لندن ـ «القدس العربي»: شكلت العاصفة التي ضربت مجموعة «أم بي سي» السعودية التحول الأهم على خريطة الإعلام العربي، حيث تم اعتقال رئيس مجلس إدارة المجموعة باتهامات فساد في السعودية، وهي اتهامات يبدو أنها انتهت باستيلاء الحكومة السعودية أو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على المجموعة بالكامل، وهو ما يأتي أيضا في أعقاب معلومات عن استيلاء بن سلمان على قناة «العربية» التي كانت سابقاً تابعة للمجموعة.
وتعتبر مجموعة «أم بي سي» واحدة من أكبر إمبراطوريات الإعلام في العالم العربي، إن لم تكن هي الأكبر على الإطلاق، كما أنها واحدة من أكثر المنصات الإعلامية تأثيراً في العالم العربي والرأي العام العربي وخاصة داخل السعودية.
وورد اسم رئيس مجلس إدارة مجموعة «أم بي سي» ومالكها الشيخ وليد الإبراهيم ضمن قوائم المعتقلين في ليلة الرابع من تشرين الأول/نوفمبر الماضي عندما شنت أجهزة الأمن السعودية حملة اعتقالات طالت عدداً كبيراً من الأمراء ورجال الأعمال بينهم الرجل الأغنى في العالم العربي الأمير الوليد بن طلال.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي» فإن إدارة مجموعة «أم بي سي» السعودية أرسلت لكافة العاملين معها، وعددهم يُقدر بنحو ألفي شخص، رسالة طمأنة عبر البريد الالكتروني حاولت من خلالها تهدئة مخاوفهم، والتقليل من أهمية القرار السعودي الصادر بحق مالك المجموعة الشيخ وليد الإبراهيم.
وحسب معلومات حصلت عليها «القدس العربي» من داخل مجموعة «أم بي سي» فإن الشيخ وليد الإبراهيم أجبر على التنازل عن مجموعة القنوات التي يملكها وباتت مملوكة رسمياً لمحمد بن سلمان الذي أصبح الآمر الناهي فيها وبشكل مباشر، أما قناة «العربية» فكان قد اشتراها من وليد الإبراهيم قبل سنوات وعين على رأسها الصحافي السعودي تركي الدخيل بدلاً من عبد الرحمن الراشد الذي استقال منها وترك إدارتها.
وتقول مصادر «القدس العربي» إن مجموعة «أم بي سي» وقناة «العربية» أصبحتا بالكامل تداران من قبل الدخيل ومساعده الذي يعتبر أحد رجال الأمير وهو الصحافي السعودي ناصر بن حزام، فيما تسود القناة عاصفة من المخاوف أن تتم الاطاحة بالصحافيين والمسؤولين الوافدين والأجانب وأن تتم «سعودة» القناة بشكل كامل.
وحسب المصدر الذي تحدث لـ»القدس العربي» فإن الإبراهيم كان من بين الذين وافقوا على التسوية ووقع للأمير محمد بن سلمان على التنازل بشكل كامل عن مجموعة «أم بي سي» كما أنه تنازل عن الكثير من ممتلكاته الأخرى، فيما يكشف المصدر أن «أم بي سي» لم تكن مملوكة بالكامل للوليد الإبراهيم وإنما كانت نسبة 60 في المئة من المجموعة مملوكة للأمير عبد العزيز بن فهد شقيق زوجة وليد الإبراهيم، وهو أيضاً ضمن مجموعة الأمراء المعتقلين في فندق «الريتز».
ويقول المصدر إن الأمير محمد بن سلمان أصبح منذ شهور المدير الحقيقي لمجموعة قنوات «أم بي سي» و»العربية» وبات يقوم بتوجيه الأخبار ويتدخل في بعض التغطيات والأعمال اليومية من خلال كل من الدخيل وبن حزام.
قلق في «العربية»
وسادت حالة من القلق في قناة «العربية» التي لم يعد العاملون فيها يعرفون من هو المالك الحقيقي لها، وتزايدت وتيرة الاعتقاد أنها أصبحت مملوكة للأمير محمد بن سلمان، وأن مديرها الصحافي السعودي تركي الدخيل يتلقى الأوامر من الأمير مباشرة، وذلك بسبب اصطفاف القناة إلى جانب ولي العهد ضد رئيس مجلس إدارتها الذي أصبح مطلوباً للاعتقال وأصبحت أمواله ملاحقة، وأصبح مصير قنواته مجهولاً.
واشتعلت الشائعات في القناة وانتشر القلق أكثر عندما استقال رئيس تحرير قناة «العربية» ومدير الأخبار فيها الدكتور نبيل الخطيب بعد يومين فقط على قرار السلطات السعودية اعتقال وليد الإبراهيم والبدء بملاحقته. لكن المعلومات التي وصلت لـ»القدس العربي» تفيد أن إدارة القناة سارعت إلى إبلاغ الموظفين أن استقالة الخطيب لا علاقة لها بهذه التطورات، وإنما ترجع إلى أن عائلته هاجرت إلى كندا وأنه يرغب في الالتحاق بها، كما أن القناة أبلغت الموظفين أيضاً أن الخطيب سيظل يعمل ضمن أسرة «العربية» ولكن في منصب «مستشار» وليس كمدير للأخبار ورئيس للتحرير.
ويسود الاعتقاد في أوساط الصحافيين في قناة «العربية» أن المنصب الشكلي الذي تم منحه للخطيب إنما هو محاولة للتغطية على استقالته، ولضمان عدم الكشف عن الأسباب الحقيقية لهذه الاستقالة، إذ أن سفره إلى كندا يعني أنه لن يغادر قناة «العربية» فقط وإنما سيغادر دولة الإمارات برمتها دون عودة.
تسريحات قناة «العربية»
وفي آب/أغسطس الماضي بدأت قناة «العربية» حملة للاستغناء عن عدد من الموظفين العاملين لديها، بمن فيهم عدد من الصحافيين، وذلك بعد عام كامل من حملة مشابهة طالت أربعين شخصاً من بينهم صحافيون كبار.
وحسب معلومات «القدس العربي» من داخل قناة «العربية» فان الإدارة بدأت منذ أواخر شهر تموز/يوليو الماضي حملة استغناءات طالت عدداً من الموظفين، لكن أغلبهم من الإداريين وعدد قليل منهم من الصحافيين.
مقاضاة «العربية» في لندن
وفي أيار/مايو 2017 لجأ ملياردير سعودي يقيم في بريطانيا إلى المحكمة العليا في لندن ورفع قضية ضد مالك ومؤسس قناة «العربية» الشيخ وليد آل إبراهيم مطالباً إياه بسداد 30 مليون دولار كان قد دفعها له كقرض في العام 2002 عند إطلاق القناة، لكن الشيخ وليد لم يسددها له ولم يعطِ الملياردير أي حصة في القناة.
وحسب المعلومات التي نشرتها جريدة «فايننشال تايمز» البريطانية في ذلك الحين فان الملياردير السعودي الذي يقيم في بريطانيا الشيخ محمد بن عيسى الجابر والذي يُعتبر أحد أثرى أثرياء المملكة المتحدة رفع دعوى قضائية ضد الشيخ وليد وشقيقه ماجد مطالباً إياهم بسداد الأموال التي اقترضوها منه لإطلاق قناة «العربية».
وتقول الصحيفة إن الشيخ وليد وشقيقه ماجد اعترفا وأقرا بحصولهما على مبلغ الثلاثين مليون دولار من الجابر إلا أنهما يقولان أن هذا المبلغ لم يكن قرضاً وإنما كان أجراً لهما لأنهما أجريا اتصالاتهما واستخدما علاقاتهما داخل السعودية من أجل تمرير صفقة عقارية لصالح شركة «جداول» التي يملها الشيخ محمد بن عيسى الجابر.