هنا وهناك، في فلسطين وفي مصر، إنهم يسجنون الشعراء.
خلال أسبوع واحد، وبشكل بدا تزامنه معبرًا، صدر حكم بسجن الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور خمسة أشهر، إضافة إلى وضعها ستة أشهر أخرى تحت الرقابة، كما حكم على الشاعر المصري جلال البحيري بالسجن ثلاث سنوات. تهمة الشاعرة الفلسطينية قصيدة نشرتها على «فيسبوك» بعنوان «قاوم يا شعبي»، أما تهمة الشاعر فإصداره ديوانًا من الشعر العامي المصري بعنوان «خير نسوان الأرض».
صارت الكتابة تهمة في منطقتنا، وصار السجن في انتظار الكتاب الشباب الذين يعملون وينشرون خارج المؤسسات «المكرسة»، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي كحال الشاعرة الفلسطينية، أو عبر أغاني «الاندرغراوند»، كما مع البحيري.
صار التمسك بالأرض والدعوة إلى رفض الاحتلال جريمة في إسرائيل، وصارت الكتابة الساخرة ممنوعة في مصر.
سبحان مغيّر الأحوال، لم نعد نعرف الفرق بين هنا وهناك، هنا في العالم العربي حيث يسود الاستبداد، وهناك في إسرائيل حيث يطيح قانون القومية، آخر أوراق التين التي حجبت طويلًا الطبيعة العنصرية الفاشية للدولة الصهيونية.
صار هناك هنا لأن هنا يشبه هناك.
الأمور صارت واضحة، «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، تخلت عن قشرتها الديمقراطية التي خدعت بها العالم طويلًا، وأعلنت أنها دولة يهودية لا تؤمن بالمساواة، وقررت أن الإثنية اليهودية يجب أن تمتلك البلاد كلها، من النهر إلى البحر، أما الأنظمة العربية، فقد أعلنت انسحابها من معركة فلسطين، التي لم تخضها أصلًا إلا كإطار لتغطية استبدادها، لأنها تريد اليوم التفرغ لقهر شعوبها وإفقارهم وإذلالهم. وآخر العلامات التي لم تثر أي ردة فعل هي تصريح السفير الروسي في إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي الذي قال فيه إن الأولوية هي ضمان أمن إسرائيل، ويجب ألّا تكون هناك قوات غير سورية في المنطقة الجنوبية.
انتهت اللعبة القديمة كلها، وبدأت-مع انتصار الثورات المضادة العربية، ومع إعلان إسرائيل عن حقيقتها العنصرية الصارخة وبأنها دولة يحكمها المستوطنون-مرحلة جديدة لها اسم واحد هو القمع الشامل، وتحويل «شرق المتوسط» إلى مجموعة من السجون المتجاورة.
انتهت كذبتان، الكذبة الأولى هي أن السلام مع إسرائيل، والمقصود هو الاستسلام، سوف ينهي حجة المستبدين العرب، وسيفتح المنطقة على الديمقراطية والرفاهية، والكذبة الثانية هي أن إسرائيل تريد السلام شرط الحصول على ضمانات أمنية، لأن اليهود خائفون!
الاستسلام وصل إلى ذروته بعد الصمت العربي المريب على قانون القومية الإسرائيلي الذي يخضع فلسطين كلها لنظام أبارتهايد معلن، كما أن الإسرائيليين لا يشبعون ضمانات أمنية، لأن العقل الكولونيالي العنصري لا يبحث إلا عن ضمانة واحدة هي اختفاء الفلسطينيين.
هاتان الحقيقتان الجديدتان القديمتان تشكلان إطار حياتنا، ما كان يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية يتلاشى، حتى «ديمقراطية العبيد» التي تنعمت بها المؤسسة المسيطرة على الدروز الفلسطينيين في إسرائيل هي في طريقها إلى التلاشي، مهما جرت من محاولات لترقيعها، كما أن الحدود الدنيا من حرية التعبير الثقافي في المشرق العربي تنتهي اليوم في السجون.
هل نحن أمام مرحلة جديدة، أم أن ما يجري هو أن الأقنعة تساقطت دفعة واحدة، بحيث يبدو القديم جديدًا وغير مألوف؟
إذا أردنا أن نقرأ القمع الذي تتعرض له الثقافة، فسنكتشف أن ما يجري اليوم هو تكرار لما جرى في الماضي، هذا كان واقعنا في الخمسينيات والستينيات، شعراء فلسطين كانوا لا يخرجون من السجن الإسرائيلي إلا ليعودوا إليه، أما أدباء مصر فكانت مجموعة كبيرة منهم تقبع في سجن الواحات، ويجب ألا ننسى أن أدب السجون في الثقافة العربية تأسس في تلك المرحلة. أما أدباء سوريا والعراق فكانوا يعيشون بين المنافي والسجون، أو يقتلون.
لا جديد إذًا، لكن مهلًا، فهذه الظاهرة القديمة تتخذ اليوم شكًلا جديدًا اسمه عزلة المقموعين، فالمقموعون يؤخذون كأفراد، لا تحميهم معنويًا أو أخلاقيًا أي كتلة جماعية، لذا يشعر الاستبداد بحرية شبه مطلقة، فالإطار الاجتماعي للثقافة تم تدميره بشكل لا سابق له: السجون تغص بالمعتقلين، والمدن تدمر، والمساجين يعدمون جوعًا في أقبية نظام آل الأسد، والمارشال المصري يضحك وهو يمارس هوايته في إفقار الناس وقمعهم، حتى لبنان بات تحت مقصلة القمع.
أما إسرائيل فتعيش في جنتها العنصرية، عالم عربي راكع على ركبتيه، رأي عام عالمي لا يعبأ بمصير الفلسطينيين أو غيرهم من العرب، وزمن بلا قيم أخلاقية، وانفلات للمستوطنين الذين أخذوا الدولة الصهيونية إلى مصيرها الحتمي.
الجديد هو أن القديم ينكشف بلا أي غطاء أو رادع أخلاقي أو سياسي، وهنا تكمن المفارقة الجديدة، إذ لم يعد التمييز بين الاحتلال والاستبداد يملك أي جدوى أو أي مسوغ نظري أو سياسي. فالإرهاب الذي مارسته الأنظمة الاستبدادية باسم المعركة القومية صار مضحكًا بعدما لم يعد هناك من معركة. من جهة أخرى فإن الغطاء الذي لبسته أنظمة القهر والنفط بأنها تدعم المقاومين ضد الاحتلال تهاوى كليًا.
إسرائيل وأنظمة الاستبداد تلعب علنًا، وهي لا تخفي ازدراءها بالشعوب واحتقارها للقيم الإنسانية، وهذا يعني أن الصراع بين الشعوب وأسياد هذا الزمن يأخذ شكلًا جديدًا.
نحن اليوم في أرض مكشوفة، الهنا صار يشبه الهناك، والهناك صار هنا، والمعركة تبدأ من جديد وبقواعد جديدة قد تكون بالغة الصعوبة لكنها تتميز بالوضوح.
إلياس خوري
هناك من يقول بأننا كنا أفضل أيام الإستعمار! ولا حول ولا قوة الا بالله
الهنا بات يشبه الهناك، والهناك بات الهنا، والشعوب العربية باتت في اللاهنا واللاهناك
لا جديد يا استاذ الياس الا ان الليل يزداد حلكة ايذانا باقتراب الفجر
اوجه الشبه مابين ارض الكنانة وبلاد السمن والعسل اي ما يسمى (اسرائيل) هو اجادتهم بتزوير التاريخ , المصريون اعتمدوا الرواية اليهودية ان الفراعنة هم بناة الاهرامات , وبعض المؤرخين اثبتوا ان قوم عاد وما وصلوا اليه من حضارة هم من بنى الاهرامات !! والكذبة الكبرى ان اليهود ادّعوا ان ارض كنعان هي لهم وبوعدً آلهي سترجع لهم واستنادًا على هذا اسموها ارض الميعاد ؟؟!! الحقيقة ان هذه الوعود تعود الى وعود آلهة البعل والتزوير والكذب!! استحلفكم بالله يا قراء ان تأخذوا قولي هذا مأخذ الجد , لو سؤل اي اسرائيلي علماني ام متدين بمن يؤمن اكثر بوعد الآلهة المزعوم . ام بوعد بلفور المشؤوم ؟!! يكون الجواب ان تاريخنا كله كذب فالكذبة التي تتحقق ويصدقها الاغبياء نعمل بموجبها؟!! لا ارض موعودة ولا منشودة , ولا شرعية لهذا الكيان الغاصب ولا ديمقراطية في كتبهم القديمة ( كل البشر خلقت لخدمتنا حطابون وسقائون ) ولا في قوانينهم الدستورية ,
الفلسطيني يختلف بصموده ومقارعته للباطل وعدم ركوعه لامرة المستعمرين اهل الباطل واوغاد الحاضر والسلام
شكراً أخي الياس خوري. نحن في اسوأ مراحل التاريخ للأسف والمشكلة الكبرى أن لا يوجد بارقة آمل في الأفق. صحيح الأمور بدت أكثر وضوحاَ لكن الكذب والخداع سيبقى فاعلاً وسيحاول الاستبداد والاحتلال ممارسته حتى أقصى الحدود. صحيح أنها نقطة تدعو للتفاؤل أن انكشف الخداع واتضحت الرابطة الوثيقة بين الاستبداد والإحتلال, لكن ليس صعوبة المعركة هي المشكلة أبداً. بل أن ينبثق ضوء مهما كان ضعيفاً ليفتح الطريق ببارقة آمل هو مايؤلمني, قد يكون في هذا الكلام نوعاً من التشاؤم, لكن على جميع الأحوال من الظلمة ينبثق النور!.