القاهرة ـ «القدس العربي»: ضمن المنتخب السعودي أول حضور عربي في كأس العالم 2018، بعد تغلبه على ضيفه العنيد والثقيل المنتخب الياباني، بهدف نظيف في ملعب «الجوهرة المُشعة»، في ختام المراحل النهائية لتصفيات قارة آسيا المؤهلة للحدث الكروي الأهم على مستوى العالم.
المُلاحظ من نتائج هذه الجولة، سواء في القارة الصفراء أو السمراء، هو انتعاش آمال منتخبات عربية أخرى نحو حلم الذهاب إلى موسكو الصيف المقبل، وربما تشهد جولة أكتوبر/ تشرين الاول صعود منتخبين عربيين برفقة الأخضر السعودي، مع احتفاظ اثنين آخرين بفرصهم حتى إشعار آخر، وهذا إن حدث، سيكون بمثابة الطفرة بالنسبة للكرة العربية، التي اقتصر حضورها في آخر مونديالين على محاربي الصحراء فقط.
أشهر علم عربي
عانت المنتخبات العربية الآسيوية والأفريقية الأمرين في السنوات الـ12 الأخيرة، فقط الجيل الذهبي للمنتخب الجزائري، كان على موعد مع دخول التاريخ، بتمثيل شعوب لسان «الضاد» في جنوب أفريقيا ثم البرازيل، ربما المشاركة الأولى لم تكن موفقة رغم أنها في القارة الأم، إلا أن الأمور تحسنت كثيرا في المغامرة الثانية، بدليل، أنه باعتراف مدرب أبطال العالم يواكيم لوف، أكثر منتخب أرهق الماكينات في البطولة التي تُقام مرة واحدة كل 4 سنوات، هو الجزائري. لكن لنتفق، أن اكتفاء العرب بممثل واحد في آخر مونديالين لم يكن أمرا صحيا على الإطلاق، وكان عبئا أكثر على عرب آسيا بوجه عام، وكبيرهم «المنتخب السعودي» بوجه خاص، فهو الآخر، لم يذق طعم الظهور في المحفل العالمي الكبير منذ كارنفال ألمانيا 2006، عندما أوقعته المجموعة مع شقيقه التونسي برفقة الثنائي الأوروبي إسبانيا وأوكرانيا. منذ تلك اللحظة، لم يظهر أشهر علم عربي في العالم في كأس العالم، ففي التصفيات المؤهلة للمونديال الأفريقي، خرج المنتخب من الملحق الأخير أمام البحرين، في مباراة 2-2 الشهيرة جدا، عندما أدرك المنتخب البحريني هدف التعديل برأس إسماعيل عبداللطيف في الثانية الأخيرة من الوقت المُحتسب بدل من الضائع، ردا على هدف حمدي المنتشري في الدقيقة 92.
لحظة فارقة
وهبط منحنى المنتخب السعودي لأدنى مستوياته في تصفيات كأس العالم 2014، بالفشل حتى في التأهل للملحق الأخير، الذي يضع أفضل ثالث في آسيا مع خامس أمريكا اللاتينية، قبل أن يُغير الفيفا اللوائح، بوضع ثالث آسيا مع رابع الكونكاكاف في التصفيات الحالية. أقل ما يُمكن قوله، أن المدرب الهولندي بيرت مارفيك جاء في وقته، لينتشل أبطال آسيا ثلاث مرات، من براثن الضياع، بعد سلسلة من النتائج الكارثية، أعادت اسم السعودية لنقطة الصفر في الخريطة العالمية، بالخروج من قائمة أفضل 100 منتخب في العالم بضعة أشهر، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل. وحسنا فعل وصيف العالم 2010، بإحداث الطفرة التي يبحث عنها الشعب السعودي، أسفرت عن منتخب معروف قوامه، بداية من الحارس «المعيوف»، مرورا بالثنائي هيساوي في قلب الدفاع، مع وجود سلمان الفرج ونواف العابد في الوسط ومحمد السهلاوي وناصر الشهراني في الأمام، وهؤلاء يُمكن اعتبارهم «القالب»، الذي يبني عليه مارفيك استراتيجيته وفقا لكل مباراة، مع تغييرات في أضيق الحدود، وهذا أعاد ما يُسمى القوام الرئيسي للمنتخب، عكس الحالة التي كانت عليها في حقبة المدرب الإسباني السابق خوان رامون كارو.
دور المُدرب
ويُحسب للمدرب ومعه هذا الجيل الرائع من اللاعبين، أنهم رفعوا شعار التحدي بعد سلسلة الانكسارات الأخيرة أمام اليابان، ومن ينسى الهزيمة النكراء بخماسية نظيفة في كأس آسيا، وأعقبها خسارة موقعة طوكيو في ذهاب هذه التصفيات، لكن بفوزهم المُستحق على هذا الخصم العنيد، الذي يفوق رجال مارفيك فنيا وبدنيا وتجاريا أيضا (باعتراف خبراء الكرة السعودية أنفسهم)، نجحوا في ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول التخلص من عقدة الساموري الأزلية في المباريات الحاسمة، وإعادة كبرياء هؤلاء اللاعبين بعد نكسة «الخمسة» بالذات، والثاني وهو الأهم… تحقيق حلم الملايين بالحصول على تأشيرة الســفر إلى موسكو مطلع صيف 2018.
بعيدا عن الإحصاءات المُذهلة للمدرب الهولندي، الذي يحظى في هذه الساعة بمعاملة الملوك والرؤساء في المملكة، منها على سبيل المثال فوزه في 12 مباراة من أصل 18 في رحلة التصفيات، في المقابل خسر ثلاث مرات وتعادل في مثلها، لكن من شاهد المباراة، رأى كيف تعامل بدهاء ومكر لضرب نظيره البوسني وحيد خليلوزيتش في الوقت المناسب. لعب مارفيك بطريقته المُعتادة 4-2-3-1، مع تعليمات صارمة بتوفير أقصى طاقة لحرب الشوط الثاني، كيف لا وهو يفهم جيدا أن فارق اللياقة البدنية لا يصب في مصلحة رجاله، أمام المنافس المُتسلح بكوكبة من المحترفين في مختلف دوريات أوروبا الكبرى، كأوكازاكي مهاجم ليستر، وظهير الإنتر ناغاتومو وآخرون غاب عنهم كاغاوا بداعي الإصابة.
لاعب حاسم
وكما قال شيخ المدربين: «كرة القدم لا تبتسم إلا للأذكياء»، فكان لمارفيك ما أراد، بخروج لاعبيه بكل طاقتهم في أول 45 دقيقة، بعدها جاءت لحظة الحقيقة بالدفع بمُفرق الجماعات فهد المولد، على حساب السهلاوي، الذي كان بعيدا عن مستواه المعروف عنه، ومنذ أن وطأت قدم مهاجم الاتحاد أرض ملعبه المحلي، تغير أداء الأخضر من النقيض إلى النقيض، بمساهمة أيضا من المُبدع نواف العابد، الذي يراه كثير من النقاد، أنه كان رجل التصفيات الأول بلا منازع، وكذلك رجل الموقعة الأخيرة الأول، كونه أنقذ شباك بلاده من هدفين من على خط المرمى، وأعطى المولد تمريرة الهدف التاريخي، الذي جاء بعد 24 تمريرة، شارك فيها كل اللاعبين بما فيهم الحارس، وهذه خير دليل على أن قوة المنتخب السعودي نابعة من طريقته الجماعية، التي زرعها مارفيك في رجاله الذين يُراهن عليهم، رغم تعرضه لكثير من الانتقادات، لاختياره أسماء لا تُشارك باستمرار مع فرقها المحلية… وفي النهاية ربح مارفيك بعقلية الكرة الشاملة.
الحلم العربي الكبير
في الوقت الذي تُعاني فيه الدولة السورية من ويلات الحروب، ظهر الأمل في منتخب كرة القدم، بظهور مُشرف في التصفيات، كاد ينتهي بانتزاع ورقة الترشح مباشرة إلى المونديال، لولا استبسال إيران في اللقاء الختامي، فقط كان يحتاج رجال المدرب أيمن الحكيم، هدفا واحدا في طهران لإقصاء كوريا الجنوبية من الوصافة، لكن على أي حال، يُحسب لرفقاء عمر السومة صمودهم الهائل في المونديال، وحصولهم على أمل اللعب في ملحق نصف التذكر الآسيوية المتبقية. المنتخب السوري الذي لم يلعب مباراة واحدة رسمية داخل الوطن في آخر 6 سنوات، سيبدأ رحلة الكفاح الجديدة بمعركة حامية الوطيس ضد ثالث المجموعة الأخرى المنتخب الأسترالي، في مباراتين بنظام الذهاب والعودة، بعدها سيضطر الطرف الفائز لدخول نزال من الوزن الثقيل أمام رابع الكونكاكاف. نعم المهمة لا تبدو سهلة، لكنها ليست مستحيلة، وقد تستمر المفاجآت حتى النهاية، لنرى أسود قاسيون مع الأخضر السعودي كممثلين عن عرب آسيا في روسيا.
صقيع روسيا يصل شمال أفريقيا
في القارة السمراء، أعاد الفرعون الكبير محمد صلاح، منتخب بلاده المصري للمنافسة على بطاقة الصعود للمونديال، لأول مرة منذ آخر مشاركة في إيطاليا 1990، بعد الفوز على المنافس المباشر أوغندا بهدف نظيف، ردا على الهزيمة أمام نفس المنافس في مباراة الجولة الثالثة، والآن أصبح في رصيد وصيف أفريقيا تسع نقاط، ويأتي خلفه المنتخب الأوغندي بسبعة ثم غانا بخمس نقاط، والكونغو في المؤخرة بنقطة يتيمة.
ويعول الشعب المصري على نجاح المنتخب الغاني في ضرب أوغندا في عقر دارها في مباراة السابع من أكتوبر المُقبل، حتى تُتاح لهم فرصة افتراس الكونغو في الاسكندرية في اليوم التالي، لتذهب بطاقة المجموعة الخامسة للفراعنة، قبل السفر إلى غانا في جولة الختام.
أيضا المنتخب التونسي أصبح قاب قوسين أو أدنى من العودة لكأس العالم لأول مرة منذ 2006، بعودته الأسطورية امام جمهورية الكونغو، بإدراك التعادل بهدفين لمثلهما، بعدما كان متأخرا بهدفين، ليبقى في الصدارة بعشر نقاط، على بعد ثلاث نقاط من أقرب ملاحقيه قبل آخر جولتين، فيما فّوت المنتخب المغربي فرصة العمر، لاعتلاء صدارة مجموعة الموت، بعد هدية الغابون بإسقاط أفيال كوت ديفوار في عقر دارهم.
واكتفى أسود أطلس بتعادل سلبي مع مالي خارج القواعد، ليبقى المنتخب الإيفواري في الصدارة بسبع نقاط، بفارق نقطة واحدة عن كتيبة رونار، التي ستواجه رفاق أوباميانغ في المباراة المقبلة في الدار البيضاء، ثم ستستعد لمعركة تكسير العظام ضد الأفيال في ختام التصفيات، على أمل أن تحدث المعجزة ويكون للعرب 5 منتخبات في المونديال المقبل، بعد انتهاء حلم الجزائر باللعب في كأس العالم للمرة الثالثة على التوالي.
والسؤال الآن هل بعد السعودية ستتمكن سوريا، مصر، تونس والمغرب من إكمال الخماسي العربي في المونديال في سابقة لم تحدث من قبل؟ نتمنى ذلك.
عادل منصور
مصر وتونس في ما تبقى من اقصائيات كأس العالم في كرة القدم يكفيهما انتصار وحيد في المقابلتين المتبقيتين ومهما تكن نتيجة المبارة الأخيرة فهما مؤهلين وبذلك فمن شبه المؤكد أن تمثل تونس ومصر مع السعودية العرب في نهائيات روسيا. أما المغرب فيلزمه الظفر بالمبارتين المتبقيتين معا للتأهل وهو أمر وارد لكن ليس سهل المنال أمام فريق صعب المراس كمنتخب الكوت ديفوار. سوريا مهمتها أصعب بكثير لكن غير مستحيلة.
الإشكالية ليست في تأهل أربع أو ثلاث أو حتى خمس منتخبات عربية في هذا العرس الكروي ولكن في قدرة المنتخبات العربية في خلق المفاجئات والذهاب بعيدا إلى نصف النهاية أو لعب مباراة النهاية التي تعد هدفا غير قابل للتحقيق، فالمنتخبات العربية عودتنا على الخروج من الأبواب الخلفية في مثل هذه البطولة وفي أحسن الأحوال تجتاز الدور الأول وتطير شعوبها فرحا بتحقيق هذا النصر المحدود، الفرق العربية لكرة القدم كانت ولاتزال تلعب دور “كومبارس” مجرد أدوار ثانوية في منافسات كأس العالم وتبقى الريادة للفرق الأوربية وفرق أمريكا اللاثينية.