بيد الأردن أوراق ردع لإنقاذ الأقصى

حجم الخط
2

ما أشبه اليوم بالأمس.. 47 سنة و 7 ايام بالتمام والكمال على إحراق المسجد الاقصى. مرت هذه الذكرى يوم الاحد الماضي كما في الاعوام الـ47 ببيانات من هنا وهناك. بيانات مكررة وممجوجة لا طعم لها ولا ذوق ولا لون ولا رائحة، بيانات لم تأخذ اسرائيل بها في الماضي ولن تأخذ بها الان ولا في المستقبل المنظور أو غير المنظور.
ولو عدنا إلى الوراء قليلا وقارناها مع ما سبقها من بيانات، لوجدنا انها ربما تكون نسخة طبق الاصل.. لا تختلف عنها الا بالتاريخ وبما تمليه الظروف والاوضاع المزرية في العالم العربي، التي تسير من سيئ إلى أسوأ.
عدا عن ذلك فان هذه البيانات تدعو في سياقها العام لتدخل دولي لردع الاحتلال الاسرائيلي، عن تماديه في تهويد القدس والاعتداءات على الأقصى.
وتعكس هذه البيانات بخلوها من إجراءات عملية لإنقاذ الأقصى، العجز العربي والإسلامي عن فعل ما يحفظ الهوية الاسلامية للقدس وللحرم القدسي. والمصيبة أن الفلسطينيين والعرب والمسلمين ليسوا ضعفاء ولا قليلي حيلة فلديهم من نقاط القوة الكثير ولكن لا يحسنون استخدامها أو لا يريدون.
ويحضرني في ذكرى هذه الجريمة الأليمة تصريح له وقع أكثر ايلاما بالنفس، لرئيسة الوزراء الاسرائيلية في حينها غولدا مائير يحمل بين طياته معاني كثيرة وكبيرة، ويفسر الصمت العربي والاسلامي قبل الدولي الحالي، على ما تفعله سلطات الاحتلال في الحرم القدسي من عمليات تهويد وممارسات عنصرية ضد أهالي القدس الصامدين المرابطين رغم البطش الاحتلالي.
فماذا قالت غولدا مائير في حينها كرد فعل على سماعها نبأ حرق الأقصى: «لم أنم في تلك الليلة، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيزحفون على إسرائيل أفواجا أفواجاً ومن كل حدب وصوب. ولكنني عندما استيقظت صباح اليوم التالي ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمة نائمة».
وبعد47 عاما نقول لغولدا مائير قري عينا ولا تقلقي على مصير اسرائيل فهو آمن على الاقل في الوقت الحاضر، فالعرب كأهل الكهف ما زالوا نياما ونومهم أعمق مما كانوا عليه عام 1969. وبعد رحيلك أصبحت اسرائيل دولة جوار وصديقة وربما شقيقة لدى البعض، لا دولة عدوة محتلة عنصرية استعمارية، بعد أن أدرك بعض المثقفين والمطبعين العرب ومن ورائهم بعض الانظمة إن لم يكن اغلبها، أن الانطباع الذي كان سائدا بين الشعوب العربية عن اسرائيل، هو خطأ وسوء فهم وفيه نوع من الظلم للمجتمع الاسرائيلي. وانها ليس اكثر من ادعاءات خاطئة ناجمة عن الاعتقاد بان المجتمع الاسرائيلي لا يريد السلام.. والحقيقة أنه مجتمع يريد السلام.. رغم انه محتل ومعتد ومتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
وللتذكير فقط بجريمة حرق الاقصى.. فقد وقعت في 21 اغسطس 1969 ونفذها اليهودي الاسترالي دينيس مايكل الذي اتهم بالجنون، بإشعال النار بالمسجد، فأتت على أثاثه وجدرانه، ومنبر صلاح الدين الأيوبي، ومسجد عمر بن الخطاب، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة داخل المسجد.
وبعد 47 عاما لا يزال الفلسطينيون يصرخون بأعلى اصواتهم يحذرون من استمرار المخاطر التي تهدد الأقصى ولا حياة لمن تنادي. ويذكرنا المتحدث الرسمي باسم حكومتهم بأن سلسلة الجرائم الاحتلالية متواصلة منذ 1967. ويلفت المتحدث الانتباه إلى أن تلك الإجراءات تعد انتهاكا سافرا لكافة القوانين، والقرارات الدولية والحقوقية والأخلاقية والإنسانية، وينتهي كما في كل البيانات بدعوة المجتمع الدولي، والدول العربية والإسلامية بتدخل عاجل لإنقاذ الأقصى، واتخاذ قرارات فورية وفاعلة، من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية التي باتت تشكل خطرا كبيرا على وجوده، وعلى هوية القدس الحضارية العربية والإسلامية.
أما المجلس الوطني الفلسطيني فقد دعا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 271 لعام 1969، الذي يطالب إسرائيل بإلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية القدس، والتقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي، والتوقف عن إعاقة صيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة بالمدينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل طبق مجلس الأمن بالمطلق أي قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية باستثناء قرار التقسيم (181) وتحديدا الجزء منه المتعلق بقيام دولة الكيان الصهيوني دون النصف الثاني، وما صدر من قرارات بعد هذا القرار منها على سبيل المثال لا الحصر 194 المعني بعودة اللاجئين و242 الداعي للانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة عام 1967، و338 لعام 1973 وهو قرار صادر عن الجمعية العامة ويدعو إلى وقف اطلاق النار في حرب 73 وتطبيق القرار 242 الخ. وكما هي اللازمة في كل البيانات، طالب الأمتين العربية والإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي بتقديم الدعم الفعلي الكافي لتثبيت صمود أهل القدس وتمكينهم من الدفاع عنها.
وهذا هو طلب العرب والمسلمين نفسه، فقد حذرت الجامعة العربية من «خطورة ما تشهده المدينة المحتلة من حملة شرسة تسعى إسرائيل من خلالها إلى تهويد كل ما هو عربي، سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا في مدينة القدس المحتلة، فضلا عن تهويد الأسماء العربية وطمس الهوية بكل أبعادها».
وحذر الاردن في بيان لوزارة الاوقاف من أن «الاستمرار بالحفريات تحت الأقصى والاعتداءات والتدنيس المستمر للمسجد حتى يومنا هذا، إضافة إلى منع المصلين من الصلاة فيه، كلها مؤشرات تؤكد استمرار الخطر اليومي على المسجد المبارك، ويدعو العالم إلى التدخل الفوري لوقف مثل هذه الاعتداءات اليومية على مقدساتنا الشريفة». وأشارت الوزارة إلى حرص الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني «على رعاية القدس والمقدسات العربية. وقال إن الأقصى مسجد إسلامي لا يقبل القسمة ولا الشراكة.
ولم تعجب هذه التصريحات الكثير في إسرائيل، بيد أن رد آفي ديختر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي ورئيس المخابرات «الشاباك» الاسبق كان الاكثر تحديا «إن تفكيرهم أن يفعلوا في المسجد الأقصى ما فعلوه في السعودية حين حولوا مكة والمدينة إلى أقدس مكانين للمسلمين وإعلانهما مدينتين لا يدخلهما سوى المسلمين هو تفكير منحرف ومشوه، ولن نسمح بتحقيقه مطلقا. وسنصر على حقوقنا في جبل الهيكل».
ورأى بعضهم أن كلمة الملك تأتي في إطار الحسابات الداخلية، ولا تؤثر على طابع العلاقة الاستراتيجية بين اسرائيل والاردن. ودعا وزير استيعاب المهاجرين وشؤون القدس، زئيف إلكين، إلى عدم التأثر بها.
وقدم بعض آخر التماسا إلى المحكمة الإسرائيلية العليا يطالب فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالعمل على تحجيم دور الأوقاف الإسلامية في الأقصى والعمل ضد مسؤولي الاوقاف. وهناك مطالبات أيضا بطرد أفراد الشرطة الأردنية من الحرم وإعادة النظر في السماح ببقاء مؤسسة الأوقاف الإسلامية في القدس، حسبما جاء في صحيفة «ميكور ريشون» اليمينية.
وعلى سبيل التذكير فقط فإن دائرة اوقاف القدس تتبع وزارة الاوقاف الاردنية، وهي المشرف الرسمي والوصية على الأقصى وأوقاف القدس، بموجب القانون الدولي، الذي يعدها (الأردن) آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها عام 1967. وكذلك بموجب اتفاقية «وادي عربة» للسلام الأردنية – الإسرائيلية، لعام 1994، التي طلب الأردن بمقتضاها لنفسه حقًا خاصًا في الإشراف على الشؤون الدينية للمدينة.
وهذا يعني أن الاردن دولة وقيادة وشعبا، هو الوحيد المؤهل قانونيا والقادر عمليا، على مواجهة اسرائيل في معركة الاقصى.. فبيده العديد من اوراق الضغط التي لا توجد لدى غيره حتى السلطة الفلسطينية. فبيده ورقة سحب السفراء وإغلاق السفارات وأخيرا وإذا لم تذعن اسرائيل، التلويح بالغاء اتفاق عربة للسلام وقطع العلاقات.
وطبعا هناك العامل الاقتصادي، إذ بمقدور الاردن أن يسد في وجه اسرائيل طرق تصدير منتوجاتها وبضائعها عبر أراضيه لدول في الخليج. يضاف إلى ذلك التلويح بإمكانية وقف اتفاق تصدير الغاز «الإسرائيلي» للأردن الذي من شأنه أن يضيف مليارات من الدولارات لخزانة دولة الاحتلال. وباختصار فإن هناك الكثير ستخسره إسرائيل اذا ما تمادت في غيها وتغولها في الحرم القدسي.
وورقة الضغط هذه مجربة وهي رادعة، فقد اضطر الملك الراحل الحسين بن طلال للجوء اليها عندما حاول جهاز الموساد في اكتوبر 1997 اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عمان بحقنه بمادة سامة في اذنه. وعندما انفضح تورط الموساد، ولجأ اثنان من عملائه المتورطين إلى السفارة الاسرائيلية، وحتى لا نخوض التفاصيل المعروفة، اذعن رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها بنيامين نتنياهو لمطالب الملك حسين بتسليم المصل المضاد والافراج عن الشيخ احمد ياسين الزعيم الروحي لحماس قبل تصفيته في غزة، اضافة لاشياء اخرى، مقابل سماح الاردن للعميلين بمغادرة الاراضي الاردنية.. انه الرادع الفعال الوحيد.. افلا تستحق القدس ومقدساتها مثل هذه التضحية؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

بيد الأردن أوراق ردع لإنقاذ الأقصى

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بصراحة لا أجد أي ورقة ضغط أردنية على الصهاينة غير اللجوء للإدارة الأمريكية !
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    انتظر مقالاتك دائما يا استاذ علي و لكن هذه المرة صراحة عندما قرأت عنوان المقال قررت ان لا اقرأه فأنا لا أحب قصص الخيال العلمي.

إشترك في قائمتنا البريدية