يصعب النظر موضوعيا في قضية مثل عدم إدانة الرئيس المخلوع حسنـــي مبارك في قضية قتل المتظاهرين، التي لم تفاجـــئ أغلب المصريين، وإن أغضبت الكثيرين، من دون اختلاط أوراق القانون التي تقوم على الحقائق، رغم احتمال تأثرها بالمناخ السياسي والاجتماعي، مع أجندات داخلية وخارجية متصارعة قد لا تخلو من تمنيات أو أوهام سياسية.
وحيث أن القضية عادت إلى محكمة النقض لتفصل فيها فصلا نهائيا هذه المرة، وهو ما قد يستغرق عدة شهور، فربما يكون من الحكمة أن نؤجل حكمنا أيضا، إلا أن ثمة عوامل قد تبقى حاكمة لهذا الملف الذي لا يمكن فصله عن سياقه الطبيعي وهو مشهد سياسي لا يمكن المبالغة في وصف مدى تعقيده، ومنها:
أولا- جاءت الأحكام غداة الدعوة السلفية إلى ما سمي بـ»جمعة الثورة الإسلامية» التي فشلت، كما توقعنا الأسبوع الماضي، ولم تخرج مظاهرات واسعة أو «مليونية»، واقتصر الأمر على الاحتجاجات التقليدية الأسبوعية لجماعة «الإخوان» التي حاولت أن تنأى بنفسها عن الدعوة مساء الخميس تحسبا لفشلها أيضا، بل أن النظام كان المستفيد الأكبر من تلك الدعوة العشوائية، إذ أدت أجواء الاستنفار الأمني إلى منع الكثير من المواطنين من الخروج في احتجاجات شعبية تلقائية عقب صدور الحكم يوم السبت. ورغم ذلك فقد خرج محتجون كثيرون بدون دعوة أو تنظيم إلى ميدان التحرير مساء السبت، وهو ما أربك النظام، إلا أن ظهور مؤيدين للإخوان بشعاراتهم المعروفة، جعل أغلبهم يعودون إلى بيوتهم، ولم تجد الشرطة صعوبة تذكر في قمع الباقين، وفض تجمعهم بالقوة، ما أدى إلى وفاة متظاهرين، وهو عمل مدان ويشكل انتهاكا خطيرا لحق التظاهر السلمي، كما أنه دليل على مدى ذعر النظام من التحركات الشعبية التلقائية، التي لا تحمل إشارات حزبية أو دينية معينة، لكنه يجب أن يكون نبراسا للفصل بين الحقائق والأوهام في التعامل مع المشهد المصري برمته، خاصة في ما يتعلق بطبيعة الدور الذي أصبح يمثله الإسلام السياسي أو جماعة الإخوان في إمكانية حدوث حراك شعبي من المعيار الثوري الحقيقي القادر على إحداث تغيير سياسي. وبكلمات أخرى فإن استمرار الرهان الخاسر على الإخوان كـ«قوة شعبية» أصبح يحتاج إلى مراجعة، بعد أن فقدوا الحاضنة الاجتماعية، بل وأصبحوا عاملا سلبيا تجاه إمكانية استعادة الحراك الشعبي التلقائي، الذي كان الوقود الحقيقي لثورة يناير/كانون الثاني. ويبدو أن شباب الإخــــوان أدركوا هذه الحقيقة ما جعلهم يصدرون بيانا اعتذاريا تاريخيا الاثنين الماضي.
ثانيا – لايتعارض ما سبق مع حقيقة لاحظتها بعض وكالات الأنباء الدولية، ومنها الاسوشيتد برس في تقرير لها الأسبوع الماضي، وهي أن أغلبية المصريين «فقدوا الاهتمام بقضية مبارك»، وبالتالي لم يكن متوقعا أصلا حدوث مظاهرات واسعة أو «ثورة» كما تصور أو تمنى البعض، فالثورات لا تندلع بضغطة زر، أو مجرد دعوة في وسائل الإعلام. ولعل ثورة يناير التي تحل ذكراها الرابعة الشهر المقبل دليل ناجع على «التراكمية» كعنصر حاكم لردود أفعال المصريين. ولا يعني الحكم بتبرئة مبارك أن «الثورة انتهت» أو «أن المصريين سيقبلون بإهدار دماء شهدائهم»، أو غير ذلك من الاستنتاجات السهلة التي قفز إليها من لم يعرفوا مصر ولم يقرأوا تاريخها، ثم يصرون على تقديم أنفسهم كـ»خبراء في الشأن المصري»، أو يريدون من الشعب أن يتصرف وفق أجندتهم وإلا يسبونه بألفاظ لا تليق بلغة التحليل السياسي. أما عدم اهتمام الكثيرين بالقضية، فيرجع إلى عوامل نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية عديدة، لا يسمح المجال هنا بتفصيلها، إلا أن المصريين يملكون ما يكفي من الخبرة والصبر للتعامل مع نكسات كهذه، بحيث يحصلون على حقوقهم كاملة في النهاية ولكن بطريقتهم، وفي التوقيت والظروف التي تلائمهم.
ثالثا- كشفت التعليقات التي أعقبت صدور الحكم عن موجة مثيرة من «الانقلابات» والمزايدات على الساحة الإعلامية، إذ أن بعض الإعلاميين الذين كانوا يسمون أنفسهم «معارضين» في عهد مبارك تصدوا للدفاع عنه، بل أساء بعضهم إلى الشهداء، مشيرا إلى أن الحكم القضائي كشف أن عددهم «236 فقط» (..)، رغم أنهم ربحوا الملايين من المتاجرة في قنوات فضائية تحمل اسم ميدان الثورة التي استشهد فيها هؤلاء.
وعلى الجانب الآخر ملأ بعض من لم يكتبوا حرفا ولم ينطقوا كلمة ضد مبارك قبل الثورة، الدنيا ضجيجا حزنا وغضبا من الحكم بتبرئته وليس براءته، وأسهموا في رسم صورة وهمية حول الشوارع التي تغــــلي وتكاد تنفجر بالثورة و»المليونيات» طلبا للقصاص من مبارك، وهو ما لم يحدث.. إنهم بعض «الأبطال والثوار» الفضائيين الذين هبطــوا على المشهد المصري بالباراشوت بعد الثورة، بعد أن اطمأنوا إلى أن الشعب قد حمى ظهورهم بالتضحية بخيرة ابنائه شهداء من أجل الحرية والكرامة والعدالة، وحيث أننا نعيش في عصر الإنترنت، يستطيع القارئ أن يتعرف على اولئك بسهولة، والأهم حتى لا يسمح لهم بخداعه مجددا.
وأخيرا، أما على المستوى الشخصي، ورغم أنني كنت من الأغلبية التي لم تفاجأ بالحكم، إلا أنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الشعور بإحباط عميق، بينما مرت أمامي عشرون سنة قضيتها معارضا لمبارك بمئات المقالات والمقابلات والبرامج التلفزيونية (الموجودة على الإنترنت)، إلا أنني مازلت متيقنا من أن القصة لم تنته بعد، وأن الثورة المصرية كانت لحظة تاريخية نادرة يستحيل محوها، ونقطة فارقة في مسيرة شعب عريق، ما يجعل العودة إلى الوراء مستحيلة.
٭ كاتب مصري
خالد الشامي
أقتبس من كلامك يا أستاذ خالد
بينما مرت أمامي عشرون سنة قضيتها معارضا لمبارك بمئات المقالات والمقابلات والبرامج التلفزيونية (الموجودة على الإنترنت)
السؤال هو هل تقدر على هذا الآن وأمام السيسي – أنا لا أعتقد
شكرا على المقال الجميل. مبارك مات سياسيا سواء برئ او ادين. المهم المستقبل والبناء والتنمية والحرية هو ده احسن قصاص للشهداء وتعويض للابطال الحقيقيين اللي ماجريوش وراء تمن او مكسب شخصي. احيي الاستاذ خالد وكل الابطال الحقيقيين مثله.
سنظل طويلا لقراءة مئات المقالات عن مبارك …والإخوان…!!
والبعد كل البعد عن واقع الحال الذى نعيشه…وعن أحلام الحرية والديقراطية
التى حرمنا منها العسكر طوال 62 عاما …وخاصة قائد الإنقلاب الغاشم ..
عبد الفتاح السيسى .. والذى هوجزء من منظومة مبارك…والذى تعد جرائمه أضعاف جرائم مبارك…فهل من كاتب
جريء ينقلنا إلى عالم الواقع… ” ؟
وخاصة بعد فضيحة التسريبات المسجلة وتفضح العسكر وأوعوانهم فى جريمة إختطاف الرئيس الشرعى محمد مرسى…وكذلك إختطاف حلم الملايين من الشعب وحرمانه من الحكم المدنى !
لا عسكر ولا إخوان , حكم مدني شفاف ونزية لمحاربة الفساد , مثل بقية خلق اللة , لا نريد لمصر الذهاب الي المجهول بسبب الإعلام .
تحية طيبة للكاتب
– يلاحظ أن المثقفين بدؤا يعارضون السيسي
– أغلاق الميادين و آستعمال القوة القاتلة و عويل الإعلام اليومي ضد الإخوان دليل على رعب نظام السيسي و قوة الإخوان
– أما عن محاكمة مبارك فبإختصار @ نظام يحاكم نفسه @
كفي إهدار للوقت الثمين , المطلوب إجراء إنتحابات رئاسية وبرلمانية جديدة في أسرع وقت .
هل عندما قامت الثورة الفرنسية قاموا بتقديم الملك للمحاكمة و إعدامة هو و زوجته بسبب انها كانت تأكل البسكوت و تعجبت من جوع الشعب الذى لا يجد الخبز ؟ هل عندما قامت الثورة الروسية حاكمت القيصر و عائلته لأنهم يملكون عدة قصور أو فيلات ؟ و هكذا كل الثورات ولكنها عند العرب او مصر يقوم ترزية القوانين و ترزية القضاة الذين كانوا عبيد الفرعون فى كل القوانين التى إخترعوها لإرضاء الفرعون سواء بتغيير القوانين لتناسب توريث الفرعون لأبنه كما حدث فى دمشق أو كما كان سيحدث فى مصر و ليبيا و اليمن أو كما كاد أن يحدث فى تونس من توريث الحكم الى زوجة الرئيس لأنها تصغره بربع قرن ؟ كل محاكمات الثورة تقوم بحساب الفرعون على ما إقترفت يداه طوال ثلاثين عاما من إفساد سياسي و إقتصادي و عسكري بل و حتي أخلاقي حيث %90 من صحف الحوادث فى مصر تنشر أخبار القبض على %1 من شبكات الدعارة اليومية لديهم.