يبدو الأمر وكأن ولي العهد محمد بن سلمان سيخوض الانتخابات التشريعية لمجلس العموم في بريطانيا؟ هذا ما يمكن استنتاجه من الحملة الإعلامية والسياسية الضخمة التي قام بها في شوارع العاصمة لندن، طيلة الأيام الماضية، خلال زيارته إلى بريطانيا.
لكن التساؤل الممزوج بالنقد هو الذي يجب توجيهه إلى الفاعلين الإعلاميين والسياسيين البريطانيين الذين قبلوا بالانخراط في هذه الحملة. ولم يسبق لأي ولي عهد في المملكة العربية السعودية التمتع باهتمام سياسي في الغرب على حساب ملك البلاد الرسمي نفسه، كما يحدث مع محمد بن سلمان، حيث يبدو أن ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز أصبح أقرب إلى ملك صوري، لا يملك من زمام الأمور سوى توجيه بيانات بين الحين والآخر، بينما القرار الميداني-الفعلي في يد ابنه محمد بن سلمان. يحدث هذا في فترات زمنية من تاريخ بعض الدول، ومن هذه الأمثلة ما عاشه المغاربة في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، حيث كان الملك الفعلي هو ولي العهد الحسن، الذي سيصبح الملك الحسن الثاني لاحقا، بينما الملك الرسمي محمد الخامس كان قد فقد الكثير من السيطرة على قرارات ابنه.
هكذا، وفجأة أصبحت اللوحات الإشهارية الرئيسية في العاصمة لندن طيلة الأسبوع الماضي تحمل صور محمد بن سلمان، مزينة بشعارات رنانة تقدمه بمثابة الفاتح الجديد لحقوق الإنسان، والسياسي الذي سيعيد صياغة العلاقات الدولية. ولم يسبق لأي عاصمة أوروبية أن شهدت حملة من هذا النوع لصالح سياسي/مسؤول دولة أكان رئيسا أو ملكا أو ولي العهد، بما فيها زيارات كبار قادة من موسكو وواشنطن الذين يقررون مسار مستقبل العالم. وبدون شك، اختلط الأمر على المواطن البريطاني العادي، وهو يشاهد كثرة الإعلانات السعودية، معتقدا بدون شك في الترويج لمنتوج استهلاكي جديد وصل الى الأسواق، أو نجم من نجوم الفن سيقيم حفلا. وبهذا يكون ولي العهد السعودي قد نافس في وعي المواطن البريطاني العادي منتوجات أيفون وسامسونغ وفولسفاغن وإلتون جون وسلعا أخرى لشركات عالمية تقوم بحملات دعائية ضخمة، للترويج لمنتوجها بمناسبة نزوله أول مرة في الأسواق. وأين تكمن نقط الشبه؟ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جاء الى بريطانيا ليبيع سلعة ومنتوجا معينا، وهو أجندته السياسية التي يسميها، الإصلاح الديني والسياسي والمالي، المتمثل حتى الآن في قرارات متناقضة بين حرية المرأة المفترضة، واستدعاء بعض نجوم الغناء العربي، وتسطير برنامج التخلي عن النفط كعمود للاقتصاد السعودي، في المقابل اعتقال عدد من الدعاة وأمراء بدون محاكمة حتى الآن.
ومن خلال المضمون السياسي لهذه الحملة والمستهدف منها، المواطن البريطاني وليس السعودي، يبدو أن ولي العهد وكأنه في حملة انتخابية لدخول مجلس العموم البريطاني بدل تولي العرش في العربية السعودية. أحيانا البوصلة تفقد وجهة الشمال! إن ما أقدم عليه محمد بن سلمان يعكس مدى الغباء السياسي للكثير من المسؤولين في العالم العربي. وهذه الظاهرة لا تقتصر فقط على ولي العهد السعودي، بل تمتد إلى زعماء عرب عندما يزورون الغرب ويقومون بحملات دعائية ضخمة في الصحف وقنوات التلفزيون في محاولة منهم لجلب الاهتمام الإعلامي والسياسي. ونجد الخليجيين يركزون على لندن وواشنطن ونيويورك، وتبقى باريس قبلة المغاربيين، ولهذا يهتم الخبراء من الغرب بالعالم العربي، البعض منهم لاهتمام حقيقي، وآخرون للاستفادة المالية في مثل هذه الحالات، حملات تجميل سياسي.
الحملات الإعلانية من هذا النوع لا تنفع كثيرا، ومحاولة استقطاب الرأي العام في الغرب يمر عبر قناتين، الأولى وهي إقناع الجمعيات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان ومحاربة الفساد بجدية الإصلاحات السياسية، لأن تقريرا إيجابيا من أمنستي أنترناشنال يعادل عشرات الحملات الإعلامية، والقناة الثانية هي مخاطبة الرأي العام الغربي عبر برنامج تلفزيوني سياسي، مثل خضوع أي حاكم عربي للعبة السؤال والجواب بصراحة متناهية. ولا يتوفر هذا في ولي العهد السعودي، وكل الرؤساء والملوك العرب. ويبقى الأساسي هو أن سياسة الإقناع والإصلاح يجب أن يقتنع بها مواطن البلد قبل الأجنبي.
لكن إذا كانت حملة محمد بن سلمان نابعة عن غياب وعي سياسي عميق، وهي تدل على غياب آليات الديمقراطية في السعودية والعالم العربي، فالتساؤل هنا هو: كيف شارك جزء من البريطانيين في هذه الحملة الإشهارية؟ لقد انخرط سياسيون ووسائل إعلام في نشر الدعاية لمحمد بن سلمان، وهو السياسي الذي يفتقر لحد الآن للحد الأدنى من الحس الديمقراطي، رغم الإجراءات التي اتخذها ويرغب من خلالها في الإيحاء بمسار إصلاحي مستقبلا.
شخصيا، تعجبت لانخراط جريدة محترمة مثل «الغارديان» المعروفة بخطابها التقدمي الانتقادي في نشر إعلانات دعائية لولي العهد، علاوة على جرائد ورقية ورقمية أخرى محترمة قامت بالشيء نفسه. والتعجب نفسه مع جريدة مثل «فايننشيال تايمز» التي تدعو للأخلاق في الاقتصاد العالمي، وتعرف الاحتكار والفساد المهيمن على اقتصاد السعودية، ومنها شراء محمد بن سلمان لوحة ويختا وقصرا بقرابة مليار ونصف مليار دولار، وفي آخر المطاف تنشر إعلانات مدفوعة الثمن لولي العهد السعودي.
ما هي المبررات الأخلاقية إنسانيا وسياسيا التي يمكن للمنخرطين في هذه الحملة من سياسيين وإعلاميين بريطانيين تقديمها بشأن تصرف مثل هذا؟ من الصعب العثور على جواب مقنع ولو باسم حرية التعبير، لأن حرية التعبير لا تجعل المرء ينخرط في الدفاع عن مسؤول لا يحترم حرية التعبير.
ويبقى معطى جلي وثابت، رغم مغازلة الحكام العرب للغرب عبر حملات وصفقات، عندما يطرد أي شعب عربي «الحاكم المستبد» لا يستقبله الغرب، بل يلفظه ويطرده ويبتعد عنه مثلما يبتعد المرء عن حامل لمرض معد.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
د. حسين مجدوبي
السياسة بالغرب لا تعني المبادئ لكنها تعني المصالح فقط
ولا حول ولا قوة الا بالله
في ظل أمثال ولد سلمان لا حاجة لإستعمار مباشر للأوطان يكلف المستعمر والهدف هي الثروات. العكس هو ما يحصل الآن من مراهق السياسة حيث هو من يذهب ويعرض الثروات ومن يستنزف المقدر أكثر يرسو عنده عرض الإستعمار الجديد.
المواقف السياسية في الغرب مثلها مثل المواقف العربية والشرقية فكلها مصالح
ولا تعتمد على الاخلاق والمبادئ.
اما الاخلاق فلم ار احد يتمتع بها في السياسة.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الماكر.
تصرفات الحكام العرب تدعو للشفقة، كان الكاتب محقا عندما كتب في الفقرة الأولى هل سيترشح بن سلمان لمجلس العموم البريطاني