القاهرة ـ «القدس العربي»: في أغلب ما كتب عن حصاد العام المنصرم 2014 وأتصل بالفن والسينما، جاء رحيل النجوم والنجمات في الصدارة، تمهيدا لوصف السنة الفائتة بأنها السنة الكبيسة الحزينة، وعلى الرغم من صحة ما ذكر عن تعاقب حالات الوفيات وتواترها على نحو سريع وغير مسبوق، وهو ما يستدعي بالضرورة الحزن والأسى على من رحلوا، إلا أنه من غير المنطقي أن يتم تجريد عام 2014 من أي محاسن على الإطلاق، ونفي ما جاء به من المزايا والإنجازات، وأولها عودة تشغيل ماكينة الإنتاج السينمائي وفتح دور العرض لاستقبال الجمهور بعد سنوات من التوقف والعطل والبطالة وتهديد الصناعة الذهبية .
هذا إن كان لا يكفي بالقطع، ولكنه على الأقل ربما يحسن الصورة نسبيا، فلا نرى العام كله متشحا بالسواد.. نعم لقد رحل نجوم كبار خالد صالح ومعالي زايد وصباح ونادر جلال وحسين الإمام وفايزة كمال ومرسي خليل ومريم فخر الدين وغيرهم تركوا فراغا شاسعا في الساحة الفنية، لكن ذلك ليس ذنب العام ولا يمكن أن يكون، فالموت قدر ونهاية حتمية لمن جاء أجله، ولا يصح اعتباره أزمة تفسد السنة او الشهر أو اليوم وتوصم بالنحس والتشاؤم .
ما يمكن أن يكون جديرا بالحديث بوصفه حصاد العام افتتاح المسرح القومي على سبيل المثال، أو إعادة الثقة الدولية في مهرجان القاهرة السينمائي، بعد ترنح وإنذار بالتوقف والإلغاء التام، أو الكلام عن الكم الهائل في إنتاج الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة ونشاطها في دخول المهرجانات الدولية، بعد أن كانت مجرد مشاريع فاشلة وركام تزدحم به مخازن المركز القومي للسينما.. ذلك لو أننا حاولنا بحيادية إحصاء حسنات العام لنترك مساحة للتفاؤل لا نغلق الباب على الكوارث فقط.
وسأطرح جانبا آخر يفرض نفسه كأحد إنجازات 2014 المضطهدة والمغتابة في ظهرها، وهو النجاح المشهود له في الدراما المصرية، وحالة الزخم الفني في المسلسلات والبرامج التي تجاوزت سقفها المعتاد، وزاد منسوبها وفاض فأغرق السوق المحلية، وبغض النظر عن العيوب والمزايا أو تفضيل مسلسل على آخر أو نجم ونجمة على منافسيهما فإن الحالة كانت إيجابية من حيث الوفرة والكم، لا من حيث الكيف والنوع، فذلك يحتمل التحفظ وربما الرفض لبعض النوعيات، ولكننا نتحدث هنا عن فرص العمل والإبداع في ظروف كانت هي الأشد وطأة.
ألم يكن الاستمرار في حد ذاته نجاحا وبطولة وإنقاذا لاقتصاد أوشك على الهلاك ورصيدا فنيا ونقديا تراجع كثيرا لولا عمليات التنفس الصناعي التي قامت بها الدراما فأنعشت مجددا الحياة في الوسط الفني والثقافي بعد الاحتضار؟ أتصور أن مثل هذه الوقفات والمحطات لابد أن توضع في ميزان حسنات السنة الفائتة فلا نهيل عليها التراب قاطبة .
في السينما أيضا بيعت بعض الأفلام لشهور طويلة في دور العرض وحصد منتجوها الملايين وأولها «قلب الأسد» الفيلم الذي صار بفضله محمد رمضان الحصان الرابح في كل السباقات والمواسم، وانهالت عليه العروض من كل صوب وحدب. أما الثاني فهو «الفيل الأزرق» للثلاثي كريم عبد العزيز بطلا ومروان حامد مخرجا وأحمد مراد مؤلفا للرواية المأخوذ عنها الفيلم أو طبقا لإيرادات شباك التذاكر الفتح المبين لأصحاب الحظ الثلاثة.
ودعونا نطرح سؤالا آخر هل يعد عام 2014 عام حزن وكآبة بالنسبة لهؤلاء وغيرهم من سالفي الذكر؟ الإجابة بالتأكيد ستكون بالنفي وهو ما يثبت أن المسائل نسبية ولا يوجد في ما يخص التفاؤل والتشاؤم قاعدة موحدة، لأن معايير الأحكام تختلف من واحد لآخر حسب الظروف والحالة النفسية والعوامل المحيطة، وهو ما أردنا قوله، وننفي به تهمة السوداوية عن سنة مضت إلى حال سبيلها ولا يجوز أن نعتبرها الأسوأ، ونعمم هذا الحلم لمجرد انفعالنا بما حدث خلالها، وإن كان الموت والرحيل والفراق تستحق منا التوقف طويلا للعظة والتأمل وليس للتباكي والسخط .
فللنظر بعين الرضا وإحساس التفاؤل لعام جديد قادم ونذكر بالخير مآثر الراحلين وخصالهم الطيبة، فكما مضى عام 2014 سيأتي ويمضي عام 2015 بحسناته وسيئاته وبالقطع أن يتوقف الموت ومثلما رحل نجوم كبار استحقوا الحزن سيولد نجوم أكبر يستحقون الفرح.
كمال القاضي