطن» على قناة «الجزيرة، الذي لا يقل عنه في الأهمية والرصانة. وإذا خرجنا من حالة الجنون الإعلامي بعقولنا سالمة فسيكون هذا فضل من الله ونعمة.
عصية على التقليد
فوز «خديجة بن قنة» بلقب الإعلامية العربية الملهمة للجمهور، ليس خبراً بحسب التعريف القديم للخبر الصحافي وهو ليس في «عض كلب إنساناً»، ولكن في «عض إنسان كلباً». فمن يمكن أن تفوز باللقب إن لم تكن «خديجة بن قنة»؟! التي تمتلك حنجرة ذهبية، تخرج للناس ليس فقط صوتاً قوياً ولكن كلمات جري تلحينها بالداخل، ليقف المشاهد على جمال العبارة حتى لو كانت عادية جداً. ومعظم كبار المطربين أصواتهم خالية من الموسيقى في كلامهم العادي، لكن «بن قنة» تقرأ النشرة فإذا بالخبر جملة غنائية بديعة. وتبدو طريقة قراءتها هي السهل الممتنع فتعتقد أنه بإمكانك أن تقلدها، إن كنت من هواة التقليد مثلي، فتفشل، وإن كان «توفيق شتا» مذيع «الجزيرة مباشر» نجح في هذا.
إنها أشبه بنجاة، فأم كلثوم على عظمة صوتها، ظهر كثيرون لديهم القدرة على تقليدها، والبعض نجح إلى حد كبير، لكن الأمر مختلف مع «نجاة»، فمرة واحدة استمعت إلى مطربة في مسرح الجمهورية كانت تقلدها، وكانت تتصرف مع الفرقة الموسيقية على أنها لهذا «ليمونة في بلد قرفانة»، فلم أسأل لهذا عمن تكون… ثكلتها أمها.
في عالم التلاوة، يستطيع أي قارئ مبتدئ أن يقلد الشيخ «الطبلاوي»، وكثيرون يفعلون، لكن تقليد الشيخ «عبد الباسط» من الصعوبة بمكان، ومن يقلده يفتقد روحه، وربما الوحيد الذي جمع بين الحسنيين في تقليده هو القارئ الإيراني «جواد فروغي».
صوت «خديجة بن قنة» في صعوبة تقليده كصوت «عبد الباسط عبد الصمد»، لكنها ليست صوتاً فقط، فهي النموذج الذي من لحم ودم، على كيف تكون المذيعة، صوتاً، ووعياً، وثقافة، وسرعة بديهة… إنها حالة أكثر منها مذيعة، حتى صارت ماركة مسجلة، ارتبطت بماركة أخرى هي «الجزيرة»، فالمشاهد لا يتخيل أن يشاهدها على شاشة أخرى.
وأعتقد انه لامتلاكها لكل هذه الإمكانيات فإنها ستحبط أي فتاة تتمنى أن تكون مذيعة، إذا ركزت فيها، لكن سرعان ما يتبدد الإحباط، إذا شاهدت «لميس الحديدي»، فالسيدة «أم نحمده» أشهر بائعة طماطم في سوق الخضار، من حقها أن تردد في التعبير عن حالتها بالمقارنة بالحديدي عبارة عادل إمام في أحد أعماله: «بلد شهادات».
الخبر: فوز منى الشاذلي
ليست هذه المرة الأولى التي تفوز فيها «بن قنة» بجائزة، فمن قبل كانت ضمن أقوى عشر شخصيات نسائية مؤثرة في العالم وعلى مدار أربع سنوات، كما أنها فازت في استفتاء مجلة «فوربس» الأمريكية والذي صنفها ضمن عشر نساء هن الأكثر تأثيراً.
ولهذا كله، ففوزها في مسابقة « سي إن إن» ليس خبراً فالخبر في الواقع هو في فوز «منى الشاذلي» بالمرتبة الثانية في هذه المسابقة، حتى وإن كان ما حصلت عليه هو فقط (10) في المئة، وكانت «خديجة» حصلت على 75 في المئة، فمن أين لمنى الشاذلي، وقد انتهت تماماً، هذه النسبة؟، إلا إذا كان التصويت لها تم بدوافع سياسية وحتى لا تفوز باللقب مذيعة قناة «الجزيرة»، وعلى طريقة صاحبة مقال «الآن نبدأ»!
فقد حدث لموقع الكتروني كبير، في اليوم الأول لانطلاق نسخته التجريبية، أن كتبت مسؤولة فيه مقالاً استهلالياً حمل عنوان: «الآن نبدأ»، وكان المقال كله هو بضع سطور، يدور حول عنوانه، وبلغة غير مستقيمة، فقد كان واضحاً أن الكاتبة ليس لها سابق علاقة بالقراءة والكتابة، ومع هذا كانت التعليقات عليه من العاملين تحت رئاستها كـ «رز الخليج»، وعلى قاعدة: «الله يا أستاذة»… «مقال جميل جداً»… «من زمن لم أقرأ مقالاً بهذه الروعة»، ليصبح شغل فريق العمل هو الضغط على المقال ليصبح هو الأعلى قراءة.
كان الموقع قد نشر لي مقالاً، ودخلت مكتب أحد قياداته، في اللحظة التي كان فيها منهمكاً، وألقيت عليه السلام فلم يرد، لاكتشف أنه كان يضغط على مقالي ضغطات متكررة، حتى نجح في أن يجعلني في المرتبة الأولى، وفي اللحظة التي مد يده لي مصافحاً، ارتفع فيها مقال: «الآن نبدأ» وهبط مقالي!
لكن من المؤكد أن لدى «سي إن ان» مانع لتكرار التصويت، ولا يوجد أي مبرر لحصول «منى الشاذلي» على هذه النسبة على قلتها إلا الاحتشاد السياسي، فقد ولى زمانها وكانت ظاهرة مفتعلة، ولم يكن أمامها إلا أن تتحدى الملل بالانتقال في برنامجها من الاهتمام السياسي بعد أن فقدت مصداقيتها المصنوعة في ثورة يناير لبرنامج اجتماعي فني، لكنها لا تزال تتكلم من أمعائها الغليظة، كما لا تزال تغيب عن الوعي لكي تلتقط مفردة هاربة.
الخبر ليس في أن «خديجة بن قنة» فازت باللقب، لكن الخبر هو في أن تكون منى الشاذلي في الترتيب الثاني.
صحافي من مصر
سليم عزوز
مبدع دائما…تحياتى
أهنيء الإعلامية الفذة خديجة بن قنة على هذا الفوز المستحق لأنها تمتلك كل المؤهلات الجديرة بهذه المرتبة من صوت وثقافة وغير ذلك.وهو خبر عادي لأنها
نتيجة منتظرة وليست مفاجئة خاصة لمن يعرف قيمة هذه الإعلامية الكبيرة.
خديجة بن قنة محبوبة عندنا في الجزائر أما الأستاذ سليم واقف مع الحق ندعو له بي ثبات وتألق في حياته المهنية
نعم الصوت هو نِعمة (( يزيد في الخَلقِ ما يشاء )) لكنه مع الحق سيكون نعمة حقيقية ومع الباطل سيكون نقمة يظنها البعض أنها نعمة
سلمت أستاذ وسلمت يمينك . مقالات رائعة