نيويورك – أ ف ب: يؤكد رحيل لويد بلانكفين أحد اقوى المصرفيين في العالم، من مصرف «غولدمان ساكس»، بدء عصر جديد في وول ستريت حيث أدى التقدم الهائل في التكنولوجيا واستخدام الروبوتات حتى في صالات أسواق المال، إلى تراجع تأثير الوسطاء.
وقبل بضعة أسابيع من الذكرى العاشرة لإفلاس مصرف «ليمان براذرز» الذي أدى إلى أخطر أزمة مالية منذ الانهيار الكبير عام 1929، أكد «غولدمان ساكس» ان بلانكفين (63 عاما) سيغادر المجموعة المصرفية بعد 12 عاما على وصوله اليها.
وكان بلانكفين اشتهر في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 بقوله «انا مصرفي اقوم بعمل الله»، في أوج انهيار الاقتصاد العالمي الذي نجم عن منتجات مالية معقدة وضعت في وول ستريت واستندت إلى رهون عقارية سيئة منحت لعائلات أمريكية هشة.
وهذا الوسيط الذي استخدم وجهه خلال الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب في 2016 في أعلانات دعائية تدين تجاوزات رجال المال، كان أحد آخر «عمالقة» البورصة الأمريكية.
وقال ريتشارد بوف الخبير في مجموعة «هيلتون كابيتال مانيجمنت» المالية «إنها نهاية حقبة سيطر خلالها الوسطاء وبداية حقبة نجمت عن الثورة التقنية».
وفي أكبر ستة مصارف في وول ستريت، لم يبق سوى جيمي ديمون رئيس مجلس إدارة مصرف «جيه بي مورغان» الذي كان في هذا المنصب عند حدوث الأزمة.
فمن مجموعة «سيتيغروب»، رحل فيكرام بانديت في 2012، بينما تخلى كل من كين لويس «بنك أوف أمريكا»، وجون «مورغان ستانلي»، عن منصبيهما في 2010. وفي 2016 اطاحت فضيحة حسابات مصرفية وهمية جون ستامبف في مصرف «ويلز فارغو».
ورأى بوف انه في هذا «العالم الجديد» لما بعد الوساطة، يجب على أي مصرف كبير ان يقيم علاقات «وثيقة» مع العائلات «لأنها هي التي تقوم بالادخار وبالإنفاق».
قبل الأزمة المالية، كانت نشاطات الوساطة في المنتجات المالية مصدر المال. لكن أعيد توزيع الأوراق بعد تشديد الأنظمة المالية، ودخول التكنولوجيا إلى قطاع المال، ونجاح صناديق المؤشرات.
وظهرت أيضا «التقنيات المالية» والشركات الناشئة التي تقدم خدمات مالية إلى الافراد والشركات الصغيرة والمتوسطة، وبينها «فينمو» التطبيق الذي يسمح بتحويل أموال بسرعة وبلا نفقات، أو «ويلثفرونت» الذي يجعل الإدارة الآلية للمحفظة الاستثمارية ممكنة.
وفي مواجهة هذا التغيير، تحولت المصارف الكبرى التي تتمتع بوضع جيد حسب اختبارات الملاءة التي يجريها الاحتياطي الفدرالي (المركزي) الأمريكي، إلى هذه التقنيات الجديدة وباتت تعهد بمهمات إلى روبوتات أكثر فأكثر.
فقد أصبح من الممكن مثلا إيداع شيك عن طريق هاتف ذكي. وبفضل تقدم الذكاء الاصطناعي، يمكن لروبوتات ان تحلل المعطيات وتقوم بعمليات تحكيم وتمرير أوامر شراء أو بيع أسهم، وهي مهمات كان يقوم بها الوسطاء من قبل.
ونتيجة لذلك، ستزول حوالي 30 في المئة من الوظائف في القطاع المصرفي بحلول 2025 في الولايات المتحدة، حسب تقديرات مجموعة «سيتيغروب».
وقال ريتشارد بوف ان «اجهززة الكمبيوتر تقوم بقتل الوسطاء والمحللين الماليين».
وقرر مصرف «غولدمان ساكس» الذي بات يدرك ان عمليات الوساطة لن تدر أموالا كما كانت في الماضي وسيحتفل العام المقبل بمرور 150 عاما على تأسيسه، تنويع نشاطاتها وتحسين صورتها عبر الانفتاح على الجمهور.
وأطلق مصرف الاقوياء، الذي ترمز مراهاناته المالية ضد زبائنه في أغلب الاحيان، إلى طمع الوسطاء، «ماركوس» وهي منصة افتراضية تعرض تقديم قروض وتستقبل ودائع من افراد ومن شركات صغيرة ومتوسطة. وهو يقوم بفتح فروع له في مدن متوسطة الحجم في الولايات المتحدة.
وقال مارتي موسبي، المحلل في مجموعة «فاينينغ سباركس» ان «غولدمان ساكس يريد ان ينطلق من جديد بصفحة بيضاء. انه يريد التحرر مما فعله في السنوات الماضية وإظهار أنه يمكن ان يتطور».