بحسب الجمعية النووية الدولية فإنّ المملكة العربية السعودية سوف تنفق ما يعادل 80 مليار دولار أمريكي لإنشاء 16 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية، خاصة توليد الطاقة الكهربائية، خلال العقدين المقبلين؛ وفق عقود مع شركات أمريكية وأوروبية ويابانية، تقـــوم على تنفيذ كامل المشروع، ومن ثم تشغيله والإشراف عليه لاحقاً، وفق منهجية المشاريع الاستثمارية التي ينحصر دور الطرف العربي في استلام مفاتيح بواباتها فقط.
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن القيمة الكلية لفوائض عوائد النفط الكلية التي راكمتها حكومة السعودية، التي تمتلك حق التصرف الفعلي بها هي حوالي 602 مليار دولار أمريكي؛ يقع أقل من 1 % منها باحتياطات معادن نفيسة، بينما تقع حصة الأسد من مجمل تلك العوائد في استثمارات في سندات الخزينة الأمريكية شبة المفلسة، التي قاربت ديونها سقف 20 تريليون دولار. وإذا أخذنا بعين الاعتبار إنفاق السعودية خلال عام 2014 ما يعادل 80 مليار دولار لشراء أسلحة من الولايات المتحدة أساساً، وبميزانية إنفاق عسكري فاقت إنفاق المملكة المتحدة وفرنسا العسكري، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، بالتوازي مع عدم رشوح القيمة الإجمالية لما أنفق خلال العامين المنصرم والحالي، في ضوء الانغماس في المستنقع اليمني، سوى ما طفا على السطح من قيمة طلبية الذخائر الأخيرة من الولايات المتحدة لتموين مستودعات ذخائر حرب اليمن، بقيمة إجمالية بلغت 1.29 مليار دولار فقط، حسب الصحيفة نفسها.
وإن حسبة بدائية بسيطة لنسبة تلك النفقات المعروفة، بدون احتساب تلك الخافية لأغراض سياسية أو أمنية، فإنها تعادل حوالي 35 % من مجمل الثروات المتبقية من كل جنى الفورة النفطية، التي تمثل في الحد الأدنى حقاً للأجيال القادمة، الذين لا يُتوقع أن يعيشوا بأي حال من الأحوال بحبوحة آبائهم وأجدادهم نفسها، سواء بسبب تراجع سعر النفط، أو التغير المناخي الذي سوف يحول معظم أرض شبه الجزيرة العربية إلى صحراء قاحلة كصحراء عفار في أفريقيا، وبمعدل حرارة ورطوبة سوف يجعل مهمة الجهاز الدوراني والتنفسي لدى أكثر الشباب صحة مهمة شبه مستحيلة، وفق بحث حديث للعالمين جيرمي بول وفاتح الطاهر، نشرته مجلة «نيتشر كلايمت تشينج».
ويحق للقارئ المتمعن طرح سؤال بديهي يتعلق بمدى جدوى إنفاق مدخرات يجب الاحتفاظ بها للأيام السوداء المقبلة، في مشاريع نووية لا يسهم الطرف العربي سوى بدفع تكاليف إنشائها وتشغيلها، ولا يمكن لأي من الشركات المنفذة لها إنكار العظمة التاريخية لنتاج الاتحاد السوفييتي النووي، الذي تهاوى كله في أكبر كارثة نووية في تاريخ البشرية قبل ثلاثين عاماً في تشيرنوبل، التي حولت مناطق شاسعة من أوكرانيا لمناطق محظور العيش أو الاقتراب منها لعشرات آلاف السنين المقبلة؛ أو إنكار الإبداع التكنولوجي والثقافي الاستثنائي للعقل الياباني، الذي لم يفلح في تصميم نظام تبريد منيع للمفاعل النووي فوكوشيما يصلح لمقاومة الفيضانات الخاطفة؛ فكانت كارثة التسرب النووي من مفاعل فوكوشيما، التي مرت ذكراها الخامسة الأليمة منذ أيام قليلة، والتي حولت، في سياق كأنه تكرار لكارثة مفاعل تشرنوبل، أراض سكنية وزراعية واسعة إلى موات مطلق، لا يمكن الحياة فيه لعشرات آلاف السنين، بالإضافة إلى الخطر الحقيقي المضمر، الذي تحاول كل وسائل الإعلام التعتيم عليه والمتعلق بتسرب المواد المشعة في خليج فوكوشيما، ومنه إلى المحيط الهادئ وبحر الصين أساساً، ومنهما إلى جميع بحار العالم، التي تأكل البشرية بكل شعوبها من أسماكها، خاصة أسماك التونا المستوردة من خليج تايلند الأقرب لبحر الصين، بدون أن تعي بأن تلك الأسماك محملة بجرعة إشعاعية كافية لإحداث سرطان الغدة الدرقية أو سرطان البنكرياس لدى أولئك الذين لديهم أرضية وراثية مؤهلة لذلك.
وفي سياق الحديث نفسه عن أخطار التسرب النووي الذي تحاول المؤسسات الإعلامية الكبرى التستر عليها، يجدر الإشارة لما نشرته صحيفة «ميامي هيرالد» في عددها الصادر في 7 مارس من العام الجاري عن تسرب إشعاعي خطير من محطة تركي في فلوريدا في الولايات المتحدة إلى شواطئ ميامي على المحيط الأطلسي، لتزيد نسبة المواد المشعة التي تدور في بحار ومحيطات العالم، وتفتك بكل الكائنات التي تعيش فيها، وبمن يعتاش عليها من البشر الذين لا يتوقفون عن التساؤل عن سبب ازدياد معدلات وقوع الإصابة بمرض السرطان بدون معرفتهم بما يجري من أهوال نووية لم يسمعوا بها لحد الآن.
وفي عقر دار الولايات المتحدة، التي يُعتقد أن شركاتها سوف تنفذ معظم المشاريع النووية العربية لابدّ لنا من الإشارة إلى موقع ليفرمور النووي الذي بحسب الناشطة ماريليا كيلي فإنّ: «التسرب الإشعاعي يرشح من أنابيب نقل المواد المشعة في الموقع إلى التربة، ومنها إلى المياه الجوفية، وهو ما انعكس في أعلى مستوى من تركيز المواد المشعة في الولايات المتحدة في الأشجار الموجودة في الحدائق المجاورة لذلك الموقع». وهو الموقع نفسه الذي»حصل فيه مؤخراً تسرب لغاز الهيدروجين المشع الذي يدعى ترتيوم في ثاني أسوأ تسرب إشعاعي غازي في الولايات المتحدة» بحسب الناشطة نفسها.
وذلك الطرح الأخير يحدونا لتذكر المعضلات الكبرى التي تواجهها الصناعة النووية في الغرب، فيما يتعلق بكيفية تخزينها للنفايات النووية، خاصة بعد تغير الوعي الشعبي في عدد من الدول النامية، وتراجع قبضة الولايات المتحدة والغرب عموماً على كثير منها بشكل أو بآخر، ما عقد إمكانية دفن النفايات النووية في تلك الدول، مثلما كان يحدث في سورية، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، بدون معرفة أو اعتراض من شعوبها المقهورة. وهي المعضلات نفسها التي أصبحت تفصح عن نفسها في استحالة تخزين مواد مشعة مستهلكة نصف عمرها الإشعاعي مئات آلاف السنين، والحفاظ عليها من التسرب جراء تآكل الحاويات التي تحتويها تحت الأرض، كما كان الحال مؤخرا ًفي حادثة التسرب النووي من إحدى حاويات النفايات النووية التي تحتوي على 750000 غالون من النفايات النووية في موقع هانفورد في ولاية واشنطن الأمريكية.
وبعد ذلك كله ألا يحق لكل مؤمن بقداسة أرض شبه الجزيرة العربية، المطالبة بالتروي قبل إتلاف مدخرات شعبها التي لم تعد كثيرة، وتهديد حق الأجيال القادمة في حياة صحية، وطبيعية بالحد الأدنى، والمطالبة بتحويل الخطط الاستثمارية النووية إلى حيز الطاقة المتجددة، خاصة تلك الشمسية منها، التي حبا المولى أرض العرب بوفرتها، وسعة الصحارى العربية التي تستطيع استيعاب ملايين ألواح توليد الطاقة الشمسية بتكلفة أقل بكثير من تلك المشاريع النووية، وبمخاطر شبه معدومة مقارنة بتلك الأخيرة؛ والأهم من ذلك كلة إمكانية تصنيع تلك الألواح الشمسية محلياً لتشغيل ملايين العاطلين عن العمل، أو القاعدين في عقر دار البطالة المقنعة من أبناء شبة الجزيرة العربية، أو حتى تصنيعها عربياً في مصر الجريحة، التي أصبحت تصنع الباصات التي تدور في شوارع العاصمة البريطانية لندن، وليس من الصعب على أبنائنا تصميم وإدارة خطوط إنتاج للألواح الشمسية كما هو الحال في الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وخلاصة القول: ألم نسأم، نحن العرب من وهب ظهرنا المقروح لمن أدمنوا خيانتنا لعقود طويلة، علّهم يَحُكُونَه بمخالبهم، أو سياطهم. ولكن هيهات أنْ يحك جلدك شيء مثل ظفرك.
٭ كاتب سوري
د. مصعب قاسم عزاوي
الطاقة الشمسية ! هذا بالفعل ما تنوي السعودية فعله وكذلك دول الخليج العربي ولكن يجب تصنيع ألواح توليد الطاقة الشمسية محلياً
فالطاقة الشمسية تحول أشعة الشمس إلى حرارة لغلي المياة المالحة ليشغيل توربينات الكهرباء ولتحلية المياه بوقت واحد
ولا حول ولا قوة الا بالله