بديهية أن تكون قوميا

حجم الخط
2

من حق القراء أن يقرأوا مايشاءون في كل مقال يكتب، ومن حقهم الاختلاف مع كاتب المقال، ذلك أن كل مقال ينشره كاتبه يصبح ملكا عاما. المطلوب فقط هو عدم الفحش في القول والاختلاف.
أقول ذلك استجابة لقراءات خاطئة، قرأها بعض الإخوة القراء في مقال لي بعنوان «ظاهرة الخليج العربي». وبالطبع فإنني احترم قراءاتهم تلك، إذ أنني كمؤمن بالنهج الديمقراطي الضروري للحياة العربية، أقدس حرية الرأي وتعددية وجهات النظر.
على ضوء ذلك دعني أذكر أولا ببديهية لا يأخذها البعض أحيانا بعين الاعتبار. البديهية، هي أننا، نحن المؤمنين بالعروبة كهوية ثقافية والتزامات تعاضدية بين أبناء الأمة العربية، والمؤمنين بالتالي بضرورة وحدة الأمة العربية ووطنها العربي الكبير، لا نعتبر أي دولة عربية، سواء في الخليج العربي أو المشرق العربي أو المغرب العربي، فوق النقد والمساءلة. ذلك أننا نعتبر أنفسنا، إضافة إلى كوننا مواطنين في الدولة العربية، التي ولدنا فيها وعشنا فيها طيلة حياتنا وتمتعنا بخيراتها، أننا أيضا مواطنون في كل بلد عربي آخر، ولو لم نتمتع بالصفة القانونية لتلك المواطنة.
ولذلك فاننا معنيون بكل خطر مهدد لأي دولة عربية، أو لأيّ اقليم فرعي عربي، وقلقون من كل ممارسة سياسية واقتصادية واجتماعية خاطئة لأيّ نظام حكم عربي، وذلك من منطلق أن الضّرر على الجزء يحمل ضررا على الكل.
ومن أجل درء الأخطار وتقويم الممارسات الخاطئة نمارس النقد الموضوعي لأي دولة أو أي نظام أو أي مسؤول، من دون أن نشعر بالحرج أو الغربة أو التدخل في شؤون لا تخصّنا. وبالطبع فإننا عندما نشير إلى الأخطاء والخطايا في هذا البلد أو ذاك، في هذا الإقليم الفرعي أو ذاك، أو ننتقد هذا المسؤول أو ذاك فإننا حتما، منطقيا وأخلاقيا والتزاما عروبيا ورفضا للانخراط في عبثية الصراعات الفرعية الطائفية، أو القبلية أو المناطقية، لا يمكن أن نعني بأن البلدان العربية الأخرى أو الأقاليم الفرعية العربية الأخرى أو المسؤولين الآخرين هم مجتمعات مثالية يسكنها ملائكة.
فالواقع الذي يعرفه الجميع هو أن جميع المجتمعات العربية موبوءة بالأفكار والسلوكيات والممارسات السياسية والاجتماعية الخاطئة.
ولذلك فعندما ننتقد الأوضاع في بلد أو منطقة، فإننا لا ننسى قط الحقيقة المرة، وهي أنه لا يوجد بلد عربي واحد ولا يوجد إقليم فرعي عربي، لا ترتكب فيه الأخطاء والخطايا.
ولا يوجد نظام سياسي عربي لا يعاني من ألف مشكلة ومشكلة. ذلك أننا نؤمن بأن تقدم الوطن العربي كله هو المدخل الثابت المضمون القوي لتقدم كل دولة من دوله، وأن تقدم ونهوض كل دولة عربية، هو إضافة مهمّة، ولكنها جزئية، لنهوض الوطن العربي كلّه.
من هذه المنطلقات، وبتلك الروح كان نقد الأدوار السلبية التي لعبتها وتلعبها بعض دول الخليج العربي في الحياة العربية. وما جاء في مقال «ظاهرة الخليج العربي» موجود في عشرات الكتب، وفي ألوف المقالات التي كتبها إخوة من مواطني الخليج العربي. وهي محاولة من جميع المناضلين، فكرا وسياسة والتزاما بالثوابت العروبية، لجعل الخليج العربي يتجه نحو لعب أدوار إيجابية في الحياة العربية كلّها.
لقد ضاعت فرص كثيرة لجعل ثروات الخليج العربي الهائلة رافعة من روافع النهوض العربي. ومع ذلك هناك فرص كثيرة في المستقبل المنظور لتجنّب لعب أيّ دور سلبي، إذ يكفي هذا الوطن العربي المنكوب المستباح نكبات الأدوار السلبية الكثيرة التي لعبتها وما زالت تلعبها دول عربية كثيرة أخرى في مشارق الوطن العربي ومغاربه، هي الأخرى ليست فوق اللّوم والنقد والمساءلة.

كاتب بحريني

بديهية أن تكون قوميا

د. علي محمد فخرو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زهير العبيدي فنلندا:

    احسنت واصبت يا اخ العرب تحياتي

  2. يقول علي النويلاتي:

    لو أن الدول العربية الغنية تستثمر ثرواتها في مشاريع زراعية وصناعية واستغلال الثروات المعدنية والطبيعية والمواصلات في الوطن العربي بدل إستثمارها في أمريكا وأوروبا وغيرها التي خسرت معظمها مع السنين، لما ضمنت هذه الإستثمارات فقط وإنما لضاعفتها ولقلبت العالم العربي رأساً على عقب. أليس من المؤسف أن مصر ودول الخليج العربي وغيرهم يستوردون القمح والشعير واللحوم والألبان من دول مثل أستراليا وكندا في آخر معامر الأرض والسودان لوحدها بإمكانها أن تطعمهم وتطعم العالم العربي من القمح والخضار واللحوم والألبان، وتوفر عليهم مليارات الدولارات؟ الحكومات والتجار والبنوك والمستثمرين العرب والشعوب العربية وطلائعها هم المسؤولون عن هذا العبث والغباء وتحطيم الذات. عدم وجود الديموقراطية التي تفتح المجال للشعب للإشتراك في صنع القرار وفي تنظيم نفسه وإختيار خيرته لتحمل المسؤولية هو المصيبة التي لن نخرج منها حتى أن ننتزع حقوقنا الديموقراطية. إلى متى سوف يستمر هذا الوضع الخطير ومتى سوف يقول الجميع كفى.

إشترك في قائمتنا البريدية