مما لا شك فيه، أن الأولوية القصوى الآن في دولاب عمل الخارجية السعودية في دبلوماسيتها التي نجحت إلى حد كبير عبر خريطة تحالفها الإقليمي/ الدولي، هي لحـــــرق المراحل العسكرية، وإعلان الانتصار بالحسم النهـــائي للخطر الإيراني.
ذلك الخطر الذي يهدد الأمن القومي السعودي والخليجي بشكل مباشر، عبر البوابة اليمنية بقيادة الحوثي في اليمن، الذي يعمل في ثنائية مشتركة مع المؤسسات العسكرية والأمنية المبنية على التحالفات القبائلية لحكم الرئيس السابق علي صالح. هذه الأولوية الإستراتيجية نجاحها يتكئ على شرط ضرورة، ويتمثل حصرا في سرعة إنجاز المهمة، وطي الملف حتى لا تقع الدول المتحالفة بقيادة الرياض، وهي المعنية أكثر من غيرها، في آتون مرحلة التورط والفوضى وفقدان المركزية والسيطرة على جغرافيا إقليمية، أبعادها متقاطعة ومتداخلة، ولاعبوها وأمراء حربها كُثر وبلافتات متعددة، قد تتمكن إن صمدت وعملت على امتصاص الضربات الجوية – كما يبدو الآن- من إعادة قلب وصياغة مشهد الصراع وتعريفه من جديد وإحداث آلياته وخطابه المغاير، عندئذ قد تتجاوز المحيط اليمني وترفع سقفها بزعزعة البلاط السعودي نفسه، وهي نقطة قد تراهن عليها القوى الحوثية وصالح مع حليفهم الإقليمي في المنطقة في الأمد المنظور.
وضمن هذا التحالف جاء السودان، ويلاحظ التأييد المبالغ فيه، الذي يفسح معه المجال حتى للشكوك في النوايا، بل الأكثر من ذلك يحمل معه كل التفسيرات المعاكسة والمضادة حول مدى صدقية المشاركة من طرف حكومة الخرطوم في عملية «عاصفة الحزم». الأهم في هذا السياق، كما هو واضح، تمكن الملك سلمان بن العزيز من تأهيل وإعادة تأهيل الرئيس السوداني مجددا، ونقله من تشيع سياساته خلال الخمسة والعشرين عاما، إلى الفضاء السياسي التاريخي الذي تنتمي إليه السياسية الخارجية السودانية، في هذا الإطار كانت المقاربات والمساءلات للرئيس السوداني عديدة من لدن الأوساط السياسية والإعلامية، على غير العادة، مع توصيفات وتقييم لدوافعه ومبرراته، التي كانت محل اختبار مركزي حول ركن مصداقيته المفقود داخليا وخارجيا، جراء تلونه وانتهازيته ولهاثه إلى المال، سعوديا أو إسرائيليا أو صينيا، وذلك بالاستثمار في الصراعات كثقافة متجذرة في عقلية الحكم الإسلاموي السوداني، الواقع في حكم الانحطاط وعبادة كل أنواع العملات، وهناك من شكك حتى في مشاركته، معززا قوله بأن وجوده قد يشكل خطرا على الحلف، لأنه هو بمثابة اختراق جاسوسي لفائدة تشيُع سياساته كمبدأ، وهناك من قال إن المحاذير تقتضي إحالة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحديث السياسي اليومي للرائد يونس محمود في الإذاعة السودانية، إبان العشرية الحمراء الأولى من حكم الإنقاذ، في خطاب النظام الديماغوجي التبشيري المطابق للفاشية، وكذا الرؤية السياسية للبلاط السعودي، حيث لم تقف عند ذلك، بل امتدت ولامست ومست حتى شخص أخيه فهد بن عبد العزيز، الملك وقتئذ، رحمة الله عليه. يرد مجموع سيل هذه الشكوك، رغم أن البشير سجل فقط موقفا سياسيا معنويا وعمليا، وساهم مساهمة رمزية بثلاث طائرات»سوخوي» روسية الصنع، قد لا توكل إليها أي مهمة في ظل التطور التقني المتفوق لسلاح الجو الحربي المشارك في العملية.
ويلاحظ أيضا تأييد ودعم المعارضة العسكرية الثورية والمدنية لنظام البشير، للتحالف بقيادة الرياض، الذي هو دعم سياسي معنوي للأخيرة، في تطابق قلما وقع بين مؤسسة الحكم والمعارضة السودانية، بالنظر إلى قضايا إقليمية متشابهة مثل، ضم الكويت من طرف بغداد، والدخول الأمريكي للعراق…إلخ، ولكن هذا التماثل السياسي بين هيئتين متعارضتين، متخاصمتين، تعملان للإطاحة ببعضهما بعضا، هو تماثل من حيث الشكل وليس الجوهر، لأن مرجعياتهما وقناعتهما تجاه فعل التأييد والدعم مختلفة تماما، حيث المعارضة إستراتيجية في تعاونها مع النادي الخليجي، وترى أن دول الخليج تشكل أحد أهم أعمدة السياسية الخارجية الإقليمية للسودان وشعبه، فيما البشير ونظامه رؤيتهما ووفق أرشيفهما السياسي منذ عام 1989، هي سياسية قائمة على موازيين وموازييك التكتيكات والاستغفال وجني فوائد الربا الاقتصادي والسياسي. والمؤكد في هذا الاتجاه أن ارتباط النظام الفارسي/ الشيعي بنظام البشير عميق وكبير، ووصل مراحل جد متقدمة لا يستطيع البشير نفسه الفكاك منه، ويد الحرس الثوري الإيراني ومؤسساته الأمنية والعسكرية تعمل منذ قرابة العشرين عاما وبسرية، بل حولت حتى جزءا من صناعاتها الحربية إلى السودان، لإمداد عناصرها في المحيط الإقليمي، وهنا تلعب الخرطوم دور الوكيل الفارسي، فخطورة البشير في أمن البحر الأحمر أكبر من الحوثيين، وسبق أن قريبا بارزا للرئيس السوداني أثناء ضرب مصنع «اليرموك» التابع للحرس الثوري من طرف إسرائيل، وفي ظل الاستباحات المتكررة للطيران الإسرائيلي في شرق الســــودان وميناء بورتسودان المحاذي لميناء جدة السعودي على البحر الأحمر، طالب الرئيس بالعمل على استضافة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر من دولة إقليمية صديقة، كشأن قاعدة «طرطوس» الروسية في سوريا،علما بأنه يشير إلى إيران، بدون أن ننسى الحديث الشائع في أروقة السياسية السودانية عن جناح شيعي مسيطر على كل المنظومة الأمنية لحكم البشير.
أما تداعيات إعادة التأهيل السعودي للرئيس السوداني، الذي أدخل نفسه في ورطة والدولة في أزمة وطنية، هذا التأهيل وفي ظل الإقصاء المفروض عليه منحه دفعة استقواء وهمية وحالة من الانتشاء السياسي المؤقت، فعوض ترتيب أوراق الأزمة الوطنية في البلاد بآلية حوار حقيقي تحت إدارة إقليمية دولية مع مكونات الشرعية الوطنية في البلاد، عبر الدخول في حوار جاد وشفاف، يسمح بتفكيك سلخاناته السياسية لفائدة عقد سياسي/ اجتماعي جديد يرتكز على بناءات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على مرتكزات الحقوق والقانون والمواطنة، بدل الرعايا تحت إمرة «وال» والمؤسسية في الدولة السودانية، قام هو نفسه بإجهاض مبادراته ولم يفِ حتى بشرف الحضور في الترتيب الذي أعده الوسيط الدولي ثامبو مبيكي مؤخرا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وكأن لسان حاله يقول «باي..باي يا معارضة… ألتقيكم بعد خمس سنوات- فترة رئاستي الجديدة- والعاقبة لكم في المسرات»، والآن كما يزعم في تهريج سياسي لم يقله حتى المعنيون بالأمر، إنه مشغول بحماية الحرمين وقبلة الإسلام…. إلخ، لاستدارر عطف السعوديين ولربما يدفعون أكثر في سوق جديدة، إنه محترف في القمع والتجارة في الحرب كذلك.
هنا تبقى مساءلة مهمة وأخيرة، بعد إعادة تأهيل البشير من طرف الملك السعودي، لماذا لا تلعب الرياض دورا في وساطة مكتملة لجمع فرقاء الأزمة السودانية، على شاكلة «الطائف» اللبنانية أو «الوجقيرقا» الأفغانية، خصوصا أن الرياض تحظى بثقل دولي وإقليمي مهم وذات تأثير ومصداقية لجميع الأطراف السودانية، وكما هو معلوم في هذا الشأن أن السودان يعتبر عمقا جيوسياسيا مهما لأمن المملكة السعودية والخليج، هذه الأهمية لا تقل كثيرا عن اليمن، وهي محددات تتطلب من الرياض إعادة النظر في سياستها الخارجية حول تعاطيها مع السودان، برؤية إقليمية شاملة، ومنحها الأولوية بقدر الإمكان في سياستها الإقليمية، لأنها هي بالكاد الآن محل تعاطف واحتواء أكثر منه سياسة منهجية موجهة. ومن المرتقب أن تولي الملك سلمان بن العزيز هذا الملف الشائك، وبدعم الشعب السوداني له، قد تسفر عن نتائج نهائية ومرضية لجميع الأطراف السودانية. بدون أن ترجح السعودية كفة طرف على طرف آخر أو تقع ضحية تدليس طرف ضد طرف.
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
هكذا هو حال أمراء الحرب في دارفور … تحالفوا مع الشيطان من أجل الوصول لإهدافهم .. فصل الجنوب وقد حققوه بامتياز يحسدهم عليه حتي الشيطان نفسه… الآن يحاربون ما تبقي من وطنهم بكل ما اوتوا من ادوات ظنا منهم أنهم يزيحون حكم البشير و لكنهم يدمرون وطنهم … تحالفوا مع الماركسيين في اثيوبيا ايام حكم منقستوا و مع كوبا ، ثم تحولوا الي الولايات المتحده بعد سقوط الشيوعيه و لم تفوت اسرائيل الفرصه ففتحت لهم ابواب الحدود و صار لهم تمثيل في تل ابيب. الآن يغازلون الرياض ويدعوهنا للعب دور في جمع الفرقاء و هي دعوة حق اريد بها باطل .