اهتمام مصر بالمنطقة الشرقية من ليبيا سيزداد بسبب بناء أول محطاتها النووية بالقرب منها

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» أفردت الصحف الصادرة أمس الخميس 19 فبراير/شباط مساحات واسعة للزيارة التي قام بها الرئيس السيسي لإحدى القواعد الجوية غرب مصر، التي شارك طياروها في الهجوم الجوي ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» في مدينة درنة الليبية.
وأكد أن مصر دافعت عن نفسها وأمنها ولم يكن هجومها انتهاكا لسيادة ليبيا، وأن الجيش المصري لا يعتدي على أحد وأن مصر تتعاون مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، وبذلك يكون قد وضع نهاية للجدل والتنبؤات والتحذيرات من تورط مصر في عمليات عسكرية برية في ليبيا.
وفي الحقيقة فإن من حذروا من ذلك، خوفا من تكرار تجربة إرسال الجيش إلى اليمن بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول سنة 1962، أو من طالبوا بالتدخل، كما فعل الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1977 عندما دخلت القوات المصرية طبرق ردا على العمليات الإرهابية التي مولها الرئيس الليبي معمر القذافي، خاصة التفجيرات في مكتب بريد العتبة في وسط القاهرة، وقطار القاهرة ـ مرسي مطروح، يتناسون أنه يستحيل إرسال قوات للقـــــتال خــــارج مصـــر إلا بموافقة من مجلس النواب، ولا يوجد مجلس الآن، وحتى لو كان موجودا فإن الحرب في أي دولة عربـــية لن يستطيع أي حاكم تمريرها، لأن المصريين لن يقبلوا إلا إذا كانت دفاعا عنها من أي دولة غـــير عربية.
ولكن في الوقت نفسه، لن يتم السماح بوجود أي تهديد مقبل لمصر من ناحية ليبيا، بسبب وجود علاقات شعبية ومصاهرة وتداخل القبائل غرب مصر وشرق ليبيا، وامتدادها حتى الإسكندرية، وجنوبا حتى الفيوم، بالإضافة إلى أن المنطقة ستصبح لها أهمية عسكرية واقتصادية قصوى بعد إنشاء أول محطات نووية لتوليد الطاقة في الضبعة، على مقربة من الحدود مع ليبيا، إضافة إلى إقامة مدن جديدة ومشاريع لزراعة مئات الآلاف من الأفدنة ستتسع لأكثر من أربعة ملايين شخص. لكن التدخل سيأخذ أشكالا أخرى وبعضها الآن علني من تدريب قوات تتبع الجيش الليبي وتزيدها بالسلاح وبدعم أيضا من السعودية والإمارات.
أيضا توسعت الصحف في تغطية اجتماع مجلس الأمن لمناقشة الوضع في ليبيا والمؤتمر الدولي في أمريكا لمكافحة الإرهاب، ومقتل جندي شرطة وإصابة ضابط في حادث إطلاق نار على دوريتهما في السويس. واستمرار مجيء الوفود إلى الكنيسة الأرثوذكسية للتعزية، وجلسة محكمة الجنايات برئاسة المستشار خفيف الظل شعبان الشامي في محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي وقيادات من الجماعة في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، واستمرار تبادل المزح بينهما وتأجيلها لجلسة الواحد والعشرين من الشهر المقبل.
واستمرار الاستعدادات لعقد المؤتمر الاقتصادي الدولي الشهر المقبل في شرم الشيخ، وانتخابات مجلس النواب وإغلاق باب تلقي طلبات الترشح أمس الخميس والاهتمام بقضية لاعب الزمالك عمر جابر، وتأجيل مجلس الوزراء مناقشة موضوع عودة الدوري العام لجلسة الأربعاء المقبل، ومواصلة الاستعدادات لبرامج ومسلسلات شهر رمضان المقبل وموجة البرد الشديدة.
وإلى شيء من أشياء لدينا….

الثأر لدماء المصريين التي أريقت على شاطئ المتوسط

ونبدأ بالهجوم الجوي الذي شنته الطائرات المصرية على «داعش» في ليبيا، وأبرز ردود الأفعال عليه، وما أثاره من ارتياح لدى المصريين وإعادة الثقة في قدرة وقوة الجيش. وقول زميلنا في «الأهالي» لسان حال حزب التجمع منصور عبد الغني يوم الأربعاء: « أعلن المارد خروجه من قمقمه، ومد ذراعه الطويلة إلى العمق الليبي في عملية جوية بدأت مع أول ضوء يوم الاثنين الماضي، ليستيقظ المصريون بعد ليلة مظلمة طويلة وكئيبة علا صوت العميد أحمد يخبرهم بميلاد صبح جديد، وبدء مرحلة تكتيكية وتعبوية مختلفة عما سبق، وأن للمصريين درعا وسيفا. ويعلم القاصي والداني بأن الصبر قد نفد والمجهول في الأجواء الليبية أصبح معلوما مزينا بالعلم المصري مدعوما بتأييد الجيش الليبي لمواجهة الإرهاب في أماكن تجمعه وتدريبه وقبل انطلاقه للأراضي المصرية.
الضربات الجوية المصرية وما حققته من نجاح في تدمير أهدافها، يؤكد أننا موجودون على الأرض نرصد، ونحدد ونراقب، ثم نضرب عندما تستدعي الأحداث ذلك، وهو ما حدث، ليعلم المصريون بأن جيشهم قادر ونسورهم الجوية تستطيع الوصول إلى حيث حماية الأمن القومي المصري شرقا وغربا وجنوبا.
صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد الأعلي للقوات المسلحة عندما قال للإرهابيين نحن نراكم ونعلم من يساعدكم ولن نترككم، ووفي بتعهداته عندما كانت الإرادة الشعبية الكاسحة تنتظر منه القصاص والثأر لدماء المصريين التي أريقت على شاطئ المتوسط من قبل جبناء وعملاء مرتزقة قبلتهم الوحيدة من يمولهم ويوفر لهم السلاح، والتحرك العسكري كان ضروريا في هذا التوقيت ومهما تكن دعايات الأعداء داخل البلاد وخارجها فإن رد الفعل الشعبي وحماية الداخل من الانهيار والتأييد الجماهيري الكاسح يفرض علينا أن نؤدي التحية لمن قرر ونفذ وأعاد إلينا كرامتنا».

مكرم محمد أحمد يطالب بتطبيق
تجربة الحرس الشعبي العراقي على سيناء

أما زميلنا وصديقنا في «الأهرام» نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد فقد استغل الغارة ليتقدم بالمطالب الآتية: «أتصور أيضا أن تجربة الحرس الشعبي التي مكنت عشائر العراق من طرد تنظيم «القاعدة» من كل ولايات الوسط، وساعدت أخيرا على طرد «داعش» من محافظة ديالى، تستحق التطبيق في سيناء، لأن الغالبية العظمى من أهل سيناء تتوق إلى الأمن والاستقرار وتعرف أن تحسين جودة حياتها هي بالقضاء على الإرهاب، وكانوا الأوائل الذين حرضوا الدولة على غلق الأنفاق. وأظن أن من واجبنا جميعا أن نقول للقوات المسلحة ابتداء من قائدها الأعلى إلى أصغر جندي انتم بالفعل أشرف أجناد الأرض، تدافعون عن أشرف قضية وسوف تحققون نصرا حاسما لأن الله ينصر من ينصره وأنتم تنصرون الله بمعركتكم مع الإرهاب».

مذبوحون مرفوعو الرؤوس

وإلى أبرز ما نشر عن المذبحة وكان متميزا وفيه جديد وأوله كان يوم الأربعاء لزميلنا وصديقنا جبر رئيس تحرير جريدة «الشرق» التي تصدرها شركة أونست للعقارات ورئيس مجلس الإدارة الأسبق لمؤسسة روز اليوسف في عهد مبارك، فقد استعان بحكايات الأفلام السينمائية عن المذابح فقال: «فيديو مذبحة المصريين على ساحل المتوسط فاق كل هذه المشاهد البشعة، إعدادا وتنفيذا وإخراجا وتصويرا، وفاجأ العالم بأسلوب جديد في الذبح وقطع الرؤوس بطريقة تشبه المجازر الآلية، ولم تقل بشاعة عن فيديو الكساسبة الذي التهمته النيران وهو صامد كالأشجار الواقفة في عزة وإباء. لفت نظري أن الضحايا المصريين كانوا أكثر شجاعة وصبرا من الجميع كانوا أكثر جرأة من القتلة المجرمين، فرؤوسهم مرفوعة في السماء تناجي رب الكون، بينما القاتل مطأطأ الرأس في خزي وعار، وهو يعلم جيدا أن جريمته لن تمر من دون عقاب، وأن لعنة السماء سوف تهبط فوق رأسه كالصاعقة، وأن البحر الذي صبغ مياهه بدماء الضحايا سوف يكتب لهم الخلود ويكتب له الخزي والعار والفناء».
وبالفعل هبطت لعنة السماء فوق رؤوسهم كالصاعقة وهو ما علمناه في اللحظة نفسها في جريدة «التحرير» من زميلنا وصديقنا الفنان الموهوب حلمي التوني، الذي أمسك بالأرغول وجلس على الدكة يحكي لنا من ألف ليلة وليلة ما يلي نقلا عن شهرزاد وهي تقول لشهريار:
– فلما كان فجر اليوم التالي انتفض طائر الرخ من غفوته وانتقم لأبناء جلدته.

كفانا دماء وبكاء وفقرا وجهلا ومرضا

وفي يوم الأربعاء نفسه هاجم زميلنا في «الأخبار» محمد أبو ذكري السيسي بقوله: «السلطة هي السلطة إنها دائما مع الأمر الواقع وضد التغيير. إن التغيير حدث في ثورتي يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، والمستقبل يمد لنا يديه ولكننا لا نستعد له بالعلم وبالحق والخبز والأمن، العلم غير موجود لأنك لا تستطيع أن تبني مجتمعا علميا من العبيد. والأدب غير موجود لأن الأدب الجيد لا يكتبه أدباء خائفون، والثقافة لا تنتشر لأن النفاق الذي يبثه الإعلام يوميا يحقق لك ما تريد وأكثر. نحن نبحث عن الحرية للشباب الذين نادوا بالحرية، فوجدوا أنفسهم خلف الأسوار في الوقت الذي نرى وجوها فاسدة تجرأت وظهرت على السطح من جديد لتسرق أحلامنا وأيامنا بعد أن نالوا البراءات بلا حساب أو عقاب. قلت لنا أن الماضي لن يعود وها هو ماثل أمامنا قلت إنني مسؤول عن حماية الحدود لأننا في معركة وجود ومات جنودنا على الحدود. قلت إنني مسؤول منكم وعنكم وبكم نتحدى الصعاب، ذهب الشباب لمشاهدة كرة القدم ففاضت أرواحهم بلا سبب. قلت إننا نور عينيك ماذا جرى؟ الماضي عاد بكل قوته وجبروته، الأموال والكلمات والخطب لا تصنع شعبا ولا تبني أملا ولا تحقق حلما.. رفقا بنا يا أبانا وكفانا دماء وبكاء وفقرا وجهلا ومرضا، فبالعلم تحيا الأمم وبالحرية يعيش الإنسان».

الملك سلمان يعيد ترتيب البيت من الداخل

أما زميلنا وصديقنا في «الأخبار» وأحد مديري تحريرها المتخصص في الشؤون العربية أسامة عجاج فقال يوم الثلاثاء: «الطبيعي أن تختلف إدارة الحكم في زمن الملك عبدالله عن المرحلة الحالية للملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى الحكم في أحد أصعب الفترات التي مرت على المملكة على أكثر من صعيد. اقتصاديا انخفضت أسعار النفط إلى أقل من خمسين دولارا للبرميل، مع تحديات سياسية ومخاطر إستراتيجية متعددة ومتنوعة وفي أكثر من اتجاه، تكفي الملفات المفتوحة في المحيط الإقليمي للمملكة، وقد استطاع الملك سلمان وفي أقل من شهر التعامل وبسرعة ملحوظة في إبراز أن هناك جديدا في المملكة، ومن ذلك النجاح الملحوظ في عملية إرساء دعائم انتقال المسؤولية إلى جيل أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، حيث يتصدر المشهد السعودي الآن اثنان من الأمراء الشباب، وولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي احتفظ بوزارة الداخلية، والأمير محمد بن سلمان الذي عين وزيرا للدفاع. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل أن كل المؤشرات تؤكد أن توجه الملك سلمان يسير في اتجاهين أساسيين الأول: إعادة ترتيب البيت من الداخل من خلال أربعة وثلاثين أمرا ملكيا. والثاني: إعادة ترتيب الأوليات الخارجية، مع ملاحظة أن هناك ملامح سياسية خارجية جديدة للمملكة».

«بلاش أنت» يا أحمد عز

وإلى زميلنا في «الوفد» محمود الشربيني فقال يوم الثلاثاء: «عندما يتكلم المال تصمت أشياء كثيرة.. تصمت النخوة والشجاعة والوطنية، نجد أحمد عز، وهو رمز من رموز نظام مبارك بكل ما قاله المصريون فيه، والذي قيل فيه مثلما قاله الإمام مالك في الخمر، متبجحا ساخرا من المصريين وثوراتهم المجيدة مقررا الترشح للبرلمان المقبل وكأنه يخرج لسانه لنا، إن لم يكن «يبصق» على كل نضالنا ضد مبارك وفساده.
كنت أفكر بالأمس في أن الرئيس السيسي لو كان يمتلك ما امتلكه ناصر من جسارة ومن كاريزما، ومن عينين حمراوين، ومن أفكار مبتكرة لمواجهة مثل هذه المواقف، أن يرسل له واحدا من أبنائنا في المخابرات العامة العسكرية أو أمن الدولة «برسالة قصيرة» من كلمة واحدة تقول له بحسم «بلاش أنت» بوضوح، بلاش أنت وبلاش «شهيرة»، رسالة لها مغزاها من نوعية رسائل عبد الناصر التي كانت ترتعد لها الفرائص، وتنخلع لها القلوب، وتنزوي بسببها الفئران في الجحور فلا تخرج أبدا ولا ترى النور».

مرشحون يخدعون البسطاء والفقراء

اييه.. اييه.. بارك الله في محمود وفي كل شربيني بشرط أن يقول ما قاله في خالد الذكر ومن بعده نتحول في يوم الثلاثاء نفسه إلى مجلة «آخر ساعة» الأسبوعية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم ورئيس تحريرها زميلنا محمد عبد الحافظ «ناصري» وقوله عن مقابلة أحمد عز لأستاذنا محمد حسنين هيكل وطلب منه النصيحة فنصحه هيكل الابتعاد عن السياسة وكتابة مذاكراته: «استغل شهرة الأستاذ وأنه يجري سلسلة حوارات تذاع على قناة ذات مشاهدة عالية، وأن كل الصحف، قومية وخاصة وحزبية، تنقل هذا الحوار. وحدث ما طمع فيه عز، عاد إلى الأضواء، وأصبح اسمه على كل لسان. ومع أول يوم ترشيح كان عز أول المتقدمين بعد أن خدع الأستاذ وكذب عليه وضرب بنصيحته عرض الحائط. والقضية ليست شعار ديمقراطية وعدالة، فالديمقراطية الحقيقية ليست أن تترك الدولة واحدا كلنا يعرف أنه كان فاسدا سياسيا، أفرزه نظام أسقطه الشعب لأنه فاسد، يطرح نفسه على أبناء دائرته الغلابة مستغلا حاجتهم وعوزهم ونقص الخدمات التي كان هو أحد أسبابها، فيغدق عليهم الأموال التي نهبها من الشعب، ليعيد تدوير هذه الأموال ويشتري بها أصواتهم ليكتسب حصانة جديدة تمنع المجتمع من المساس به، ولكن الديمقراطية الحقيقية أن يكون هناك فرز أولي لمثل هؤلاء المرشحين الذين خدعوا البلد من قبل ومنعهم من استغلال الناخبين البسطاء والغلابة والمحتاجين. وأرجو من المزايدين أن يمتنعوا عن المزايدة، إننا ما زلنا في سنة أولى ديمقراطية، ويجب أن تتدخل الدولة لمنع الفاسدين سياسيا من خوض الانتخابات كما تمنع المجرمين والقتلة وأرباب السوابق والحرامية والمجانين والمدمنين من خوض الانتخابات».

المجتمع الدولي مازال مع الحل السياسي

ونعود مجددا إلى تداعيات الضربة المصرية في ليبيا ومقال الكاتب طه خليفة في «المصريون» عدد أمس الخميس الذي عنونه بـ«هم من يقررون لنا»، ونقرأ بعض ما جاء فيه: «..ذهبت مصر إلى مجلس الأمن لتطلب قرارا أمميا بالتدخل العسكري في ليبيا، والمسألة ليست سهلة، والقرارات ليست في الدرج، بل هو قرار مرهون بإرادة ورغبة الخمسة الكبار، وليس مصر ومن معها، فإذا كانت العواصم الكبرى لها مصالح في التدخل فسيصدر القرار، سواء طلبت مصر أم لم تطلب، وواضح أنها لا تريد التدخل العسكري، لا تريد فتح جبهة حرب دولية جديدة، فهناك جبهة مفتوحة ضد «داعش» في العراق وسوريا، وبناء تحالف جديد يعني تسليحا وتمويلا واستعدادات ضخمة، فمن هو الذي سيمول وسيتحمل النفقات، والأهم هل الكبار يرون أن الوضع خطير للتدخل دوليا في هذا المرحلة، وهل إذا حدث التدخل ستكون نتائجه إيجابية فورية في القضاء على بؤر الإرهاب، أم ستزيد وتتسع، ويتوافد المقاتلون من كل مكان لتصبح ليبيا أسوأ مما كانت عليه؟ المجتمع الدولي مازال مع الحل السياسي، وكذلك دول الجوار، تونس والجزائر والسودان، أما مصر فهي من تريد التدخل العسكري، والحماس واضح، ولا أدري كيف هي حساباتها الدقيقة في ذلك، ولو حصل تدخل وتم فرض حكومة طبرق وبرلمانها هل سيكونان قادرين على فرض الاستقرار الأمني والسياسي بشكل طبيعي في بلد شاسع المساحة ومليء بالجماعات المسلحة والقبائل المسلحة أيضا، أم سيتم فرض الاستقرار عبر القبضة العنيفة، وهل حتى سيكونان قادرين على فرض الاستقرار بالقمع ؟ أتشكك في ذلك كثيرا، وأمامنا الدول التي تم التدخل فيها مثل أفغانستان والعراق حيث لم يتحقق أي استقرار فيهما، واليوم هناك تدخل في سوريا والعراق لمواجهة «داعش»، وقد مرت أشهر على التحالف المشكل من 60 دولة، وهو يدك «داعش»، لكنه لا يقضي عليه، بل التنظيم يقاتل بشراسة ويسيطر على مدن جديدة أحدثها «البغدادية»، كما يتوافد عليه المقاتلون.
الإرهاب في ليبيا يجب مواجهته بعزله، ثم حربه، هنا ستكون العملية سهلة، ولا تتطلب تحالفا دوليا، وهذا يتحقق بالحوار والتفاوض والحل السياسي مع الشركاء المستعدين للقبول بالعملية السياسية السلمية، والاحتكام للتوافق الوطني والديمقراطية والدولة الوطنية، ومن يقبل بالحوار غير المشروط يكون جزءا من العملية السياسية، وتكون هناك مشاركة للجميع في السلطة، والنظام الجديد الذي سينشأ ومن ورائه حاضنة اجتماعية واسعة فإنه سيكون منوطا به مواجهة قوى العنف غير الديمقراطية التي تصر على حمل السلاح، وممارسة الإرهاب، وهذا أكثر الحلول أمانا في ليبيا، وهو ما يتبناه المجتمع الدولي فعليا….»

مصر تمضي عكس اتجاه الرياح الدولية

وعن الموضوع نفسه وفي العدد نفسه كتب رئيس تحرير «المصريون» ورئيس مجلس إدارتها جمال سلطان مقاله ومما جاء فيه: «التعامل مع المجتمع الدولي يختلف عن تعاملك مع المجتمع المحلي، واللغة التي تستخدمها هنا لا تصلح للتسويق هناك، والخطاب الإعلامي الذي يخدم عليك هنا قد يكون كارثة عليك هناك، هذا ما ينبغي أن يستوعبه صانع القرار وصاحب القرار في مصر، أقول هذا بمناسبة الحديث عالي الصوت للمسؤولين المصريين، سواء رئيس الجمهورية أو وزارة الخارجية عن أنهم يقدمون طلبا لمجلس الأمن الدولي للسماح بتشكيل قوة دولية للتدخل العسكري في ليبيا لبسط الأمن ومحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وأن مصر تضع المجتمع الدولي أمام «الحقيقة» والخطر، المجتمع الدولي ليس في وارد الاستجابة للمطالب المصرية ولو بخطوة واحدة، وهناك رؤية غربية تعتبر أن مصر مشغولة بمصالح أخرى أبعد من محاربة «داعش» وأسبق من جريمة قتل حوالي عشرين مواطنا مصريا في مدينة سرت على يد التنظيم حسبما أعلن، ودلل الإعلام الغربي على ذلك بتكرار هذه التصريحات المصرية المطالبة بالتدخل قبل شهور طويلة وقبل وقوع أي حوادث ضد مواطنين مصريين، المجتمع الدولي ينظر للموقف المصري باعتباره امتدادا لصراع مصر مع تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يملك الحضور القوي في حكومة طرابلس وبرلمانها «المؤتمر الوطني»، وهناك تحذيرات غربية ضمنية متعددة تم توجيهها لمصر بعدم التدخل في ليبيا، لأن أي تدخل سيفجر الأوضاع بشكل أسوأ كثيرا مما هو عليه ويورط المجتمع الدولي في مستنقع إرهاب حقيقي خارج السيطرة. مصر تقدمت بطلب لمجلس الأمن، ومن المفترض أن تنعقد جلسته غدا لمناقشة الوضع في ليبيا، غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى عقدوا اجتماعا أمس بخصوص الملف الليبي، انتهوا فيه ببيان يذهب في مسار مختلف تماما عن المسار الذي تفكر فيه مصر، وقال البيان الصادر عن القوى الغربية إن العملية التي تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية توفر الأمل الأفضل لليبيين لمعالجة التهديدات الإرهابية ومواجهة العنف وعدم الاستقرار الذي يعرقل عملية الانتقال السياسي والتنمية في ليبيا…
وهو يعني أن المجتمع الدولي يرى أن هناك انقساما سياسيا في ليبيا لا يمكن معه الانحياز لطرف ضد آخر، وأنه لا مستقبل ولا مكان لحكومة طبرق منفردة، وأن الحل في حكومة وحدة وطنية تشمل الجميع، مصر ما زالت في مربع أن حكومة طبرق والجنرال حفتر هم الشرعية، والباقون خوارج أو إرهابيون، وأن على المجتمع الدولي أن يمنح السلاح والعتاد لحكومة طبرق وميليشيات حفتر من أجل السيطرة وبسط الأمن، والمجتمع الدولي يرى أن هذه الرؤية ستفجر ليبيا وتحولها لمستنقع إرهاب آخر كما حدث في العراق وسوريا، وهذا يعني أن مصر تمضي عكس اتجاه الرياح الدولية تماما بخصوص ليبيا…».

فهمي هويدي: لا وجود لـ«داعش» في مصر

وفي «الشروق» عدد أمس الخميس تساءل الكاتب فهمي هويدي في مقاله عن، هل صحيح أن «داعش» موجود في مصر؟ فأجاب: «الأصل أنه لا وجود لـ«داعش» في مصر. وإذا كانت بعض المجموعات السلفية المتطرفة في سيناء قد فتنت بصعود نجمه في العراق وسوريا، فقررت ان تنضم إليه خصوصا بعد إعلان ما سمى بالدولة الإسلامية، فإن ذلك يحصر وجود أفكارها في حدود سيناء. وليس هناك أي شواهد عملية تدل على أن ذلك الوجود ظهر في مكان آخر بمصر. لا على مستوى العنف الذي عرفته المدن المصرية، ولا على مستوى الخبرة وكفاءة الأداء. حتى جرائم القتل التي وقعت بصفة استثنائية واستهدفت بعض رجال الشرطة فقد كان لها سياقها الخاص وأسلوبها المختلف.
على الصعيد المعرفي، لا يوجد أي مصدر موثوق به تحدث عن وجود لـ»داعش» في مصر. وهناك اتفاق على أن ذلك التنظيم ينطلق من عقيدة السلفية الجهادية، وأنه يمثل جيلا متطورا من تنظيم «القاعدة» الذي ظهر في أفغانستان…
من زاوية التحليل التاريخي ثبت أن الأفكار لا تهبط على المجتمعات فجأة من السماء، ولكن لها سياقها الذي يستدعيها ويشكلها. فقد تخرج من بيئة مواتية وحاضنة، أو تبرز استجابة لظرف تاريخي معين. فعنصر البيئة يفسر انتشار مذهب ابن حنبل في الجزيرة العربية. كما يفسر تغيير الإمام الشافعي لمذهبه حين انتقل من العراق إلى مصر. وقسوة الخوارج وغلظتهم وثيقة الصلة بالبيئة الخشنة التي خرجوا منها، وإذا وضعنا تلك الخلفية في الاعتبار، فسوف نجد أن وحشية «داعش» من أصداء وحشية النظامين البعثيين في كل من العراق وسوريا.
ومن ثم لا مبالغة في القول بأن ذلك التنظيم ابن شرعى لذينك النظامين. وهذه الفكرة ذاتها تستبعد إمكانية زرع التنظيم في مصر، لأن البيئة تلفظه ولا تحتمله. وعلى أسوأ الفروض فإذا ظهرت أصداء له في المجتمع المصرى بتركيبته ونسيجه الذي يعرفه الجميع فإنها لا تصبح مرشحة للاستمرار أو النماء…. إذا سألتني بعد ذلك، لماذا إذن يلح البعض على أن «داعش» موجود في مصر، ومنهم من يدعي أنه صناعة مصرية؟ ردي على ذلك أن هذا الطرح خارج المعرفة وخارج التاريخ. وهو من قبيل التوظيف السياسي للحدث، الذي لا يتورع عن الكذب والتدليس لتكريس شيطنة الآخر والكيد له. وهو سلوك يستلهم المثل القائل بأن كل ما يمكن أن تكسب به، لا تتردد في أن تلعب به، بصرف النظر عن المعارف والحقائق وحتى الأخلاق.
يخطر لي أحيانا أن أصحاب تلك الدعاوى سوف يسرهم أن ينتشر «داعش» في مصر، بحيث يتحول قطع الرؤوس وذبح البشر بالسكين أو إحراقهم أحياء إلى ظاهرة في المجتمع، وربما رأوا أن ذلك سوف يكسبهم نقاطا في مواجهة خصومهم. فضلا عن أنه سيكون مبررا لتوسيع نطاق القمع وإقامة قواعد النظام الفاشي الذي هتف بعضهم له. أما ما يصيب الوطن آنذاك فهو لا يعنيهم كثيرا وليس ضمن حساباتهم.
وفي هذه الحالة فلن تكون المشكلة محصورة في دعاواهم، ولكن المشكلة الأكبر ستكمن فيمن يصدق زعمهم ويمضي وراءهم».

كيف نحمي مصر من المستنقع الليبي؟

وننهي جولتنا في الصحافة المصرية لهذا اليوم في «الشروق» العدد نفسه ومقال الكاتب أشرف البربري الذي جاء فيه: «حسنا فعلت القيادة المصرية بردها العسكري السريع على جريمة إعدام 21 عاملا مصريا على أيدى إرهابيي تنظيم «داعش». فلم يكن مقبولا أن تمر هذه الجريمة التي أراد مرتكبوها إذلال المصريين، مرور الكرام، لذلك فإن العملية العسكرية الجوية التي نفذها الجيش المصري بعد ساعات قليلة من بث شريط «داعش» نزلت بردا وسلاما على قلوبنا جميعا. العملية الجوية كانت جيدة بالفعل في توقيتها ودلالتها، لكن لا يجب أن تكون مقدمة لتدخل عسكري مصري واسع في ليبيا يعيد إنتاج مأساتنا في اليمن قبل أكثر من 70 عاما. بالطبع ليبيا أصبحت تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري بعد أن انهارت فيها كل مؤسسات الدولة، وأصبحت مرتعا للجماعات المسلحة والإرهابية من كل شكل ولون، والتحرك المصري في هذه الدولة الشقيقة لم يعد اختيارا. ولكن يبقى السؤال الأصعب وهو كيفية ممارسة دور فاعل يحمي الأمن المصري، وفي الوقت نفسه يحول دون سقوطنا في المستنقع الليبي الذي هربت منه دول حلف الناتو قبل نحو 4 سنوات.
تمتلك مصر طوال الوقت حق العمل العسكري للقضاء على أي تهديدات قادمة من ليبيا، في ظل حالة اللادولة التي يعيشها البلد الشقيق. غير أن ممارسة هذا الحق تحتاج إلى قدر كبير من التروي وعدم الاندفاع، لاسيما وأن الرؤية السياسية المصرية لما يجري في ليبيا لا تتوافق مع رؤية أغلب الدول الفاعلة في الأزمة، بما فى ذلك الجزائر وتونس والاتحاد الأوروبي، وهو ما يفرض على القاهرة ضرورة بلورة رؤية أوسع لإعادة الاستقرار إلى ليبيا حتى لا تتحول إلى ساحة حرب استنزاف لمصر.
فتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة تشير إلى انحيازه لخيار العمل العسكري الواسع في ليبيا في إطار دولي، وهو ما يمكن أن يتحول إلى فخ لمصر، إذا ما أعطت دول العالم الضوء الأخضر للقاهرة من أجل التدخل، فتتحمل هي النصيب الأوفر من العبء، لأن السوابق الدولية تقول إن الدولة التي تطالب بتدخل دولي في أزمة ما تتحمل الجزء الأكبر من الثمن، وتكتفي الدول الأخرى بالمشاركة الرمزية.
أي تدخل عسكرى مصرى بري فى ليبيا يمكن أن يتحول إلى كارثة في ظل الحقائق على الأرض هناك. فمساحة ليبيا تبلغ 1.8 مليون كيلومتر مربع، وهو ما يعادل ضعف مساحة مصر تقريبا، وعدد سكانها نحو 6.7 مليون نسمة. كما أن خريطة التنظيمات المسلحة في ليبيا بالغة التعقيد، حيث تضم نحو 10 تنظيمات مسلحة رئيسية و3 مجموعات قبلية كبرى هي القبائل العربية، وقبائل التبو، وقبائل الطوارق، وهو ما يعني أن دخول أي قوات نظامية إلى هذا المستنقع يمكن أن يكرر مأساة التدخل المصري في اليمن وكارثة التدخل الأمريكي في فيتنام والتدخل السوفييتي في أفغانستان.
مؤشرات عديدة تقول إن الفخ الليبي منصوب لمصر وجيشها، فلا يجب أن نسقط فيه تحت تأثير لحظات حماس أو غضب بعد جريمة «داعش» أو تحت تأثير إلحاح فصيل ليبي يخوض صراعا على السلطة ويتمنى الوصول إليها على ظهر دبابة مصرية، لأننا نحن من سندفع الثمن في النهاية».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية