عادة ما يكون استقبال الرئيس العائد من خارج بلاده بباقة زهور يقدمها طفل وطفلة، تحيات وقبلات وموسيقى وطنية، وخلال استعراضه لمستقبليه يسأل الرئيس وزيرَه الأقرب وهو مبتسم «هل كل شيء على ما يرام»! دون انتظار جواب على سؤاله.
أما الرئيس الديكتاتور، فهو في خوف دائم من مفاجأة، فيسأل رجل أسراره، إذا ما كان كل شيء على ما يرام، وينظر في عينيه ليستشف الحقيقة! فهو يقصد بسؤاله: «ألم تجر أي محاولة انقلاب في غيابي! وأنت ألم تحدثك نفسك الأمارة بالسوء على التآمر والغدر! ألم تلعب بذيلك؟
فيرد رجل أسراره بذلّة ومسكنة على الفور»البلاد مشتاقة لك يا سيادة الرئيس، البلد نوّرت بعودتك، الشعب خرج ليعبّر عن سعادته بالمظاهرات في معظم المدن والقرى.
ـ ولماذا معظمها وليس كلها؟
– بل كلها يا سيادة الرئيس، كن على ثقة أنها مظاهرات مَحبّة وتأييد وامتنان، هذا استفتاء شعبي عفوي، الشعب يحبك ويريدك، نحن لا نحتاج انتخابات مثل الآخرين، وأتحدى أي رئيس أو ملك في العالم أن يحظى بهذا الحب من شعبه.
إلا أن وزير خارجية السودان الشقيق، لم يدخل في هذا الحوار التقليدي، وقفز قفزة نوعية في التعبير عن حبه للرئيس، لم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء أمام عيون الكاميرات في مطار الخرطوم يوم الاثنين على خلفية هتافات «نحن معاهو الله رعاهو» و»بالروح بالدم نفديك يا بشير»، ليشكل الوزير الباكي بهذا نموذجا يُحتذى وملهِما لبقية الوزراء والموظفين في مختلف الدوائر، والذين سيحاولون اللحاق به بذرف دموع الفرح، كي لا يكون فضل لوزير على وزير، أو لموظف على موظف، في حب البشير، إلا بكمية الدموع التي يسكبها تأثرا، عسى أن تنفعه في يوم قمطرير.
لا شك أن قصة نجاة الرئيس البشير من الاعتقال في جنوب أفريقيا ستبقى ساخنة في السودان الشقيق لفترة ستطول، وستثير نقاشات وذكريات وأشجانا كثيرة، وسيكتب أحد الصحافيين الذي رافق الرئيس القصة بالتفصيل الممل، على طريقة هيكل في كتاب سيُحقق انتشارا.
وبلا شك أن موقعة جوهانسبورغ ستشكل إيحاء لمواضيع الإنشاء لدى طلاب الابتدائية، وقد يقارنها الطلاب الأبرياء وهم خاشعون، بنجاة الرسول (ص) من الكفار، وسوف يفوز بجائزة تشجيعية موضوع إنشاء كتبه طالب في الصف الرابع الابتدائي تحت عنوان «جبن إبليس وشجاعة السيد الرئيس». وستشكل الحادثة موضوع نقاش لطلاب الحقوق وأساتذتهم في الجامعات والكليات، وتكون محفزا للبحث في القانون الدولي، وسوف تؤلّف كتب محورها إثبات ما هو ثابت، وهو عدم نزاهة أصحاب القرار في الساحة الدولية وكيلهم بمكاييل عدة. ولكن كل هذا كومة، وهواجس السيد الرئيس البشير نفسه كومة أخرى.
بعد الحمّام سيتناول شيئا من الحلوى مهنئا ذاته بانتصاره بمغامرة السفر إلى جوهانسبورغ، يلقي برأسه على الوسادة ويهمس»خضتَ حروبا كثيرة يا عُمر ونجوت، وكدت تُعتقل هذه المرة، ولكن الله هو المنجي، وإلا كنت ستقضي بقية عمرك في سجون الغرب الحاقد علينا.
ولكن الأهم يا ترى لو اعتقلت! كيف سيتدبر السودانيون المساكين أمورهم من دوني لا قدّر الله! على كل حال ما يقلقني هو بكاء إبراهيم الغندور! أنا غير مقتنع بدموعه! الغندور كان يريد أن يخفي شيئا ما، لن أقتنع أنه بكى تأثرا بعودتي سالما ونجاتي من الاعتقال! لا أصدق بوجود أناس طيبين لهذه الدرجة في السياسة! أنا نفسي مثّلت البكاء أمام الكاميرات في بعض المواقف مثل زيارة دار أيتام وكذلك أثناء لقاء بالمعاقين، على كل حال ما زلت مرهقا، يجب أن أمنح نفسي مسافة من الحدث لبضعة أيام كي أعيد تقييم الوضع من جديد. ولكن الآن وقبل أن أغفو، يجب تشديد الرقابة على الوزير، سآمر رئيس جهاز المخابرات أن يشدد الرقابة عليه، (طبعا هذا ليس رئيس جهاز المخابرات الذي يعرفه الجميع، بل رئيس المخابرات الخاص بالرئيس الذي يتجسس على رئيس المخابرات نفسه).. يجب أن أعرف ما الذي حرّك دموع الوزير بالفعل! لأنه لم يذرف دمعة من قبل! لم يذرفها حتى في مناسبات مثل انقسام السودان، ولا حين وصلت أخبار المجازر في دارفور! دموع الوزير مشبوهة، لا أظن أن دموعه بريئة، ربما بكى بالذات لأنه خسر فرصة التخلص مني، يبدو أنه كان يأمل باعتقالي، ربما بكى على فرصة عمره التي ضاعت!.
ثم ماذا قصد صديقي جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا بكلماته عن لون البشرة والكيل بمكيالين! هل قصد القول إنني بالفعل ارتكبت جرائم حرب ولكن لن يَسمح باعتقالي بسبب التمييز على أساس لون البشرة! وعلى من يُحسب واحد مثل بشار الفاتح ( يقصد فاتح البشرة) الذي زاره المبعوث الدولي (ميستورا) في قصره وشرب قهوته وتناول معه طعام الغداء وتحدثا عن «مساعي سلام»، ورجاه تخفيف البراميل! لكن بشار كعادته تجاهل القضية البرميلية واختتم اللقاء بالحديث عن ضرورة التعاون الدولي لمكافحة «الإرهاب»! علما أن رجالي لم يقتلوا أكثر من رجال بشار (الفاتح)، الحديث عندي عن عشرة آلاف رأس وليس أكثر، ولم يستخدم رجالي أسلحة محرمة دوليا مثل الغازات، كلها أسلحة قانونية، بينما عنده اقترب العدد من مئتين وخمسين ألف رأس، إضافة لسجونه المكتظة بالناس! هل لعبها بشار أفضل مني! هل كان علي اختلاق قصة مقاومتي للإرهاب كي يغضوا الطرف عن رجالي! وماذا مع الصهيوني، ابن أمريكا المدلل، ها هو أوباما بنفسه يدعوه إلى البيت الأبيض كي يوضح له أن الاتفاق النووي مع إيران مصلحة إسرائيلية.. ونتنياهو سوف يبتز الأمريكان ليزيدوا له الدعم العسكري والمالي مقابل أن يمرر الاتفاق بدون مفاجآت ومشاكل، ورغم ما رآه العالم من أفعاله بالفلسطينيين من قتل مئات الأطفال والمدنيين، وتدمير عشرات آلاف البيوت، لا أحد يجرؤ على التفكير باعتقاله! على كل حال خسئوا، لن أذهب بعد اليوم إلى دولة عضو في محكمة الجنايات الدولية، ولكن أول ما يجب القيام به الآن، أن أوصي بالرقابة المشددة على الوزير الذي بكى، لست مقتنعا بدموع مجانية، حتى لو كانت دموع البروفيسور إبراهيم الغندور.
سهيل كيوان
انها العداله العرجاء!!
البشير. مجرم حرب وقاتل يجب ان يحاكم علي ما امر وشجع وسلح شعب علي بقيه من شعبه!!
أيضاً بشار قائد جيش ابو شحاطه وصاحب نظريه البرميل الطائر أجرم بحق شعبه!! كلهم قتله لن ينجوا احدهم من عداله السماء
اما اصحاب دموع التماسيح عليهم لعنه أمهات الشهداء !!!!
أسعد الله اوقاتك بكل خير وبركة أخي ابو سمير. صحيح ان الباذنجان (العجمي) أسود. لكن ملمسه ناعم وقلبه أبيض. ما يربط الشعب الفلسطيني بالشعب السوداني هو انهم ( خوالنا ) ؟؟؟؟ أليست أم اسماعيل عليها السلام. زوجة ابراهيم و (ظرة ) سارة ام إسحق . ألبشير وإن جنح. يبقى الخال العزيز. وكل زول سوداني. فهو خالي من الدهن والكذب. وهو خالي بالنسب. وكل واحد حر بخاله يا سيدي…….
د. خليل كتانة-قائد كتائب مثقفي الشعراوية- طول كرم- فلسطين.
مابين الدموع قصه!!التفسيرالاولي دموع فرح بعوده الرئيس يمكن ؟؟؟اما التفسير الثاني حرقه وحزن من عدم القأ القبض عليه يجوز؟؟ونحن بين تلك الدمعات بقينا ناكل (السليقه)دي اكله سودانيه بالعربي شوربه
رائع
مقالك رائع الكاتب سهيل استخوذت منه صوره لمشهد بالف كلمه وكلمه ينتهي اخرها بألف سؤال والى ما لا نهاي من علامات التعجب ……حينما يبكي السياسيون اعلم بأن الخيبه فاقت علو الجبال ..ولاننا اعتدنا ان نراهم عراة مجردون من لباس الانسانيه يذهلنا المشهد الذي يصور فيه بكاءاحدهم ….في الحقيقه ليست دموع تماسيح في مملكتهم الخاصه لديهم عواطف جياشة..ودموع صادقه تذرف في حالات الفقد الإنساني وربما هي مرد الدموع التي تغالب السياسي، حينما تربطهم صداقات وتداخلات سياسية وذكريات مع غيرهم في وحدة الخانه فيه الموقف الإنساني يفوق الموقف السياسي وهو بكاء تاريخي تلامس فيها المشاعر لحظات الضعف الإنساني،،،،وكذالك الشعور بالفقد السياسي فيه مواقف كثيرة من الندم، والألم والخوف والضعف والسياسة،، وما دون ذالك تعتبر حقا دموع تماسيح لاننا جميعاعلى يقين دوووما بان السياسيون هم الأقل بكاء لأنهم أكثر من تسببوا في بكاء الشعوب والامم على مر التاريخ…
شكرا الكاتب كيوان ..تلخيص جميل للحالة البشيرية التي اعيت الجميع علاجها، هذا بؤس ليس بعده بؤس… رئيس جعل سياسته الوحيدة الرقص علي اشلاء شعبه وهمه الاساسي تأمين نفسه والرجوع سالما دون تسليمه الي لاهاي كلما غادر قصره المنيف في الخرطوم…رجل تسكنه الهواجس والخوف المستمر والتوجس من كل شيء، صار يخشي حتي من ظله ومن جدران غرقة نومه…جبان يدعي البطولات الجوفاء ولكنه سرعان ما يسقط وينهار.. هو اذآ تطاره دعوات الارامل والاطفال ولعنات الضعفاء من الضحايا الذين استأسد عليهم بجنده وخيله ورجله فوقع فيهم تقتيلا وتشريدا دون وازع من دين او ضمير..البشير هو الرجل الذ استخف شعبه بامتياز، وتحدي العالم وقال ان “ان المحكمة الجناذية تحت جزمتي” فاذا به نراه يتسلل كاالص ويهرب من جنوب افريقيا تحت جنح الظلام ومن قاعدة جوية من دون مراسم رسمية اوكاميرات وداع..
اما صورة بكاء الوزير الذي ذرف دموعه كما الاطفال فهي مثيرة للاشمئزاز والقرف بحق..يبكون كالنساء علي حالهم وحال وطن اضاعوه ولم يحافظوا عليه كاولي العزم من الرجال..
العرب في حاجة الى اعادة النظر في سياساتهم العامة والخاصة
سهيل كيوان الاسم وحده يكفي