قد لا يحتاج تثبيت برنامج الدولة المدنية وهيبة القانون في الأردن لجمع التأييد واستقطاب التحشيد والتصفيق والتسحيج بقدر ما يحتاج فعليا وعلى الأرض لإخضاع اجهزة الدولة واذرعها التنفيذية قبل بقية الاطراف في المؤسسات والمجتمع لمضمون هذا البرنامج، الأمر الذي يحتاج ببساطة شديدة وبدون لف ودوران إلى قرار سياسي لا أكثر ولا أقل.
أدهشني احد الخبراء في بواطن الأمور عندما حدثني وهو يبتسم عن عدم وجود ارادة سياسية حقيقية في حل مشكلة الاقتصاد الأردني.
لا أعرف فوائد من أي نوع لمثل هذا الطرح إذا كان دقيقا وازعم بان الارادة السياسية الحقيقية قد تغيب بالمقابل عن كل تلك البرامج والرؤى النبيلة.
يمكن التشكيك بأقاويل من هذا النوع. لكن يمكن بالمقابل جمع عشرات الأدلة التي تؤكد مسألتين: عندما تتصدر الارادة السياسية وبوضوح وبصورة مباشرة يخضع الجميع وبجدية وهذا ما حصل ببساطة شديدة عندما صدرت توجيهات عليا علنية تقضي بالتصدي لنزيف ظاهرة اطلاق العيارات النارية في الإفراح والمناسبات.
صحيح ان أجهزة انفاذ القانون والتعليمات تراخت لاحقا وخصوصا عندما بدأت الحملات للانتخابات العامة الاخيرة.
لكن صحيح ايضا ان الجدية بدت ممكنة وتحظى بالتوافق والاجماع الشعبي لأن المواطن الأردني يؤمن بحزم بحاجته الذاتية للأمن والاستقرار وصلابة الدولة وهيبة القانون وسط المحيط الإقليمي الملتهب.
في مثال آخر حجم الخطب التي القيت ضد المال السياسي أو ما يسميه البعض بالمال الاسود في الانتخابات اكثر مما قيل في أي موضوع آخر.
على الارض ابتكرت بعض الجهات الرسمية فكرة بسيطة قوامها التضحية بقيمة نبيلة من طراز التصدي للمال السياسي مقابل حالة تكتيكية قوامها التغاضي عن هذا المال قدر الامكان لتوسيع قاعدة المشاركة والتصويت في الانتخابات الاخيرة وتجنبا لمأزق نسبة الاقتراع الضئيلة.
عندما نتحدث عن الارادة السياسية لا نقصد الجهات العليا حصريا بل مستوى الانسياب في جميع الأذرع والأجهزة عندما يصعد الدخان الابيض او يتقرر بالمستوى النوعي شيء من اي نوع ولمعالجة أي ظاهرة أو أي مشكلة.
يبدو للمراقبين احيانا بان قوى الشد العكسي مازالت صلبة ومتماسكة وهي المسؤولة تماما عن مساحة المرونة التي تظهر عندما يتعلق الامر بإرادة سياسية حقيقية.
تلك المرونة يزعم البعض أنها ضرورة وطنية وتكتيك له علاقة بالبقاء والصمود والحفاظ على الدولة لكن مثل هذه الشروحات للمرونة اياها لازالت تحرم مؤسسات الأردنيين والشعب الأردني من تجربة ديمقراطية حقيقية ومن برنامج يختبر فعلا نتائج وثمار توفير الغطاء السياسي للأفكار النبيلة والتي بكل حال لا يمكن الاختلاف على اهميتها مثل نزاهة الانتخابات ومسطرة هيبة القانون والاصلاح السياسي الحقيقي.
المرونة هنا «ألعوبة» بالمعنى السياسي وتكرسها قوى الشد العكسي في المجتمع ومركز القرار حتى تضمن خطوط الرجعة أما المبررات والمسوغات فهي متعددة وكثيرة ومحشورة في قائمة اطول من طريق أوتوستراد عمان الزرقاء.
بالقياس لا يمكن الامساك بأدلة لها علاقة بضعف مصداقية خطاب الاصلاح.. بالمقابل تنمو حالة غريبة وغامضة حيث لا أدلة ايضا على توفر ارادات سياسية حاسمة تغطي الاصلاحات المقترحة حتى ضمن سياق التدرج والتدريج أو ضمن مفاهيم توطين المراحل الاصلاحية.
عليه يمكن العودة لملف الدولة المدنية الذي اصبح اليوم في الأردن عنوانا للجدل الاوسع في المستوى النخبوي وشقيقه المجتمعي.
لا يمكن لعاقل وبصرف النظر عن اتجاهاته في التفكير والسياسة ان يرفض او يعارض التحول الصلب نحو دولة مدنية يحكمها القانون فقط وان كانت المشكلة تتمثل في استمرار الحاجة لإقصاء المرونة وتكثيف الارادة السياسية الحقيقية في تحول من هذا النوع خصوصا إذا ما اقترنت فكرة الدولة المدنية وهيبة القانون بالحرص على عدم مغادرة احكام الشريعة الإسلامية وفقا لمنطوق ومضمون الورقة النقاشية السادسة للملك ووفقا لمنطوق ما يقوله تيار الحركة الإسلامية اليوم.
خصوم برنامج الدولة المدنية وهيبة القانون صنفان لا ثالث لهما في المجتمع الأردني : الاول يمثل التعبير الايديولوجي سواء في التيار الإسلامي او في النخبة المحافظة الكلاسيكية التي تشكك بالاتجاه نحو مدنية الدولة على اساس انها رافعة لها علاقة بأمركة الادارة والبلاد.
والثاني يمثل مجموعة من مراكز الثقل المعنية بالحرس القديم والتي تعرف مسبقا بان الاتجاه فعلا لا قولا نحو مدنية الدولة وهيبة القانون يخرجها مع مصالحها من خريطة الواقع الموضوعي والنفوذ.
عمليا إقصاء المرونة هنا وتوفير إرادة سياسية جذرية وعميقة لدعم مشروع الدولة المدنية في بلد كالأردن يتطلب قواعد جديدة تماما ونظيفة للعبة كما يتطلب استثمار وتوظيف ادوات ورموز حكم وادارة مؤمنين اصلا بالدولة المدنية وهو الامر الذي لم يحصل بعد.
اخضاع السلطة التنفيذية برموزها لمعايير مدنية الدولة واعلاء هيبة القانون فقط معركة شرسة ومتعددة الاوجه وما تتطلبه ارادة سياسية حقيقية غير قابلة للاجتهاد ولا للانقسام على اثنين ولا يمكن اخضاعها لمنطق التكتيك فقط بدون استراتيجية الاجراء.
دون ذلك قد يبقى لخصوم مدنية الدولة وهيبة القانون في طرف المعارضة والدولة اليد الأطول التي تستطيع كما حصل في الماضي عدة مرات اجهاض التوصيات المؤثرة والنبيلة والعميقة وحتى تصبح تلك اليد هي الاقصر ولو قليلا سيبقى الوقوف اجباريا على محطة ارادة سياسية جادة لا تلين.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
عن اي توجهات عليا تتحدث عنها لمنع ظاهرة اطلاق النار ! مقتل فتاة في احتفال مرشح برلماني وسط العاصمة واعتقال 5 اشخاص شاركوا في الجريمة لم يمضوا اكثر من اسبوع في ىالسجن ..
صحيح ان هناك توجهات ، لكن هناك قوى شد تضع التوجهات في الادراج ـوالامثلة كثيرة على اكثر من صعيد
عندي مزرعة صغيرة و من الاعمال الهامة فيها ازالة الاعشاب الضارة. و يمكن ذلك بقصها بسرعة و لكنها سرعان ماتعود. الحل كما يعرفه كل فلاح هو في تقليب الارض و قلعها من جذورها.
ظاهرة اطلاق النار او مخالفات المرور او غيرها يمكن وقفها بقبضة السلاح او المال و لكنها ستعود اذا ما ارتخت القبضة.
الحل الجذري هو في العدل و الحق. في الحرية و الديموقراطية و اللامركزية. في اعطاء الاولوية للتعليم ثم الصحة. في احترام و تكريم الانسان.
الفرس بدو خيالة