ام الله ـ «القدس العربي»: دخلت الهبة الشعبية الفلسطينية شهرها الثالث بقوة أكبر من البدايات. وهو ما يعني أنها مستمرة دون توقف كما توقع البعض الفلسطيني. أو حتى التوقعات الإسرائيلية التي اعتقدت أن «التسهيلات» أو الرشاوى الاقتصادية قد ترضي الشارع الفلسطيني الغاضب من الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته بحق الفلسطينيين ومواصلة القتل والاعتقال والتعذيب ضدهم.
وقد وصلت حصيلة الشهداء حتى ساعات ظهر السبت إلى 113 شهيداً بينهم 25 طفلاً وطفلة و5 سيدات بحسب إحصاءات رسمية من وزارة الصحة الفلسطينية فيما أصيب أكثر من 15 ألف فلسطيني ثلثهم أصيب بالرصاص الحي وأعداد أخرى بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
وعلى صعيد الشارع الفلسطيني لا أحد يتحدث عن توقف الهبة الشعبية، فهي مستمرة وبقوة وتتسابق المدن والقرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية في نقل الثقل عن بعضها البعض في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فالهبة الشعبية انطلقت لأجل الأقصى واشتعلت في القدس المحتلة ثم حملت مدينة الخليل الثقل الأكبر كي تستريح القدس ثم رام الله وبيت لحم ونابلس وطولكرم وقلقيلية وجنين وكافة المحافظات الفلسطينية.
وتحاول السلطة الفلسطينية السيطرة على الأمور وإن بشكل غير مباشر. فقد تدخلت لتهدئة المواجهات في جامعتي فلسطين التقنية «خضوري» قرب طولكرم وجامعة القدس في «أبو ديس» للحفاظ على الصروح التعليمية بعد هجمات للاحتلال داخل الحرم الجامعي وتخريب ممتلكات بشكل متعمد ما حدا بالجميع التدخل وتهدئة الأمور في محيط الجامعات وهو ما أثر على اشتعال المواجهات مع الاحتلال في أكثر من محور. كما لوحظ انتشار أكبر للأجهزة الأمنية الفلسطينية على نقاط التماس الرئيسية في عدة محافظات فلسطينية لكن الأبرز كان شمال مدينة البيرة المعروف باسم «مستوطنة بيت إيل» الإسرائيلية حيث تشتعل المواجهات بشكل يومي منذ انطلاق الهبة الشعبية الفلسطينية وهو ما أدى لعدم حدوث مواجهات مع الاحتلال في أول يوم جمعة منذ الهبة الشعبية. وبالرغم من أن الشارع الفلسطيني يعرف تماماً أن مهمة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية قد فشلت إلا أنه يستغرب استمرار السلطة الفلسطينية في حال الانتظار غير المبرر لما قد يستجد سياسياً بدل العمل الجاد على الجانب السياسي في المحافل الدولية ضد الجرائم الإسرائيلية التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني من إعدامات ميدانية وغير ذلك.
وحتى بعد أن أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقال إرهابيين يهود متهمين بحرق منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما الفلسطينية ما أدى لاستشهاد ثلاثة من أفراد الأسرة الأربعة، إلا أن إسرائيل عادت وأعلنت أن لا أدلة كافية لمحاكمتهم. وقد بدى الأمر واضحاً أن الأمر تم لاسترضاء الرأي العام الدولي الغاضب على إسرائيل كما أنها تحاول تفادي الأضرار التي لحقت بها جراء وسم الاتحاد الأوروبي لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية.
ويعتقد الشارع الفلسطيني أن السلطة ما زالت تماطل في التوجه الجدي للمحكمة الجنائية الدولية أو غيرها من الهيئات الأممية لمحاسبة إسرائيل دولياً حتى بعد فشل مهمة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري. والأمر الذي لا يفهمه الشارع حتى الآن من هكذا مماطلة أو انتظار مشروع سياسي جديد قد يعيد الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات رغم التضحيات الكبيرة.
وعلى الجانب الإسرائيلي فإنها تواجه بالفعل أصعب المواقف الأمنية التي تتعرض لها أجهزتها العسكرية والمخابراتية حتى الآن وبشكل أكثر تعقيداً من الانتفاضتين الأولى والثانية. وأكثر هذه الأمور تعقيداً أن 99 في المئة من العمليات الفدائية الفلسطينية عبارة عن عمليات فردية يصعب التنبؤ بها أو في وقت حدوثها أو مكانها. وقد تميزت العمليات الفلسطينية أنها تحدث في كل مرة في مكان أبعد ما يكون عن التوقعات الإسرائيلية وحتى الفلسطينية.
وعلى صعيد التنظيمات الفلسطينية سواء المنضوية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية أو الإسلامية منها مثل حماس على وجه الخصوص فإن الشارع يبتعد عنها أكثر وأكثر. حتى أنه سُمعت أصوات تسخر من بيانات الفصائل الرنانة مع قرب انطلاق كل الفصائل الفلسطينية من بداية العام الجديد وفي شهري شباط/فبراير وآذار/مارس أيضاً. وكيف يعتمد خطاب هذه الفصائل على ما حققته سابقاً وما زالت تمجده دون الالتفات للجماهير الغاضبة حالياً أو محاولة مواكبتها واحتوائها والعمل معها وبها.
المزعج بالنسبة للشارع الفلسطيني أن لا مشروع سياسيا فلسطينيا واضحا لا دولياً ولا حتى على صعيد الأجندة الداخلية الفلسطينية. فالمناوشات مستمرة بين حركتي فتح وحماس ولا يبدو أن هناك مصالحة في الأفق وكانت القضية الجديدة التي أثارت الشارع الفلسطيني هي «معبر رفح» والذي فتح ليومين بعد إغلاق لشهور طويلة وأدى إلى إطلاق هاشتاغ فلسطيني تحت عنوان «سلموا المعبر» والمقصود أن تسلمه حماس للسلطة الفلسطينية كي يتحرك الغزيون بشكل طبيعي ويعيشون حياتهم.
أما على الصعيد الدولي فما يزعج الشارع الفلسطيني أن السلطة أعادت طلبها إلى فرنسا بتقديم مشروعها إلى مجلس الأمن الدولي والهادف لتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والعودة إلى طاولة المفاوضات حتى بعد تجربة قالت عنها القيادة الفلسطينية أكثر من مرة أنها كانت تجربة «عبثية» من المفاوضات دون نتائج على الأرض. وبالتالي لا يجد الشارع منطقاً من عدم تقدم القيادة الفلسطينية بخطوات حاسمة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتطرف الإرهابي اليهودي بحق الفلسطينيين خاصة بعد سقوط العدد الكبير من الشهداء والجرحى الفلسطينيين خلال وقت قصير مقارنة مع ما كان يجري في الانتفاضتين الأولى والثانية.
فادي أبو سعدى