على هامش وفاة المناضل آيت أحمد
المعروف عن آيت أحمد أنه ظل مصراً على شيئين أساسيين: الديمقراطية والوحدة الوطنية، وهو ما لم يتوفر حتى في سدنة النظام بكل أطرافه. لم ينصع آيت أحمد للخطابات الانفصالية لأن كلمته كانت مسموعة وكبيرة، على الرغم من سيل التهم التي رافقته طوال حياته. ولهذا كان يعرف جيداً جدوى خطاباته ويحسبها بدقة.
كان من أكثر الناس إدراكاً لمخاطر الكلمة ولقدراتها البنائية والتدميرية. حتى عندما أوقف المسار الانتخابي، وقبل أن تغرق الجزائر في العشرية الدموية، الحرب الأهلية المدمرة التي أحرقت البلاد والعباد وجرّت وراءها 200 ألف ضحية وأكثر من مليون مشرد عاشوا في العشوائيات على حافة المدن، كان رأيه يومها أن يستمر المشروع الديقراطي كما بدأ، وتشكيل قوة ضغط جماهيرية ديمقراطية ضد القادمين الجدد حتى لا يستفردوا بالسلطة.
والرئيس، من الناحية الدستورية، كان يملك حق حل البرلمان وإعادة إجراء الانتخابات وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة في حالة الاضطرار للدفاع عن الأمن الوطني، إذا تجاوز الاسلاميون القانون ووضعوا البلاد في وضعية الخطر. ونزل يومها آيت أحمد إلى الشارع بمسيرة مليونية حملت شعار الدفاع عن الديمقراطية شاركت فيها كل القوى الديمقراطية. كانت هذه المسيرة عبارة عن ردة فعل بعد الهزة العنيفة التي وضعت في سدة الحكم، الاسلاميين الذين ظلوا، في مناخ مشحون، يهددون كل الناس، وكل الفئات الاجتماعية، من المسؤول إلى الإنسان العادي، بالعقاب، بلغة خطابية يغلب عليها الطابع الانتقامي، بعيدا عما هو قانوني، مما جعل الكثير من الأطراف الديقراطية والعسكرية، تعلن عن خوفها، وترفض وصول الاسلاميين إلى السلطة، لأن وصولهم كان يعني نهاية الجزائر بالخصوص بعد اكتشاف الجناح المسلح للحركة.
نستطيع اليوم أن نفكر بصوت هادئ بعد أن سكت الرصاص، هل كان بإمكان الجزائر أن تتفادى حرائق نيران العشرية السوداء لو تم الاستماع إلى صوت آيت أحمد بخبرته النصالية؟
ماذا لو ترك الاسلاميون يصلون إلى الحكم، وتوحدت كل الفصائل الديمقراطية بما فيها جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية التي كان يرأسها آيت أحمد، وبقية الأحزاب الصغيرة المناهضة لأسلمة الدولة والمجتمع، وبذلت جهداً سياسياً في الدور الثاني للتخفيف من الانهيار الكلي، وتحميل رئيسي الجمهورية والحكومة، مراقبة المسار الديقراطي الذي كان قد وصل إلى سقفه الإيجابي على الرغم من التجاوزات، بتحرير كل المبادرات السياسية والاعلامية؟
هل كان يمكن لهذه القوة مجتمعة أن تلعب دور حائط الصد ديمقراطياً؟
كان يمكن طبعا لو سارت الأمور كما تصورها آيت أحمد بثقله النضالي، أن يتم إنقاذ المسار الديقراطي ووضعه في دائرة اللارجوع. مواجهة الإسلاميين للوضعية الاقتصادية للناس تجعل الخطاب الديني يفقد بريقه وقوته. هناك بعض المؤشرات الأولية التي بينت أن كلام آيت أحمد لم يكن خطأ. بين الانتخابات البلدية والتشريعية (البرلمان) هناك خسارة للإسلاميين تعدت أكثر من مليون صوت، واجهوا يوميات الجمهور الذي كان ينتظر منهم الكثير.
طبعا هذا كله يظل فرضية لأن هذا المسار أوقف ولم يكتب له التنفيذ. مع ذلك، يمكن لهذه الفرضية أن تستقيم في حالة ما اذا لعب الإسلاميون اللعبة الديقراطية إلى منتهاها ولم يفرضوا على الجزائريين نظاماً إسلامياً توتاليتارياً كان يبشر به علي بلحاج، الشخصية الثانية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذي صرح مباشرة بعد نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية، أن الديقراطية قوس فتحته الدولة وسيغلق بعد انتهاء الانتخابات. وبعض خطب الجمعة التي كانت تبث على التلفزيون، ظلت تلح على أنه على الجزائريين أن يغيروا من ملبسهم ومشربهم. اضافة إلى عمليات غلق المسارح ودور الثقافة واعتراض الشباب بالخصوص الفئة الشبابية وطلب وثائق تثبت طبيعة العلاقة الشرعية بين الشاب والشابة وتسمح لهما بالسير معاً في الشارع، من طرف الميليشيات الاسلامية. وبدأت معالم الفرقة تظهر، حتى قبل وصول الحركة الاسلاموية إلى السلطة بشكل فعلي، وبدأ جناحها المسلح يعلن عن وجوده في المناطق الحضرية الكثيفة والغابية، وبالخصوص التنظيمين الكبيرين الجيش الاسلامي للانقاذ والحركة الاسلامية المسلحة، مما كان يشي بأن البلاد مقبلة على مغامرة غير مأمونة. وأنها على أهبة الوصول إلى حرب أهلية مدمرة. وبدأ التململ في كل مؤسسات الدولة التي بدأت تتعرض لضغوطات كبيرة، فكان الخيار الثاني قبل انفجار المؤسسة العسكرية من داخلها. وكانت المغامرة هنا أيضا غير محمودة. فانتهت الأوضاع الملتهبة أصلاً إلى حرب أهلية شديدة القسوة، أعادت النظام القديم إلى الواجهة، بالخصوص بعد اغتيال رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد بوضياف، الذي كان بإمكانه أن يدفع البلاد إلى الامان وتغيير ممارسات الحكم، لكنه كان آخر الرومنسيين السياسيين. لأن فساد التسيير كان متأصلاً. فالمصالح المالية والريع النفطي والمحسوبية كانت ثقيلة، كانت ثقيلة ومن الصعب حلها بالطرق السلمية.
الحرب الأهلية القاسية أبعدت كل الحلول السلمية. ولكن مع بوضياف كان يمكن اختزال المأساة الجزائرية التي لم تتوقف إلا عندما احترق الكثير ممن صنعوها ولم يقدروا مهالكها. الشيء الوحيد في رحلة الدم أن البلاد خرجت بوحدتها الترابية. لكن بأحقاد كبيرة وبنظام متشبث أكثر من أي زمن مضى، بمصالحه الريعية وبنفس الممارسات القديمة التي ظل آيت أحمد يعمل من أجل حلها ديمقراطياً، ولم يفلح، إلى أن أنهكه المرض واعتزل السياسة نهائياً. فهو شخصية تراجيدية بكل المعنى الإغريقي للكلمة، فقد ظل على خياراته الديمقراطية حتى انه اختار الدفن خارج مربع القادة التاريخيين ومناضلي الثورة الأوائل الذين صنعوا جزءاً مهماً من تاريخ الجزائر الحديث.
هل أصاب آيت أحمد في هذا الخيار الأخير، في وقت أنه لم يعد ملكاً لذاته، لكنه إيقونة وطنية، وملك للجزائر كلها. كان في النهاية خياره إذ لا يريد أن يجعل النظام من موته فرصة لتبرير عجزه الوطني. أعتقد، مع بعض التفاؤل، أنه سيأتي يوم ويلتحق آيت أحمد بمقبرة العالية، بالمجموعة التي كانت مثله تماما، وخسرت حياتها في المنافي. الأمير عبد القادر. النواري بومدين. أحمد بن بيلا الذي قضى نصف عمره بين السجن والمنافي. كريم بلقاسم مهندس اتفاقيات إيفيان الذي اغتيل في ألمانيا. عبان رمضان الذي لم يعرف له قبر بعد أن صفاه رفاق السلاح. خيدر الذي اغتيل في اسبانيا. بوضياف الذي قتل امام الجميع، والباقي، شهداء لم يجدوا قبورا لهم في أرض ماتوا من أجلها مثل عميروش والسي الحواس، اللذين ظلت رفاتهما سجينة مقر وزارة الدفاع مدة طويلة لأسباب مجهولة، حتى حررهما الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد ودفنا مع رفاقهما في مربع الشهدا، في مقبرة العالية.
تراجيديا ثورة لم يكتب لها أن تذهب بعيداً في رهاناتها بسبب الحسابات اللاتاريخية والأنانيات القاتلة. حسابات لا تزال مستمرة إلى اليوم.. للأسف.
واسيني الأعرج
الإسلاميون وضعوا البلاد في خطر؟؟!!!
الإسلاميون أنتخبهم الشعب ليحكموه ، وليس من حق أي كان أن يكون وصيا على الشعب مهما كان إختياره ، فالشعب أدرى بمصلحته .
قيل مرة لرئيس وزراء هولندا الست قلقا من ان تتحول هولندا الى دولة اسلامية؟ قال لما لا اذا كانت تلك ارادة الشعب. هذه هي الديموقراطية
أتفق مع الكاتب على العنوان، ولكني أختلف مع الكاتب في طريقة الطرح والتحليل، لماذا؟ لأنّ من وجهة نظري جلد الذات شيء حاربه الإسلام عكس الكاثوليكية والصوفية والشيعة تعتبره شيء ضروري، لمعالجة عقد النقص بسبب الفلسفة وموضوع الشك الذي بُنيت عليه، بحجة هي طريقها إلى الوصول إلى اليقين،
بينما النقد دعمه الإسلام من خلال مفهوم الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، وأصلا المثقف والسياسي في دولة الحداثة موقفه المعادي للإسلام بسبب أنّه ضد مفهوم النقد بكل أنواعه، لأنه يظن أنّ النخبة يجب أن تكون فوق النقد أي القانون.
إشكالية الديمقراطية هي في أنَّ التسويق السياسي لا يعترف بشيء اسمه المصداقية، بينما التسويق التجاري لا يمكن أن ينجح بدون شيء من المصداقية.
إشكالية الديمقراطية في مفهوم اتغدى به قبل أن يتعشى بي، فالدولة العميقة كل همها هي التنبؤ بنية الـ آخر، المنافس لثقافة الـ أنا التي تمثلها النخب الحاكمة للنظام البيروقراطي.
إشكالية الديمقراطية في العولمة وأدواتها التقنية بسبب طبيعتها التجارية ففرضت مفاهيم الشفافية والاعتماد على الآلة في الإدارة اللامركزية.
إشكالية بيان حقوق الإنسان للأمم المتحدة على مستوى الفرد، هو مفهوم لن تكون إنسان لك حقوق ما لم يكن لديك أوراق صادرة من جهة تعترف بها الأمم المتحدة وإلا لن تكون لك حقوق الحيوان في تلك الدولة.
إشكالية بيان حقوق الإنسان للأمم المتحدة على مستوى الأسرة، هو عدم الاعتراف بها كأصغر وحدة في المجتمع تمثل العلاقة ما بين الـ أنا (الرجل) والـ آخر (المرأة).
ولذلك كيف سيكون هناك أي معنى أخلاقي ذو أي مصداقية داخل أي دولة تحارب الأسرة؟! ومن هنا أزمة تناقض المثقف والسياسي في دولنا بغض النظر كان ملحدا أم مؤمنا بأي شيء إن شاء الله البوذية أو الكونفوشيوسية وليس فقط اليهودية والمسيحية والإسلام.
ما رأيكم دام فضلكم؟
للأسف كثيرا من الإسلامين يريدون الديمقراطية للسيطرة على الحكم وهم يعتقدون أن لهم الحق في السلطة دون غيرهم في المقابل انتظرت الشعوب العربية كثيرا وصبرت على أمل أن ترى الأنظمة الحاكمة تقود البلاد بأمان إلى طريق الدولة المعاصرة فإذا بها تتحول إلى أنظمة قمعية مستبدة تسرق الوطن وتقتل الحرية والكرامة ومن ثم تشير إلى خطر الإسلاميين في انهم الأسوأ وأنهم أي هذه الأنظمة البائسة هي أهون الشرين إذا نحن العرب جميعا في أزمة حقيقة للنظام السياسي لا خلاص منه إلا بالتغيير السليم أي الليّن لكن للأسف القوى الكبرى صاحبة المصالح هي التي تقف عائقا أمام هذا الطريق وقد يبدو الحل مستحيلا لكن إ رادة الشعوب أقوى عادة من الأقدار التي تفرض عليها وما الربيع العربي إلا خطوة رغم القوى التي وقفت في وجهة أكانت الإسلامية المتشددة أو الأنظمة القمعية التي شعرت أن نهايتها قادمة لا محاله