الموسيقى أولا

حجم الخط
3

ما سبب وجود أصوات جميلة لدى قلة من الناس؟ هل الطبيعة هي التي تمنح سمات مضافة للبشر مثل المواهب والأصوات والقدرات المتميزة أم الخالق؟
إذا كانت الطبيعة فلم يخرج وأحد متميز من كل عشرة الآف من البيئة نفسها فقط؟ كم شخصا يعرف قيمة ما يملك من الموهبة، ويحترم تلك القيمة ويمنحها فضاءها الذي يجب أن تنمو وتتطور خلاله؟ ما دور المؤسسات الثقافية في تطوير قدرات الإنسان في مجالات الإبداع وأخص منها الموسيقى؟ كيف يقتنع القطاع العام والخاص عربياً في أن دعم الفنون سيعود عليه بالنفع المؤكد كما يحدث في العالم المتقدم؟ هل الأموال وحدها قادرة على تطوير المواهب، أم الرؤية التي يجب أن تسبق، ومع المال يمكن وضع الأمور في نصابها؟ كم موهبة عظيمة ظلت طريقها لأسباب مختلفة اجتماعية ودينية واقتصادية وسياسية؟
ما هو العمل العربي الوحيد رسمياً الذي يعمل على اكتشاف حقيقي للمواهب في المدارس والمصانع وصولاً إلى كل أركان الحياة؟ هل البرامج التلفزيونية التي تتوخى الربح الكبير كافية وحدها لضخ مواهب وأصوات حقيقية؟ هل يستطيع الجميع الوصول إليها وتحقيق أحلامهم؟
دور المدارس من الابتدائي للجامعة هل هو قادر فعلاً على تحقيق فعل بسيط مما ذكرت؟
لماذا نتكلم عن تردي الذوق ولا نتكلم عن أسبابه؟ أليس التشخيص جزءا من الحل؟ لماذا يستطيع المولود في الغرب تحقيق أحلامه بدون شهادات ومهما كان متأخراً، ولا يستطيع أبن العالم العربي ذلك؟ أليس الخلل في النظام الاجتماعي والتربوي؟ من يملك الحلول إذا كان أصحاب التخصص غير معنيين ولا يُسألون؟
إذا أردت أن يتعلم ابنك أو ابنتك بعض الفنون بشكل سطحي جداً فعليك أن تلجأ للمدارس الخاصة وتدفع مبالغ كبيرة، ولكن لا شيء مضمونا حتى في أغلاها قسطا وثمناً. لماذا نتساءل عن تنامي الإرهاب في عالمنا العربي بعيداً عن مناقشة الوضع الثقافي الذي أدى لذلك؟
متى يتم وضع خريطة نقول بعدها بخمسة عشر عاماً سيكون لدينا جيل جديد يمتلك ثقافة لا بأس بها تمنعه من أن يفّجر جسده في ريعان شبابه، لأجل غربان متخفين يلعبون بتوجهاته، من دون مقاومة؟ إذا كانت الموسيقى تسمو بالنفس وتهذبها وتهدئ من روعها، وهذه حقيقة، إذن لماذا لا تكون جزءًا من الحل ضد كل هذا العنف والتطرف؟
كل هذِهِ الأسئلة والكثير منها ما زال بحاجة إلى أجوبة عملية قابلة للتطبيق والنفاذ، قلنا مراراً وكررنا كثيراً أن التعليم بكل أشكاله العلمية والمهنية والفنية سيكون فقط هو الحل، مع وجود رؤية لتوفير فرص العمل للخريجين، خصوصاً أن أغلب دولنا لم تكتمل بنيتها التحتية حتى ومازالت بحاجة لليد المتعلمة في كل المجالات، أما مجال الموسيقى فهو مفيد وممكن أن يكون بعيداً، مضافاً مع الجراح والقاضي والضابط والمعماري والشاعر والمفكر، وغيره من التخصصات، فهو فن متاح للجميع ولكن عدا الموسيقي المحترف لأنه يحتاج كل حياته ليكون مهماً. أليس اهتمام أفلاطون وشوبنهاور والفارابي وأرسطو وابن خلدون وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين، بالموسيقى سبباً كافياً لكي تكون محط اهتمام الجميع، كون النخبة من العلماء تفكر غالباً نيابة عن العامة وتمنحهم الخلاصة التي، على الأقل، يصبح تنفيذها يبقى على الآخرين لزاماً تقتضيه الضرورة.
كل الفنون ندركها في حينها ونعلم ماهيتها وبمجرد أن تدركها العين تصبح معلومة، إلا الموسيقى تُدرك بالتعاقب الزمني المتواصل وتتطور علاقة السمع من مرة لأخرى، ومن زمن لآخر، وتحتفظ الموسيقى بذاكرة محيطيها وزمانها، مثلاً أين سمعتها أول مرة من كان معك وفي أي مكان وكأنها تؤسس لذاكرة خاصة بها في مكان ما في عمق العقل.
أخذ الصوفيون الموسيقى وذهبوا بها وذهبت بهم إلى مناطق غير مأهولة، روحياً وفكرياً، لم يكن اختيارهم لهواً وهم من نذروا أعمارهم حباً بالخالق، لكن وجدوا فيها ما يقربهم منه، والغريب أن هذا الفعل الموسيقي وتأثيره كان قبل التوحيد وبعده، في معابد بابل، وطرق عبادة ملوك فيها وكل طرق العبادة كانت عبر الموسيقى، وتلك بداية لروحانية الموسيقى، التي وصلت ليومنا هذا، ولم نسمع عمن يقول عكس ذلك، إلا عندما عّم الجهل في بعض المنابر، والفوضى استحكمت في الكثير من مفاصل الحياة، ومنها ما وصل لحد التحريم، الذي لم يستند لشيء محكم غير آراء بعض المتطرفين، علماً أنه في قصص الأنبياء الكثير من الأمارات الواضحة للموسيقى، حتى في الجنة. يُذكر أن هناك شجرة بكرات بلورية تجري عليها الرياح وعندما تصطفق ببعضها بعضا تخرج أصواتاً لم يسمع مثلها لا الإنس ولا الجان، ومزمار داوود وغيرها من الشواهد لكننا تركنا فؤادها على الروح ورفعتها وسموها وذهبنا إلى سوء استخدامها، الذي يشبه أي شيء سيئ في الحياة، وكل المهن ممكن أن تكون نافعة وضارة إذا أسيء استخدامها.
تبقى الموسيقى حسب تجربتنا الشخصية أفضل ما يمكن أن نغيّر من خلالها نفوس الناس للأفضل، وتبقى الشكل الروحاني الذي أبدعه الإنسان ليكون الأكثر سعياً للكمال.

موسيقي عراقي

نصير شمه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مصر القاهره..محمدعبدالوهاب:

    استاذنا الفنان Naseer shama فى احد اللقاءات الاذاعيه مع موسيقار الاجيال محمدعبدالوهاب اعجبنى رايه ((فى علاقه الموهبه بالعلم فالموهبه لابد من تحصينها وتدعيمها بالعلم لتضمن الاستمراريه وبدونه تصبح الموهبه كفقاعة الصابون مهما لمعت سرعان ماتختفى وهذا فى رايه يفسر ظهور ولمعان مواهب جيده وعلى الرغم من ذلك سرعان ماتختفى لاعتمادها على الموهبه فقط))..وهذا يؤكد اهمية المؤسسات الثقافيه فى تدعيم المواهب الجيده وتطويرها ولسيادتكم تجربه رائده فى انشاء بيت العود العربى بمصر حيث افرز الكثير والكثير من عازفى عود متميزين بعد ان كادت هذه الاله الموسيقيه ان تندثر بل وتطورت تكنيكات العزف عليها هذه المواهب اللتى كان يمكن الا نسمع عنها لولا صرح بيت العود العربى..وختاما ان المؤسسات الثقافيه لها دورها العظيم ف اكتشاف المواهب وتطويرها ونشكركم لهذا المقال الرائع…محمدعبدالوهاب

  2. يقول أفانين كبة . مونتريال ، كندا:

    في الوطن العربي وبصورة عامة لا يعيرون أية أهمية جادة للموسيقى والفنون بأشكالها،كذلك بالنسبة للنشاطات الرياضية، وينظرون اليها على انها من الكماليات . السبب هو قلة الوعي بأهميتها وتأثيرها الأيجابي على حالة الانسان العقلية والنفسية ،والتي هي ايضا لايعيرون لها اية أهمية . في الدول الغربية تجد حتى رؤساء الجمهورية والوزراء يفتخرون بأن لهم هوايات يًمارسونها ، سواء ان كانت في الموسيقى والغناء أوالفنون الأخرى ، كذلك الألعاب الرياضية .
    المفروض ان تؤخذ الموسيقى والفنون بنظر الاعتبار و تكون جزء من المناهج الدراسية كما هو الحال في الغرب ، لأن في تلك المرحلة لا بد من ان تظهر بعض العلامات والميول الفنية للطلبة قد تتطور و تستمرمعهم .

  3. يقول مهدي أشكناني - الكويت:

    انته تخيل استاذ نصير انا عايش في بيئه عائلتي كلها من طرف أبي وأمي تحرم الموسيقى، وانا اشتغل مدرس تربية فنية، كل أساتذة الفن زملائي عندهم الموسيقى حرام كلهم بلا استثناء وهم معلمين الفن ويروني منحرف كذلك أهلي، عموما عزف العود عندنا من أكبر الآثام بل هي اكبر دليل على انحراف الانسان عندنا، التفكير الفلسفي في بيئتي كفر وشرك، الفنون عندنا هي اهواء ومزاجيه ويجب الابتعاد عنها لانها تلهي الانسان، انا لمن اسمع كلامك بمقابلاتك او اقره مقالاتك استاذي ما تصدق ابكي مثل الطفل، انا سلبي يمكن بس حاليا لان تعبان وايد فأعتذر

إشترك في قائمتنا البريدية