تراجع تنظيم الدولة غرب العراق: النتائج المحتملة وتداعياته على أطراف الصراع

حجم الخط
1

يعد سقوط مدينة الرمادي منتصف أيار/مايو نقطة فارقة في مسيرة حكومة حيدر العبادي الذي ورث عن سلفه، نوري المالكي، عراقا تتنازع السيطرة على المناطق العربية فيه، قوات الحشد الشعبي ومن معها من الميليشيات الشيعية في محافظة ديالى، ومن ثم مدن مهمة في محافظتي كركوك وصلاح الدين وتنظيم الدولة الذي فرض سيطرته على أكثر من 70 في المئة من المدن في المحافظات السنية. لهذا تبدو العملية العسكرية الناجحة إلى حد ما في سياقها العسكري مهمة لرئيس الوزراء وتحاول الحكومة العراقية استثمارها على الأقل سياسيا وإعلاميا.
وتمكنت حكومة حيدر العبادي من استعادة مدن مهمة مثل جرف الصخر أواخر العام الماضي، وتكريت وضواحيها كالعلم والدور شتاء هذا العام، إضافة إلى بيجي ومصفاتها في تشرين الأول/أكتوبر، وقضاء سنجار في تشرين الثاني/نوفمبر، وأخيرا بعض أجزاء مدينة الرمادي. لكن معايير توازن القوة لا يخضع عادة للانجازات العسكرية الصرفة إنما في ملاحقة تلك الإنجازات وفرض وقائع جديدة في مواجهة تحديات وتداعيات العمل العسكري.
وفي عودة سريعة إلى أهم القوى التي كانت تبسط سيطرتها ونفوذها على المحافظة قبل مطلع العام 2014، نجد تذبذبا في قوة ونفوذ الحزب الإسلامي، الكيان السياسي السُنّي الأكبر نفوذا في المحافظة، بين دورة انتخابية وأخرى، كما هو حال مجالس الصحوات التي لعبت الدور الأكبر في طرد تنظيم القاعدة من الرمادي في عامي 2006 و2007 برعاية وإسناد قوات الاحتلال، ما أعطى للقبائل في الأنبار دورا كبيرا في معادلة تقاسم السلطة والنفوذ. لكن تسليم القوات الأمريكية ملف الصحوات بعد انتهاء مهمتها في العام 2009 إلى حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أدى إلى إنحسار في دور تلك المجالس بعد سلسلة من إجراءات وقف صرف رواتب مقاتلي الصحوات واعتقال بعض قياداتها وسحب أسلحة حمايات القيادات الأخرى، ما جعلها هدفا سهلا لعمل منهجي أطاح بما تبقى منها على يد تنظيم الدولة.
لذا يمكن القول ان أي تحولات في ميزان القوى لصالح طرف على حساب طرف آخر تحدده أولويات التغيير في إمكانية فرض السلطة والنفوذ على المدينة بعد ظهور قيادات سنية جديدة رعتها الولايات المتحدة التي لم تعد تعول كثيرا على القيادات التي تعاملت معها إبان فترة احتلالها للعراق. 
وتحرص الولايات المتحدة هذه المرة على عدم التخلي عن القيادات الجديدة تجنبا لتكرار التجربة السابقة التي أدت إلى حالة من انعدام الثقة بين المجتمع السُنّي والولايات المتحدة الحريصة هذه المرة على ان تعمل بمسارين متوازيين يضمنان ما يحقق سيادة الحكومة المركزية على المحافظة مع دور أكبر للقيادات السُنيّة المتعاونة معها في إدارة المحافظة بصلاحيات إدارية أوسع، مع ضمان ولاء هذه القيادات للولايات المتحدة واستمرار تعاونها في الحرب على تنظيم الدولة بعد ان بذلت جهودا كبيرة في إعادة تأهيل وتدريب أكثر من «ستة عشر ألف متطوع من أبناء العشائر أو من أفراد الشرطة المحلية» حسب تصريحات المتحدث باسم التحالف الدولي، وبالتأكيد ان مثل هذا العدد الكبير من المقاتلين سيشكلون قوة حقيقية على الأرض بعد استكمال تحرير المدينة، وبدء مرحلة ما بعد التحرير.
ما بعد استعادة الرمادي، سيواجه تحديات كبرى تتعلق بكيفية إدارة المدينة التي لا يمكن ان ترضى القيادات الاجتماعية والسياسية بعودة القوى المتنفذة سياسيا وأمنيا بممارسة ذات السلطات التي كانت تتمتع بها، خاصة بعد ان أثبتت الوقائع فشل تلك القيادات الأمنية والعسكرية في منع تنظيم الدولة من السيطرة الكاملة على مركز المدينة خلال عام ونصف من الاشتباكات داخل المدينة وفي محيطها حتى  منتصف مايو/ايار. كما ان القيادات الاجتماعية المتمثلة بالزعامات القبلية التقليدية لم تلعب دورا حقيقيا فاعلا في عملية استعادة المدينة، قيادات الصحوات السابقين على سبيل المثال، لذا قد لا تسمح القيادات الجديدة لتلك القيادات بلعب دور في صياغة مستقبل المدينة على صعيد التعهدات المرتقبة في عملية إعادة اعمار المدينة التي يقدر متخصصون ان حجم الدمار الذي حل ببنيتها التحتية قد يصل إلى سبعين في المئة، ما يعني ان هناك مبالغ طائلة سيتم انفاقها على هذه العملية من خزينة الدولة العراقية أو المساعدات الخارجية، وهي ساحة مثلى للصراع من أجل المال. أما على الجانب السياسي فثمة تعقيدات أخرى تتعلق بصراع قائم أصلا قبل خروج المدينة عن سيطرة الحكومة بين اتجاهين أحدهما يدعو إلى إقامة إقليم الأنبار، أو إقليم سني إلى جانب محافظات سنية أخرى، واتجاه آخر يحبذ البقاء تحت سلطة الحكومة المركزية. وقد يكون معيار قبول هذه القوة السياسية أو تلك في أوساط المجتمع السُنّي في الأنبار، هو ما قدمه هذا التحالف أو ذلك الكيان السياسي من مساعدات وجهود ساهمت في التخفيف من معاناة النازحين الإنسانية في المخيمات، أو في مدن إقليم كردستان.
ويمكن القول، ان مسألة إعادة توطين النازحين، أو توفير محلات إقامة مؤقتة في الأنبار لحين إعادة تأهيل بيوتهم المدمرة، من أهم التحديات التي ستواجه الحكومة المحلية مستقبلا لضمان عودة مئات آلاف النازحين لممارسة حياتهم الاعتيادية، والعودة إلى مقرات عملهم خاصة أفراد الشرطة والجيش والموظفين الحكوميين والعاملين في القطاعين الخاص والعام، وأفراد أسرهم الذين لابد لهم من العودة إلى مدارسهم في مدينتهم للتخلص من تكاليف المعيشة في المدن الأخرى.
ويعترف مسؤولون أمريكيون بدور معين للعشائر السُنيّة في استعادة المدن السُنيّة من سيطرة تنظيم الدولة، وتروج الولايات المتحدة لهذا في تصريحات لكبار مسؤوليها في محاولة منها لاعطاء صبغة بعيدة عن الطائفية التي اتسمت بها عمليات استعادة مدن سنية، وما رافق ذلك من انتهاكات وصفتها منظمة العفو الدولية بانها «ترقى إلى توصيف جرائم الحرب» نفذتها قوات الحشد الشعبي الذي تسيطر عليه شخصيات قيادية في ميليشيات طائفية رعتها إيران وتدين بالولاء لها، مثل منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري القائد الأبرز في الحشد الشعبي، كما حدث في جرف الصخر وعدد من مدن محافظة صلاح الدين.

وائل عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لم يعرف الشعب العراقي الطائفية إلا بعد الإحتلال الأمريكي سنة 2003 !
    والسبب هو دخول ميليشيات طائفية إيرانية (عراقية) للعراق من إيران
    كان معظم السنة ضد صدام حسين – لكنهم الآن يترحمون عليه!
    و السبب تعرضهم للتهميش والإقصاء والإعتقال والتصفية
    بعض الشيعة بالجنوب بدأوا بالترحم على أيام صدام
    والسبب هو بالفساد المستشري بين من إنتخبوهم
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية