لندن – «القدس العربي»: يعتبر قرار البرلمان البريطاني الذي وافق على السماح بالغارات الجوية على سوريا أخبارا جيدة للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي سارع بالترحيب بنتائج التصويت (397 لصالح القرار و 223 ضده أي بغالبية 174 ضوتا).
وقال أوباما «منذ بداية الحملة ضد «تنظيم الدولة» كانت بريطانيا شريكا لا يقدر بثمن في القتال ضده. ونتطلع لرؤية البريطانيين وهم يطيرون مع قوات التحالف فوق سوريا وسنقوم بدمجهم في «نظام المهام الجوية للتحالف» في أسرع وقت ممكن».
ولكن الرجل الذي هزمه أوباما في انتخابات عام 2008 الرئاسية صرح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن مشاركة سلاح الجو البريطاني رمزية.
وقال السناتور جون ماكين «سيكون لدينا عدد من المقاتلات الرمزية هناك من البريطانيين وسيقومون بإسقاط بعض القنابل وسنقول لهم شكرا. وسيكون بإمكان الرئيس القول» لدينا الآن البريطانيون الذين سيساعدوننا، وهذا أمر جيد».
وجاء انتقاد جون ماكين للغارات الجوية لاعتقاده أنها وحدها ليست كافية لهزيمة الجهاديين، مع أنه رحب بزيادة الغارات الجوية. وقال ماكين الذي يرأس لجنة الشؤون الأمنية في الكونغرس إن الغارات لن تحدث فرقا «ويجب أن أكون صريحا في هذا الشأن».
ورد الناطق الإعلامي باسم البيت الأبيض جوش إرينست برفض تصريحات ماكين «المتعجرفة» والتي تحاول التقليل من المشاركة المهمة لأهم حلفاء الولايات المتحدة.
عودة العلاقة الخاصة
وترى صحيفة «الغارديان» أن العبارات الدافئة التي برزت من أوباما والمتحدث باسمه أعادت التذكير بعبارة السياسي البريطاني وينستون تشرتشل «العلاقة الخاصة» بين البلدين وتتناقض مع المزاج الذي ساد الإدارة الأمريكية في آب/أغسطس 2013 عندما فشلت الحكومة البريطانية في إقناع البرلمان بالمشاركة في حملة عسكرية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومعاقبته على استخدام السلاح الكيميائي. لكن رفض المشاركة كان مفاجئا للدبلوماسيين وهو ما أدى بالرئيس أوباما لتغيير رأيه والقبول بالمقترح الروسي لتدمير الترسانة الكيميائية السورية.
وتنقل الصحيفة عن بيري كاماك الذي عمل في شؤون السياسة والتخطيط في وزارة الخارجية في حينه قوله إن رفض البرلمان البريطاني أثار انتباه المسؤولين الأمريكيين «ولا أقول إنه كان محددا ولكنني أعتقد أنه ترك بعض الأثر على تفكير الرئيس، وكان واحدا من عدة عوامل، وفي هذه الحالة آمل أن يكون الأثر مختلفا».
ويرى كاماك الذي يعمل الآن بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي أن البعد العسكري لقرار البرلمان البريطاني سيكون محدودا، مشيرا إلى أهميته من الناحية السياسية «حيث أعتقد أن قتال «تنظيم الدولة» هو سياسي كما هو عسكري أيضا».
ويضيف أن التصويت البريطاني «سيساعد الرئيس هنا محليا ودوليا، خاصة في ظل الأسئلة المطروحة حول التحالف خاصة التزام الدول العربية فيه».
وعلق فردريك ويهري المحارب السابق في سلاح الجو الأمريكي قائلا «هذا رئيس حساس لاتهامات التدخل من طرف واحد بسبب إرث بوش، ولهذا فقد كان المدخل المتعدد مهما لعملية ليبيا ويعزز الدعم هنا».
ويرى ويهري أنه يجب عدم التقليل من مشاركة البريطانيين الذين «سيجلبون قدرات عسكرية مهمة مثل التي شاهدناها في حملة ليبيا».
ويعتقد أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان المشاركة البريطانية» ستقوي بالتأكيد الحملة خاصة ان هناك أسئلة في المنطقة حول فعالية التحالف وما هي الجهود التي يبذلها التحالف والحلفاء.
وسيؤدي هذا لبناء الثقة. وسترسل رسالة لروسيا وإيران مفادها أنه كلما كان هنا تضامن غربي في سوريا كلما تم ردعهما ومغامراتهما.
ورغم الفرحة البريطانية إلا أن التصويت البريطاني قسم المعلقين بين مؤيد ومعارض، وكلهم حتى من أيدوا الضربات في سوريا يرون أن الغارات الجوية لا تكفي وحدها.
لا تكفي
وبحسب صحيفة «التايمز» فالتصويت يظهر «تضامنا ضد البربرية، لكنه ليس كاف لحل النزاع المروع».
وتعتقد الصحيفة أن التنظيم يمكنه إعادة خلق نفسه في ليبيا وأفغانستان، فالمعركة طويلة ضده، ولكن من المهم قلع أنيابه.
ودعت كاميرون لإظهار أن الغارات الجوية ستكون فاعلة وستترك أثرا على ساحة المعركة. وبنفس السياق ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن غياب القوات البرية سيؤثر على فعالية الغارات الجوية.
والمهم حسب الصحيفة هو دخول بريطانيا في تحالف مع الولايات المتحدة وفرنسا يجعلها قادرة على لعب دور دبلوماسي ويعيد لها دورها الذي افتقدته على الساحة الدولية.
وترى أن كاميرون كان فجا في توصيفه للنقاش على أنه خيار بين دعم الغارات أو التعاطف مع الإرهاب، فالقضية ليست بهذا الوضوح.
من هو الإرهابي؟
وفي هذا الإطار كتب سايمون جينكنز في صحيفة «الغارديان» معلقا على اتهامات كاميرون لزعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين بأن الأخير متعاطف مع الإرهابيين. وبحسب جينكنز فكاميرون هو الذي يحاول استرضاء الإرهابيين لا كوربين. فإذا كان رئيس الوزراء قلقا من التهديد الإرهابي فعليه أن يقدم استراتيجية متماسكة.
وأضاف جينكنز أن كاميرون مثل سلفه توني بلير «أساء معاملة معارضيه وأتبع سياسة تخويف الرأي العام ونشر معلومات أمنية مشكوك في صحتها».
وعلق أن ما قوض من مصداقية رئيس الوزراء يوم الأربعاء كان رفضه سحب كلامه الذي لطخ فيه سمعه معارضيه، عندما وصفهم «بالمتعاطفين مع الإرهابيين» وهذا «يكشف عن رجل في حالة عصبية لم يكن مستعدا للتنازل عن أي شيء، وهو ما عرضه نفسه لحملات تلطيخ سمعة وأنه «أحمق مفيد» للإرهاب نظرا لاعتماده المطلق على نشر سياسة التخويف».
ويعتقد جينكنز أن دفاع كاميرون عن توسيع الغارات نبع من قرارين سابقين. الأول هو غزو العراق والفشل في تحقيق الاستقرار وبناء ديمقراطية هناك. فقد أسهمت السياسات الأمريكية والبريطانية هناك وبشكل مباشر في صعود «تنظيم الدولة».
وذلك من خلال تفكيك الحرس الجمهوري العراقي وإهانة العرب السنة. ولهذا السبب يعتبر الحرس الجمهوري الآن عصب القيادة والجيش لـ»تنظيم الدولة». أما القرار الثاني فكان «النقاش البائس وغير المرتب لتحالف الدول المستعدة لضرب «تنظيم الدولة» في شمال العراق» حيث صادق مجلس العموم بالإجماع على المشاركة في ذلك التحالف، والآن وقد توسعت الأهداف إلى سوريا فليس من المناسب التوقف عند الحدود.
ويشير جينكنز إلى أن التصويت لم يكن مهما في حد ذاته لأن بريطانيا تقدم الدعم الاستخباراتي وطائرات من دون طيار إلى سوريا و»طلعات جوية إضافية من أجل استرضاء حلفائنا الفرنسيين لن تحدث أي أثر».
ويتهم الكاتب كاميرون بأنه رفض يوم الأربعاء تقبل المنطق الذي يؤيده الخبراء العسكريون ويجعل من القصف فعالا ألا وهو وجود قوات برية على الأرض. ويشير الكاتب هنا إلى ما زعمته اللجنة الأمنية المشتركة أنها ستعتمد على جيش من 70.000 مقاتل. ويقول إن «الجيش الوهمي» يشبه «الملف المزور» والذي جلب لنا أسلحة الدمار الشامل. ويقترح الكاتب على لورد تشيلكوت تأجيل نشر ملف تحقيقه في حرب العراق لكي يشمل أثارها الانتقامية في سوريا.
وذكر جينكنز بالدور الذي تلعبه الغارات الجوية والذي لم يتغير منذ القائد هاريس أثناء الحرب العالمية الثانية، فالمقاتلات تدمر البنايات والمعدات وتقتل الناس ولكنها لا تسيطر على المناطق ولا تستطيع تأمين الانتصارات علاوة على تحقيق السلام والازدهار.
ولكن الغارات الجوية قد تكون فاعلة في المعارك عندما تدعم قوات مصممة على القتال. وربما كان هذا هو الحال في ليبيا ومع الأكراد ضد «تنظيم الدولة».
وربما أسهمت في احتواء «تنظيم الدولة» ومنعته من البقاء في المناطق ذات الكثافة الشيعية قرب بغداد. وفي الأعم الأغلب لا فائدة منها لو لم ترفق بقوات على الأرض.
من دون قوات أرضية
ويواصل الكاتب بالقول إن «كاميرون ليس لديه قوات أرضية في سوريا سواء من جيشه أو قوات أخرى. ومثل غيره من رؤساء الوزراء، فقد أصبح أسير سحر اللوبي الداعي للضربات الجوية والذي يتعامل مع القوات البرية كموضوع ثانوي».
ويقول «المشكلة التي يواجهها كاميرون في سوريا هي أن القوات البرية التي تقاتل بكفاءة لا تمت إلى الجيش الوهمي، ولكن للرئيس الأسد الذي يريد كاميرون تنحيته عن السلطة. يلقى دعما من روسيا وإيران التي عمل كاميرون جهده الابتعاد عنهما.
وبعبارات أخرى فاستراتيجية بريطانيا تقوم على ثلاث دعائم كل دعامة هي بمثابة اللعنة. وفي ضوء هذا «فلنا الحق السؤال: ما هي جدية كاميرون لهزيمة والتخلص من الخطر «الوجودي» على بريطانيا؟ وبهذه المثابة يبدو كاميرون ليس كمتعاطف مع الإرهاب ولكن من يسترضي الإرهاب».
ويقول «في الحروب الثلاثة التي خاضتها بريطانيا هذ القرن ضد دول إسلامية – أفغانستان والعراق وليبيا – وكانت الأهداف هي الإطاحة برؤساء أو القضاء على تهديدات مفترضة على بريطانيا.
وفي كل حالة كانت النتائج كارثية على هذه الدول المعنية. ويناقش قائلا إن تهديد حادث إرهابي ليس تهديدا وجوديا على الدولة. ومن هنا فـ»تأميم» الأفعال الإجرامية مهما كانت دوافعها وشناعتها لا تعطي مبررا للحرب. وعندما تفعل هذا فأنت تحتقر لغة الحرب وتساعد العدو الإرهابي.
ويعلق «في مجلس العموم اعترف كاميرون أن استراتيجيته هي ذات أهداف طويلة الأمد. وألمح أنه يريد الظهور بمظهر من يساعد الأمريكيين والفرنسيين، فهو يريد فعل أمر ما وخطابه كان تعبيرا عن مهمة زاحفة «حسنا نحن نعمل ما نعمله الآن، ولكن دعونا نفعل شيئا أكثر».
ويقول جينكنز ان «تنظيم الدولة» سيتفكك يوما ما، كما تفككت طالبان لو تركت لشأنها عام 2001 .
وسيتفكك التنظيم من خلال حرب استنزاف على الأرض مع قوات محلية. وقد تم تأجيل هذا اليوم من خلال توصيفه كحام عالمي للتشدد الإسلامي.
ومن هنا فاستراتيجية بريطانيا غير متماسكة وغير منسجمة مع التهديدات التي أعلن عنها للشعب البريطانيا، ولهذا تفعل ما تفعل عندما لا تعرف ما تفعل: القصف الجوي.
قوات نخبة
وتنبع أهمية التصويت البريطاني من القرارات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بشأن زيادة أعداد القوات الخاصة في العراق وسوريا.
وفي تقرير أعده كل من هيلين كوبر وإريك شميدت حول تحويل قوات النخبة المعروفة باسم «قيادة العمليات الخاصة» أو (جي أس أو سي) التي وفرت للقوات الأمريكية مرة أخرى لقوات ملاحقة وتصيد للإرهابيين في العراق وسوريا.
ولم يستخدم وزير الدفاع آشتون كارتر إسم الوحدة المختصر عندما كشف عن الخطة أمام الكونغرس، بل وأشار إليها كـ «قوة استهداف استكشافية متخصصة».
ويقول المسؤولون إن قوات الكوماندوز التي سيتم نشرها لن يتجاوز عددها المئة مع قوات دعم أخرى وستقوم بنفس المهام التي مارستها عندما قرر جورج دبليو بوش زيادة القوات العسكرية في العراق عام 2007.
وشنت هذه القوات في حينه عمليات ليلية وكمائن لقتل وإلقاء القبض على مقاتلي القاعدة والنظام البعثي السابق. وفي الوقت الحالي فالعدو هو «تنظيم الدولة» الذي يضم أعدادا من العدو القديم.
ويرى الكثير من المسؤولين الأمريكيين أن الانتشار المحدود للقوات الخاصة هو بداية لتكثيف الجهود العسكرية وبشكل مرحلي في كل من العراق وسوريا. ونقل عن العقيد ستيف وارن المتحدث العسكري الأمريكي في بغداد قوله إن القوات الخاصة ستقوم بمداهمات. و»سيركزون على الأفراد المهمين والأهداف الثمينة».
ويضيف أن وزارة الدفاع تفضل إلقاء القبض على قادة «تنظيم الدولة» وليس قتلهم «لأن هذا سيسمح لنا بجمع المعلومات الأمنية والحصول على رؤية أعمق» عن المنظمة وبنيتها ونشاطاتها. ولكنه أضاف «نتعامل مع هذه العمليات من أجل هزيمة «تنظيم الدولة» و»هذه هي مهمتنا: هزيمة «تنظيم الدولة».
ويأتي هذا التطور في ظل الضغوط التي يتعرض لها البيت الأبيض ووزارة الدفاع لإظهار تقدم في الحرب ضد الجهاديين.
ولهذا فاجأ كارتر مساعديه بشكل الخطة التي كانت في طور الإعداد عن دور وحدات الكوماندوز في شهادته يوم الثلاثاء أمام الكونغرس. ولهذا سارع المخططون في قيادة العمليات الخاصة بقاعدة براغ في نورث كارولاينا وواشنطن لتحقيق ما أعلنه كارتر بشكل مفاجئ.
ويمثل التطور بالنسبة لأوباما الذي يكره توسيع المشاركة الأمريكية في الحرب وإرسال قوات برية وفرق قتالية تصعيدا للحرب، حيث ستعمل القوات الخاصة مع مقاتلي البيشمركه والقوات العراقية وربما قوات عربية في سوريا أثناء المداهـمات هنـاك.
ولهذا ترى الصحيفة أن الإدارة تتخذ خطوات صغيرة لمراكمة الضغط على «تنظيم الدولة».
وبهذا يرى آرون ديفيد ميللر، نائب مدير مركز وودرو ويلسون الدولي إن «الرئيس يحاول تحقيق توازن بين أن يكون بالكامل هناك بنشر قوات كبيرة وأن لا يكون هناك». وأرسل أوباما 3.500 جندي أمريكي منذ إعلان «تنـظيم الدولة» عن «الخـلافة».
ولم يقدم وارين وغيره من المسؤولين العسكريين معلومات عن كيفية عمل القوات الخاصة. ولكنها قد تقوم بعمليات تشبه الغارة على دير الزور والتي شاركت فيها قوات دلتا ومروحيات بلاكهوك ومقاتلة في -22 اوسبريس من العراق إلى دير الزور وقتلت أبو سياف وزير النـفط واعـتقلت زوجـته أم سـياف. ولكن اعتقالها طرح مشكلة حول مصير قادة التنظيم الذي يعتقلون في المداهمات.
وقال مسؤولون إنه لو قبض على أبو سياف لحقق معه في العراق ولأرسل إلى أمريكا للمحاكمة.
قال إيرنست إنه لن يتم إرسال قادة التنظيم إلى معتقل غوانتانامو الذي يحاول أوباما إغلاقه، ولكنه أضاف أنه سيتم تقييم كل حالة حسب الظروف.
إبراهيم درويش