بروكسيل ـ «القدس العربي»: هل تمتلك لندن بوصلة استراتيجية لتحديد مستقبلها بعد بريكست (استفتاء مغادرة الاتحاد الأوروبي الذي جرى في 23 حزيران/يونيو 2016) أم أنها فقدت الرؤية الواضحة لصالح الغموض، ما يجعل التردد والعشوائية يطبع قراراتها في هذا الشأن خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة.
وتاريخيا، يشهد لبريطانيا أنها الدولة التي نجحت في رسم جزء هام من معالم الخريطة السياسية العالمية بحكم طبيعتها في الماضي كقوة استعمارية لم تكن تغيب عنها الشمس، وبالتالي قامت بتقسيم العالم ومنح الاستقلال وفق أهوائها ومصالحها. في الوقت ذاته، تميزت معاهد الدراسات الاستراتيجية والاستخبارات بصلابة تحاليلها في العلاقات الدولية وهو ما ينعكس إيجابا على القرارات الاستراتيجية للحكومات المتعاقبة في لندن. لكن كل هذه التجربة لم تنفع الآن في تحديد الرؤية المستقبلية بعد بريكست الذي يجب أن يطبق عمليا يوم 29 اذار/مارس 2019، ويعني الطلاق بين الطرفين وفق المادة 50 من قوانين الاتحاد الأوروبي. ويعود هذا أساسا إلى استمرار البحث عن الكيفية الملائمة لفك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي، ثم نوعية العلاقات مع الجيران الأوروبيين، وأخيرا: كيف سيكون موقع بريطانيا في الخريطة الدولية خلال العقد المقبل وما يليه؟
لم تنضم بريطانيا إلى العملة الموحدة الأوروبية اليورو، فقد حافظت على عملتها الجنيه الإسترليني. ونظريا فك الارتباط الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي يعتبر عملية ليست بالسهلة ولكنها ليست بالمعقدة. في الوقت ذاته، توجد اتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية غير عضو مثل سويسرا والنروج قد تكون نموذجا يعتمد عليه. لكن كل هذا لم ولن يساعد بشكل فعال في إيجاد صيغ مناسبة لإعادة تشكيل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد بريكست.
ويوجد تشدد من طرف الاتحاد الأوروبي، فهذا الأخير يعتقد أنه قدم تنازلات تاريخية لبريطانيا لانضمامها إلى الحظيرة الأوروبية على أمل مساهمتها في البناء الأوروبي، واستفادت الشيء الكثير سياسيا واقتصاديا في وقت عمدت لندن إلى نهج سياسة معاكسة بتأخير انطلاق القطار الأوروبي الموحد بسبب الكثير من الاعتراضات على بعض الاتفاقيات. ويكفي أنها لم تنضم إلى اتفاقية العملة الموحدة، كما رفضت الانضمام إلى اتفاقية شينغن التي تقوم على حرية التنقل بين الدول الأعضاء. وكان الاتحاد الأوروبي يرمي من خلال الإجراءين الاقتراب من النموذج الأمريكي القائم على حرية التنقل والعملة الموحدة لخمسين ولاية مع معطيات أخرى بطبيعة الحال نظرا لأن الولايات المتحدة دولة.
وتوجد تيارات بشأن التعامل مع بريكست البريطاني، تيار ينتمي إلى هياكل مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويرغب في إذلال لندن نتيجة تخليها عن هذا الاتحاد ويتشدد في فرض إجراءات مثل قطاع الجمارك والضرائب على السلع والمنتوجات البريطانية، وتيار يمثله سياسيون في بعض الدول ومنها فرنسا حيث يطالبون بليونة نسبية حفاظا على المصالح الوطنية ومنها مثلا ما أوردته جريدة «لوفيغارو» أن كل تشدد قد يؤثر سلبا على مصالح باريس التي تستفيد من الميزان التجاري مع لندن.
وسيجد لا محالة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بعد مفاوضات شاقة، آليات لتنظيم العلاقات المالية مستقبلا، لكن الأساسي هو نوعية العلاقة السياسية مستقبلا بين الطرفين ثم وضعية بريطانيا في الخريطة العالمية في ظل تغييرات عميقة. الاتفاق حول القضايا المالية ومنها الجمركية وكذلك الاجتماعية وهي وضعية المهاجرين الأوروبيين في بريطانيا ووضعية البريطانيين في دول أوروبا وارد، لكن التفاهم في السياسي سيتراجع، حيث من المرتقب أن تبقى بريطانيا على هامش القرارات الأوروبية الكبرى وخاصة سعي الدول الأوروبية إلى إرساء دفاع سياسي مشترك. وسيساعد خروج بريطانيا على بلورة الاتحاد الأوروبي لسياسة خارجية موحدة، وهي التي افتقدت كثيرا للوحدة بسبب مواقف لندن المعارضة دائما، ومنها ملف العراق خلال العقد الماضي وكيف أحدث فجوة بين لندن وشركائها الرئيســيين في أوروبــا مثل باريس وبرلين.
ورغم متانة العلاقات التاريخية بين لندن وواشنطن، لن تجد بريطانيا تعويضا في الولايات المتحدة للعلاقات التي ستفقدها مع أوروبا بسبب بريكست. ويعود هذا إلى التوجه الآخذ في التبلور وسط الإدارة الأمريكية الرامي إلى الانكماش على الذات الأمريكية في الصناعة والتجارة والقضايا الدولية الكبرى، وهو ما تترجمه قرارات الرئيس الحالي دونالد ترامب من خلال الضغط على الدول الأوروبية في الحلف الأطلسي لكي ترفع من الإنفاق العسكري لتتولى مستقبلا الدفاع عن نفسها، وهي المواقف التي أعرب عنها في قمة هذا التكتل العسكري يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع الجاري. كما يترجم ترامب سياسته عبر الرفع من الضرائب على الواردات بما فيها البريطانية.
لقد بررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي برغبة جزء هام من الشعب البريطاني التحرر من القيود البيروقراطية للمفوضية الأوروبية التي تكبل الاقتصاد البريطاني، علاوة على عدم تحمل مجيء الأوروبيين للعيش في هذا البلد. وهذه المعطيات صحيحة للغاية، لكن من ضمن الأهداف عير المعلنة وقتها هو رغبة بريطانيا إعادة تموضعها في الخريطة العالمية من خلال تزعم مستعمراتها السابقة سياسيا واقتصاديا للتحول إلى قطب عالمي إلى جانب الكبار مثل روسيا والولايات المتحدة والصين. وهذا هاجس يسيطر على لندن منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لا تريد خسارة قطار القوى الكبرى.
لكن لا يمكن لبريطانيا تزعم دول الكومنويلث لبناء قطب قوي مستقبلا، لأن أغلب المستعمرات السابقة تنخرط في اتحادات قارية ولم تعد تستمع كثيرا لتوجيهات لندن مثل الكثير من الدول الأوروبية. ويضاف إلى هذا ان الكثير من الدول تبحث عن صداقات وعلاقات متميزة مع أقطاب كبرى مثل الصين وروسيا، وهذا على حساب مصالح لندن.
لقد كان بريكست فترة أعرب من خلالها جزء هام من الشعب البريطاني عن فرحة كبيرة بشأن استعادة سيادة اعتبروها مفقودة لدى الاتحاد الأوروبي، لكن ما تواجهه بريطانيا الآن هو قضية الانتماء الاستراتيجي. لقد فقدت أوروبا، وهي عاجزة لأسباب منطقية عن تحويل الكومنولث إلى قطب عالمي، بينما الولايات المتحدة بدأت ترسم طريقا مختلفا خاصا بها.
11HAD
د. حسين مجدوبي
بريطانيا خسرت أوروبا ورجعت كجزيرة خارج القارة الأوروبية! الإتحاد الأوروبي لم يخسر شيئاً والدليل بثبات عملته واقتصاده!! ولا حول ولا قوة الا بالله
العقلية الانجليزية عقلية تسير ببوصلة بيولوجية ليست كالعربية، خروج بىيطانيا من الاتحاد الاوربي خروج إلى دول الكومنولت ، دول التاريخ الاستعماري والمجد الامبراطوري بسوق واعدة تقدر بملايين المستهلكين وموارد اقتصادية مهمة ، وفي نفس الوقت خروج من اوربا المهاجرين ، انها البرغماتية من اوسع ابوابها هذه هي االعقلية الانجليزية لا تنهزم ولا تيأس ، تنظر إلى الأمام فقط وهذه هي الحداثة. شكرا