برامج المقالب العربية البائسة والخشية من مناقشة الأفكار بدل سجنها: ماذا لو حاوروا ناصر الزفزافي تلفزيونيا؟

 

من بين أتفه البرامج في معظم التلفزيونات العربية فقرات «الكاميرا الخفية»، ومردّ ذلك إلى كونها تقوم على مقالب سخيفة وممجوجة، وتحاول استدراج نجوم معينين إلى تلك المقالب، من خلال مشاهد مملة وطويلة، تتخللها لحظات تشنج حقيقية أو مصطنعة، يقوم فيها الضيف بإطلاق عبارات قدحية، يتم إخفاؤها خلال «المونتاج» بمؤثر صوتي، حتى لا تخدش حياء المشاهدين.
وخلال كل تلك المشاهد، يحاول أصحاب المقلب استفزاز النجم، للوصول إلى لحظة توتره القصوى، بغاية إضحاك الجمهور عليه، وتحقيق فرجة مبتذلة ومسفّة، يسعى القائمون على القنوات من ورائها إلى جلب عائدات مهمة من الإعلانات التلفزيونية، ضاربين عرض الحائط أخلاقيات العمل الإعلامي التي تستوجب مراعاة الكرامة الإنسانية واحترام قيم المشاهد وذكائه.
ثمة صنفان من فقرات الكاميرا «البيئسة» في التلفزيونات العربية: أولهما صنف من «المقالب» المهيأة مسبقا مع «ضحاياها» الذي يكونون غالبا من نجوم الفن أو الرياضة أو الإعلام، ويحاول المشاركون فيها إيهام المتفرج بكون ما يشاهد على التلفاز مقلب حقيقي وعفوي وتلقائي، وليس متفقا عليه سلفا. لكن اللعبة غالبا ما تنكشف إما من طرف المُلِمِّين بالصناعة التلفزيونية أو من طرف الناس العاديين.
وفي أحيان أخرى، نجد بعض الفنانين أنفسهم ممن يشاركون في فقرات الكاميرا الخفية يعترفون بأن المسألة لا تعدو كونها «لعبا في لعب»، مقابل أجر مجز يتقاضاه ذلك الفنان الذي يتقمص دور ضحية المقلب.
في الصنف الثاني من الكاميرا الخفية، يجري استدراج نجوم معينين للإيقاع بهم في مواقف محرجة، قبل أن يتدخّل معدّو البرنامج لتهدئتهم والتخفيف من غضبهم في نهاية الحلقة. وأمامنا مثالان على تفاهة هذا الصنيع: المثال الأول ما وقع للكاتب الشهير رشيد بوجدرة مع قناة «النهار» الجزائرية قبل أسابيع، حيث تحوّل برنامج حواري معه إلى مشهد مهين يتم فيه إجباره على النطق بالشهادة أكثر من مرة من طرف ممثلين يقدمان نفسيهما على كونهما شرطيين.
والمثال الثاني يتجلى في ما وقع للفنان النجم أيمن قنديل مع قناة «النهار» المصرية قبل بضع سنوات، حيث استدعاه فريق برنامج فني، زعم في البداية أنه يشتغل لحساب قناة مصرية ـ ألمانية، ليفاجأ قنديل أثناء تسجيل الحوار بكوّن القناة «إسرائيلية»، على حد ادعاء المذيعة، وهو ما فجر بركان الغضب لديه، لدرجة توجيه صفعة قوية إلى المذيعة وإلى أحد الفنيين.
وهكذا، يتضح أن برامج الكاميرا الخفية العربية (في معظمها) تعكس فقرا مهولا في الخيال والإبداع والذوق، فتتحول إلى لحظات مملة، قد تستهوي فقط مَن يتلذذ بمشاهدة المآزق التي يقع فيها الآخرون.
وما أحوج مسؤولي القنوات العربية إلى أخذ الدروس من هذا النوع التلفزيوني الموجود في الغرب، حيث تكون الكاميرا الخفيفة «خفيفة» فعلا وظريفة، لا تتعدى مدتها ثوان قليلة، ولا تتضمن أية إساءة وأي تجريح في «الضحايا».

بدل محاورته… سجنوه!

حكى صحافي مغربي أنه خلال إحدى الدورات التدريبية المخصصة لحرية التعبير، سألت مسؤولة في المؤسسة الألمانية المشرفة على النشاط قياديا نقابيا: هل يمكن لجماعة «العدل والإحسان» أن تتحدث للناس عبر التلفزيون المغربي؟ وحين أجابها بالنفي، سألته عن السبب، فقال: لأنها بكل بساطة جماعة محظورة. وهنا، استغربت تلك المسؤولة من عدم فتح نقاش عمومي للأخذ والرد حول أفكار وتوجهات جماعة معينة لها أتباعها الكثيرون، بغض النظر عن الموقف منها.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع ما يجري من حراك في الحسيمة وما أفرزه من أخطاء تواصل الأجهزة الرسمية ارتكابها، مسيئة إلى صورة «الاستثناء المغربي» التي روجت لها كثيرا خلال السنوات الأخيرة.
ومن بين تلك الأخطاء: القمع البوليسي العنيف للحركات الاحتجاجية والزج برموز الحراك في السجن. وتساءلت من باب الافتراض ليس إلا: ماذا لو قامت إحدى القنوات المغربية ـ مثلا ـ باستضافة ناصر الزفزافي في برنامج حواري، يحاوره فيه عدد من الصحافيين المستقلين الأكفاء، ويدخلون معه في جدل بناء تتضح معه الفكرة والفكرة النقيض، وذلك لأن المهم هو مناقشة الأفكار وليس الزج بأصحابها في السجن.
وإذا كان هناك من يرى أن الزفزافي مخطئ في مواقفه وآرائه، فليظهر خطأه بالحجة والبرهان أمام الناس، من خلال حوار تلفزيوني مباشر معه.
إن المنع والقمع يحيط هالة كبرى بالممنوع والمقموع، ويجعله يزداد اقتناعا بصواب رأيه، كما يجعل الكثيرين يقتنعون بأنه على حق. لقد استخفوا في البداية بناصر الزفزافي، ثم حوّلوه ـ بدون رغبة منهم ـ إلى بطل، من خلال إيداعه السجن.
أليس في المغرب حكماء؟

كيف أصبحت ثريا؟

اقترح بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن يستضيف البرنامج التلفزيوني الترفيهي المغربي «كي كنتي كي ولّيتي» (كيف كنت وكيف أصبحت) عددا من المسؤولين الموجودين على رأس مؤسسات عمومية أو مجالس بلدية أو ريفية، وذلك ليطلع الناس على التحول الصارخ الذي شهدته حياتهم من موظفين أو عمّال بسطاء إلى أثرياء يملكون ثروات ضخمة، وكذلك ليعرف المشاهدون مصدر تلك الثروات التي تراكمت في بضع سنوات.
مناسبة هذا الاقتراح التقارير الصحافية التي تُنشر من حين لآخر عن مسؤولين يرفلون في ثراء فاحش، بعدما كانوا يعيشون العوز، ويستغلون مناصبهم من أجل تكديس الأموال، في غفلة من القانون ومن المحاسبة.
ألا يحق أن يُوجَّه لهم سؤال: «من أين لك هذا؟»

كاتب من المغرب

برامج المقالب العربية البائسة والخشية من مناقشة الأفكار بدل سجنها: ماذا لو حاوروا ناصر الزفزافي تلفزيونيا؟

الطاهر الطويل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد بان أمزميز المغرب:

    أن يستضيف التلفزيون الرسمي ناصر الزفزافي هو ضرب من الخيال و الجنون !!! فأولي الأمر استكثروا عليه الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم لا يريدون أن تزداد شعبيته ؛ لذلك قاموا بالإيقاع به من أجل سجنه و منعه من التواصل مع الجماهير لأن من يملك فن الخطابة و التلقائية يرعبهم لأنه ببساطة يكون وحش الشاشة و الإعلام؛ و هذا شيء لا يقبله المخزن لأن من يجب أن يكون دائم الحضور في الإعلام هو الملك فقط!!!!!

  2. يقول عبدالعزيز -اسبانيا:

    ما لك يا أخي تقول الملك وغصة في حلقك؟ نعم الملك ليس في التلفاز بل هو في قلوبنا ووجداننا اما يمثل من رمز لمغربنا الحبيب.
    اتفق مع الأخ الطاهر وسائل الاعلام هي ملك للشعب هو من يمولها من ضرائب،ولهذا يجب ان تكون مرآة تعكس تطلعاته ومبتغاه ووسيلة للتواصل مع كافة مكونات الشعب بكل اطيافه وألوانه السياسية والأيديولوجية في إطار الاحترام المتبادل والمنافسة لما فيه خير بلدنا العزيز.
    ان شاء الله سوف يحل هذا الاشكال والتوتر وان شاء الله سيخطب الملك من الحسيمة وينتهي تدريجيا باختفاء أسباب هاته الاحتجاجات.هاته الاخيرة ظاهرة صحية فهي تمثل نوعا من الرقابة على اعمال الهيآت المنتخبة محليا بعد ان فقد السكان ثقتهم في الحكومة والأحزاب ،وأم يفقدوا الثقة في الملك

  3. يقول ali:

    لو كان في المستوى و مؤهلا لما يقوم به ، لاستضافه التلفزيون و وسائل الإعلام.

إشترك في قائمتنا البريدية