«ترامب العرب» يعيد ميزان التوازن لصالح الدول السنية وينهي عقيدة أوباما وبوش… تأكيد على الخيار العسكري لمواجهة التطرف

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: لم يكن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأول الذي ألقاه في الرياض بالضرورة عن الدين الإسلامي بقدر ما قدم فيه رؤية تدعم الحكام الأوتوقراطيين في العالمين العربي والإسلامي ضد أعدائهم في إيران.
وكان خطاباً لم يتخل فيه عن مواقفه الانتخابية حيث دعا حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الاعتماد والدفاع عن أنفسهم وطالب حكومات الخليج بمواجهة التطرف وقطع مصادر التمويل له. ولا تختلف دعوة ترامب عن تلك التي قدمها بها باراك أوباما في بداية ولايته الرئاسية في خطاب القاهرة الشهير عام 2009 حيث قال «كلما تم عزل المتشددين ولم يرحب بهم في المجتمعات، وسارعنا بعمل هذا أصبحنا أكثر أمناً». إلا أن ترامب كان أكثر قوة بقوله «اطردوهم».
ومع ذلك تظل النوايا والسياق مختلفة اليوم عن خطاب أوباما قبل ثماني سنوات الذي ألقي أمام جمهور متعلم ودعا فيه للحريات. وبعد اضطرابات الربيع العربي والحرب الأهلية السورية فقد جاء خطاب ترامب ليضع نهاية لمدخل سلفه القائم على القيم.
ويقول جوليان بورغر في صحيفة «الغارديان» إن خطاب ترامب ألقي في قاعة لبلد يسير على النظام الملكي المطلق وبسجل فقير في حقوق الإنسان ولهذا وعد أن لا تتدخل الولايات المتحدة بالطريقة التي يدير حكام السعودية بلدهم.
ومن هنا كان واضحاً عندما قال إن «أصدقاءنا لن يشكوا بدعمنا ولن يشك أعداؤنا بتصميمنا وستتواصل شركاتنا من خلال الاستقرار لا التعويق ولا أيديولوجية غير مرنة». ولاحظ بورغر أن ترامب استعاد في خطابه كلمتي السلام والعدالة إلا أن كلمة الحرية كانت غائبة.
واشتمل خطابه على اللغة الفخمة نفسها التي اتسمت بها خطاباته في داخل الولايات المتحدة وهبط نحو اللغة «الميسيانية» عندما توقع أن يعم السلام في الشرق الأوسط. وقيل إن الخطاب تمت كتابته وتعديله خمس مرات والنتيجة هي لغة معتدلة حول الإسلام مقارنة مع خطابه المعادي للإسلام والمسلمين.
وأكد أن 95% من ضحايا العنف المتطرف هم من المسلمين ولكن لا يعني تخلي الرئيس عن الموضوعات التي طرحها أثناء الحملة الإنتخابية مع أنه لم يكرر عبارة «الإرهاب الإسلامي الراديكالي».
ويعلق بورغر أن السعوديين لم يكونوا ليعلقوا على كلامه خاصة أنهم عاملوه كملك. وبالإضافة لتوقيع صفقات أسلحة فقد حصل حكام الخليج على وعد من ترامب أن لا تتخلى الولايات المتحدة عنهم كما تخلى أوباما عن محمد حسني مبارك عندما اندلعت الثورات العربية. ومن هنا بدا موقف واشنطن واضحاً وهو وقوفها مع الدول السنية فلم تتم دعوة إيران الشيعية للقمة.
وفي هذا السياق ثمن ترامب جهود السعوديين ودول الخليج في مواجهة المتمردين الحوثيين في اليمن وصب جام غضبه على الإيرانيين الذين حملهم مسؤولية العنف وعدم الاستقرار في المنطقة ولم يشر إلى الانتخابات الإيرانية التي اختار فيها الإيرانيون المرشح الإصلاحي حسن روحاني ضد مرشح المعسكر المتشدد إبراهيم رئيسي.
ورغم أن ترامب لم يقدم تفاصيل عن الطريقة التي ستساعد فيها الولايات المتحدة الدول العربية للتخلص من التطرف إلا أن ما برز من خطابه نهاية لعبة التوازن في السياسة الأمريكية التي حاولت إدارة أوباما لعبها وأدت لغضب الدول الخليجية.
وفي هذا أعاد الرئيس ميزان القوة لصالح القوى نفسها التي حاول أوباما الابتعاد عنها. واستحق حسب بليك هاونشيل في مجلة «بوليتكو» لقب «ترامب العرب» في توقيع على اسم «لورنس العرب» الذي ساعد في الثورة على الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى.
وقال إن خلف الصخب والصور للرئيس الذي بدا مرتاحاً مع مضيفيه السعوديين واستمتع بالعرضة وأضواء الثريات في القصور الفارهة بل والعرض المنظم في إشارة لعودة التحالف مع العرب واستهداف إيران.

وداعاً للحرية

وتنهي كلمة الرئيس كل المحاولات التي قامت بها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة لفرض الحرية على العالم العربي كما فعل جورج دبليو بوش أو «الأوبامية» التي دعت العرب لأن يقفوا «على الجانب الصحيح من التاريخ» .
وكان ترامب واضحاً عندما صور الحرب على أنها «بين الخير والشر» وليست حرباً دينية أو طائفية ولا حرب حضارات. وأضاف أن الرئيس لم يقم بأي جهد لمد اليد إلى 40 مليون إيراني انتخبوا المرشح الإصلاحي روحاني. وأضاف أن الخطاب الذي قدمه الرئيس هو ما كان يحن إليه الرجال العرب الأقوياء وهو شجب إيران. ويرى هاونشيل أن أجزاء من خطاب ترامب كان يمكن أن يقولها سلفه إلا أن ما غاب عنه هو الخطة لمواجهة التطرف وفيما إن كان الرئيس يعرف أسبابه ظهوره.
ولم تتسق الوعود الكثيرة التي قدمها وتطبيق مداخل جديدة قائمة على التجربة مع كلامه عن عدم استعداد الولايات المتحدة لتحمل الأعباء المالية.
ويقول هاونشيل إن ترامب كان يعرض على الحضور من القادة المسلمين «حرباً على الإرهاب» بدون التظاهر بالمثالية. فالسياسة الأمريكية تجاه العالم العربي لم تكن بدون نفاق وكان الرئيس صريحاً عندما قال «لا نريد المحاضرة» عليكم. وعلى ما يبدو فالحديث عن غياب الحرية وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية عادة ما يقصد منها إرضاء الرأي العام الأمريكي وليس الرأي العام العالمي.

رؤية تبسيطية

ويظل موقف ترامب الذي حاول الكثيرون مقارنته بسياسات سلفيه أوباما وبوش لا يقوم على «بداية جديدة» أو «فرض الحرية» بل على دعوة المسلمين لعمل المزيد لمكافحة التطرف بين ظهرانيهم. وأشارت روبن رايت في مجلة «نيويوركر» إلى سجل الرئيس المعادي للإسلام في أثناء حملته الإنتخابية وموقفه من السعودية التي اتهمها باضطهاد المرأة.
وتقول إن بعض الكلام الذي تحدث به ترامب عن الإسلام كان صحيحاً ومأخوذاً من كتاب أوباما- بوش، خاصة توصيفه للمعركة. ولكن مدخل ترامب يختلف عن موقف سابقيه من ناحية اعتماده على الجانب العسكري لهزيمة التطرف. فالهدف الرئيسي من رحلته الخارجية هي بناء تحالف عربي- إسلامي لمواجهة التطرف وإيران وفرض سلام على الإسرائيليين والفلسطينيين. ويبدو الرئيس غير مهتم بمعالجة المشاكل الاقتصادية والمظالم التي تغذي التطرف والعنف، فحتى السعودية الغنية بالنفط تعاني من مشكلة بطالة بين الشباب التي تزيد عن 30%.
وأدى غياب الفرص لانضمام الكثير من الشباب إلى تنظيم الدولة والقاعدة. لكل هذا فالإطار الذي قدمه ترامب لمكافحة الإرهاب يقوم على توقيع صفقات أسلحة مع دول الخليج بشكل تؤدي لخلق فرص عمل كثيرة في الولايات المتحدة وغير ذلك بدا ترامب متفائلاً بمستقبل الشرق الأوسط رغم الحروب التي تعيشها سوريا واليمن والعراق وليبيا والتي أدت لأكبر كارثة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية وأزمات إنسانية.

اختار

وتعلق «التايمز» في افتتاحيتها أن الرئيس أكد على أن المصالح الأمريكية الاستراتيجية تكمن في الدعم الحذر للتحديث والإصلاح السعودي بدلاً من المقامرة على اللبرلة المستقبلية للنظام الإيراني. وتقول إن ترامب على خلاف أوباما الذي حث السعوديين على التشارك مع الإيرانيين في المنطقة، اعترف أن لا سلام في المنطقة طالما لم يتم احتواء النظام الإيراني.
ولن يكون هناك تشارك في المنطقة في ظل استمرار دعمها لبشار الأسد والتخريب في العراق ودعم المتمردين في اليمن والتصفيق لحزب الله وتسليح أعداء إسرائيل. وتضيف أن حسابات الاتحاد الأوروبي والدول الغربية الموقعة على الاتفاق النووي قامت على أن إيران بدون برنامج نووي وتخفف عنها العقوبات ستكون أكثر انفتاحاً على الغرب. ومن هنا جاء انتخاب روحاني لتأكيد هذا الخط، خاصة أنه الرجل الذي وقع على الاتفاق في عام 2015 .
لكن روحاني يعاني من مشكلة وهي ضعفه. فالقرار الإيراني يظل بيد المرشد الأعلى حتى بعد خسارة مرشحه إبراهيم رئيسي. وحذرت الصحيفة من مشاكل آتية لن يكون الرئيس البالغ من العمر 68 عاماً قادراً على إدارتها. فهناك الحروب بالوكالة التي تديرها إيران ضد السعودية وإسرائيل، ولربما انفجرت واحدة منها إلى حرب ساخنة. ولا يستطيع روحاني السيطرة على هذه الحروب لأنها من تخصص الحرس الثوري الذي تدعمه سلطة المرشد آية الله علي خامنئي. فقد بات من المعهود قيام قاسم سليمان، قائد فيلق القدس الذي يقود هذه الحروب تقديم تقارير عن مسار الحرب له. أما الأزمة الثانية فتتعلق بالمرشد المريض، فالمعركة على خلافته قد تبدأ قريباً وربما كان إبراهيم رئيسي المرشح الخاسر والذي عزز من صورته في أثناء الحملة الإنتخابية، الخليفة المحتمل. ولو حدث هذا السيناريو فسيصبح سيد الجمهورية وسيجرد روحاني من سلطاته. وتشير إلى أن نتائج الانتخابات 57% لصالح روحاني و 38.5% لصالح رئيسي تعبر عن انقسام داخل المجتمع الإيراني بين النخبة التي استفادت من النظام والعاطلين عن العمل خاصة بين الشباب (نسبة البطالة 26%).
ومهمة روحاني المقبلة هي إقناع الإيرانيين الذين يكافحون من أجل لقمة العيش أنه تم توزيع الموارد بعد رفع العقوبات بشكل عادل. وتعلق على الشراكة الجديدة بين أمريكا ودول الخليج قائلة إنها مصلحة غربية. ويجب أن لا يترك الأمر لتجار السلاح والجواسيس. ويجب التأكيد للجيل الشاب من السعوديين والإيرانيين أن الثقافة الغربية ليست عدوة لهم .

تغيرت

ومهماً يكن فخطاب ترامب لم يترك مجالاً للحوار. فحسب «نيويورك تايمز» «في الوقت الذي رقص فيه الناخبون الإيرانيون في الشوارع احتفالاً بإعادة انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني، وقف الرئيس ترامب أمام اجتماع قادة من أنحاء العالم الإسلامي ودعاهم لعزل أمة قال إنها تقوم «بتغذية نار النزاعات الطائفية والإرهاب. تلك الأمة هي إيران».
وقالت إن الرئيس في خطابه أكد عودته للسياسة التقليدية الأمريكية بدعم الدول المستبدة ورفض المدخل الذي تبناه أوباما من قبل القائم على التقارب مع إيران. وقدم الرئيس التحول من خلال إعادة الاستثمار بالتحالفات التاريخية مع الدول الصديقة ومواجهة التطرف والإرهاب. ولكن ترتيب الأشياء من الانتخابات الإيرانية والتجمع في السعودية يبرز واقع الشرق الأوسط الذي كافح الرؤساء من قبله للتعامل معه: كيف تختار الشركاء ومتابعة المصالح الأمريكية في منطقة تمزقها النزاعات الطائفية والأجندات المتنافسة. فقد وجدت إيران والجماعات الوكيلة لها في العراق تقاتل على الجبهة نفسها ضد تنظيم الدولة بينما وقفت الميليشيات المدعومة من إيران إلى جانب النظام السوري. وفي الوقت نفسه لعبت السعودية أحياناً دوراً أضعف السياسة الأمريكية في أفغانستان.
يقول فردريك ويهري، الباحث البارز في مشروع الشرق الأوسط في وقفية كارنيغي للسلام العالمي «نحن نقوم بالوقوف مع جانب واحد في هذا الصراع الجيوسياسي ولا مكان للمنطقة الرمادية». وعلق قائلاً إن الطائفية هي نتاج للتنافس الجيوسياسي وتقوم الولايات المتحدة بدون قصد باختيار جانب في هذا النزاع الطائفي. وتضيف الصحيفة إن المشهدين: رقص الشوارع وخطاب ترامب أمام قادة مسلمين يكشف عن واقع آخر وهو الانفصام بين الشعوب وقادتهم. وتقول إن ترامب أعلن عن نهاية التقارب مع إيران في الوقت الذي عبر فيه الإيرانيون عن رغبة بالانفتاح على العالم وان تكون ولاية روحاني الثانية بداية للإفراج عن السجناء السياسيين وفتح حرية التعبير وتخفيف القيود على الحياة اليومية. ويتوقع الذين صوتوا لروحاني منه أن يمد يده للغرب ويفتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية وينهي نظام العقوبات المفـروض علـيهم.
وبالنسبة للذين دعموا روحاني فقد شعروا بالارتياح من هزيمة المرشح «رئيسي» الذي انتقد الإتفاق النووي. وكانت الهتافات «باي باي رئيسي». ورغم التفاؤل إلا ان روحاني يواجه «مهمة صعبة» حسب فاضل ميبودي من قم. و»يجب أن يفتح الحريات ويكسر احتكار سيطرة الدولة على الراديو والتلفزيون ويوسع من حرية الإعلام». ولتحقيق كل هذا يحتاج روحاني لأن يقنع المؤسسة القضائية والأمنية التي يسيطر عليها المتشددون تغيير نظرتهم «ولو فشل بإنجاز نسبة 70% من الوعود فسيواجه مستقبلاً قاتماً».
وتتحدث الصحيفة عن النزاع القائم بين السعودية وإيران المتحمور حول قيادة العالم الإسلامي والاتهامات المتبادلة بينهما. فمن جهة تتهم إيران السعودية بنشر آيديولوجية دينية تثير النعرات الطائفية. أما السعودية فتتهم إيران بدعم لاعبين غير دول لتخريب وإضعاف الدول القطرية. ومن هنا فخطاب ترامب جاء دعماً للسعودية والدول السنية التي حضرت القمة في الرياض، وهو تحول عن موقف أوباما الذي طالما دفع الدول الخليجية بالذات للدفاع عن نفسها والاتفاق مع إيران لتخفيف تهديدها النووي. ولكن الدول السنية تمقت التدخل الإيراني في شؤون الدول ولهذا رحبت بموقف ترامب الجـديد.
وترى «نيويورك تايمز» أن الانتخابات الإيرانية كشفت عن الفجوة بين طموحات القيادة التقليدية المتقدمة في العمر وبين ما يريده الشباب الإيراني. وفي هذا السياق ينظر للنتائج كباروميتر عن مدى تغير المجتمع الإيراني بطريقة جذرية.
وبسبب انتشار الفضائيات والإنترنت وموجات الهجرة من الريف للمدن الكبيرة وفتح مجال التعليم فقد أصبح معظم المجتمع الإيراني يتمسك بقيم الطبقة المتوسطة. وتصادمت هذه مع الآيديولوجية المعادية للغرب والتفسير المتشدد الذي دافع عنه رئيسي. واستخدم البعض نتائج الانتخابات لإنتقاد زيارة ترامب إلى السعودية. وقال المحلل حامد رضا تراقي «يريد هذا الرجل بيع السلاح واستخدام إيران كذريعة».

«ترامب العرب» يعيد ميزان التوازن لصالح الدول السنية وينهي عقيدة أوباما وبوش… تأكيد على الخيار العسكري لمواجهة التطرف
بين رقص الشوارع في طهران وقمة القادة الإسلاميين في الرياض فجوة بين الشعوب والمواطنين… هل تغيرت إيران جذرياً
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية