بيت من «سينما» وانترنت

حجم الخط
0

علي ياغي : أحلم أن يكون لدي منزل صغير. يحتوي شاشة تلفزيون أشاهد عليها أشرطة سينمائية، وإنترنت لا ينقطع، أن أدعو اليه أصدقائي الذين أكرههم، لأطردهم ربما، لا يهم. ثم أرفض ذلك الحلم ضمنياً، لأني أكره إلتزامات المنازل المتعلقة بفاتورة الكهرباء، و»الطابو» الأخضر، والاهتمام بعبوات الغاز وعدادات الماء. لكني حقاً أفضل حياة الزهد كونها اكثر حرية.
في الحالتين أرفض مُكرهاً الأمر.
لتذهب بي الفكرة إلى حلم آخر يضعني فوق صخرة أو داخل كهف ما في جبال «التيبت». هناك سأوزع الوقت على حواسي. أتأمل شجرة لشهر كامل. أحس بالرياح خمسة أشهر. أراقب نمو نبتة وموتها شهوراً أخرى، أستنشق زهرة لتسعة شهور. أرفض ايضاً تلك الفكرة خوفاً من أن أشتاق لأمي، وخوفاً من الحشرات البرية التي أمقتها.
سأقرر بشكل مفاجئ أن أصبح نجماً عالمياً ومشهوراً. أملك ثروة وشهرة كبيرتين أستطيع بهما أن أتخلص من جميع الحشرات المحيطة بي (والمتواجدة في التيبت ربما) والتي تشكل لي ذاك الخوف.
بهذه الثروة ربما أطلق برنامجي الخاص. وأفتتح مؤسسة ضخمة للإنتاج الفني. أصور أفلاماً عدة. أقوم بأداء بطولاتها والأدوار الثانوية و»الكومبارس». وأطبع كتباً أذكر بها تجربتي في التيبت في افتراضٍ سابق. ولكنني أرفض ذلك ضمنياً رغبة مني بالسفر، لأني أفضل أن أدرس السينما بشكل أكاديمي وأصنع أفلاماً تحصد الكثير من الجوائز، وأعيش حياة الترحال تلك التي يعيشها السينمائي ليرى ما تحمله هذه الكرة على ظهرها أو سطحها، لا يهم ايضاً.
ليقطع هذا الحلم شخص ما غليظ، يجلس تحت إضاءة صفراء باهتة، يدخن ويقول : «السينما لا تحتاج إلى دراسة؟ السينما فكرة».
سرعان ما أقتنع بتلك المقولة وأرفض فكرة السفر لأني رأيت فيها سبباً أكثر منطقية من سببي لرفضه. وهو كيف سأغازل فتاة بلغة ليست لغتي فما من معادل لكلمة «أبشيني عيونك»، على سبيل المثال، وإن كان هناك معادل لن أقولها بنفس الصدق، كما ألفظها بلهجتي الدمشقية.
هنا تجذبني فكرة الصدق وتذهب بي إلى مفهوم البساطة فأحب وأولع وبشكل مفاجئ بالنمطية. أتمنى للحظة أن أقوم بتنزيل الإصدار الأخير من لعبة «الطيور الغاضبة» ( angry birds ) وأقوم بالترويح عن نفسي بهذه الطريقة وأعيش تلك الحياة الطبيعية بلا أحلام أو طموحات وهواجس. موظف في إحدى المؤسسات أتقاضى أجراً لا بأس به. أنتهي من العمل ظهراً. أجلس في المقهى. ألتقي بعض الأصدقاء. أحتسي القهوة صباحاً مستمعاً إلى فيروز. وربما عندما أعود مساءً للمنزل أقرأ كتاب شعر أو مقاطع رواية، تماماً كحياة المثقفين التي توحي بالغرابة.
لحظة، إنها لا توحي بأية غرابة. إنها تشبه حياتي كموظف في مؤسسة أعيش حياة نمطية بهذه التفاصيل ولكنهم لا يتقاضون أجراً. أنا لست موظفاً في مؤسسة حكومية. كان ذلك مجرد افتراض.
لحظة، ينبغي أن أتوقف. أتمهل قليلاً. لحظة، تمهلت قليلاً. توقفت.

مخرج سوري

بيت من «سينما» وانترنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية