رام الله – «القدس العربي» : كأي قرية في الريف الفلسطيني كانت قرية النبي صالح إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، التي يسكنها ستمئة فلسطيني فقط، تعتاش على زراعة الزيتون والقمح وكافة أنواع الخضار في أراضي القرية الخصبة، لكن امتداد الاستيطان الاسرائيلي والجدار إلى أراضي القرية دمر كل شيء فيها. وبات أهل القرية يعملون كغيرهم من الفلسطينيين في عدد من الوظائف سواء في البنوك أو المؤسسات الرسمية الفلسطينية أو المؤسسات الخاصة.
لكن لا يزال محصول الزيتون يشكل جزءًا مهما من الدخل لسكان القرية، التي ترتفع 570 مترًا عن سطح البحر. وكانت سابقًا تعتمد في تسويق محصولها على مدينتي اللد والرملة في فلسطين المحتلة عام 1948 بسبب قربهما منها، غير ان الحال تغير مع وصول الاحتلال الإسرائيلي إلى فلسطين.
وتعود تسمية القرية إلى مقام النبي صالح الذي بناه صلاح الدين الأيوبي لتعزيز صمود الناس في مواجهة الهجمة الصليبية في تلك الحقبة من الزمن. والنبي صالح محاطة بكثير من الخِرَب الكنعانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، مثل خربة كفر توت وخربة حلبتا. كما فيها الكثير من عيون الماء مثل عين وادي ريا، وعين القوس اللتين صادرتهما سلطات الاحتلال، وعين خالد وعين عامر وعين النحلة وعين الكوابيس.
وقال باسم التميمي لـ «القدس العربي» «بعد عبثية المفاوضات لفترة طويلة، وانفعالية المقاومة المسلحة، أردنا الخروج بنموذج ثالث للمقاومة الفلسطينية يقنع الشعب الفلسطيني. وكان القرار بإطلاق المقاومة الشعبية من قرية النبي صالح في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عام 2009، ولم يكن اختيار التاريخ مصادفة، فهو ذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة في وجه الاحتلال الإسرائيلي».
وأضاف «قدمنا نموذجًا مختلفًا عن المقاومة في النبي صالح، وكان الدور الأهم لهذا النموذج هو وجود المرأة الفلسطينية كفاعل أساسي في هذه المقاومة، وكذلك الطفل الفلسطيني الذي مارس دوره بشكل لافت وإبداعي».
وقدمت النبي صالح منذ عام 1967 حتى اليوم 22 شهيدًا، وفيها أعلى نسبة للتعليم العالي بين سكانها في فلسطين. وللقرية تاريخ طويل سقط خلاله الشهداء وعدد كبير من الجرحى برصاص الاحتلال وكذلك المعتقلين، الذين كان آخرهم ناريمان التميمي زوجة باسم، وابنتهما عهد، ونور ابنة عم عهد التي أفرجت عنها سلطات الاحتلال بكفالة قبل أيام معدودة بعد اعتقال دام 16 يومًا.
المقاومة خيار رسمي
وقال باسم «المقاومة الشعبية أصبحت خيارًا رسميًا، ولحظة الاشتباك التي عاشتها ابنتي عهد بالنسبة لجيلها أعادت المقاومة إلى أذهان الفلسطينيين والعالم بأسره بشكل قوي، بدعم من الإعلام وحضور الكاميرات العالمية، ما زاد من وقع تأثير الصور في فلسطين والعالم».
وكشف خلال حديثه أنه طلب من محامي زوجته وابنته العمل على تأجيل جلسة المحكمة المتوقعة اليوم الإثنين، رغم عدم علمه إن كانت سلطات الاحتلال وافقت على ذلك، والسبب وراء هذا الطلب هو التخفيف من معاناة زوجته وطفلته عهد بعدم نقلهن عبر ما تسميه إسرائيل «البوسطة». واعتبر هذا النوع من النقل عبارة عن «قتل» للأسرى، خاصة أنه يأتي بعد تعب كبير بسبب معاناة التحقيق المستمر وقلة النوم.
وقال إن العائلة أمام خيارين لا ثالث لهما الأول يتمثل بعدم الاعتراف بالمحكمة الإسرائيلية ورفض التعامل معها، وهو ما يجعل إسرائيل تتخذ القرار الذي تريده بحق الزوجة والابنة، والخيار الثاني هو الذهاب للمرافعة والاستئناف ورؤية ما يمكن تقديمه للدفاع عنهما. وكشف أن إحدى تهم زوجته ناريمان حسب لائحة الاتهام تتكون من 300 صفحة، ما يعني أن إسرائيل تحاول إدانتهما بشتى الطرق وإمكانية حكمهما بأحكام عالية.
والتقت «القدس العربي» مع نور التميمي ابنة العشرين عامًا وهي في عامها الثاني في الجامعة كطالبة صحافة وإعلام، بعد أن أفرجت سلطات الاحتلال عنها بعد اعتقال دام 16 يومًا قضتها في سجن هشارون الاسرائيلي برفقة الأسيرات الفلسطينيات اللواتي يقبعن هناك.
وروت لـ «القدس العربي» تفاصيل تجربة الاعتقال الذي جرى ليلة التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي عند الثالثة فجراً، واقتيدت مباشرة من المنزل إلى مركز بنيامين الاعتقال، للتحقيق. واستمر التحقيق معها ليوم كامل، كانت خلاله تجلس على كرس مقيدة اليدين بسلاسل حديدية «كلبشات»، وممنوعة من النوم أو الأكل.
وقالت «حققوا معي مرتين خلال الساعات الأربع والعشرين، ودامت كل مرة ثلاث ساعات ونصف الساعة تعرضت خلالها لتهديدات وضغوطات نفسية كبيرة كلما رفضت الإجابة على الأسئلة أو رفضت الاتهامات التي وجهت لي. وكان ضابط التحقيق يصرخ بصوت عالٍ ويضرب الطاولة مهددًا باعتقال والدي وتخريب المنزل».
عند انتصاف الليلة الثانية، تم نقل نور من بنيامين إلى سجن هشارون، «لم أكن أعرف أي شيء» قالت نور، لكنها رأت مباشرة عمتها ناريمان وابنة عمتها عهد وهو ما هدأ قليلاً من روع هذه التجربة خاصة أنها خرجت للتو من التحقيق ومعاناة عدم النوم والأكل.
غرفة السجن التي كانت فيها نور برفقة ناريمان وعهد ومعتقلتين أخريين، كانت غرفة صغيرة، فيها أربعة أسرة لخمس معتقلات، وكانت كل منهن تتبرع بالنوم على الأرض في إحدى الليالي، وتحدثت عن وجود مدفئة تخرج الهواء الساخن لكنها بالكاد تعمل، كانت كأنها غير موجودة، تقول نور.
وكانت ساعات اليوم تقضيها نور داخل السجن في الدراسة بسبب وجود معتقلات فلسطينيات ممن يحملن شهادات ماجستير. وكان برنامج الأسيرات اليومي هو عبارة عن حصص دراسية في اللغة العربية والإنكليزية والرياضيات، ثم قراءة رواية بشكل يومي، وعمل مطرزات يدوية وكذلك مسابح من الخرز.
ساعات للخروج من الغرفة
وتحصل الأسيرات على ساعات للخروج من الغرفة، وهو الوقت المعروف باسم «الفورة» ما بين الساعة الواحد إلى السادسة مساء، حيث تخرج الأسيرات من الغرف. وكانت نور تذهب إلى غرف الأسيرات لتلتقي بهن وتتعرف عليهن وتستمع إلى تجاربهن في الأسر، وهو ما ترك فيها أثرًا كبيراً من الأمل والألم كما قالت لـ«القدس العربي».
في غرفة السجن هناك «بلاطة» حسب تسمية الأسيرات، وفيها قطعة حديد دائرية كانت الأسيرات تستخدمها للطهي وتحضير طعام «منزلي»، حيث توضع الطنجرة على هذه البلاطة، رغم رداءتها واحتراقها المستمر لكنها الشيء الوحيد المتوفر للطهي.
ونقلت نور عن عمتها ناريمان أنها كانت دائماً متفائلة وتقول لها ولابنتها عهد «تجربة الأسر يجب أن تُعاش بكل تفاصيلها، ومهما طالت هذه التجربة فإنها بالتأكيد ستكون من الماضي». أما عهد فقالت «عندما سمعت قصص الأسيرات حتى الأصغر مني سنًا شعرت بالقوة أكثر، واقتنعت أن باب السجن لا يستطيع أحد إغلاقه إلى الأبد».
غادرت نور السجن عند انتصاف الليل، بعد لعبة أعصاب مارستها سلطات الاحتلال، وتم نقلها من سجن هشارون إلى حاجز جبارة العسكري القريب من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية.
ومشت في ظلام الشتاء الدامس مسافة طويلة بين أشجار الزيتون وهي خائفة للوصول إلى الشارع الرئيسي»كنت على يقين رغم الخوف أنني سأرى نورا في نهاية النفق، وسأجد أفراد عائلتي بعد مسافة ما، وبالفعل وجدت والدي وأفراد عائلتي في انتظاري وتم اصطحابي إلى المنزل» قالت نور.
فادي أبو سعدى
حسبي الله ونعم الوكيل