«تاريخ الهجرة» إلى أوروبا إعلاميا: سلبية ومهددة لكيان الهوية الوطنية… وتفضيل محمد «مومو» وعبدالله «أبدل»

حجم الخط
3

من المتوقع جدا، وربما بعد كل ما حدث مؤخرا على الساحة الأوروبية من مشاكل متعلقة بالهجرة والمهاجرين أن تبدأ المحطات الفرنسية في تسليط الضوء على تاريخ وجذور تلك المشاكل، التي باتت تطفو على السطح مجددا.
فمنذ أحداث «شارلي» الأخيرة في باريس، وقبلها تفجيرات حدثت في لندن عام 2005، ومدريد في عام 2004، لم تتوقف المحطات والإعلام بشكل أكبر عن التذكير بأن مثل هكذا عمليات ستظل على تواصل مستمر، طالما ستبقى تصريحات الحكومة في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تنتهج الحديث نفسه ضد الهجرة والمهاجرين.
الإعلام والحكومة متآمران على أن تبقى صورة المهاجر سلبية ومزعجة ومهددة لكيان الهوية الوطنية، وهي بذلك تتحدث عن «هوية وطنية» تنسب للبيض من سكانها ومن الـ»متأقلمين» على أراضيها من المهاجرين، أي من أولئك الذين يغيرون من أسمائهم ليصبح «محمد» «مومو»، وعبدالله «أبدل» وهكذا! لا أريد أن أكون سوداوية، ولا أذكر أولئك الذين رسموا خطا لهم ولحياتهم بالفرنسية والإنكليزية والألمانية واعتلوا مناصب وزارية وأكاديمية وحكومية هامة وهم منحدرون من أصول عربية مثلا!
آن الآوان لتتحدث المحطات الفرنسية عن الجانب المضيء من الهجرة ومن إختلاط الثقافات والتوقف الفوري عن معاملة «أي صاحب بشرة سمراء أو سوداء» على أنه المهاجر رغما عن كونه قد ولد وكبر ودرس في فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية. وآن الآوان أن تركز المحطات الفرنسية على الإيجابية في الإختلاط ومدى الغنى الذي سيعيشه المجتمع وسيساعد في إزدهاره ما أن قبلت الحكومة الفرنسية إحترام كل من هم مختلفون عن عادات وتقاليد الفرنسيين «دو سوش»، كما يسميهم أولاند! ووجب عليها التوقف وحالا عن سياسة التمييز والتفرقة بحسب الجنس ولون البشرة!
كما يجب على الحكومة الفرنسية تحسين السكن والعيش في الضواحي، وتنمية الإختلاط بينهم وبين باقي أفراد المجتمع الفرنسي، كي لا تظل الضواحي مجرد أربع حيطان سجن لفقراء زجوا هنا منذ أوائل الستينات، بعد الذل والصعوبات التي واجهتهم عند قدومهم لإعادة بناء البلد!

«آرتيه» وتاريخ الهجرة
عرضت قناة «آرتيه» الفرنسية والألمانية فيلما وثائقيا عن تاريخ الهجرة، تعالج فيه الهجرة منذ أصولها، أي منذ سنوات الخمسينات وحتى اليوم.
الفيلم يتشكل من مونتاج لعدة مقاطع من أفلام وثائقية، لقاءات تلفزيونية، تصريحات سياسية، أخبار، وتحقيقات عالجت موضوع الهجرة طوال الخمسين سنة الماضية.
يبدأ الفيلم بمقطع صغير من أبيض وأسود نرى فيه مهاجرين إسبانا وإيطاليين يلتحقون بالقطار المتوجه إلى أمستردام، السويد، بلجيكا، بريطانيا وفرنسا، حيث سيحققون أحلامهم البسيطة في الحصول على عمل ومساعدة أهاليهم في بلادهم الأصلية.
لقد كان حلم هؤلاء ساذجا أمام عروض الوزير الهولندي الذي قدم ليختار موظفيه الجدد من «غير المتعلمين» ليحملهم معه إلى بلده! ويظهر في الفيلم منذ بدايته جميع الفحوص الطبية التي تجرى على المهاجرين قبل وصولهم للبلد الموعود.
يحمل الكثير منهم «باستا» و»مأكولات أخرى» كل حسب أصله وبلده، تغنيهم عن صرف المال حال وصولهم إلى الأرض الموعودة!
ونرى في الفيلم والذي تطول مدته إلى حوالي الساعة والأربعين دقيقة، مهاجرا عربيا يرد على المذيع بأنه سعيد لذهابه وحصوله على الموافقة وبأنه سيكون مطيعا، فيكرر وبسذاجة المهاجر الجديد، الحالم بغد أفضل «نعم سيدي» أنا فرح، «نعم سيدي، أنا سأتعلم الهولندية» و»نعم سيدي سأكون مواطنا صالحا»! نرى في الفيلم طفلا من أصل تركي لا يتجاوز السادسة يعلم طفلا آخر بلجيكي لغته البلجيكية ويريه النطق الصحيح، لتستغرب منه المذيعة وتسأله عن أصله فيجيبها بأنه تركي!
يسقط الحلم شيئا فشيئا ويبدأ صدام الحلم مع واقع المهاجر الذي يعمل ليل نهار، دون توقف ليجد نفسه يعيش في غرفة ويتقاسمها مع عشرة أشخاص، تماما كالعمال الآسيويين في بلاد الخليج، لا يمكنهم قراءة أي أوراق ورسائل تأتيهم من الحكومة ولا فهم رموزها فهم جدد لا يتحدثون اللغة، مما يحرمهم من الإنتفاع من المساعدات، ويجعل منهم فريسة سهلة أمام المنتفعين من الأوروبيين الذين يمارسون عبوديتهم عليهم!

لا هي غربية ولا هي شرقية
نرى في الفيلم أوضاعهم السيئة وبداية العنصرية الموجهة ضدهم، ليبدأ الحديث عن «الرجل الأبيض» صاحب البلد والـ «آخر» المهاجر الذي يمنع من أن تكون له شقة بالإيجار، حيث تغلق النوافذ عند مروره! ويوضح الفيديو مقطعا لإعلان تجاري لصاحب عقارات وتأجير شقق، يفتخر بنفسه بأنه وبالطبع لن يؤجر شققه للأجانب فهو يخشى من روائحهم وإزعاجهم وأغراضهم الكثيرة التي ستغزوا الشقة!
لم يتغير الحال كثيرا بل أصبح أكثر سوءا، ليبدأ العنصريون من «البيض» بإشعال النار في منازل المهاجرين والمطالبة برحيلهم. لنرى في الوقت نفسه رئيس بلدية لمدينة أوروبية يقوم بدعوة مهاجرين جدد وسكان المدينة إلى حفلة راقصة يتم من خلالها تعرف الطرفين على الآخر، في جو بعيد عن العنصرية والكراهية.
نرى أيضا مشاكل الـ«بيض» أمام المهاجرين وعدم شعورهم بالعدالة لأن الحكومة تحمي المهاجر وإن كان «عنصريا ضد البيض»، في الوقت الذي تقاضيه إن شتم أو مس بمهاجر!
تعالج أيضا مسألة الجيل الثاني من المهاجرين ومسألة هويتهم فمنهم من قطع علاقته بأهله نظرا لتشوش وتأزم الهوية بين ما تربى عليه من قيم للجمهورية الفرنسية مثلا وما تلقاه من والديه من تربية عربية وتقليدية. ومن هؤلاء من يشعر نفسه أكثر بلجيكيا من انتمائه وشعوره بكونه تركيا مثلا. وتصرح أخرى بأنها لا تشعر بأي إنتماء لأي من البلدين أو الأصلين فلا هي غربية ولا هي شرقية. ومنهم العديد من الشباب والفتيات في مقتبل العمر من أولئك المتهمين بأنهم ليسوا كمثل الطلبة الأوروبيين حتى وإن ولدوا في أوروبا، وهم منبوذون من باقي المجموعة يتحدثون في ما بينهم فقط، كأتراك وعرب وسود.

معظلة التأقلم
الجميل هو أن الفيلم تطرق أيضا لمسألة «التأقلم» ومعناه المبهم، لنجد من الجيل الثاني من يقول بأن على الحكومات الأوروبية تقبله كما هو، سواء كان مسلما أم بوذيا، ولا يجب قمع الفتيات المحجبات فهذا سيبعدهن عن تعاليم الجمهورية لأنهن سيضطررن إلى اللجوء إلى المدارس الإسلامية التابعة لجماعتهن بعيدا عن باقي المجتمع!
ومن المهم أيضا تسليط الضوء على دور الحكومات الأوروبية وتسهيلها لبعض القوانين بحسب كل دولة، لتسمح للمسلمين مثلا ببناء المساجد وإقامة الإحتفالات الدينية.
الفيلم لا يعلق على أي شيء ولا يعطينا أي رأي مسبق فهو فقط يدلنا عبر تمرير شريط ومقاطع لخمسين سنة من الهجرة، لكي نشاهد ونحكم بأنفسنا على ما نراه لنرى فعليا كم الإختلاط جميل ونافع وكم من الأشخاص الذين «اندمجوا» وتكيفوا مع المجتمعات الجديدة مع محافظتهم التامة على جذورهم.
ومنهم من اتخذ من الموسيقى والـ «ستاند آب» كوميدي نافذة تفتح لكي يسمعوا صوتهم للرجل «الأبيض» إن صح استخدام التعبير كمقابل للـ «مهاجر» من دول الجنوب.
ما ينساه العنصريون، سواء من سياسيين أم من أناس عاديين هو هذا الثراء الإقتصادي الذي تهبه لهم الهجرة، برجالها ونسائها العاملين والذين تركوا وحيدين في «كيبوتسات» وتحت الخيم في الضواحي الباريسية حتى إشعار آخر.
لا يزال الوضع اليوم باق على ما هو عليه، فالفقراء يزجون في الضواحي المغلقة كسجن ذي سماء مفتوحة، والشرطة تحاصر المكان في كل ثانية تحقق مع شباب من جيل الهجرة الثاني، شباب تائه، ضائع، بين هنا وهناك، شباب ينتفض في كل عام ليحرق «البلد» بأكمله معبرا عن غضبه وعن سخطه، ومنهم من يقع فريسة سهلة لجهاديين يستخدمونهم لمصالحهم الخاصة، مستغلين هذا الحقد والظلم اللاحق بهم لكره «الأبيض» وتدميره، مستغلين فشل الحكومات الأوروبية في احتواء أبنائها ومعاملتهم معاملة مساوية لآخرين، يرددون نشيدها ويرفعون علمها!
الفيلم يستحق الترجمة إلى اللغات كافة كي ينظر الإنسان إلي نفسه ويشاهد إنعكاسه في وجه أخيه الآخر!

كاتبة فلسطينية تقيم في باريس

أسمى العطاونة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    استعمرت فرنسا أفريقيا وأصبحت ملكهم لفترات مختلفة حيث كانوا هم الأسياد أما الشعوب الأصلية كانوا كالعبيد لهم
    ولكن حين يهاجر الأفريقي لفرنسا ليعمل يعامل أيضا معاملة العبيد !
    فهل توارث هؤلاء عنصرية آبائهم رغم الحرية وحقوق الانسان

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح // الامارات // الأردن:

    * على فرنسا وباقي الدول الأوروبية الإبتعاد عن السياسات
    ( العنصرية ) المقيتة بحق المهاجرين وأبنائهم وتوفير سبل الحياة
    الكريمة لهم وعدم الكيل بمكيالين ؟؟؟
    * شكرا

  3. يقول سامح // الامارات // الأردن:

    * بنفس الوقت : على أبناء المهاجرين إحترام ( القوانين ) وعدم
    القيام بأي أعمال طائشة وتخريبية تنعكس سلبا على مجمل المهاجرين ؟؟؟
    * شكرا

إشترك في قائمتنا البريدية