في الرحلة من جدة إلى الرياض، كنت أبدو لركاب الحافلة، المرأة الوحيدة في الباص! لا تدري لجهل أم لقصر نظر «فأنا كما تعلمون رجل مثلكم»، ولكن اضطراريا كنت الجنس الحريري، الذي فشلت أن أكونه، ففي الطريق أوقفتنا امرأة سعودية لا يظهر من وجهها سوى دموعها، التي تبلل برقعها وصوتها المرتعش، جلست إلى جواري، وانهمرت بحديث تتصبب من حروفه بكاءات ساخنة لا تحتمل، تقصص عليّ ما أكده أحد حكماء الغابة يوما: (أكثر الحيوانات خطورة، امرأة صامتة تبتسم)… كان الأمر أشبه بمغامرة باردة في جهنم، لا يرسخ بالبال منها سوى ما لا تستطيع الفضائيات التقاطه من على قارعة الطريق ولا حتى في البروج المشيدة، تمنيت وقتها لو كانت عندي سيارة، رغم أنني كنت أقود بحرية في جدة، ضمن أطر معينة، ولم يمنعني أحد أو يمتهن أنوثتي – المفقودة – رجل ابن رجال، وقتها كنت أتأمل وجه المرأة الذي لا أراه، وهي تحمد الله أنها عثرت على حافلة، بدل تاكسي يقل هاربة مع سائق غريب بعد منتصف الجحيم!
لم تزل الصورة مطبوعة على «نيغاتيف» الذاكرة، ولم يتم تحميضها بعد، ولكنها تتداعى كلما قرأت مقالا غربيّا، يسخر من البحث عن المنطق في جزيرة العرب، بما أنه الضلع الرابع لثالوث المستحيلات العربية، وها هي مقالة «مايكل هوبكينز» إحدى أخطر المقالات التي تحرض ضد المنظومات الاجتماعية التقليدية في الشرق، من خلال تصوير المجتمع السعودي بين رؤيتين: المحرمات والحرمان، وبإصرار غريب على الانحسار كنسج عنكبوتي في زاوية البعد الاستشراقي، لألف ليلة وليلة، مع محاولة ماكرة للإنصاف دون أن تنصف، بخاتمة مزدوجة: (الوضع ليس رهيبا، لأنه بالتأكيد توجد أماكن أكثر سوءا، بتعويضات أقل من السعودية)!!
الخوف والاستخفاف!
مع امتلاء الفضائيات الغربية هذه الأيام ببرامج تعرض صور النساء السعوديات وراء مقود السيارة باستهجان واستغراب وتفكه، وتوزع بعض المواقع الغربية منشوارات أشبه بالوصايا، ينصح فيها الغريب المقيم في المملكة، قراءه الغربيين، بشيء من التعالي والازدراء، لأن هناك من يحتقرون المرأة، ولا يبذلون جهدا لإخفاء استخفافهم بها، متحللا من عقدة «الفوبيا» تجاه البدو، وهو يخيف الآخرين مما لا يخافه، معتبرا أن أثمن هدية يمكن أن تقدمها لملك عربي هي المرأة بدون سيارة!! فمرحبا بكم، أنتم على متن المركبة الفضائية: ناقة!
هناك من يكتب بلغة الغرباء ليدحض هذه النظرة الدونية للمرأة العربية، والرجل العربي على السواء، فكاتبة «عرب نيوز» عائشة فريد، رغم وقوعها في تناقض الهواجس والمراحل، عبرت عن لحظة الحقيقة بما لا يسمح باستخفاف يشوه أثرها، وهي تصف الحدث كمشهد جماعي للاحتفال بمناسبة وطنية، لكنها في الوقت ذاته تقول: نحن في توقيتنا تماما، وفي منطقتنا الزمنية المناسبة وإن الأمر لا يتعلق بالقيادة بحد ذاتها بقدر ما هو إقرار بحق المرأة بالقرار»!
تصر الكاتبة على أنها كانت راضية عن الحظر، لكن قرار رفع الحظر أثبت العكس، لأن الرضا لم يكن كافيا ولا حقيقيا، بقدر ما كان تحايليا، أو محاولة يائسة للادعاء بعكس الدعاء الذي أضمرنه طويلا، وخذ هذه منها: «كنا نقول لن يسمح لنا بالقيادة إلا حين تنبت للخنازير أجنحة، وهاهي نبتت»!
لا تعلم هل هناك استخفاف للمرأة بذاتها، أم أنه الخوف، الذي يحصرها في قمقم المثل الشعبي: من كبرت لقمته غص! ولذلك تختلط المفاهيم، فيصبح الحرمان قناعة، أو مصلا مناعيا تحصن به المرأة وعيها، ضد أي استرضاء!
حرام عليك يا عائشة!
السؤال الأهم هنا، هل حرية المرأة ضد أمن الوطن؟ هل الخوف من حريتها يعني صيانة المجتمع؟ هل الانتماء يتطلب من المرأة أن تتنازل عن إنسانيتها؟ وتاريخها وحضارتها، والستيرينغ، وتكتفي بالمقعد الخلفي؟ كل المظاهر والتفاعلات، تدل على أن المرأة السعودية لم تكن راضية، فكيف تكتفي الآن بالرضا وتصر عليه؟! إن كان القرار كرّمها، فكيف لها أن تستمر بالثناء على عدم تكريمها به؟!
النساء السعوديات اللواتي كن يجادلن الرسول الكريم، زمان، لم يتبق بحوزة بعضهن الآن، سوى نكايات مجانية لمقارعة الذباب الالكتروني عبر البلوتوث! ربما على العالم أن يصدق فرحتهن بدل أن يكذّب اقتناعهن بالحرمان منها؟
المفارقة أن «ألف ليلة وليلة»، تنحاز «للجارية» الواعية، المثقفة الفطنة، التي تتدبر أمور الرجال، وتشكل طوق نجاة لإنقاذ الخيمة والصحراء، حتى وإن كانت كالبضاعة تُلتقط من سوق نخاسة، فكيف أصبحت شهرزاد، «أم الدويس»، وهي ذاتها «لالة عيشة»، أو عيشة قنديشة، أو الكونتيسة عائشة الموريسكية، التي أثبتت الدراسات الغربية بطولتها، خاصة في المعارك بين البرتغاليين والمغاربة، بعد تهجيرها القسري من الأندلس خلال محاكم التفتيش، وقد كانت تستدرج الغزاة بجمالها لتغرقهم في المستنقعات، فمن شوهها لتصبح مجرد أرملة ملعونة؟
لقد آثرت العجائز ما بين «الفنا» والفناء، إخافة النساء من لعنات الغيب، ليصنَّ شرف الرجال في القبور، بالرعب مش بالوفاء، حيث حولنها لغاوية تأكل لحوم الفحول، بعد أن غضبت منها الآلهة إثر خروجها من بيتها قبل انتهاء فترة الحداد على زوجها، فاحتفظت لها بوجه القمر، ومسخت سيقانها إلى سيقان البغال والنياق!! بربك أيها المشاهد كيف تعض على غيظك ودمك وأنت حائر بين صرختين: (حرام عليك يا عائشة!) أو (حرام عليكم، ماذا فعلتم بعائشة)!!
هل بعد كل هذه «الطيحة» تسأل لماذا يموت الحمار في مربطه؟ ولماذا صرنا نرقص بالسيوف بدل أن نقاتل بها؟ لقد استعمرنا الخوف، حتى أصبحنا الوجه الوحيد له! أكلنا قلبه وزورنا فيه، قبل أن يلتهم حناجرنا… ويلاه!
حكمة الغربان: «خلص عادْ»!
حيرتنا صحيفة «الإندبندنت»، فما الذي تريده بالضبط؟ مرة تقول لك، إن هذا القرار حيلة، أو دعاية لتحسين صورة المجتمع السعودي في الغرب، ومرة تقول لك، غير كاف، ثم تخوفك ثم تحيدك ثم تقهرك، وعلى ذمتها، فإن الدافع الحقيقي اقتصادي، لإنعاش الشريان التاجي للمملكة، حيث رفع مبيعات السيارات من 15 إلى 20 في المئة، دون أن يقلل نسبة بطالة وصلت إلى 12.8 في المئة، العام الفائت، متسائلة:
(مع إلغاء الحكومة لمعونة دعم الوقود، سوف تملأ النساء خزاناتهن بأكثر مما يتوافر من وظائف تكفي الجميع لقيادة السيارات؟) فأين الاعتراض بالضبط؟ ألم تكن «الاندبندت» هي التي رحبت بتعدد ألوان العبايات على ساحل جدة؟ ومظاهر خلع الحجاب والأرجلة بلا براقع؟ ورفع الوصاية عن المراهقين والمراهقات في الحدائق العامة والزواريب؟ شو يا «إندبندنت». وحدوه يا عمي! إرسوا على «ريموت كنترول» واحد! أو تتشتت السماوات!
هل يمكن سَلْبَنَة الدعاية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إيجابية التفعيل؟ هناك عروة وثقى بين الاستفادة والإفادة، ما دام لم يعد هناك دلال ولا مُحرم، ولا وكيل، ولا وصي، ولا عسس، ولا شوفير «سكند هاند»، ولا ما يحزنون!
مضى زمن، بعد أن طار غرابهن «شِبن»، ليقطفن ثمرة الغراب، فلماذا تعتبر «الإندبندنت» أن هذا القرار حصيلة «ما جاب الغراب لأمه»، خاصة وهي تعترف بالتغييرات، ضمن إثارتها للأسئلة! فهل تمهد يا ترى لفرحة خدها الغراب وطار؟ لا غرابة، فتلك حمكة الغزاة!
هداف المونديال
غمض عيونك أيها المشاهد، فلا حاجة لك بهما وأنت تتابع المونديال بصوت حفيظ دراجي، لطريقته المدهشة بالتسديد أجمل مما تفعله الكرة حين تحتضن الشباك، فلو جربت مثلا أن تشاهد الغول بدون صوته، لما اخترقت عظمك نشوة الفرحة، لأن الأهداف الخرساء غير كافية للاحتفاء، إنك تحتاج لإحساس يفوق فرديتك، إحساس يقفز من الشاشة إلى المرمى، إلى الجماهير، بخفة واتقاد كطلقات مدوية، في زمن لم نعد نحتاج به إلى بندقية لنخوض حروبنا الفضائية، تكفينا الكرة والسيارة، لتغني على طريقة أم كلثوم: إلى موسكو ومكة خذوني معكم.. وغووووووول يا عرب!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
7gaz
لينا أبو بكر
في البداية اود ان اسأل الكاتبة المبدعة لينا ابو بكر هل كانت سطور المقال الاولى
–
جزء من مسودة رواية قيد الكتابة للكاتبة ام هي شذرات من نص ادبي لم اتمكن من قرائته بعد
–
اما بالنسيبة لبقية المقال فلا اخفيك اني قد قرأته بمزيج من الدهشة و الضحك حد القهقة
–
الدهشة امتلكتني من معرفتك المتمكنة مما يعج به المخيال الشعبي المغربي فقد تأكد لي عبر
–
الكثير من مقالاتك معرفتك الهائلة بموروثنا الشعبي اكثر من بعض ابناء جلدتنا هنا من خلال
–
بعض الامثلة الشعبية الغابرة او من بعض الاناشيد التي تحمل جرحا تاريخيا لببعض مكونات النسيج المغربي
–
كانشودة “تكشبيلة” و ها هي الان حكاية ” عائشة قنديشة” تبصم على ذلك . ان اكثر ما يلفت الانتباه في حكاية
–
تلك المقاومة الموريسكية المغربية التي واجهت البرتغاليين بالسواحل الاطلسية بالمغرب هو احترام عدوها البرتغالي
–
لها رغم صدها له و ذلك باطلاقه عليها اسم la contessa اي النبيلة في حين ارتبطت بمخيالنا الشعبي بصورة
–
تلك المرأة الوحش التي تتخد المقابر بيوتا و ترعب الناس ليلا بلباسها الابيض و قدميها الشبيهتين بحوافر البغال
–
انها مفارقة عجيبة تكشف عن مصير اي مقاومة للمحتل في ازمنة القيء . شكرا للكاتبة الكريمة مزيدا من العطاء
–
تحياتي
شكرا للدكتورة على هذا المقال،لقد فوجئت كذلك لمعرفتها
بخرافة (عيشة قنديشة) وأنها كانت تتحول من إمرأة إلى
بغلة لدفن وقتل كل من تلتقي معه بعد العصر.
خرافة كان يستعملها المستعمر، البرتغالي والإسباني، والفرنسي
لكن الطامة الكبرى هي أن الحكومة المغربية، رحبت بالفكرة
وأستعملتها كذلك في خدمتها.
المراة يا استاذة لينا…ساهمت بدور محوري في تاريخ المغرب قبل ذخول الاسلام وبعده…وكانت خير متمثل للمكانة التي منحها هذا الدين للمراة…رغم بؤر الممانعة من المقدسين لثقافة النخاسة والجواري…والتبخيس من قيمة كاءن ارتبط وجودنا وتطورنا به منذ المرحلة الجنينية في التكون….؛ ومن هذه النماذج المشرقة…اذكر فاطمة الفهرية التي اسست اول جامعة في العالم…وهي جامعة القرويين بفاس في عهد الادارسة….؛ وزينب النفزاوية زوجة احد اعظم السلاطين في تاريخ الاسلام وهو يوسف بن تاشفين …الذي جعلها في مرتبة المستشارة…والموجهة لامور دولته التي كانت تمتد من حدود غانا الى جبال البرانس…في اوروبا..؛ والسيدة الحرة حاكمة تطوان وشفشاون…واية زمانها بهاء وجمالا…وحزما وقوة…وهي التي عملت على تحرير كثير من موانىء المغرب…واذاقت الاسبان والبرتغاليين والانجليز …مرارة الهزيمة والاسر…في عز سطوتهم ونفوذهم البحري…وهي بالمناسبة من ام اسبانية تزوجها ابوها الامير مولاي علي بن راشد….؛ والكونتيسة عاءشة التي وهبت حياتها لحماية الثغور…ورد هجمات الاعداء من قراصنة…وجيوش اجنبية….؛ وثريا الشاوي اول ربانة للطاءرات في العالم العربي وافريقيا…؛ بينما نرى من لازال ينظر الى قيادة المراة للسيارة وهي من ابسط الامور واتفهها بنظرة المشكك ..والمتربص…واوذاجه منتفخة من شدة الغضب…وكثافة الجهل المركب…ناسيا او متناسيا ان في تلك الارض التي يمشي عليها مرحا… بقدر مايتيحه له وزنه…وحجم كرشه…؛ كانت هناك مجاهدات تفوقن على الرجال في الفروسية…وركوب الخيل في الحرب والسلم…؛ ولكن الذكرى لن تنفع قطعا من كان لايدري ولايدري انه لايدري …على قول الخليل بن احمد رحمه الله.
يبدو أن الكاتبة عاشت لمدة في المغرب وكتابتها تدل على ذلك. من جهة أخرى تناولت الكاتبة سياقة المرأة السعودية للسيارة كحدث تاريخي كبير عند البعض لكن المرأة السعودية تحتاج إلى توسيع ثقافتها لتشمل عدد كبير من النساء ويعطى لها الحق في المساهمة في تسيير شؤون البلاد بشكل واسع وذلك هو الفوز العظيم
أشكر أخي المغربي على مداخلته المركزة والرائعة التي ذكرتنا برائدات مغربيات دلت إسهاماتهن المبكرة في مختلف المجالات على أن المغرب كان رائدا في الماضي كما هو رائد في الحاضر وهذا ما يجب أن يتدبره البعض ممن يرى أن تحرر المرأة في بلاده من بعض القيم وانسلاخها من هويتها وترك حبلها على غاربها و (مشيها على حل شعرها)، هو فتح مبين ورياده في المغرب العربي والشرق الأوسط!
الشكر لك اخي عبد المجيد على التتبع والتقييم..؛ وعلى دقة التحليل والتعليق…؛ واضيف الى ماذكرته ..استعمال من اشرت اليهم لمصطلح غريب بمفهوم محرف…وهو تحرير الجسد…ويقصدون به نوعا من الاغراق في البوهيمية والبهاءمية …على طريقة من لايرى في مكونات الانسان المادية والمعنوية سوى الغريزة المنفلتة العقال على الطريقة التي كان يتبناها في تصوراته السينيماءية المخرج الايطالي المعروف بابلو بازوليني..رغم ان هذا الاخير لم يخرج في ذلك عن نطاق عالمه الافتراضي…؛ ومن المعلوم ان مدلول تحرير الجسد يرتبط في الفكر الفلسفي بالمذهب المثالي الذي يعتبر ان ارتقاء الروح يقترن بضرورة تقليص المؤثرات الجسدية المادية…عليها…؛ وبالفكر الصوفي الداعي الى التخلص بواسطة الزهد من مؤثرات ومعيقات الارتقاء والفناء الروحي…وهي الغريزة والجسد..؛ وتذكر معي ما كانت تردده اذاعات اسبانيا في السبعينات …كما اشرت الى ذلك بالامس…وشكرا.
سماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة كان سيكون مبهجا وبهيا لو تزامن بقيادة الشعب السعودي للسلطة عبر مؤسسات حرة.لكن أن نصور بحصول هذه المرأة على هذا الحق الهزيل جدا وكأنه نصرا كبيرا في حين تضل أمور تعتبر بديهية لا يخلو أي مجتمع منها كإنشاء برلمانات وتكوين أحزاب في مجتمعات بمختلف انظمتها جمهورية ملكية ديكتاتورية أو ديموقراطية إلا في السعودية التي لازالت متحجرة ترفض أي تغيير
أحيي الأستادة لينا على هذه المستملحات التي تتحفنا بها بين الفينة والأخرى بذكر بعض المؤثورات والأقوال والأمثلة الشعبية المعروفة في ثقافتنا المغربية منها أسطورة الجنية عيشة قنديشة التي كنا نسمع عنها كثيرا وحيكت عليها عدة قصص كمن كان فقيرا وأصبح غنيا بعد الزواج من عيشة قنديشة.أو صادفته ليلا على هيئة امرأة وطلبت منه الزواج منها.
وبالنسبة للمرأة المغربية يمكن أن أضيف لما ذكره الأخ المغربي العالمة الفلكية مريم شديد أول أمرأة عربية ومسلمة تطأ قدمها بالقطب الجنوبي
والعدائة نوال المتوكل أول امرأة عربية وإسلامية تفوز بالميدالية الأولمبية