الدراما ليست سوى تمثل لواقع معين، في زمان ومكان معينين لآلام جماعية، ولثقافة أمة ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية، وهي تثبت دائما أنها مؤصلة قادرة على إحداث التغيير .
تمسك الدراما التلفزيونية بيد المشاهد، تجره إلى قلب الحدث ليصبح جزءا منه، كما أنها تحرك الشعوب نحو تحريرها أو إغراقها في غياهب الوهم والفساد وتحييدها عن قضاياها الملحة .
وكما حلل بعض الباحثين بأن حواس المتفرج باستثناء حاستي البصر والسمع جميعها تدخل في حالة نوم عميق الأمر الذي يتيح للخيال المهيج بواسطة ما يتلقاه أن يصبح عرضة لجل صنوف الغزو النفسي والفكري والآيديولوجي والسياسي.
وكما قال أرسطو عن أصل الدراما:«إنها فن التعبير عن الأفكار الخاصة بالحياة، في صورة تجعل هذا التعبير ممكن الإيضاح بواسطة ممثلين».
إذن، الممثلون ومنذ بزوغ الدراما بكل أنواعها، هم الوسطاء الذي يسقطون على النص الدرامي بغرض فك شيفرات الشخصيات الدرامية المكتوبة والتماهي فيها حد الالتصاق .
ولكن بعد أن تسلط المقاولون على عمليات الإنتاج الثقافي في العالم العربي – كما كل أنواع الإنتاجات الأخرى – ضمن موجة التغول الرأسمالي الهائلة، فقد تحوّل الممثل الصورة من وسيط إلى أصل، وكله على حساب النص والسيناريو والمضمون التي تحولت بدورها إلى مجرد كومبارس كلامي يمكن تعليبه وتدويره وإعادة إستعماله كيفما اتفق لخدمة الممثل النجم الأول- الصورة، الذي يرى هؤلاء المقاولون أنّه فقط من يضمن جماهيرية العمل الدرامي، و بالتالي الأرباح المتعاظمة دون كبير اهتمام بالمحتوى.
آخر الأخبار الواردة من القاهرة – مثلاً – تقول إن جهات الإنتاج تتسابق منذ انتهاء موسم رمضان الماضي للتعاقد مع نجوم المسلسلات المصرية لموسم رمضان المقبل، وذلك دون أن يتوفر معظمها على نصوص وسيناريوهات ومضامين مكتملة أو فرق عمل محددة. عادل إمام، محمد رمضان، مصطفى شعبان، ياسمين عبد العزيز وأحمد السقا أصبحوا جميعهم ملتزمين الآن بأعمال لا يعرفونها، لكنها ستعرض على أي حال في الموسم المقبل. و هكذا أصبح العمل الدرامي التلفزيوني الفني – على يد التجار – متمحوراً حول شخصية الممثل الصورة الذي هو في الأصل ليس سوى وسيط، وتحولت الأزمان والأمكنة والقضايا والأحداث إلى مجرد خادم لنرجسيته .
إليكم المزيد منه!
بالطبع ليست العرب وحدها مبتلاة بآفة البطل الصورة الأوحد المتفرد في الأعمال الدرامية، بل ربما أن الظاهرة بمجملها هي جزءٌ من المشهد الراسمالي الطاغي. خذ مثلا مسلسل (ناركوز)، ففي الموسم الأول الذي قدمته نيتفليكس العام الماضي عن حياة تاجر المخدرات الكولومبي الأشهر بابلو إسكوبار، تألق النجم البرازيلي واغنر مورا بدور بابلو، في شخصية لا تنسى أسعدت الملايين عبر العالم، و تحولت إلى قصة نجاح باهرة للمسلسل وللبطل الرئيس. وهكذا لم تقاوم نيتفليكس إغراء تقديم موسم ثان. ولكونها اعتبرت أن مورا سرّ نجاح الموسم الأول، فقد ضاعفت من جرعة ظهور النجم الأوحد في الحلقات العشر الجديدة على نحو تضاءلت معه كل الشخصيات الأخرى في المسلسل، و تحولت إلى مجرد كومبارس ثانوي، رغم أن القصة الحقيقية – وحتى العمل الدرامي نفسه – يتضمن شخصيّات كان يمكن تطويرها لتسند الشّخصية الأولى بدلاً من أن تعيش في ظلّها. وهكذا بينما كان الموسم الأول مكثفاً ودسماً وقادراً على السيطرة على حواس المتابعين، بدا الموسم الثاني وكأنه حلقتان أو ثلاث في زمن عشر ساعات من الهواء!
الانتخابات الأمريكية
لعل أكبر تجلٍ لظاهرة صناعة الصورة للنجم الأوحد دون شديد اعتناء بالمضمون هي الانتخابات الأمريكية التي وكأنها أكبر برنامج تلفزيون الواقع في العالم. بيرني ساندرز – المرشح المحترم السياسي النظيف الذي قدّم أفضل طرح في الانتخابات الأمريكية منذ عقود حول كل القضايا الاساسية التي تهم المواطن الأمريكي – سقط في الانتخابات التمهيدية، وفازت هيلاري كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي رغم أن هذه السيّدة تعاني من فضائح مدويّة وجدل وتسريبات واتهامات. لقد نجحت أدوات الإعلام الأمريكية في صرف الأنظار عن أفكار ساندرز، وتلميع صورة كلينتون. فالناس ومنذ انتشار التلفزيون في أمريكا، لم تعد تعطي أصواتها للقضايا والبرامج، بل لصورة الأشخاص.
سباق الانتخابات الرئاسية المستمر منذ سنتين سيحسم الآن في مواجهات حادة بين المرشحيْن النهائيين: الديمقراطية كلينتون (مدللة المنظومة) والجمهوري ترامب (المثير للجدل). هذه المواجهات ستأخذ شكل جولة مناظرات تلفزيونية يتابعها الملايين في الولايات المتحدة وعبر العالم.
مرحلة المناظرات هذه كانت حاسمة دائماً في تاريخ الانتخابات الأمريكية: في انتخابات 1960 لم يكن أحد تقريباً قد سمع عن جون كينيدي السيناتور عن ولاية صغيرة عندما واجه ريتشارد نيكسون حتى كان موعد المناظرة التلفزيونية الأولى. خلال 60 دقيقة فقط بدا أن هذا الشاب النجم الوسيم قد قلب الموازين وحاز على قلوب الجماهير رغم أن الذين تابعوا المناظرة على الإذاعة من دون هيمنة الصورة المتسلطة مثلاً اعتقدوا أن نيكسون هو الذي فاز بالجولة! وقتها نُقل عن مساعدي كينيدي أنه تحضيراً للمناظرة قضى يومه مسترخياً يكتسب لوناً برونزياً جذاباً قبل أن يحظى بقسط وافر من الراحة، في حين بدا الرئيس نيكسون شديد الإعياء والشحوب بعد فترة من تلقي العلاج في المستشفى. في انتخابات 1980 أيضاً انتصر ممثل مغمور اسمه رونالد ريغان على الرئيس الأسبق جيمي كارتر. في البداية لم يكن أحد يعتقد جاداً أن ممثلاً معتزلاً يمكن أن يسقط رئيساً يتمتع باحترام واسع، لكن أداء ريغان الذي يشبه النجوم المتقن ببريق الصورة أمام الكاميرات في مرحلة المناظرات، وقدرته على تقديم شخصية مسيطرة على انفعالاتها وجديرة بالثقة جعلته يتفوق على الرئيس ويحظى بقلوب و(أصوات) الجمهور.
بالطبع دونالد ترامب شخصية تلفزيونية معروفة، وهو يعرف تماماً كيف يدير صورته العامة على حساب محتواه، وذلك من خلال سنوات قضاها يقدّم برامج تلفزيون واقع مشهورة. لكن كلينتون أيضاً خبيرة محنكة في الحياة العامة منذ لعبت دور السيّدة الأولى في عهد زوجها الرئيس بيل كلينتون وكذلك وزيرة للخارجية ووجهاً للسياسة الأمريكية. وعليه فلن تكون معركة النجمين الصورتين هذه سهلة أبداً. الفريقان الآن يقومان بتحضيرات مكثفة نهائية تتمحور حول الظهور الصاخب لصورة نجم كل فريق، لكن أيضاً تحضير مجموعة من الشعارات البرّاقة لأفكار قد تكتسب شعبية سريعة، سواء حول القضايا المحليّة أو لمواجهة التحديات الرئيسية لتسويقها أمام المشاهدين. لكن أهم التحضيرات في اعتقادي هي تلك الأبحاث السيكولوجية المعمقة التي يقوم بها كل طرف لعيوب ومآزق نجم الطرف الآخر النفسية، إذ يتوقع وبشدة أن تكون المناظرة بمثابة حرب ضغوط نفسية. وسعياً للفوز بالنقاط من خلال ضرب نقاط ضعف الخصم، ودفعه للانفعال وفقدان السيطرة على الحضور واهتزاز صورته أمام ملايين المتابعين حول العالم، والذين سيكونون أكبر حشد على الإطلاق في تاريخ البشرية يتابع برنامج تلفزيون الواقع على الهواء مباشرة، بينما لن تحظى القضايا الأساسية التي يتم انتخاب الرئيس من أجلها باهتمام يذكر وستتراجع إلى خلفية المناظرة. إنه زمن الانتصار الحاسم للصورة على المحتوى، وللشكل على المضمون. أهلا بكم في العالم المسطّح.
إعلامية لبنانية تقيم في لندن
ندى حطيط
” بيرني ساندرز – المرشح المحترم السياسي النظيف الذي قدّم أفضل طرح في الانتخابات الأمريكية منذ عقود حول كل القضايا الاساسية التي تهم المواطن الأمريكي – سقط في الانتخابات التمهيدية، ” أهـ
سقط بفعل اللوبي الصهيوني لأنه أراد حل القضية الفلسطينية بالعدل !
فقد أعلن أن أمريكا لا يجب أن تكون صديقة فحسب لإسرائيل، بل أن تكون “صديقة للشعب الفلسطيني أيضاً”.
ولا حول ولا قوة الا بالله
كلينتون قد اعلنت في بداية السباق بانها لن تخوض تجربة المناظرة مع ترامب .. !!
تناست انه امرا اساسي في سباق الانتخابات
ثم ان امريكا عرف عنها انها بلد العجائب والغرائب
لهذا السبب توقعي ان يحدث ماهو غريب وغير متوقع حدوثه .. وللأسف فالصورة في كثيرا من الاحيان تكون باهته وبلا معنى وغير جاذبه
والعكس قد تكون الصوره مرآه للحقيقة
عندها يستطيع المرء حل بعض الرموز لشخصية ما.
مجهولة وليس من الضرورة مايظهرا من علامات على وجهه الانسان او الحروف الناطقة تكون بوصلة
لفهم شخصية المرء وكما هو الحال مع الممثلين
فمثلا الممثل محمد رمضان ادواره وشخصيته
تلامس شخصية الفنان الكبير الراحل احمد زكي
ولكن من المستحيل ان يحل مكانه او يكون نسخة ثانية له .. فالبشر متساؤن ويتشابهون في شيء واحدا فقط وماعدى ذلك فهم يختلفون تماما عن بعضهم البعض .. وجه التشابه هذا لايكون الا في واحدا من شيئان فقط وهما الخير والشر وماعدى ذلك فهم يختلفون عن بعضهم البعض كليا .
من هنا تأتي الحاجة للجوء إلى لغة الجسد .
فهي عامل مهم قد تؤكد او تنفي اشياء كثيره”
* ليس سرا أن ( المنتج ) للأفلام همه الأول
والأخير ( الربح ) المادي ولهذا يختار النجم
المشهور وخاصة في ( مصر ) كونها
تعتبر هوليود العرب ف الإنتاج الفني.
* ما زلت أفضل المرشحة ( هيلاري )
وعلى الرغم من بعض عيوبها تبقى أحسن
من المهرج المسخرة المدعو ( ترامب ).
سلام
السيدة : حطيط محللة و كاتبة
المهم أن اصحاب المال والأعمال و الإعلام هم الحكام الحقيقيون في عالمنا اليوم . لكن إلى أين يقودون العالم؟!!! ……
اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام