ترامب وبناء مجتمع عالمي جديد

صورتان تعكسان ما يراه عدد من الخبراء لحالة العالم الآن‫..‬ منهما صورة تَعَامُل الضعفاء والمتهافتين مع خطر «الحرب الكونية» المتعاظم‫..‬ وأخرى تراوغ الأقوياء والمتنافسين‫.‬ ونرى ملامح الأولى في اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر؛ منذ أيام قليلة مضت، وطلب مشورته في أمر سوريا وروسيا‫.‬
ولا أتصور أن يقتصر الاجتماع على بحث حال هاتين الدولتين‫.‬ أين العراق وسوريا وإيران والخليج واليمن ومصر والسودان وليبيا والجزائر والمغرب وغيرهم، وكلهم إن لم يكونوا معنيين فهم مستهدفون بـ«الحرب الكونية» التي تشمل «القارة العربية»، ومشورة هذا الداهية نذير شؤم، في ظروف استعدادات تجري لحشد دولي يكون غطاء لـ«الـحرب الكونية»، التي توشك أن تندلع‫.‬
ونذكر‫ لكيسنجر ما صرح به لصحيفة «ديلي سكيب» الأمريكية في 2012 ، ونقلت عنها صحف أجنبية وعربية، وكانت تصريحات مثيرة للجدل، ومنها تصريح يقول: «أن طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة، ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد أصم». وأضاف بأن الأمور إذا سارت كما ينبغي ‫(‬أو يشتهي هو‫)‬، فسيكون نصف الشرق الأوسط للدولة الصهيونية، والأمريكيون مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط لأهميتها الاستراتيجية واحتوائها على نفط وموارد اقتصادية ضخمة، ولم تبق إلا خطوة واحدة هي ضرب إيران‫، حسب قوله.‬
وكشفت المخابرات الفرنسية عن الحدود الجديدة للدول العربية، وجاء على لسان مدير المخابرات الفرنسية «برنار باجوليه»؛ خلال مؤتمر للمخابرات نظمته «جامعة جورج تاون» بواشنطن عام2015‬ «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، ودول مثل العراق وسوريا لن تستعيد حدودها السابقة أبدا،‫ وطرح‬ نظيره «جون برينان» مدير «المخابرات المركزية الأمريكية» وجهة نظر قريبة من وجهة النظر الفرنسية، ترى أن الحل العسكري مستحيل في سوريا وليبيا والعراق واليمن؛ ومعناه أن الفرنسيين والأمريكيين يعملون لـ«حل سياسي» يعتمد التقسيم ويفرضه‫.!‬
ويسمع المسؤول العربي ويشاهد ويتابع ما يجري لحظة بلحظة، ويترك الأمور برمتها لطرفين متصادمين؛ جحافل الأمن والشرطة من جهة، ومنظمات وجماعات العنف المسلح من جهة أخرى، والباقي متروك ينتظر حلولا ممن يتولون ويديرون مخطط الاقتتال والتدمير الذاتي؛ عيانا بيانا، وكأن البلاد بلاد أعدائه ولا يعنيه أمرها، ويزيد بأن يقدم التسهيلات لأولئك الأعداء، وفي النهاية يسلمها للغزاة كما حدث في العراق، وكل ما يتمنى أن يشارك في إدارتها ويكون عونا للغزاة والمحتلين؛ هل هناك أسوأ من هذا الواقع وأحط من ذلك الزمن؟‫!.‬
وفي هذا الزمن يستعد ترامب لزيارة تل أبيب والرياض والفاتيكان ‫(‬في روما‫)‬؛ خلال الأيام القادمة؛ في جولته الخارجية الأولى بصفته رئيسا للولايات المتحدة، وهي زيارة لبلاد الديانات الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، ويشارك في اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة البلجيكية، ويحضر قمة الدول السبع في صقلية‫..‬
وكان ترامب قد اصطدم بالبابا فرنسيس بسبب تصريحات الرئيس الأمريكي المعادية للمهاجرين أثناء حملته الانتخابية؛ حتى أن البابا صرح أثناء زيارة له للمكسيك وقال‫:‬ «الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران وليس الجسور، لا يكون مسيحيا».‫.‬ ووصف ترامب تصريحات البابا بأنها «شائنة»، ثم تراجع مدعيا إن البابا «أُطلع على معلومات خاطئة»‫.‬
والآن يعمل الطرفان على إصلاح العلاقة بينهما، وبعد الانتخابات الأمريكية بعث البابا برسالة تمنى فيها للرئيس المنتخب التوفيق. وقال إنه صلّى «من أجل أن تهتدي قراراتك بالقيم الروحية والأخلاقية الثمينة التي شكّلت تاريخ الشعب الأمريكي، والتزام أُمّتك بارتقاء الكرامة الإنسانية والحرية في أنحاء العالم».‫.‬
ومن المقرر أن يختتم ترامب أولى جولاته الخارجية باجتماع للناتو يوم 25 أيار/مايو الحالي، ثم يتجه إلى صقلية في اليوم التالي لحضور قمة مجموعة السبع. وتجنّب الرئيس الأمريكي، الذي رفع شعار «أمريكا أولا» خلال الحملة الانتخابية، تجنب السفر لخارج الولايات المتحدة في الأشهر الأولى لتوليه منصبه‫.‬
وأما الصورة الثانية؛ يجسدها سعي أمريكي مخادع لتهدئة التوتر مع الصين وكوريا الشمالية، وأكد وزير الخارجية الأمريكي على رغبة الرئيس الأمريكي في التفاهم مع بكين، وعبر الرئيس الصيني ووزير الخارجية الأمريكي عن استعدادهما للعمل معاً والتقريب بين بلديهما، وجاء ذلك خلال الزيارة الأولى لتيلرسون إلى بكين، والتي هيمن عليها الملف الكوري الشمالي، ورغم أن «الحرب الكونية» قاب قوسين أو أدنى من الاندلاع، ومع ذلك فإن الصين تعي أن الضغط على كوريا الشمالية هو لجرها ‫(‬أي الصين‫)‬ للحرب‫..‬
وبث موقع هافينغتون بوست خبرا عن اجتماع الرئيس الصيني بوزير الخارجية الأمريكي، وأنه تم في بكين بعد ساعات من إجراء كوريا الشمالية تجربة محرك صاروخي جديد في خطوة اعتبرتها واشنطن استفزازية‫.‬
ومن الواضح أن التوتر هو الطابع الغالب على علاقات البلدين، وزاد بمعارضة الصين لنشر منظومة «ثاد»؛ الدرع الأمريكية المتطورة المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، واتهام واشنطن لبكين بعدم بذل جهود كافية لوقف اندفاع بيونغ يانغ، واستمرار اتهام بكين باتباع ممارسات غير عادلة في سياستها التجارية أيضاً.‫.‬
ومع ذلك سعى تيلرسون إلى تلطيف الأجواء في العاصمة الصينية. وقال للرئيس الصيني «نعلم أنه من خلال الحوار سنصل إلى فهم أفضل يؤدي إلى تعزيز الروابط بين الصين والولايات المتحدة ويرسم ملامح علاقة التعاون المسقبلي بيننا».‫.‬
وتداخلت الصورتان لتعيدنا إلى ما بدأنا به هذه السطور، ونترك الصين وكوريا مؤقتا، ونكشف سر ربط كيسنجر بين الصين وروسيا، وقال‫:‬ عندما تتحركان من غفوتيهما سيكون «الانفجار الكبير» والمنتصر في هذه «الحرب الكونية» قوة واحدة هي الدولة الصهيونية والولايات المتحدة، وعلى الأولى القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، وقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط‫!!‬.‫.‬
ويجب ملاحظ مدى الارتباط الوثيق بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة، ويقر كيسنجر بأنهما قوة واحدة، وأكد استعداد الشباب الأمريكي للحرب وقال: «لقد تلقى شبابنا في أمريكا والغرب تدريبا جيدا في القتال خلال العقد الماضي، وعندما يتلقون الأوامر للخروج إلى الشوارع، وسوف يطيعون الأوامر ويحولون أعداءهم إلى رماد». وستكون إيران المسمار الأخير في النعش الذي أعدته واشنطن وتل أبيب للصين وروسيا؛ وادعى أن واشنطن منحتهما فرصة للتعافي ولما أسماه «الإحساس الزائف بالقوة»، وسوف يسقطان للأبد، لنبني ‫(‬أي أمريكا‫)‬ مجتمعا عالميا جديدا؛ يكون النصر فيه لقوة واحدة، وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور»، ويواصل‫:‬ «حلمت كثيرا بهذه اللحظة التاريخية»‫.‬

٭ كاتب من مصر

ترامب وبناء مجتمع عالمي جديد

محمد عبد الحكم دياب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mohammed:

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

إشترك في قائمتنا البريدية