الهجوم الكندي: مقدّمات ونتائج

حجم الخط
22

تواترت الإدانات العالمية من كل حدب وصوب للهجوم الذي تعرّض له مسجد في محافظة كيبيك الكندية وأدّى إلى مقتل ستة وجرح ثمانية، ولكنّ تصريح رئيس وزراء كندا كان مدهشاً في وضوح وبيانه حين قال إن الهجوم إرهاب على المسلمين، وهو أمر لم يعتد المسلمون، الذين يوصفون مع كل مطلع شمس ومغربها بالإرهاب، وينكّل بهم في المطارات، ويمنع 220 مليونا منهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية في قرار فريد في فظاظته وشموليته وغبائه.
وبعد أن ذكرت وسائل الإعلام أن الهجوم نفذه كنديان، وأن أحدهما من أصل مغربي يدعى محمد خضير، أكدت الأنباء لاحقاً أن المشتبه به الرئيسي هو ألكسندر بيسونيت، وقد قام المذكور بالاتصال بالشرطة بعد تنفيذ الاعتداء وقام بتسليم نفسه، وقالت الأنباء إن المشتبه به طالب في جامعة قريبة يدرس العلوم السياسية!
من الصعب التأكد، قبل إجراء التحقيقات الرسمية، من الدوافع المباشرة للهجوم على المركز الثقافي الإسلامي في المدينة الكندية ولكن الجوّ العام الذي يحيط بالكرة الأرضية والذي يتعلّق بالمسلمين، وكون الهدف المهاجم مسجدا ومصلّين مسلمين كانوا فيه، واستخدام السلاح الناريّ الذي يهدف للقتل، كلّها عناصر تربط الحدث بالتحريض السياسي والإعلامي الكبير الذي يتوجّه، من دون مواربة، باتجاه المسلمين في العالم.
إن لما يحصل حاليّاً في العالم جذورا عميقة ضاربة في تاريخ العلاقة بين المسلمين، من سكان ما يسمى الشرق الأوسط، وتتغذّى على أحداث كبرى فعلت فعلها ليس في السياسات الراهنة وحسب، بل في مخيال ومعتنقي الأديان السماوية التي نشأت في المنطقة.
في نواة هذا المخيال المعقّد والمتشابك تقبع حروب الفرنجة للاستيلاء على فلسطين والمشرق العربي والتي سمّاها الغرب بالحروب الصليبية، وكذلك حروب استعادة الأندلس من المسلمين، وإسقاط العثمانيين للامبراطورية الرومانية الشرقية (بيزنطة) ونفوذهم في البحر المتوسط ووسط أوروبا الذي أوصلهم مرتين إلى أسوار فيينا، وهو مسلسل استمر مع احتلال فرنسا للجزائر وبلدان المغرب، وسوريا ولبنان، واحتلال بريطانيا لفلسطين ومصر والعراق، وانتهاء بالانتداب الإنكليزي الذي أفضى لنشوء إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية وما استتبعه من حروب لا تنتهي تقبع في جذرها، ولدى كل الأطراف، كل الاشتباكات التاريخية والدينية والسياسية التي حصلت خلال أكثر من ألفي عام، ويجد المتديّنون وغير المتدينين فيها أسباباً ومعاني قديمة ومستجدة لكل ما يحصل.
وقد قدّم استقرار الاستبداد العربيّ، العسكريّ منه الذي يدّعي التقدمية والاشتراكية ويبطن تغوّلاً وحشياً مذهلاً ضد شعبه، أو المحافظ الذي يلتحف بالشريعة ويحاول تدوير الزوايا بين الحداثة والاعتدال، مع نزعات الغرب المستمرة لإعادة الاستعمار واجتياح بلدان جديدة بدعوى مكافحة الإرهاب، ودعم الاستيطان الصهيوني في فلسطين، والتحالف القارّ مع أنظمة القمع، وصفة مذهلة لرفع درجة التوتّر العالي بين الثقافات والأديان والحضارات، وجعل كلمة الإرهاب تتناظر، لدى الأنظمة والغرب، من دون مواربة، مع الإسلام نفسه، يقابله، لدى اتجاهات كـ«الدولة الإسلامية» و«القاعدة» لشيطنة الغرب بأكمله، واستعداء تياراته الديمقراطية والقيم الإنسانية العميقة التي حملها، وجعله «صليبيا» و«كافرا»، وامتدّ هذا التعميم إلى الجسد الإسلاميّ نفسه، فصار السيف ذا حدّين، الأول ترفعه الاتجاهات العنصرية الغربية، ويشيطن المسلمين ويجعلهم إرهابيين بدون استثناء، والثاني ترفعه الاتجاهات الجهادية المتطرفة، ويشيطن الغرب وأي شبهة للعلاقة معه، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
وجد هذا الصراع المجنون ضالّته الكبرى في أشخاص مثل ترامب وبوتين والاتجاهات والشخصيات العنصرية في الغرب كمارين لوبان وخيرت فيلدرز، من جهتهم، وأقطاب الطغيان والاستبداد السياسي والديني والطائفي كالأسد والسيسي ونوري المالكي والبغدادي، من جهتنا، وهذا الهجوم على المسجد في كندا ليس إلا إنجازاً من إنجازات هؤلاء وشرارة من نيرانهم التي لن تتوقف إذا بقي العالم على ما هو عليه الآن.

الهجوم الكندي: مقدّمات ونتائج

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    قبل عدة سنوات قام شخص نرويجي بتفجير مبنى الحكومة النرويجية ثم قتل 77 من المراهقين بإحدى الجزر النرويجية بدم بارد
    ومع هذا لم تُطلق عليه كلمة إرهابي !
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول حسين المغرب:

    فقط لتصحيح المواطن المغربي برئ من تهمة المشاركة لكونه فقط شاهد وبالتالي فهو لم يشارك في هذا العمل الفظيع اذ كيف لمواطن مسلم ان يقتل انسانا كيفما كان حتى دواب الارض حرام قتلها بغير سبب فكيف بمن يقتل انسان فضلا عن ان يكون مسلما

  3. يقول عبد الحميد ناصر:

    المقال بمجمله سليم ولكن من يشيطن المسلمين هم غالبا منهم من منظمات ارهابية الى دول وطغاه تدعم الارهاب باسم محاربة الشيطان الاكبر

  4. يقول صوت من مراكش:

    لا علاقة لحروب التوسع الامبراطورية لا بالمسيحية و لا

    بالاسلام فروما بتمددها كانت قائمة قبل تمسيحها

    1. يقول سلطان محمد-امريكا:

      مع الاسف كلامك غير صحيح تماما يا صوت من مراكش. نعم تمددت روما قبل المسيح لكن الغرب لاحقا جعل المسيح ع ذريعة ومبررا ورمزا للغزو الاستعماري وسرقة شعوب الارض .ماذهب اليه الكاتب صحيح ولكن الكاتب المطلع لم يذكر تحالف الكنيس الارثوذوكسي (بيزنطة) في روسيا مع الصفويين لقتال العثمانيين بعد فتح القسطنطينية ولايقاف زحف العثمانيين المسلمين نحو فينا وذلك بفتح جبهة ثانية في الشرق والعراق نعم العراق وليس غيره. شكرا للنشر

  5. يقول م . حسن .:

    متطرفون سياسيون , من حوارى نيويورك ولندن وباريس .. , وإعلاميين غربيين دأبوا علي تشوية أفكار الشباب الغربي الذى لا يعرف جذور الأحداث البشعة التي تجرى في بلاد العرب ودول شمال المتوسط وأمريكا , مهمة هؤلاء الإعلاميين نشر الكراهية والعداء الديني وإشعال الحروب لإختلاق الإرهاب بين الجيران من عرب وغربيين علي جانبي المتوسط , لتبرير سرقة الأراضي العربية الخصبة وما تبقي من ثروات في صحراء قاحلة .
    لقد بدأ عصر الحرية والإستقلال العربي , ورفض التبعية للغرب التي إستمرت قرون طويلة , وهو مايقلق الطامعين ولصوص الأوطان .

  6. يقول الحالم:

    ياحبيبي ياسيدي لقد مرغتم المسلمين في التراب بأحداث العراق وسوريا واليمن وليبيا هل بقي مسلم في العالم يتجرأ على رفع رأسه لقد اصبح المسلمون اضحوكة في العالم فادا كان هدا قصد من اشعل الخراب والدمار فأقول لهم برافو لقد كان نجاحكم باهرا لقد قتلتم ما لم يقتله احد غيركم فيكم هل ارتويتم من دم ابناء عشيرتكم العيب في مشعلي الفتن

  7. يقول ع.خ.ا.حسن:

    
    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه
    (الهجوم الكندي: مقدّمات ونتائج)
    رئس وزراء كندا اصاب كبد الحقيقة حين قال ( إن الهجوم إرهاب على المسلمين، وهو أمر لم يعتد المسلمون، الذين يوصفون مع كل مطلع شمس ومغربها بالإرهاب، وينكّل بهم في المطارات، ويمنع 220 مليونا منهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية في قرار فريد في فظاظته وشموليته وغبائه.) وقتل المصلين المسلمين في مسجد المركز الاسلامي في محافظة (كيبك) الكندية بدم بارد هو نتاج (التحريض السياسي والإعلامي الكبير الذي يتوجّه، من دون مواربة، باتجاه المسلمين في العالم)
    جذور العداء والكراهية الصليبية شبه النائمة ضد الاسلام والمسلمين ايقظتها الحركة الصهيوماسونية العالمية لتكون غطاء ومبررا لسلخ فلسطين من الجسد العربي الاسلامي واقامة كيان اسرائيل الغاصب عليهابدعم ومساندة الاستعمار الغربي. ولحماية هذا الكيان اللقيط من مقاومة اصحاب الارض الفلسطينية الاسلامية يقوم الاعلام المتصهين بتأجيج هذه الشيطنة ضد كل ما هو اسلامي، لاستدرار عطف الشعوب المسيحية لحماية اسرائيل من المجاهدين المسلمين (وهذا الهجوم على المسجد في كندا ليس إلا إنجازاً من إنجازات هؤلاء وشرارة من نيرانهم التي لن تتوقف إذا بقي العالم على ما هو عليه الآن.)
    ولو تمعنا في بواطن واعماق الامور لوجدنا ان الفوضى وعدم الاستقرار والاقتتال المستعر في دول محيط فلسطين المحتلة ما هو الا مظهر من مظاهر انهاك الجسد العربي الاسلامي حتى تبقى اسرائيل آمنة ومطمئنة في كيانها الغاصب.وكذلك فان امثال ترامب وبوتين وملالي ايران وعباد الكراسي من حكام العرب والمسلمين كلهم خدم وحماة لكيان اسرائيل سواء عرفوا ذلك او جهلوه وينطبق عليهم(ان كنت لا تدري فتلك مصيبة…او كنت تدري فالمصيبة افدح)

  8. يقول سامح //الاردن:

    *قاتل الله كل من يعتدي على
    المسلمين (الأبرياء) في أي مكان.
    سلام

  9. يقول حسن:

    مقال رائع أتى على كل الجوانب التي غذت كراهية تواترت وفق أحداث تاريخية هامة دوافعها من دون شك الحقد الدفين.
    رحم الله أبرياء العملية الإرهابية الكندية.

    1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

      ادين بشدة مقتل الابرياء المسلمين كما ادين بنفس الشدة قتل اى انسان برئ فى هذا العالم ….وضعته الاقدار امام مجرمين قتلة متشبعين باديولوجية دينية او عنصرية …
      سوف يخرج علينا من يدن هذا العمل الإرهابى الشنيع و يجد الاعذار لنفس النوع من القتلة الارهابيين فى برلين او نيس او باريس …عندما ﻻ نفرق بين الضحايا المدنيين سوى كانوا مسلمين او غير مسلمين …فعندها فقط نبدأ فى محاربة الأيديولوجية الدينية او غيرها التى فرخت لنا المجرمين و القتلة …و قتلى كيبك هم نفس قتلى برلين ….فهم ضحايا الكراهية الدينية …

      .و تحيا تونس تحيا الجمهورية

  10. يقول هشام. د:

    لا يمكن مقارنة كندا بالولايات المتحدة بخصوص ملف الهجرة والتعايش بين مختلف الإثنيات ولا يمكن مقارنة تعاطف رئيس وزراء كندا السيد ترودو مع الأقليات في بلده بتعنت وتعصب الرئيس ترامب فالرجلان على طرفي نقيض. ولاية الكيبيك تتميز عن غيرها في كندا بوجود تيار سياسي قومي النزعة، له تحفظات على شروط قبول المهاجرين وطريقة إدماجهم في النسيج الإجتماعي، سبق وأن حاول تقديم مشروع قانون يمنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب إذا أردن ولوج الوظائف العمومية (التدريس والتطبيب والإدارات الحكومية…) وتم رفض القانون من طرف الحزب الليبرالي الحاكم. هذا التيار القومي وإن كان غير ذي شأن في الساحة السياسية إلا أنه بنزعته الإقصائية يزرع بذور الكراهية اتجاه الجاليات العربية والمسلمة، فقد تعرض سابقا المسجد المستهدف لعمليات استفزاز كان منها وضغ رأس خنزير قرب بابه السنة الماضية كما تم قبل ذلك كتابات مسيئة على جدرانه، كانت هناك بوادر تلوح في الأفق لإمكانية استهداف المسجد بعمل عدواني لكن ماتوقع أحد إلى يوم البارحة أن تكون بهذه الحدة، توفي في هذه العملية الإجرامية 6 أفراد تاركين ورائهم 17 طفلا حرموا من أبائهم.
    يستحسن للراغبين في الهجرة لكندا من البلدان المسلمة أن يختاروا الولايات الناطقة باللغة الإنجليزية للإستقرار، فساكنة هذه الولايات أكثر انفتاحا وتسامحا بالمقارنة مع الكيبك الناطقين بالفرنسية.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية