لندن – «القدس العربي»: كتب روجر بويز، المعلق في صحيفة «التايمز» عن زيارة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للندن وخطط تحديث السعودية مؤكدا أن هذه الخطط لن تنجح طالما لم يوقف الأمير النزاع مع الحوثيين. وجاء في مقالته أن السعودية تعاني من مشكلة علاقات عامة، ففي وقت تبدو كبلد ثري تقوم بقصف بلد فقير. فقد أدت الحرب التي تقودها ضد المتمردين الحوثيين إلى مقتل أكثر من 10.000 مدني وبات الحصول على الطعام والمياه الصالحة للشرب أمراً متعسراً وانتشرت الأمراض وأصبحت الأدوية نادرة. ويقول إن المظاهرات التي نظمت أثناء زيارة ولي العهد جاءت في وقت استمر فيه القصف على اليمن ولهذا أصبح اليمن مشكلة بريطانيا حيث يقصف المدنيون بالسلاح البريطاني ويغاث السكان بالمعونة البريطانية.
ويرى الكاتب أن فرش البساط الأحمر ودعوة غداء مع الملكة وعشاء مع ولي العهد الأمير تشارلز ولقاء في تشيكرز مقر إقامة الحكومة خارج لندن هي محاولة مدروسة لتغيير النقاش. وتم من خلال هذا تعديل العقد القائم على «النفط مقابل السلاح». ويضيف أن رؤية ولي العهد 2030 التي تقوم على تنويع اقتصاد المملكة وفطمها عن النفط وفتح البلاد للجيل الشاب وبناء مدن جديدة ونشر رؤية معتدلة عن الإسلام هي جزء من محاولة سحب النقاش لصالح السعودية ضد إيران: وتقديم هذا البلد كرجعي يحاول خنق أطفاله.
موضوع وجودي
ويقول الكاتب إن بريطانيا تريد الإستفادة من التغيرات في السعودية التي تحتاج لمربين ومدراء متاحف ورجال أعمال في التكنولوجيا يجلسون في الطائرة نفسها مع مسؤولي الدفاع البريطانيين للمشاركة في آخر معارض السلاح. إلا ان هذا لن يساعد اليمن الذي يعيش حرباً وضحية قوى كبرى أساءت التعامل معه، كما إنها لن تحل مشكلة بن سلمان وورطته المستمرة وهي أنه كلما طال أمد النزاع زاد الدمار طالما تضررت سمعته كقائد عسكري. فولي العهد مسؤول عن الحرب التي مضى عليها 3 أعوام لأنه وزير الدفاع ومهندس التحالف ضد الحوثيين. وهو الرجل المصمم على تكثيف القصف. وهو العقل المدبر في رقعة الشطرنج ضد إيران. وعليه عندما يفشل ولي العهد بإنهاء الحرب وينجح الحوثيون بدعم إيراني بقصف السعودية بصواريخ فإن مصداقيته تظل محل شك. «فمصلح السعودية وحامي حمى مكة والمدينة» لن ينجح في حالة عدم قدرتـه على شـن الحـروب والانتـصار فيـها.
ولهذا السبب أصبح موضوع اليمن وجودياً لآل سعود وولي العهد نفسه. ويعتقد أن إيران نجحت بنصب مصيدة فيلة لولي العهد وتريد تحويل الحرب هناك إلى فيتنام السعودية تستنزف من خلالها مصادرها وتجعلها تتورط أكثر. فقد أطلق الحوثيون مئات من الصواريخ قصيرة المدى 30 صاروخاً باليستيا بعيد المدى إلى داخل السعودية ومنذ بداية الحرب عام 2015. كما واستهدفوا المدن الحدودية السعودية والثكنات العسكرية. وحصلوا على تقنياتهم العسكرية المتقدمة أو بعضها من تحالفهم مع علي عبدالله صالح والذي سمح لهم باستخدام مركز البحوث العسكرية لبناء الصواريخ. وعندما قرر صالح التخلي عن الحوثيين في كانون الأول (ديسمبر) 2017 قتلوه. ومنذ مقتله أصبح من الواضح أن التمرد الحوثي يدار عبر إيران وهذا واضح من الطريقة التي يحاول فيها السعوديون بناء خطوط دفاع جديدة. فمقذوفة صاروخية تكلف الحوثيين أقل من مليون دولار، أما صاروخ باتريوت الذي يحاول اعتراضه فكلفته 3 ملايين دولار.
200 مليون دولار
وحسب التقديرات فالحرب في اليمن تكلف الرياض يوميًا 200 مليون دولار. وتعتبر الهجمات محاولة لفحص أسلحة في النزاعات المقبلة. وفي العام الماضي حاول الحوثيون القيام بهجمات صاروخية متعددة من أجل التغلب على قدرة بطاريات باتريوت في خميس مشيط العسكرية وساعدتها الطائرات بدون طيار والتي عطلت الرادار. ويتبع الحوثيون أسلوب حزب الله نفسه. ويقول الكاتب إن ولي العهد السعودي قام بإجراء تعديلات في القيادة العسكرية قبل أن يبدأ رحلته للندن ولكنها لن تنجح في تعديل ميزان الحرب.
وهو في حاجة لأن يقنع الدول الغربية كي لا تتخلى عن بلاده كشريك بسبب حرب اليمن. فقد وضعت حكومة ألمانيا الجديدة حظراً على تصدير السلاح للسعودية وهو ما اشترطته حكومة الإئتلاف. ومن أجل مواجهة الوضع قامت السعودية متأخرة بزيادة الدعم الإغاثي لليمن بقيمة ملياري دولار ودعم المصرف المركزي اليمني.
أما الأمر الثاني فيجب على بن سلمان أن يكون صريحًا في رحلته إلى واشنطن حول ما تريده بلاده وهو دعم استخباراتي لضرب مواقع انطلاق صواريخ الحوثيين ولهذا يمكن ضربها بالطائرات الأمريكية. وعلى السعودية أن تظهر انها لا تخوض حربًا بين السنة والشيعة. وهذا يعتمد على كيفية تعاملهم ورؤيتهم لحرب اليمن وشكل البلد فيما بعد الحرب. وليس لدى بريطانيا فكرة واضحة عن الأزمة التي تتكشف والحاجة لفهم النزاعات المتعددة داخل هذا البلد الفاشل. ففيه القاعدة والقبائل المتنازعة والدعم المتلاشي للرئيس اليمني الذي تفضله السعودية عبد ربه منصور هادي. وستلاحقنا هذه النزاعات وعلينا أن نتعاون مع الحاكم المقبل للسعودية الذي بدأت تلاحقه هذه النزاعات.
«ناشيونال إنترست»: ماذا سيحدث لو انهار اليمن؟
كتب جيرالد فييرستين، مدير برنامج دول الخليج والحكم بمعهد الشرق الأوسط مقالاً في مجلة «ناشيونال إنترست» قال فيه إن الإضطرابات التي شهدتها مدينة عدن في الأسابيع القليلة الماضية تشير للأزمة الوجودية التي يواجهها اليمن. فالتحالفان في وسط الحرب الأهلية وهما: حكومة هادي التي تدعمها السعودية وتحالف صالح- الحوثيين قد تفككا. وأكثر من هذا وكما كشفت دراسات عدة صدرت في الفترة الماضية فهذان التحالفان لا يمثلان إلا جزءاً صغيراً من المجتمع اليمني المتشرذم. وفي وضع يتسم فيه النزاع بانسداد أفق وتجمد العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة فهناك من يشك بقدرة خروج اليمن من الحرب الأهلية كبلد موحد. إلا أن المجتمع الدولي لديه مصلحة بنجاة اليمن. ويقترح الكاتب عدداً من الخطوات لتحقيق هذا.
أولاها تقتضي من السعودية والإمارات العربية المتحدة تأكيد التزامهما بالتسوية السلمية مرة أخرى التي تدعمها الامم المتحدة بناء على القرار 2216. خاصة أن شرعية التدخل الذي تقوده السعودية يعتمد على هذا القرار والذي يدعو إلى إعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء. لكن الإمارات ولعدد من الأيام التي اندلعت فيها الأزمة الشهر الماضي اتخذت موقفاً متردداً من القتال الذي بدأ بين عناصر موالية لحكومة هادي وأخرى للمجلس الإنتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات. فلم يعبر المجلس عن معارضته لحكومة هادي فقط بل ودعا إلى تقسيم البلاد إلى دولتين في الشمال والجنوب. ورغم تعاون الإمارات في النهاية مع السعوديين لوقف القتال في عدن إلا أن الشائعات انتشرت حول تعاطف الإمارات مع الإنفصاليين الجنوبيين.
الأمر الثاني يدعو حكومة هادي لعمل المزيد لكي تظهر قدرتها وتحمل مسؤوليتها في الحكم. فحكومة هادي ليست مسؤولة عن تجميد المفاوضات ولكنها مسؤولة من خلال تخليها عن مسؤولية توفيراحتياجات الشعب اليمني وهو رأي يؤمن به الكثير من الناس هناك، خاصة أن البلد يواجه أكبر كارثة إنسانية في العالم. وكان عجز الحكومة سبباً من أسباب المناوشات التي اندلعت في عدن ودعا الناس الغاضبون لتغيير الحكومة. وأهم المشاكل الخطيرة التي تواجه البلاد هي انهيار الإقتصاد والذي ترك ملايين العائلات اليمني بدون قدرة على توفير الحاجيات الأساسية مثل الطعام والوقود والدواء. ومن خلال ضخ مليارات الدولارات في المصرف المركزي اليمني من قبل السعودية، فإن الحكومة ستكون قادرة على توفير المال للموظفين في القطاع العام ومن يعتمدون على المساعدة. ولم يتلق العديد منهم رواتبهم منذعام 2016 . ومع أن عودة الإقتصاد للإنتعاش لن ينهي النزاع ولكنه سيخفف على الأقل من معاناة الشعب اليمني.
الأمر الثالث، يجب العمل على استئناف المحادثات السلمية ومن خلال رؤية واضحة. وستعين الامم المتحدة مبعوثاً جديداً بدلاً من إسماعيل ولد الشيخ الذي قاد المفاوضات مدة ثلاثة أعوام. وفي ظل القيادة الجديدة للأمم المتحدة فإن هناك فرصة لإحياء المحادثات الراكدة. ومع أن المجتمع الدولي كان داعما للعملية السلمية إلا أنه لم يتدخل بقوة كي يتم تحقيق تسوية معقولة. وفي الوقت الذي استمر فيه التفاوض مع حكومة هادي إلا أن الجهود لدفع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين للقبول بعملية مفاوضات منطقة ظل غائبة. وقدمت سلسلة من المقترحات الجيدة على طاولة المفاوضات ولكنها بدلاً من حل الأزمة زادت من تعقيدها. وعلى المجموعة الخماسية من وزراء خارجية دول بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وعمان العمل على استراتيجية تدعم العملية السلمية للإمم المتحدة وتحتوي على ما يخدم التسوية السلمية. لأن وقف الحرب بين حكومة هادي والحوثيين لن يؤدي لحل الأزمة اليمنية. فحل كل مشاكل البلاد وبناء الاستقرار فيها يحتاج إلى سنوات طويلة من المشاركة الدولية. ومن هنا فإنهاء القتال سيوفر فرصة لإحياء الإقتصاد ومعالجة الأزمة الإنسانية وإصلاح الخدمات الحكومية كي يستفيد منها السكان الذين عانوا خلال السنوات الثلاث الماضية.
إبراهيم درويش