«بحلف لو كانت السياسة مثل غناك ما كان في مشاكل». تعليق بسيط أطلقته المغنية الإماراتية أحلام في برنامج «أرب أيدول» يلخص ببساطة قضية مهمة مفادها أن السياسة هي السبب في مشاكل العالم العربي، بينما لو ترك الأمر للفن لصفى القلوب وأشاد الجسور وقرب الشعوب من بعضها بعضا. فالعرب أمة واحدة فرقتها السياسة الظالمة، سواء فرضت من الخارج أو نبعت من الداخل، يوحدها الفن والتاريخ والحضارة واللغة والهم والألم والأمل.
لقد لعب الفن بأشكاله المتعددة في العصور الحديثة دورا كبيرا في تقريب العرب من بعضهم، قلوبا وعقولا، مشاعر وهموما، فرحا وحزنا. كانت عندما تغني سيدة الغناء العربي أم كلثوم كل يوم خميس من أول كل شهر من شهور الصيف، يستمع العالم العربي لها من محيطه إلى خليجه. وكذلك فعلت فيروز التي جعلت من بلدان العالم العربي باقة من الزنبق تتغنى بها وأبت بكل شموخ أن تغني للأشخاص مهما سمت مراتبهم. وفعل الشيء نفسه الشعراء مثل نزار قباني ومحمود درويش، والممثلون والممثلات مثل فاتن حمامة وفريد شوقي وشكري سرحان، والمطربون الكبار أمثال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ووديع الصافي وناظم الغزالي وصباح فخري ومحمد عبدو. وكذلك فعل رسامو الكاريكاتير مثل ناجي العلي وصلاح جاهين وعلي الفرزلي وكتاب الرواية والمسرحيات وأخيرا دخل المذيعون والمذيعات ومقدمو البرامج التلفزيونية على الخط، وأصبحت بعض البرامج الحوارية والثقافية والترفيهية تحظى بشعبية كبيرة يشاهدها ملايين العرب.
الراحة الأسبوعية في أحضان «أرب أيدول»
الغناء جزء أصيل من النفسية العربية، بسبب تعلقنا كأمة باللغة العربية أساسا وبالكلمة الجميلة الساحرة وباللحن الأصيل، الذي دعا كاتبا مثل أبي الفرج الأصفهاني لأن يدون أغاني العرب في كتابه الشهير «الأغاني» في 24 مجلدا، حيث استغرق تأليفه 50 عاما. فكيف لعربي أصيل ألا يطرب لفيروز في روائعها عن زهرة المدائن وشوارعها العتيقة، ويسأل مع جوليا بطرس أين ملايين العرب ويذرف الدمع على بكائيات سعدون جابر ويهدي والدته في عيد الأم رائعة فايزة أحمد «ست الحبايب». لهذه الأسباب وعشرات غيرها يهرب العرب زرافات ووحدانا يومي الجمعة والسبت ليستمتعوا ببرنامج «أرب أيدول» الذي يذاع على شاشة «إم بي سي» من بيروت وتصبح كل حلقة من الحلقات حديث الناس في البيوت والمقاهي ومواقع التواصل الإجتماعي وبرامج الصباح على الراديو والتلفزيون، ويختصم الناس فيمن سيفوز باللقب، ومن صاحبة أو صاحب أجمل صوت. لكن الفائز الحقيقي هو الشعور القومي، والتواصل العربي وتوحد المشاعر العربية حول موضوع ما حتى لو كان الغناء.
تعبنا من الأخبار- تعبنا من الاقتتال العربي العربي، تعبنا من التجاذبات الطائفية، تعبنا من أخبار الميليشيات والجماعات الإرهابية والبراميل المتفجرة وأخبار الانتحاريين والتكفيريين، تعبنا من أخبار قادة لا يحلون عنا إلا بموت طبيعي أو بموت مدبر. تعبنا من تدمير تراث الأمة ومعالمها التاريخية باسم الإسلام. تعبنا من أخبار التدخلات الأجنبية وغطرسة الكيان وتهميش نصف المجتمعات. تعبنا من هدر الأموال العربية أو تبديدها في شراء الأسلحة. تعبنا من أخبار الفساد والفاسدين الذي يسرقون قوت شعوبهم ويكنزونها في بنوك الغرب. تعبنا من تسريبات ويكيليكس وتسريبات الجزيرة. حقيقة تعبنا ونريد أن نأخد استراحة قصيرة. فهل مسموح لي كعربي بسيط أن أتابع برنامجا ترفيهيا يقربني من إخوتي العرب، ويشعرني بأن أمير هو أخي الصغير ومحمد بن صالح هو جاري وهمام هو صديقي ودالية هي بنتي ويعقوب معلم حفيدتي، ومهند هو تلميذي في الجامعة وروان هي صديقة بنتي. وهل هناك برهان أكبرعلى تقارب الشعوب العربية خُلقا وخـِلقة أكثر من هذه الباقة من النجوم الصاعدة؟
فلسطين فوق الخلافات – تحية للجنة التحكيم
هكذا يجب أن يتعامل العرب مع فلسطين. فلسطين يجب أن تكون فوق الخلافات وفوق الشبهات وفوق الإقليميات وفوق الأيديولوجيات وفوق الأحزاب. فلسطين يجب أن تبقى القاسم العربي المشترك الذي يلتف عليه أبناء العروبة الصادقين الطيبين المتحررين من العنصرية بكافة أشكالها. يجب أن تظل الخيمة التي يلتقي فيها العرب جميعا حتى لو اختلفوا على كل الأشياء الأخرى. لقد مثل حكام «أرب أيدول» هذه العينة الجميلة من المواطنين العرب الذين يحترمون فلسطين وأبناءها ومواهبها وشعبها المناضل. فمنذ البداية ظلت فلسطين حاضرة على مدى البرنامج. كانت تمثلها عشرة أصوات موهوبة واستقر الأمر على اثنين في الحلقة النهائية أمير ويعقوب. فلسطين كانت حاضرة في تحيات أحلام للشعب الفلسطيني العزيز وقناعة نانسي بأن فلسطين ستبقى تنضح بالزهور والمبدعين، وموجودة في تحيات وائل للأصوات الجملية التي مثلت شعبها المناضل وتعليقات حسن الموزونة لفلسطين وممثليها على مسرح أرب أيدول. فلسطين كانت حاضرة في الموسم الثاني الذي فاز به محمد عساف، والموسم الثالث ممثلة بصوتي منال موسى وهيثم خلايلي. وها هي حاضرة بقوة في الموسم الرابع وتستعد للفوز باللقب مرة ثانية. وفي رأيي أن فوز فلسطين يسعد ملايين العرب أكثر من أي فوز آخر. فوز الفلسطيني هو فوز لقضية شعب مظلوم محاصر مشرد. فوز يقدم صورة حضارية أخرى لشعب مبدع ينجب العلماء والشعراء والكتاب والمغنين والممثلين والإعلاميين. الفوز يرد على كل من يحاول أن يشيطن هذا الشعب سواء كان موجودا وراء البحار أو في الساحات الداخلية.
لقد فازت فلسطين حتى لو لم تفز باللقب النهائي. لقد فازت بحب الملايين من العرب لأمير ويعقوب ونادين وروان. وفازت فلسطين عندما جلس ملايين العرب حول تلفازاتهم يستمعون لأمير ويعقوب يصدحان بالأغاني الشعبية الفلسطينية، وبإدخال كلمة فلسطين في الموال والأغنية، حتى لو لم تكن موجودة في الأصل. فازت فلسطين والحكام الأربعة الواحد تلو الآخروهم يثنون على المواهب الفلسطينية ويوجهون التحية للشعب المناضل أينما كان، بل إن سعادتي تضاعفت عندما رأيت نادين قادمة من الناصرة وأمير دندن قادما من مجد الكروم ليقفا إلى جانب ابن بيت لحم وروان عليان ابنة غزة. هذه هي وحدة الشعب الفلسطيني الحقيقية وليس من يجلسون على الكراسي إلى الأبد في غزة ورام الله. لذلك يعتبر الفلسطينيون أن هذا اللقب، إن حازوا عليه، لا يمثل انتصارا لشخص فحسب، بل لشعب عريق تم الاعتداء على وطنه وتمزيقه ورميه في الشتات. هذا التمزق الجغرافي حاولت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أن تستثمره بكل وقاحة وكتبت في صفحاتها: عربي إسرائيلي ينافس فلسطيني من الضفة فرد أمير ويعقوب على هذا الإدعاء التافه بأننا «فلسطينيون حتى العظم، وأن علم فلسطين فقط سيرتفع، سواء فاز يعقوب أو أمير». وأود أن أؤكد أن من يمنع صوته عن أمير لأسباب جغرافية إنما يوجه طعنة للشعب الفلسطيني الواحد، ومن يمنع صوته عن يعقوب لأسباب دينية إنما يوجه طعنة للشعب الفلسطيني كذلك. وكل ما نتمناه أن يمنح أبناء الوطن العربي أصواتهم لمن يستحق بالفوز عن جدارة لأسباب تتعلق بالقدرات والإمكانيات والمواهب الفنية فحسب.
مساحة صغيرة للحلم العربي
كدنا نيأس من وجود فضاء ولو صغير يجمع العرب جميعا أو يجتمعون حوله فوجدناه في برنامج تلفزيوني. فقد أكدت الإحصائيات أن عدد مشاهدي البرنامج يصل إلى عشرات الملايين. وفي الحلقة التي فاز فيها محمد عساف ذكرت تقارير حينها أن عدد من شاهدوها تجاوز الثمانين مليونا. إذن هي مساحة للقاء العرب جميعا بمكوناتهم العرقية والدينية والثقافية في أجواء من المحبة والتنافس الشريف الحضاري البعيد عن العنف والتخوين والتهميش والاستعلاء والتصنيف. إنها مساحة جمعت أيضا المكونين الكردي والأمازيغي للوطن العربي، فما زادوا الحلقات إلا ثراء وجمالا ومحبة. لقد وجدنا في برنامج «أرب أيدول» رقعة جغرافية عربية بدون حدود وبدون تأشيرات وبدون عنف وبدون كراهية وبدون تمييز. إنها مساحة للحلم لأمثالنا الذين تربوا على حلم الوطن العربي الكبير من «الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان». فدعونا نحلم بذلك اليوم الذي لا بد أن يأتي عندما يسمح للشعوب العربية أن تقرر مصيرها بنفسها.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرزي
د. عبد الحميد صيام
نعم،، البرنامج،، مساحة وفضاء ،لما هو جميل ونبيل وواعد بالصوت والصورة والحضور الإنساني البسيط، والفطري ،لأنة، لأنها تريد ،،أن تغني،،
شكرآ ، د. صيام ، لقد أسعدتني بقراءة ،،تعليقك،، والزمن الجميل،، الذي نفتقدة ،، كالحلم العربي الكبير ،،الذي داعبنا طيفة، وطرنا على،، بساط الريح،،إلى
…تونس الخضراء …مع فريد الأطرش،لنطوف بلدان العالم العربي ،ندعو اللةأن يحفظ بلادنا من أمر اض السياسة،والسياسيين، الطائفية والمذهبية،
فنحن بالأصل لسنا هكذا ،وتبقى ،،قضية العرب،، القاسم المشترك ،وفوق كل المهاترات من أي جانب وزاوية رأي ورؤية مختلفة .
دكتور عبدالحميد على هذه الأرض مايتسحق الحياه , الأغنيه والموال والشبابه واليرغول ( المجوز ) والزغروده هي جزء لا يتجزأ من هويتنا العربيه المتاصله منذ 10,000 الااف عام على هذه الارض فمهما حاولوا لتمص هذه الهويه ومحاولاتهم الائسه لتذويبنا في المجتمعات الذي نقيم فيها فهي محاولا اليائس لن ينجحوا فمهما خلقوا من مسيميات فلسطين هي طريقنا الذي لن نضله ابدآ ,أنا علمت اولادي العربيه والدبكه ولبس الثوب الفلسطيني المطرز الذي هو الأخر هويه أخرى لن تسقط الرايه وحتمآ أننا عائدون
أجيبيني !!
أنادي جرحك المملوء ملحاً يا فلسطيني !
أناديه وأصرخُ :
ذوِّبيني فيه .. صبّيني
أنا ابنك ! خلّفتني ها هنا المأساةُ ،
عنقاً تحت سكين .
أعيش على حفيف الشوقِ ..
في غابات زيتوني .
وأكتب للصعاليك القصائد سكّراً مُرّاً ،
وأكتب للمساكين .
وأغمس ريشتي ، في قلب قلبي ،
في شراييني .
وآكل حائط الفولاذ ..
أشرب ريح تشرين .
وأدمي وجه مغتصبي
بشعرٍ كالسكاكين .
وإن كسر الردى ظهري ،
وضعت مكانه صوّانة ،
من صخر حطين .. !!
فلسطينيةٌ شبّابتي ،
عبأتها ،
أنفاسي الخضرا .
وموّالي ،
عمود الخيمة السوداءِ ،
في الصحرا .
وضجة دبكتي ،
شوق التراب لأهله ،
في الضفة الأخرى .
____________
إبن النكبه :العائد إلأى يافا
لاجىء فلسطيني
مقاله جميله بكلمات رقيقه ، تقع على النفس كالموسيقى والغناء ، تعود بنا الى ذلك الزمن الجميل ، أم كلثوم ، عبد الحليم ، فريد الأطرش ، فيروز ، شكري سرحان ، فريد شوقي ، عبد الوهاب . هم وحدهم من استطاع جمع العرب بوحده حقيقيه من الشرق الى الغرب . في صباح اليوم الثاني للبرنامج الذي يجمع ويوحد الملايين ، أي يوم الجمعه يعود كل ملايين العرب الى أعمالهم وحياتهم وافكارهم ووضع العصبه على أعينهم لكي لا يروا سوى ما يؤمنون به من تعصب ، تدين ، عنصريه ، اقليميه . نعود الى… مصري ، سوري ، جزائري ، مغربي ، لبناني ، فلسطيني ، أردني ، خليجي ، عراقي ، موريتاني ، يمني ، سوداني ، تونسي ، ألخ.. فلاح ، مدني ، بدوي ، مسلم ، مسيحي ، سني ، شيعي ، علوي ، درزي ، كافر ، مؤمن … محجبه ، سافره ، فقير ، غني ، وما الى ذلك من الكثير الأهم في حياتنا لكي نزرعه بعنايه في أطفالنا وشبابنا لكي نكرس لهم مستقبل لا يميل شعره عن تلك الحقيقه . الزمن الماضي المسمى بالجميل !! لم يكن سوى حقبه شاذه قصيره في حياتنا مرت كالحلم واستيقظنا منها في يوم الجمعه التالي لبرنامج آراب ايديل الممتع الجميل الموحد للعرب .
كما عودنا العزيز عبد الحميد فهذا المقال يأتي في وقته بالفعل، فهو واقعي ويعكس ما يختلج في داخل الكثيرين منا في ضوء حالات الاحباط التي ماانفكت تلازمنا بسبب الأوضاع المتردية في العالم العربي بأسره. وان أشار هذا المقال الى شيء فانما يشير الى القدرات المكنونة لدى شبابنا وشاباتنا والتي هي فقط بحاجة الى المناخ المناسب لكي تظهر وتتفتق وتنمو وتزدهر. وكل ما اتمناه هو ان تتجلى هذه القدرات أيضاً، الى جانب الفنون، من موسيقا وغناء ورسم وتمثيل ونحت وسواها، في مجالات العلوم والابحاث التكنولوجية والابتكارات العلمية التي نحن أيضاً بأمس الحاجة اليها. شكراً للأخ عبد الحميد على هذا المقال وشكراً لمن شاركوا في هذا البرنامج الفني، فهم اضافة الى الأداء المتميز والتنافس الشريف للحصول عى اللقب فقط ذكرونا على الأقل “بالايام الخوالي، أيّامات الزمن الجميل”، زمن الفن الأصيل والاداء المبدع.