الممثل الأسوأ لقضية عادلة

حجم الخط
2

في الوقت الذي يستعد فيه إقليم كردستان الفيدرالي لإجراء استفتاء تاريخي على استقلاله عن العراق في دولة كردية مستقلة ذات سيادة، أعلنت قيادة «فيدرالية شمال سوريا» عن جدول مواعيد انتخاباتها المحلية المتسلسلة وصولاً إلى انتخاب مجلس عام يمثل الإقليم متعدد القوميات والأديان والمذاهب، بما يتفق مع «الفلسفة الأوجلانية» حول «الأمة الديمقراطية» غير محددة الهوية الثقافية.
وبينما يواجه الاستفتاء الكردستاني تحديات كبيرة تتمثل في عدم رضى الدول المجاورة، وعدم الحصول على ضمانات بالاعتراف بنتائج الاستفتاء ومقتضياته من القوى العظمى والأمم المتحدة، يمضي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في فرض أمر واقع على جميع الأطراف ذات الصلة، مستقوياً بالحليف الأمريكي وبدوره في إطار «الحرب على إرهاب داعش». أمر واقع يتمثل بإنشاء كيان فيدرالي يمتد على طول الحدود السورية ـ التركية، باستثناء جيب «عاصفة الفرات» الخاضع للقوات التركية وحلفائه من الفصائل السورية المعارضة.
وعلى رغم تأكيدات حزب الاتحاد الديمقراطي المتكررة بأن «فيدرالية شمال سوريا» ليست كياناً قومياً كردياً، بخلاف ما يتهمه به خصومه الكثر، فما هو مؤكد أن الكيان المذكور سيكون تحت سيطرة الحزب الكردي المموهة بتحالفات عسكرية عابرة للقوميات في إطار «قوات سوريا الديمقراطية»، ومحمياً من قوات التحالف الدولي.
بكلمات أخرى: هو كيان فيدرالي «أوجلاني» إذا جاز التعبير، أكثر من كونه كياناً كردياً. وتقتصر «كرديته» على تحدر عضوية الحزب من الكرد، مع تقبل تنوع اثني وقومي ومذهبي واسع الطيف ما دامت جميع هذه «المكونات» خاضعة سياسياً للحزب الكردي. هذا المنظور ينطوي على «نية» مكشوفة في تأبيد الحزب في قيادة الإقليم، على مثال الجملوكيات البائدة التي كنستها ثورات الربيع العربي، أو على مثال الدولة الإسلامية التي يعدنا ويتوعدنا بها تيار الإسلام السياسي بكل تنويعاته.
الواقع أن كرد سوريا، مثل أبناء جلدتهم في الدول المجاورة الأخرى، لديهم قضية قومية عادلة يعود تاريخها إلى فترة تفكك الإمبراطورية العثمانية قبل قرن، حين حصلت الأمم الأخرى على دولها المستقلة، بموجب معاهدات دولية، بما في ذلك الجمهورية التركية الحديثة ـ وريثة الإمبراطورية متعددة القوميات والثقافات والأديان، في حين تم تقسيم الأراضي التي يقطنونها منذ قرون بين دول المنطقة حديثة النشأة. والأهم من هذا الحق المبدئي هو الحق المكتسب بنضال لم يتوقف طوال القرن الماضي، كلف الكرد عشرات آلاف الضحايا في الدول الأربع التي تقاسمت بلادهم، في مواجهة سياسات الإنكار والقمع والتهميش والتطهير العرقي. وهذا ما أبقى قضيتهم حية دائماً، وإن كان هذا النضال لم يحقق نتائج كبيرة بالقياس إلى التضحيات الجسام، وإن كانت قضيتهم قد خضعت دائماً لاستثمار دول تعاملت معهم بصفتهم «ورقة» في الصراعات والمساومات والصفقات. وتعرف جميع الحركات السياسية الكردية أنه لا يمكن تحقيق أهداف النضال القومي الكردي المتمثلة، في حدها الأقصى، في قيام كيان كردي مستقل، إلا في ظل توافقات دولية بشأنها طالما كانت غائبة، بصرف النظر عن حجم التضحيات الكردية أو أحقية قضيتهم. ويرى الكرد في الظروف القائمة اليوم، أي منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي وتداعياتها الإقليمية، المتسمة بصراعات دموية كبيرة لا أفق لنهايتها، وبتدخلات إقليمية ودولية قل نظيرها في التاريخ السابق، فرصةً لتحقيق مكتسبات لقضيتهم القومية. فالدول الأربع التي تتقاسم أراضيهم منذ قرن هي في أضعف حالاتها، وبعضها مهدد بالتفكك كسوريا والعراق، في حين تبدو كل من تركيا وإيران في مرمى القوى العظمى كدول أقرب ما تكون إلى صفة «المارقة» بسياساتها غير المرضي عنها في عواصم القرارات الكبرى. فإذا أضفنا ظهور ذلك الكيان المسخ المسمى بالدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، وما شكلته من فرصة للقوى الكردية الفاعلة لإثبات جدية اندراجها في «الحرب على الإرهاب» بالتوافق مع واشنطن وموسكو وبقية «المجتمع الدولي» أصبحنا أمام مشهد يبدو أنه الأكثر اقتراباً من تحقيق مكاسب كردية كبيرة قد تصل إلى قيام الدولة الكردية المستقلة، في العراق أولاً، وربما في سوريا، وبدرجة أقل في كل من إيران وتركيا. أو على الأقل هذا ما تأمل به القوى الكردية ذات الوزن وتسعى لتحقيقه.
بالمقابل تواجه الطموحات الكردية مقاومات متفاوتة، ليس فقط من الدول المعنية وحكوماتها، بل كذلك من التيارات الاجتماعية السياسية في تلك الدول، وهي تيارات قائمة على أساس أيديولوجي قومي لا يسره قيام كيان قومي مستقل لجماعة قومية أخرى، على أجزاء من أراض يعتبرها مقدسة لا يمكن التنازل عنها، مهما بلغت الشروط من تردٍ.
لكن مشروعية تلك المقاومات في نظر نفسها ليست متساوية في كل من العراق وسوريا. فيبدو قيام الكيان الكردي المستقل في شمال العراق أقرب إلى القبول، وإن كان على مضض، في حين هناك رفض مطلق ومتشنج لهذه الفكرة في سوريا. ويعود سبب هذا التفاوت في ردات الفعل، في جانب كبير منه، إلى سلوك الفاعل السياسي الكردي هنا وهناك. ففي الوقت الذي لا يملك فيه خصوم الاستقلال الكردي في العراق أي مآخذ ذات قيمة على قيادة الإقليم، يمنح حزب الاتحاد الديمقراطي، بمسلكه السياسي، خصوم الاستقلال الكردي كل الذرائع المحقة لرفض استقلال لم يدعو إليه الحزب أصلاً. بكلمات أخرى: لقد وضع السياق التاريخي التيار الأوجلاني في سوريا في موقع مسؤولية قومية كبيرة لا يستحقها ولا هو جدير بها، وهو يعمل بدأب على تحطيم عدالة القضية القومية الكردية ويمنح خصومها كل الذرائع المشروعة.
من المحتمل أن الصراعات الإقليمية والدولية على الساحة السورية لن تنتهي قريباً، وإذا كان لها أن تنتهي في الشروط القائمة اليوم، بتسوية مؤقتة، فقد يجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه في موقع القيادة في منطقة واسعة من الأراضي السورية، أوسع من مناطق الكثافة السكانية الكردية، في ظل حماية أمريكية مباشرة لا يمكنها الاستغناء عنها. هذا الوضع من شأنه أن يمنح خصوم النزعة الاستقلالية الكردية أسباباً وجيهة لتشبيه الكيان المفترض بالكيان الإسرائيلي. وهذا يضاف إلى الانتهاكات الفظيعة التي مارسها الحزب الأوجلاني بحق السكان العرب حيثما تمكن، من تهجير قسري واستيلاء على الممتلكات واتهام الناس بالداعشية.
هذه ليست مسالك حركة تحررية تقع عليها مسؤوليات كبيرة لإثبات جدارتها وفرض احترامها على خصومها قبل أنصارها.

٭ كاتب سوري

الممثل الأسوأ لقضية عادلة

بكر صدقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    ان سورية هي وطن للجيمع عرب واكراد وشركس وتركمان وكل الاطياف والمعتقدات الدينية ولا يحق لأحد ان يقتطع منها اي جزء لإنشاء كيانات كرتونية تحت هيمنة امريكية واسرائيلية، لم يقم الشعب السوري بثورته المباركة كي يقسم سورية الى كانتونات بل لإقامة العدل وتحقيق الحرية والمساواة بين جميع افراد المجتمع، ان عائلة الاسد اودت بهذا الوطن الى الدمار لكن الشعب السوري رغم كل الجراح سيبقى حيا والثورة مستمرة

  2. يقول Faroug:

    ألا يكفي الاكراد قي سوريه بأن اثنين ونصف من رؤسائها كانوا منهم ولم يقل احدا بانهم اكراد, لماذا يهرعون للعب دور اسرائيل جديده. وللتذكير فقط ماسم عاصمتهم في تركيا, أليست دياربكر وهل هذا الاسم كردي أو تركي, كفانا نبش في القبور.

إشترك في قائمتنا البريدية