برنارد لويس عاش ليشهد ما بشر به من تصادم الحضارات

توفي السبت 19 مايو الماضي المفكر والخبير في شؤون الشرق الأوسط والإسلام برنارد لويس عن عمر ينقص 12 يوما عن السنة الثانية بعد المئة. ولويس يعتبر أخطر منظري المحافظين الجدد، الذي صك مصطلح «تصادم الحضارات» وبرر حرب العراق واحتلالها، وأحد منظري التفتيت الطائفي، وأكثر المؤثرين في السياسة الأمريكية المتطرفة والموغلة نحو اليمين العنصري والمعادي لكل ما هو عربي وإسلامي.
وهو صديق حميم لليكود والمتطرفين الإسرائيليين، بل إنه نصحهم بغزو لبنان عام 1982، ونظّر لغزو العراق وتسليم السلطة فيه للغالبية الشيعية، وصاحب نظرية «إن لم نهرس رؤوسهم هناك سيأتون إلينا ليهرسوا رؤوسنا هنا». ومن شعاراته العريضة: « كن قاسيا عليهم هناك وإلا فاخرج»، وكان يقصد المتطرفين الإسلاميين أي الغالبية الساحقة من المسلمين، لأن التطرف الإسلامي بالنسبة له يعني عدم الالتحاق بالحضارة الغربية. لقد استمع إليه المحافظون الجدد جيدا وطبقوا كثيرا من نظرياته على حساب دماء ملايين العرب والمسلمين.
ولد لويس في بريطانيا في 31 مايو 1916 لأبوين يهوديين هاجرا من أوروبا الشرقية. وتخرج من جامعة لندن ودرّس فيها، لكنه انتقل إلى جامعة برينستون الشهيرة في نيوجرسي عام 1974 وظل فيها حتى وفاته. أصبح مقربا من الطبقة السياسية في الحزب الجمهوري، خاصة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني. وساعدته معرفته الأكاديمية وتبحره العميق في أوضاع الشرق الأوسط على التنبؤ، وشرح الاضطراب الذي هيمن على المنطقة في العقود الأخيرة. كما نشر عدة كتب تفسر من وجهة نظره التطرف الإسلامي وتخلف المسلمين، خاصة كتابه «ما الخطأ؟» الذي نشره بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ويقصد كيف انحرف الإسلام والمسلمون عن خط التطور والحضارة وأصبحوا في نهاية ركب الدول، ما زادهم حقدا على «الحضارة المسيحية اليهودية» المجسدة في الغرب. وكان متحمسا للنموذج التركي الذي يقوده العسكر، ولكن عندما تحولت تركيا إلى الديمقراطية عاد وصنفها مع بقية المسلمين المتطرفين، وطالب بطردها من حلف الناتو.

لويس ودراسات الشرق الأوسط

لا يوجد طالب في قسم العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط إلا تعرف على برنارد لويس، من خلال كتبه الثلاثين ومقالاته العديدة حول الإسلام والمسلمين والدولة العثمانية. ولويس ضيف ثقيل في أحد كورساتي التي أدرسها وعنوانه «الإسلام والديمقراطية». فلا تستطيع طرده ولا تتحمل ثقل وجوده. فهو من بين القلة القليلة من الأكاديميين الذين يعتبرون أن علة العرب والمسلمين في عدم التحول للديمقراطية هي الإسلام وليس المسلمين. بينما هناك عدد كبير من العلماء يقدمون العديد من التفسيرات، من بينها التدخل الخارجي، والتجربة الكولونيالية، وسيطرة النظام السلطوي، والنفط والدولة الريعية، وضعف المجتمع المدني، وتهميش المرأة وغير ذلك من نظريات عديدة.
أهم أفكار لويس تحولت لدى ديك تشيني وكوندوليزا رايس وبول ولفووتس لبرامج تدمير وتفتيت في أفغانستان والعراق واليمن وسوريا وليبيا وفلسطين. وكان ديك تشيني يفتخر بأنه تعلم الكثير من لويس. ومما قاله ديك تشيني معلقا على معارف لويس عشية غزو العراق: «في هذا القرن الجديد، يسعى صناع القرار السياسي والدبلوماسيون وزملاؤه الأكاديميون ووسائل الإعلام الإخبارية إلى الحصول يوميا على قبس من حكمته». وتابع على الطريق نفسه، مايك بومبيو وزير الخارجية الحالي معلقا على وفاة لويس: «لقد كان عالما حقيقيا ورجلا عظيما. التقيت به مرة واحدة فقط، ولكن قرأت الكثير مما كتبه. إنني أدين بكثير من فهمي للشرق الأوسط لعمله ودفاعه عن الديمقراطية في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك في الشرق الأوسط».
موقفه من التخلف الإسلامي والجهاد والتطرف
من الذين شرحوا عنصرية لويس وغيره من الذين يدعون فهم الشرق الأوسط ودياناته، المفكر إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» الذي اتهم فيه جماعات المستشرقين، ومن بينهم لويس بتشويه صورة الإسلام والمسلمين وهم لا يعرفون شيئا عن الحضارة والتاريخ الإسلاميين، بل يقيسون التقدم والتخلف بمقاييس غربية بحتة. ينظر لويس إلى المسيحية والإسلام كحضارات كانت في تصادم دائم منذ ظهور الإسلام في القرن السابع. كما يدمج باستمرار اليهودية مع المسيحية، ويطلق عليهما عبارة منحوتة من الكلمتين (جودايك- كريستان) ويعتبر الفكر الغربي عامة، الذي أنتج الرأسمالية نتاجا طبيعيا لتلك المزاوجة بين اليهودية والمسيحية. في مقالته «جذور الغضب الإسلامي» الذي نشره عام 1990 جادل بأن الصراع بين الغرب والإسلام عاد، وبدأ يكتسب القوة والزخم مع تفتت العدو الشيوعي للفكر الغربي. وأدخل لويس في هذا المقال مصطلح «الأصولية الإسلامية» إلى الأكاديميا الغربية، خاصة في أمريكا الشمالية، كما صاغ في هذا المقال عبارة «صراع الحضارات»، التي ستعقب نهاية الحرب الباردة، في معرض التنبيه لأشكال الصراعات المقبلة. وهو المصطلح الذي التقطه أستاذ العلوم السياسية في جامعة ييل صاموئيل هنتنغتون، وهو أحد المعجبين بلويس. ونشر مقاله المشهور بالعنوان نفسه في مجلة «الشؤون السياسية» الشهيرة عام 1993، ثم حوله إلى كتاب عام 1996. قدم لويس بعض استنتاجاته حول الثقافة الإسلامية، والشريعة، والجهاد، وظاهرة الإرهاب في عصرنا الحديث في كتابه: «الإسلام – الدين والناس». وكتب عن الجهاد على أنه «التزام ديني» متميز، لكنه يشير إلى أنه «من المؤسف أن الأشخاص الذين يشاركون في أنشطة إرهابية ليسوا أكثر إدراكًا لدينهم». كتب حميد دباشي، صديق إدوارد سعيد وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا في 28 مايو 2018 ، في مقال بعنوان «عن برنارد لويس و قدرته الاستثنائية على ارتكاب الخطأ»: «كان له دور فعال في التسبب في معاناة هائلة وسفك الدماء في هذا العالم، لقد كان أحد الخائفين من الإسلام وقضى حياته الطويلة في دراسة الإسلام، من أجل تشويه صورة المسلمين، وتعبئة القوة العسكرية الهائلة لما سماه الغرب ضدهم». وتابع دباشي في مقاله بمناسبة موت لويس: «تخيلوا فقط: ما هو نوع الشخص الذي يقضي حياته في دراسة أشخاص يكرههم؟ إنه أمر غريب للغاية لكن هذا الشخص هو بين يديك. لقد فعل الراحل برنارد لويس ذلك بالضبط». أنظر ما جرى ويجري في أفغانستان والعراق. إنهما بلدان مسلمان يعيشان حالة خراب اليوم. ملايين من العرب والمسلمين قُتلوا ودمرت حياتهم، وتعرضوا لإهانة الاحتلال العسكري، وتم تشريد الملايين الذين انتهوا إلى مخيمات اللاجئين. لقد فتحت للويس قبل غزو العراق أبواب واشنطن، وأصبح المستشار المفضل لديك تشيني وكوندوليزا رايس والمحافظين الجدد. ونصحهم بغزو العراق. ورأى لويس أن من المهم أن يحكم العراق الشيعة، من خلال نظام ديمقراطي حر، مع إمكانية تطوير المؤسسات الديمقراطية في بلد عربي مسلم. وكان يعتقد بأن العراق نموذج يثبت ذلك، ما يسبب القلق لجميع الطغاة الذين يحكمون دول المنطقة، لأنه إذا نجحت التجربة في العراق فقد تنتقل إلى الدول المجاورة. فانظروا أين وصلت الأمور بالعراق والدول المجاورة.

رد إدوارد سعيد على لويس

اعتبر المرحوم إدوارد سعيد، أستاذ دراسات الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، أعمال لويس مثالا صارخا على خطل المستشرقين في كتابه «الاستشراق» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1978، ثم عاد وأكد على الفكرة نفسها في كتابه الأخير «تغطية الإسلام» (1997).
أكد سعيد على أن المستشرقين الغربيين كانوا يبحثون في كتبهم على تأكيد السردية الذاتية بدلاً من الدراسة الموضوعية، وهذا شكل من أشكال العنصرية التي تبتعد عن الحياد العلمي وتتعامل مع الآخر بنظرة فوقية وعنصرية بعيدا عن الموضوعية. وفي مقابلة مع جريدة «الأهرام» الأسبوعية تساءل سعيد عن الحياد العلمي لبعض العلماء البارزين في الشرق الأوسط، بما في ذلك لويس، واقترح سعيد أن معرفة لويس بالشرق الأوسط كانت متحيزة، إلى درجة أنه لا يمكن أخذها بجدية، وقال إن لويس لم تطأ قدمه الشرق الأوسط أو العالم العربي. لقد عرف شيئاً عن تركيا لكنه لا يعرف شيئاً عن العالم العربي. واعتبر سعيد أن لويس يعامل الإسلام ككيان واحد متناغم؛ أي أنه يضع كل المسلمين في سلة واحدة بدون أن يرى تعدد أبعاده، وديناميكياته الداخلية، وتعقيداته التاريخية، واتهم سعيد لويس بـ «الديماغوجية» والجهل الصريح. وفي معرض كتابه تغطية الإسلام، قال سعيد إن «لويس ببساطة لا يستطيع التعامل مع تنوع حياة المسلمين، ويعتبرهم أقل بكثير من البشر».
ما نراه اليوم في عالمنا العربي نتاج لأفكار خطيرة عممها برنارد لويس وأمثاله مثل صموئيل هنتنغتون ومارتن كريمر وغيرهم، وكلهم في المحصلة يخدمون المشروع الصهيوني، في منطقة ظلت تلفظه فلم يجدوا أفضل من التفتيت والحروب الطائفية والاحتلالات. والخطير أن هذه الدعوات العنصرية الشوفينية الخطيرة ارتكبت تحت غطاء الأكاديمية والبحث العلمي والموضوعية.

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

برنارد لويس عاش ليشهد ما بشر به من تصادم الحضارات

د. عبد الحميد صيام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الله المملكة المتحدة:

    الان عند قاضي السماء. اللهم بكل نفس ازهقت بسببه، فاره ضعفا من العذاب خالدا فيه.

  2. يقول عصفور _ امريكا:

    شكرا للأستاذ عبدالحميد صيام على هذا التوضيح لصورة لويس احد الحاقدين على المسلمين ولربما يتعظ ويفيقوا من غفلتهم أولياء الأمور في العالم العربي والإسلامي.

  3. يقول فلسطين:

    شكرًا اخي عبدالحميد على هذا المقال الذي يعرفنا بشخصية حاقدة كان لها الأثر الكبير في كل ما جرى ويجري في أفغانستان والشرق الأوسط حتى الان. ونحمد الله انه قد وجد من يرد عليه في بلاد الغرب من قبل الدكتور ادوارد سعيد الذي وضح للعالم مدى حقده على الاسلام والمسلمين. نعم لقد هلك برنارد لويس ولكن أفكاره تعيش في اذهان الكثير من المجرمين المتنفذين في أمريكا والغرب بشكل عام. وقد سمعنا الكثير من الاعترافات بالاخطاء في افغانستان والشرق الأوسط مثل اعتذار تونس بلير وغيره ولكن ذلك لم يكن رادعا أو محفّزا لأي تغيير في السياسة الامريكية حتى الان بل ان الأمور تزداد سوءا مع حضور ترامب على الساحة السياسية والقادم أسوأ.

إشترك في قائمتنا البريدية