الوضع يزداد سوءا والسكان يعيشون الكوابيس: حصار غزة الجائر ينهي عقدا من الزمان… الفقر والبطالة يدمران ما تبقى من أسس الحياة

حجم الخط
3

غزة ـ «القدس العربي»: بدخول العام 2016، يكون الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قد اقترب من دخول عامه العاشر على التوالي، عاش خلالها السكان وعددهم يقترب من مليوني نسمة، أمر الأيام وأكثرها قسوة، بعد أن حوصروا داخل القطاع الساحلي المغلق من كافة الاتجاهات، وهو أمر جعلهم يفقدون في أحلك ظروف الحصار «أكفان الموتى» الذين غادروا ضيق الحياة وضراوتها، ودفعتهم لاستبدال وقود السيارات بزيوت الطهي.
وتعرض قطاع غزة الساحلي، منذ أن فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية في مطلع كانون الثاني/يناير من العام 2006، لتضييق اقتصادي وسياسي كبير، شارك فيه المجتمع الدولي، تلاه حصار محكم فرضته إسرائيل منتصف العام 2007، بعد سيطرة حماس على غزة، بتغلبها على القوات الأمنية الموالية لحركة فتح، مع فشل كل جهود المصالحة بين الطرفين، التي امتدت لأكثر من عام، تخلله وقوع ضحايا من الطرفين في صدامات مسلحة.
ومنذ اللحظة الأولى لحصار غزة، منعت إسرائيل التي اعتبرت القطاع «كيانا معاديا» دخول العديد من الأصناف الغذائية والسلع والمواد التي يحتاجها السكان، وأدخلت فقط كميات قليلة من المواد الغذائية، تبين فيما بعد أن دخلوها أخضع لنظريات حسابية، أخذت في الحسبان عدد سكان غزة، لتوزيع كميات السعرات الحرارية في هذه المواد الغذائية على السكان المحاصرين، في خطوة كان الهدف منها فقط «منع المجاعة».
وأوقفت إسرائيل إدخال مواد البناء، وكذلك المواد الخام، فدخل القطاع وسكانه في سبات عميق مع البطالة، وأصبح توفير لقمة العيش، يسير في دروب مليئة بالأشواك والدماء، فكانت تكلفة الحصول على لقمة العيش أرواح أرباب الأسر، فقضى عدد منهم قرب الحدود وهم يبحثون عن «الحصمة»، المستخدمة في البناء، وقضى آخرون وهم يزرعون أراضيهم، وصيادون كثر قضوا في المياه المالحة.
ومع تضييق الحصار المفروض ومنع دخول السلع بحجج مختلفة، وبينها أساسيات كثيرة كالأقمشة، عانى السكان من توفير «أكفان الموتى» في ظل ارتفاع أعداد الوفيات، جراء منع المرضى بسبب الحصار من المغادرة للعلاج في الخارج، وقد ترافق ذلك مع شح الملابس التي كان يحتاجها السكان في فصلي الشتاء والصيف.
خلال السنوات الأولى من الحصار، أغلقت إسرائيل كافة معابرها، ولم تبق إلا على معبر تجاري وحيد هو كرم أبو سالم جنوب القطاع، ومعبر بيت حانون «إيرز» المخصص لحركة الأفراد، وجعلت الحركة مقننة ومخصصة لإدخال كميات قليلة من الأكل، ودخول وخروج مسؤولين دوليين فقط.
ولم يكن معبر رفح البري الفاصل عن مصر، يعمل بالشكل المعتاد، وكانت عمليات فتحه مشابهة للوضع الحالي، إذ يفتح لأيام معدودة على فترات متباعدة، وهو ما جعل المرضى يقضون بانتظار الحصول على تصاريح الخروج بقصد العلاج، في ظل افتقار القطاع للعديد من الأصناف الدوائية.
ومع احتدام الحصار، قلصت إسرائيل بشكل مفاجئ كميات الوقود الموردة لقطاع غزة، فتوقفت محطة توليد الكهرباء كليا عن العمل، وأغلقت محطات التعبئة أبوابها، فتوقفت غالبية السيارات عن الحركة، وشلت حركة السير والمواصلات، قبل أن يلجأ المتضررون لاستخدام زيت الطعام بدلا من وقود السولار، لتشغيل السيارات وتخفيف الأزمة، رغم ما خلفته هذه العملية من أضرار صحية كبيرة على السكان، نتيجة عوادم زيت الطهي.
وما زال السكان يتذكرون بمرارة، كيف أجبرهم الحصار على العودة إلى عقود من الزمن، فلجأوا إلى استخدام الحطب ومواقد النار، بدلا عن أفران الطهي العاملة بالغاز، بعدما افتقد الصنف الأخير من السوق، والكثيرون منهم يحتفظون بفوانيس تعمل بالكيروسين، وهي التي استخدموها قبل ثماني سنوات، لحل أزمة انقطاع الكهرباء المتكررة، خشية عودة الأزمة مجددا، رغم ابتكار أساليب جديدة في الإضاءة تعتمد على بطاريات السيارات، وشبكات كهربائية تعمل عليها، غير أن هناك الكثير من فقراء غزة، يخشون أن يفقد هذا الصنف مجددا من السوق، كما كان في السابق، إذا ما قررت إسرائيل تشديد الحصار أكثر.
يقول بسام عبد الرحمن، وهو في العقد الخامس من عمره يعمل مدرسا، وهو يستذكر سنوات الحصار الأولى «ما زلت وباقي سكان غزة نخشى من عودة السنوات الماضية»، ويقول إنه يقوم بين الحين والآخر بتجديد مكان موجود في مطبخ بيته، أشبه بـ «سلة غذائية» خشية من فقدان الصلاحية، ويشير إلى أن هذا المكان في المطبخ يحتوي على زيوت ومواد غذائية معلبة، وكذلك البقوليات والأرز، إضافة إلى احتفاظه بكيس من الدقيق، ليكون معيلا له ولأسرته إذا ما شدد الحصار مجددا.
وفي سنوات الحصار الأولى، اختفت من أسواق القطاع العديد من الأصناف الغذائية، وأصبح الحصول على كيس دقيق واحد أمرا شاقا، خاصة وقت الحروب، برغم ارتفاع ثمنه.
وللتذكير فإن إسرائيل شنت خلال سنوات الحصار على غزة، ثلاث حروب أولها كانت في نهايات العام 2008، وأسمتها «الرصاص المصبوب» وثانيها في 2012، وأسمتها «عامود السحب» وثالثها في صيف العام 2014، وأسمتها «الجرف الصامد»، وهي أشدها ضراوة، وخلال هذه الحروب، والهجمات البرية على الحدود، قضى آلاف الفلسطينيين بين شهيد وجريح.
وما زالت آثار الحرب الأخير قائمة في غزة، حيث لا تزال آلاف الأسر بلا مأوى جراء تدمير منازلهم بفعل الغارات والهجمات.
ورفعت الهجمات الإسرائيلية والحروب التي رافقت الحصار وأحدثت دمارا في البنى التحتية والمصانع، من نسب الفقر والبطالة في غزة، وقدرت الإحصائيات الدولية ومنها أرقام قدمتها وكالة «الأونروا» نسبة المعتمدين على المساعدات الخارجية لإعالة أسرهم بـ 80 ٪ من السكان، وقدرت نسب البطالة بأكثر من 65 ٪ ، وهي من أعلى النسب في العالم.
ومن بين الأرقام الصادمة التي خلفها الحصار، ما ذكره تقرير للأمم المتحدة أوضح أن 70٪ من سكان القطاع يعانون من انعدام «الأمن الغذائي». ومنذ فرض الحصار لم تأبه إسرائيل للمطالبات الدولية بإنهاء هذا الحصار غير القانوني، ومنها مطالبات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
ولوحظ في الفترة الأخيرة عودة إسرائيل إلى تشديد الحصار مجددا، من خلال إدخال مواد البناء، بكميات قليلة جدا وتحت رقابة مشددة فقط لأصحاب المنازل المدمرة، ومنعها عن باقي السكان، ما أدى لتوقف حركة البناء المعتادة، ووقف العمل في كثير من الورش.
وفي هذا السياق يقول موسى أبو طه أحد العاملين في حقل البناء في غزة، إنه بسبب الإجراء الإسرائيلي الجديد، وهو إجراء مشابه للوضع السابق في سنوات الحصار الأولى، فإنه توقف كليا عن العمل منذ خمسة أشهر، بعد أن كان يعمل لأيام معدودة في الشهر.
ويشير هذا العامل من مدينة غزة، إلى أنه يعيل أسره مكونة من سبعة أفراد، أحدهم يدرس في الجامعة، ما يتطلب منه مصاريف مالية كبيرة، في ظل ما تعانيه الأسرة من فقر شديد.
ولا يختلف وضع هذا العامل عن آخرين عددهم يقدر بعشرات الآلاف، وجميعهم باتوا بلا عمل، حيث قالت نقابة عمال غزة أن أكثر من 70٪ من العمال أصبحوا فقراء بفعل الحصار.
ولا يعتقد أن يصبح الوضع المالي والاقتصادي أفضل في السنة الجديدة، خاصة بعدما وافق الرئيس على الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية التي أحالها إليه مجلس الوزراء بعد المناقشات التي أجراها المجلس للموازنة العامة على مدار جلستين.
وأعلن المجلس أنه توافق عليها مع رؤساء الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، غير أن العديد من النواب ورؤساء الكتل اعترضوا عليها بعد إقرارها.
وقال النائب محمد فرج الغول من كتلة حماس البرلمانية ان إقرار الموازنة بعيدا عن موافقة المجلس التشريعي يعد «إجراء غير قانوني وانتقائيا»، وقال إنه أيضا يمثل إمعانًا من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في سلب صلاحيات المجلس التشريعي.
وانتقد الغول عدم إدراج الحكومة قطاع غزة في الموازنة، مشيراً إلى أنها تمارس «الأبارتهايد» ضد أبناء القطاع، واتهمها بـ «إعداد موازنة خاصة للضفة وحرمان قطاع غزة منها وكأنها في كوكب آخر ولا تتبع للسلطة».
وعقب إقرار الموازنة أظهرت بيانات رسمية أن نسبة العجز الإجمالي قبل التمويل في الموازنة الفلسطينية العامة والتطويرية للعام الجاري 2016، تبلغ 32.5٪ من إجمالي قيمة الموازنة.
وتبين الأرقام الواردة في الموازنة أن نسبة العجز الإجمالي قبل التمويل، بلغت نحو 1.382 مليار دولار أمريكي.
وقدرت قيمة النفقات الجارية والتطويرية في الموازنة التي أقرت بـ 4.251 مليار دولار أمريكي، موزعة بين 3.901 مليار دولار للموازنة العامة، و350 مليون دولار للموازنة التطويرية.
وقد بدأت الحكومة موازنتها العامة في مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، وتنتهي في نهاية كانون الاول/ديسمبر المقبل.
وتتوقع الحكومة الفلسطينية أن تبلغ المنح والمساعدات المالية الخارجية للموازنة 750 مليون دولار أمريكي، و245 مليون دولار منحا ومساعدات للموازنة التطويرية.
وتبلغ الفجوة التمويلية لموازنة العام الجاري بعد المنح والمساعدات، نحو 387 مليون دولار.
وسبق أن أعلنت الحكومة بسبب العجز المالي خطة تقشف مالية، خفضت بموجبها النفقات الجارية، لترشيد الاستهلاك.
وذكر المركز أن القطاع الاقتصادي كانت خسائره فادحة تبعا للحصار وبلغت خمسة مليارات دولار. ويذكر في مجال الحديث عن وضع غزة الاقتصادي والمعيشي العام، «مركز الإنسان للحقوق» أن سكان القطاع يعيشون حياة إنسانية صعبة، وبعد الهجمات العسكرية الثلاث والتي ارتكبت قوات الاحتلال خلالها «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» قتلت فيها ما يزيد عن 3800 شخص وجرح 16113، إضافة لتدمير آلاف المنازل والمؤسسات الصحية والاقتصادية، الأمر الذي فاقم معاناتهم وزادت وتيرتها بعد العدوان الأخير.
وأعاد التذكير بأفعال الاحتلال خلال سنوات الحصار العشر، والتي شهدت هجمات وحصارا غير شرعي وغير أخلاقي، وعمليات قتل، ناقضت كل المواثيق والأعراف القانونية.
وأوضح المركز أن أكثر القطاعات سوءا نتيجة الحصار كان القطاع الصحي، وأعاد التذكير بما قاله الطبيب أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة أن هناك عجزا بـ30 ٪ من الأدوية إضافة إلى 40 ٪ من المستهلكات الطبية والمعدات، في ظل وجود 4000 مريض بحاجة للسفر للعلاج إلى الخارج، ويزداد عددهم تلقائيا.
وذكر المركز أن معبر رفح مغلق منذ 14 شهرا، مقابل فتحه 28 يوما، بعض منها للعالقين في الجانب المصري، ووفقا لإحصائية المعابر والحدود هناك ما يزيد عن 40 ألف شخص بحاجة للسفر عبر معبر رفح.
وطالب المركز بضرورة تفعيل أحكام القانون التي وضعها المجتمع الدولي لـ «معاقبة مرتكبي الجرائم» والقيام بالعمل الجاد لرفع الحصار عن غزة، وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم وحريتهم في التنقل والعلاج والتعليم والتعبير عن رأيهم، دون الاعتداء عليهم.

أشرف الهور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اسمهان باريس:

    أن الأوان لعاصفة حزم لرفع الحصارعن شعبنا في غزة.
    أين الضمير الأخلاقي العربي.

  2. يقول اسمهان باريس:

    آن الأوان لعاصفة حزم لرفع الحصار عن شعبنا في غزة.اين الضميىر الأخلاقي العربي؟

  3. يقول محمد بلحرمة المغرب:

    ليس هناك ضمير عالمي وانما هناك مصالح ولاجل تلك المصالح فاصحابها على استعداد لتدمير شعوب باكملها.

إشترك في قائمتنا البريدية