تدليلا إلى ما ذهب إليه العنوان، فإن الحكومة الإسرائيلية قررت في الأيام القليلة الماضية مصادرة 2342 دونما من الأراضي الفلسطينية الواقعة في منطقة أريحا والبحر الميت، بحجج شتى، وهذا هو دأب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948، وحجج هذه الحكومات قامت وتقوم على الدوام، على أنها بحاجة إلى مزيد من الأراضي لبناء مستوطنات جديدة، أو لإقامة معسكرات لجيشها وقوات أمنها، او ميادين لتدريب هذه القوات، أو لإقامة منشآت ومصالح ومصانع ومزارع حيوية لها ولمستعمراتها، كما وإنها لم تتوان عن إيذاء وترويع سكان بعض القرى والمناطق الفلسطينية، حين كانت تأمر السكان بمغادرة بيوتهم، بحجة أنها ستقيم مناورة عسكرية في تلك المناطق، ولم يمنعها أمن السكان وحياتهم من إجراء بعض تلك المناورات المستديمة والمتعددة الأغراض من إجرائها بالذخيرة الحية، ما أودى بحياة بعض السكان وبعض ماشيتهم، لتأخذ تلك الحكومات بالادعاء أنها ضد التمييز أو التفرقة، أو ما شابه ذلك من الكلام الذي يحمل عكس ما تقوله وما تطبقه، ولتدفع الفلسطيني ثمن ذلك من حياته وحياة ماشيته ومصادرة المزيد من أراضيه.
وبالعودة إلى التاريخ البعيد الذي بدأ بالنكبة عام 1948، تظهر الوقائع أن المستعمرين الصهاينة لم يكونوا يملكون من أرض فلسطين في ذلك العام، إلا نحو 7٪ من مساحة فلسطين الطبيعية كلها، بحسب تقديرات الأمم المتحدة في تلك المرحلة، وهذه المساحة جاءت أيام السلطتين العثمانية والبريطانية، وشراء بعض أراضي أقلية من الإقطاعيين الذين لا علاقة لهم بفلسطين، إلا بعلاقة المصلحة والربح. وتم بعد عام 1948 مصادرة أراضي جميع المدن والبلدات والقرى (عددها 530) من أراضي الفلسطينيين الذين تم طردهم من أملاكهم بالقوة الغاشمة، وتم ارتكاب مجازر بحق بعضهم، وتم تحويل تلك الأراضي إلى ما يسمى بلجنة «أملاك الغائبين» التي كانت «كريمة» جدا في منح السلطات الإسرائيلية ما تريده من الأراضي في كل آن وحين، وحتى اليوم.
حتى البلدة التي أزمعت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بهدف إيواء الزيادة السكانية من قرى وبلدات الدروز الفلسطينيين، فإنها تزمع بناءها على أراض تم انتزاعها من قريتي حطين ونمرين المجاورتين لمدينة طبريا، في حين إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة صادرت نحو 82٪ من أراضي المواطنين الفلسطينيين الدروز في منطقة الجليل، وصادرت مسطحات واسعة من الأراضي تابعة لقراهم وبلداتهم تدريجيا على مر السنين، ولم تسمح لأغلبيتهم ببناء بيوت على أملاكهم وأراضيهم الخاصة، مما اضطر بعضهم وتحت ضغط الحاجة الماسة، وازدياد عدد أفراد العائلة إلى بناء مساكن جديدة، حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها «بلا ترخيص»، وهذا ما أنتج الحالة الفريدة التي يلاحق فيها المواطن الفلسطيني، ويطلب منه ـ ويا للغرابة ـ أن يهدم البيت الذي بناه، وإلا فإن جرافات السلطة الإسرائيلية ستهدمه وستغرمه أضعاف تكلفته.
في 30/3/1976 اندلعت مواجهات عنيفة بين السلطات الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين، على خلفية مصادرة سلطات الاحتلال نحو 1500 فدان من أراضي المنطقة التاسعة في الجليل، وهي من أراضي الفلسطينيين الخاصة، وقد نتج عن تلك الهبة الانتفاضية التي سادت وانتشرت في جميع الأراضي الفلسطينية، أكان في الأراضي المحتلة عام 1948 أو في الأراضي التي تم احتلالها في العام 1967 (الضفة الغربية والقدس وغزة)، العديد من الشهداء والجرحى والمعتقلين، حيث جاء في الموسوعة الفلسطينية ـ المجلد الثاني عن (يوم الأرض) التفصيلات التالية: «بدأت إسرائيل بمصادرة الأراضي في الجليل لإقامة مستعمرات جديدة ومعسكرات للجيش، وأعلنت أنها ستنفذ خططا لاستملاك نحو 1500 فدان من الأرض في المنطقة التاسعة من الجليل، عندئذ دعت (لجنة الدفاع عن الأراضي العربية) إلى اجتماع في مدينة الناصرة يوم 6/3/1976 حضره رؤساء المجالس البلدية المحلية، وقرر المجتمعون إعلان يوم الثلاثين من آذار/مارس إضرابا عاما للعرب في إسرائيل احتجاجا على سياسة الحكومة بإعلان مصادرة أراض عربية في الجليل، ولما دعا اجتماع الناصرة إلى الإضراب يوم الثلاثين من آذار/مارس كانت السلطات الإسرائيلية تدرك أن عرب الأرض المحتلة عام 1948 سيقومون بإضراب سلمي، تعبيرا عن عدم رضاهم عن سياسة الحكومة الإسرائيلية في مصادرة الأراضي العربية، ولكنها كانت تبيت لهم الشر، فأرسلت ليلة 30/3/1976 قوات كبيرة من الشرطة والجيش تمركزت في مدن وقرى الجليل، وشمل الإضراب عرب الأرض المحتلة عام 1948، وعرب الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الذين هبوا لمؤازرة إخوانهم عرب الجليل، وسارت تظاهرات صاخبة في القدس ونابلس ورام الله والخليل وبيت لحم وجنين وطولكرم وغزة وغيرها، وقد نتج عن التظاهرات والاقتحامات العنيفة الإسرائيلية ضحايا وجرحى كثر، كما وتم اعتقال عشرات المتظاهرين وسقط للمحتل عشرات الإصابات».
وقد اعترف المحتل الإسرائيلي بهذه الأحداث، وأشار إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة أكثر من مئة بجراح، وتم اعتقال نحو 250 فلسطينيا. وكانت أعمال المحتل الإسرائيلي سلسلة من الفظائع. وما تصرف جنوده بكل قسوة ووحشية؛ سوى تأكيد على عنصرية النظام والدولة في الكيان الصهيوني الغاصب، أما الانتفاضة في الجليل، فجاءت لتؤكد للعالم كله رفض الاحتلال الإسرائيلي مهما مر عليه من الزمن. فيما أصبحت انتفاضة 30 آذار/مارس من كل عام عيدا وطنيا ثوريا يحتفل به الفلسطينيون باسم يوم الأرض.
ولهذا لم ينقطع سيل الهبات والانتفاضات، كون المحتل الإسرائيلي لم يكف ويتوقف عن مصادراته للأراضي الفلسطينية وقمعه للمنتفضين على سياساته وإجراءاته الاحتلالية، وما زال يمعن في البطش والقمع والاعتقال والقتل تجاه كل ما يقوم به المنتفضون الفلسطينيون، والهبة الانتفاضية الحالية هي من دلائل مواجهة المحتل والعمل من أجل الوصول إلى الحرية والتحرير.
٭ كاتب فلسطيني
سليمان الشيخ