انتقادات لإنشاء صندوق سيادي مصري: باب للاستدانة وهيمنة الأجانب والخصخصة

حجم الخط
0

 

القاهرة ـ «القدس العربي»: واجه، مشروع قانون، قدم من الحكومة المصرية، ووافق عليه البرلمان، بإنشاء صندوق سيادي برأسمال 200 مليار جنيه، يتولى إدارة استثمارات الدولة، انتقادات حادة من برلمانيين معارضين واقتصاديين، اعتبروه بداية للخصخصة والاستدانة وهيمنة الأجانب، وتغييب العاملين عن تقرير مصير شركاتهم.
وكان البرلمان، أقر، قبل أيام، بأغلبية أعضائه قانون تأسيس الصندوق، الذي يهدف إلى «المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال المقبلة»، لكن نواباً آخرين عارضوا مشروع القانون مستندين إلى وضع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منه مصر، وعبء الديون المتراكم وعدم وجود فوائض في الثروة يمكن استثماره.

دولة عجز مالي

أحمد السيد النجار، الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» السابق، قال إن «الصناديق السيادية تؤسس من قبل الدول ذات الفوائض المالية الريعية أساساً لإدارة تلك الفوائض وتنميتها لصالح الأجيال المقبلة أو كاحتياطي استراتيجي يمكن اللجوء إليه في أوقات الأزمة الكبرى والوجودية».
وأضاف أن» مصر دولة عجز مالي بامتياز، فميزان الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يسفر عن عجز كبير ارتفع من 0.9٪ عام 2014 إلى 3.7٪ عام 2015، إلى 6٪ عام 2016، إلى 6.5٪ عام 2017 «.
وبين كذلك أن «عجز الميزان التجاري بلغ 35.4 مليار دولار في العام المالي 2016/2017، وبلغ 18.7 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2017/2018».
أما الدين العام المحلي بلغ 3414.4 مليار جنيه في ديسمبر/ كانون الأول 2017، والدين الخارجي بلغ 82.9 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ومجموعهما (الدين الداخلي والخارجي) معا يعني أن نصيب كل مصري من الرضيع إلى الكهل في داخل مصر وخارجها من هذا الدين يبلغ نحو 48.5 ألف جنيه»
وسخر من قرار الحكومة إنشاء صندوق سيادي، قائلاً، إن «الظروف المالية لإنشاء أي صندوق سيادي لإدارة الفوائض غير موجودة من الأساس في مصر أو على حد تعبير فنان الكوميديا الرائع الراحل عبد الفتاح القصري (سبحان من خلقه من غير مناسبة).
وتسأل: ماذا لدى الصندوق السيادي المصري وماذا سيفعل؟ مشيراً إلى أنه «طبقا للقانون الذي وافق عليه البرلمان، فإن للصندوق الحق في تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بالمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية المناظرة وله الحق في الاقتراض والحصول على التسهيلات الإئتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أوراق الدين وشراء وبيع واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها».
وتابع: «أيضاً، يحق له إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التي يملكها أو يساهم فيه، وبناء على هذا الحق في الاقتراض والإقراض، فإن الصندوق يمكن أن يتحول إلى مدخل عملاق لتضخم ديون الدولة المتضخمة أصلا».
وتناول النجار، المادة الرابعة من القانون التي تشير إلى أن رأس المال المرخص به للصندوق يبلغ 200 مليار جنيه أي نحو 11.4 مليار دولار، وأن رأس المال المصدر يبلغ 5 مليارات جنيه تعادل نحو 285 مليون دولار فقط، معلقاً: «حتى هذا المبلغ الزهيد سيتم تقديم مليار جنيه منه تعادل 57 مليون دولار فقط في البداية من خلال الخزانة العامة ويتم استكمال باقي الـ 5 مليارات جنيه وفقا لخطط وفرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال 3 سنوات من تاريخ التأسيس».
وحسب المصدر «هذا الرأسمال المصدر وطريقة سداده تعني أن هذا الصندوق لا يمكن أن يحقق الهدف المعلن من تأسيسه وهو المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله لأنها ببساطة قزمية ولا تساوي شيئا ولا تقارن حتى بالاستثمارات الحكومية السنوية التي تبلغ في الموازنة الأخيرة رغم محدوديتها الشديدة نحو 148 مليار جنيه».
وأضاف: «نشاط الصندوق الأساسي يتعلق بما يسمى إدارة الأصول المستغلة وغير المستغلة وهو الاسم الكودي الذي اخترعه صندوق النقد الدولي للخصخصة ذات السمعة والتاريخ السيئين»
وأوضح أن «المادة 5 تمنح رئيس الجمهورية، حق أن ينقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل، بعد عرض الوزير المختص لهذا النقل، وبالنسبة للأصول المستغلة يكون العرض من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية والوزير المعني بعد موافقة رئيس الوزراء».
وبين أن «المادة 8 من القانون، تمنح الصندوق الحق في التصرف في الأصول المملوكة له أو للصناديق المملوكة له بالكامل من خلال البيع أو التأجير المنتهي بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية وفقا للقيمة السوقية على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب 3 تقارير لمقيميين ماليين تعتمدهم الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي. وكلنا يعلم التاريخ الأسود لشركات التقييم التي سهلت استيلاء القطاع الخاص المصري والأجنبي وضمنه العربي على الشركات المملوكة للدولة المصرية بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية».
وأعتبر أن المصريين «أمام صندوق لديه الحق في خصخصة الأصول العامة المستغلة وغير المستغلة المملوكة للدولة التي ستؤول للصندوق، ما يفتح الباب لأوسع برنامج للخصخصة ولبيع الأراضي والموارد الطبيعية العامة بدلا من إصلاح وتحديث القطاع العام وفتح الباب للاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية وضمنها العربية لبناء مشروعات جديدة بدلا من تداول مشروعات قائمة فعليا حتى ولو كانت متعثرة بفعل فاعل».
وأشار إلى أنه «في ظل العجز المالي الهائل الذي تتخبط فيه السلطة فإن بيع الأصول العامة المملوكة للشعب سواء كانت مستغلة أو غير مستغلة، قد يقدم حلا مؤقتا لهذا العجز حتى لو كان حلا مسموما ومنتهكا لحقوق الأجيال المقبلة، ومعتديا على ما بنته الأجيال السابقة».

رهان خاسر

وكان تكتل « 25 ـ 30» المعارض، أعلن رفضه لمشروع القانون، وقال النائب ضياء الدين داوود، عضو التكتل، إن «القانون تم إعداده على عجل، وأن فلسفته غير واضحة».
وأشار إلى أن «مثل هذه الصناديق تتم من خلال فوائض ثروة، بينما تعاني مصر من فوائد ديون، وحكومة غير قادرة على مواجهة هذه الأزمة التي تثقل كاهل الدولة».
وحذر من أن «هناك صناديق سيادية انهارت وبناء عليه انهارت الدول الموجودة فيها، واصفًا إنشاء «صندوق مصر» السيادي بأنه «رهان على خاسر».
في المقابل، نفى مركز معلومات مجلس الوزراء، ما تردد من أنباء عن بيع صندوق مصر السيادي، لأصول وممتلكات الدولة، بدون رقابة عليه من جانب الأجهزة المعنية.
وأكد في بيان، تواصله «مع وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، التي أوضحت أن صندوق مصر السيادي ‏هو صندوق مملوك للدولة يتكون من أصول مثل الأراضي، أو الأسهم، أو السندات، مؤكدة أن الهدف الأساسي من إنشاء هذا الصندوق هو استغلال أصول مصر الاستغلال الأمثل لتعظيم موارد الدولة والحفاظ على تلك الأصول خاصة، وأن هناك أصولاً عديدة بمئات المليارات غير مستغلة، كما أنه يعتبر في الوقت نفسه بمثابة صندوق استثمار يساهم فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله».
وتابع «أشارت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، ان الصندوق يهدف أيضاً إلى المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله، وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية، لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال المقبلة، وله في سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة».

تاريخ إنشاء الصندوق

وفكرة إنشاء صندوق سيادي تعود إلى عام 2015 عندما أعلنت الحكومة عن مبادرة صندوق «أملاك»، والذي كان مشروعًا لصندوق سيادي برأسمال خمسة مليارات دولار، لكن المشروع توقف العام الماضي.
وبررت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، سحب مشروع قانون صندوق «أملاك» من مجلس الوزراء، بإعادة النظر في الدراسات الخاصة به.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، تحدث محمود محيي الدين، وزير الاستثمار السابق، ونائب مدير البنك الدولي الحالي، عن ضرورة إنشاء صندوق سيادي في مصر، بالتزامن مع اكتشافات الغاز لاستثمار عوائد الغاز الطبيعي الكبيرة فيه.
وأوضح أن «الصندوق السيادي سيضيف إلى صافي الأصول الأجنبية المملوكة للدولة ويزيد من العملات الأجنبية ويدعم ميزان المدفوعات».
بعد تلك التصريحات بشهرين، قال خالد بدوي، وزير قطاع الأعمال حينها، إن «إنشاء الحكومة صندوقًا سياديا قيد الدراسة، وأنه سيدير الشركات ‏الحكومية».
وأضاف أن «الصندوق سيتملك ويدير جزءا كبيرا من الأصول المملوكة للدولة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزيرة التخطيط رسميًا عن إعداد مشروع قانون صندوق سيادي بغرض إدارة واستغلال أصول الدولة غير المستغلة.

انتقادات لإنشاء صندوق سيادي مصري: باب للاستدانة وهيمنة الأجانب والخصخصة
وزارة التخطيط تنفي نية بيع ممتلكات الدولة… ونائب: القانون أعد على عجل وفلسفته غير واضحة
تامر هنداوي

إشترك في قائمتنا البريدية