تطورات الأزمة بين تركيا والناتو… من استهداف أردوغان وأتاتورك لسلسلة اعتذارات الحلف لأنقرة

حجم الخط
1

إسطنبول ـ «القدس العربي»: سلسلة من الاعتذارات قدمها حلف شمالي الأطلسي «الناتو» لأنقرة عقب الكشف ما أسمتها تركيا بـ»الفضيحة» التي تمثلت في وضع صور وأسماء الريس التركي رجب طيب أردوغان ومؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك على لوحة «الأعداء» المستهدفين في مناورات الحلف المقامة في النرويج.
هذه الاعتذارات لم تكن لولا الموقف الرسمي والشعبي التركي الرسمي غير المسبوق من الحلف، فبعد أن أطلق أردوغان وكبار المسؤولين تصريحات حادة ضد الحلف، أبدت أحزاب المعارضة التركية نفس الموقف، في طالب مئات آلاف الأتراك الذين غردوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بانسحاب بلادهم من «الناتو».
وتأتي هذه الحادثة في ظل تزايد الخلافات بين تركيا والحلف والمتصاعدة منذ سنوات على خلفية غضب أنقرة من ضعف دعم «الناتو» لها خلال التحديات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها البلاد في السنوات الماضية، وغضب الحلف من تقارب تركيا المتزايد مع روسيا والذي توج مؤخراً باتفاقية شراء منظومة الدفاع الصاروخي «إس 400» من موسكو.
بحسب الرواية التركية فإن حادثين منفصلين وقعا على هامش مناورات الحلف التي تشارك فيها تركيا في النرويج، تمثّلت الأولى بقيام أحد أفراد الطاقم الفني التابع للمركز العسكري المشترك في النرويج، والذي يعد المشرف على تصميم نماذج المحاكاة للسيرة الذاتية لقادة العدو، بوضع تمثال لأتاتورك ضمن السيرة الذاتية لأحد قادة الأعداء المفترضين.
وفي الحادثة الأخرى، فتح أحد الموظفين المدنيين المتعاقدين مع الجيش النرويجي، أثناء دروس المحاكاة، حسابًا باسم «رجب طيب أردوغان» في برنامج محادثة، لاستخدامه في التدريب على «إقامة علاقات مع قادة دول عدوة والتعاون معها».

غضب تركي

الحادثة كشف عنها لأول مرة على لسان الرئيس التركي الذي أعلن سحب قواته المشاركة في المناورات، وقال في خطاب بأنقرة: «استخدموا لوحة تصويب في النرويج، وضعوا عليها اسمي وصورة مصطفى كمال أتاتورك»، مضيفاً: «عرفت بالأمر من رئيس أركان الجيش، خلوصي أكار، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي، عمر جيليك (..) وأخبروني أنهم سيسحبون قواتنا التي قوامها 40 جنديا من هناك»، وتابع: «قلت لهم افعلوا ذلك على الفور، لا يمكن أن يكون هناك تحالفا كهذا».
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية التركية، أنها ستتابع عن كثب الإجراءات العقابية ضد المتورطين في الحادثة، واعتبرت أن «هذا الموقف مؤسف وغير أخلاقي ولا يمكن القبول به.. جرى إبلاغ حلف الناتو، والسلطات النرويجية الانزعاج التركي العميق في هذا الإطار. في السياق ذاته، أعلنت النيابة العامة في العاصمة التركية أنقرة، أنها فتحت تحقيقًا بحق المتورطين بالحادثة، وجاء في بيان للنيابة: «بسبب الإساءة لمؤسس جمهوريتنا، مصطفى كمال أتاتورك، ورئيسها الحالي رجب طيب أردوغان، فتحت النيابة العامة تحقيقًا بحق المتورط، أو المتورطين، بهذه الأعمال».
زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، كمال قليجدار أوغلو، أدان من جهته الحادثة قائلاً: «لا يمكننا القبول أبدًا بأن يوجه أحد إهانة إلى ماضي بلادنا وحاضرها»، مشدداً على أنه «لا يمكن تمرير الموضوع باعتذار عادي.. تركيا دولة قوية ولها اعتبارها ولا يمكن لأحد أن يسيء لمسؤوليها وماضيها، وندين ذلك بشدة»، وتابع: «ننتظر الآن توضيحًا مقنعًا من الجهات المسؤولة حول هذه الإهانة التي مسّت تركيا».
رئيس حزب الحركة القومية التركية المعارض، دولت باهجه لي، وصف بدوره الحادثة بأنها «وصمة عار لا يمكن محوها»، وكتب عبر تويتر: «تقديم الاعتذار من أجل إنقاذ الموقف الذي سقط فيه حلف الناتو، مساع فارغة وغير مجدية.. الوقت حان من أجل إعادة النظر في أهداف حلف الناتو (..) وهذا ضرورة ملحة بالنسبة لتركيا».
عقب الحادثة مباشرة، قدم أمين عام حلف شمال الأطلسي «ناتو»، ينس ستولتينبيرغ، اعتذارا إلى تركيا، وقال: «تم إطلاعي على ما حدث خلال مناورات الناتو في مركز الحرب المشتركة بمدينة ستافانغر النرويجية. أعتذر عن ذلك الخطأ الذي صدر عن شخص واحد، ولا يعكس موقف الحلف»، لافتاً إلى أن الشخص المتسبب تم عزله من وظيفته، وفتح تحقيق معه. وأوضح أن «ذلك الشخص ليس موظفًا بالناتو، وأنه مدني يعمل بالتعاقد، وتم تعيينه من الجانب النرويجي، ولذلك فإن قرار معاقبته المحتملة سيصدرها المسؤولون النرويجيون»، وأكد على أن «تركيا تعد عضوًا قيّماً في الحلف، ولها إسهامات هامة في تحقيق أمنه».
من جهته، اعتذر وزير الدفاع النرويجي فرانك باك جنسن، إلى تركيا عن الحادثة، وقال في بيان: «تم نشر رسالة في نظام الرسائل ذي الدائرة المغلقة المستخدمة خلال مناورات ناتو، جرى كتابتها من قبل مواطن نرويجي تم توظيفه لفترة المناورات فقط»، وأضاف: «الرسالة التي كتبها الشخص لا تعكس على الإطلاق موقف النرويج وسياساتها.. «أقدم اعتذاري إلى تركيا عن محتوى الرسالة، تركيا حليف هام في الناتو، ونقدر شراكتنا التجارية الوثيقة». ولاحقاً أيضاً، قالت رئاسة الأركان العامة التركية، إن أمين عام الحلف اعتذر لرئيس الأركان التركي خلوصي أكار، عن الحادثة عقب لقاء جرى بين الجانبين في مدينة هاليفاكس الكندية، وأكد بيان أن ستولتنبرغ أعرب خلال اللقاء الذي جرى بطلب منه، عن اعتذاره لرئيس الأركان التركي، وأكد لـ»أكار» فتح تحقيق في الموضوع.
وفي اعتذار جديد، قدم ستولتنبرغ، اعتذاره للرئيس التركي في اتصال هاتفي أجراه، مساء السبت، مع أردوغان، حسب مصادر في الرئاسة التركية التي قالت إن «أمين حلف الـ»ناتو» أكد لأردوغان إطلاق تحقيق في الفضيحة، وتسريح موظف نرويجي متعاقد، متورط في الحادثة»، لافتاً إلى أن أمين الحلف أعرب عن أمله في ألا تؤثر الحادثة على علاقات تركيا مع الحلف.
إلا أن مسؤولين أتراك ومنهم بكير بوزداغ أحد نواب رئيس الوزراء التركي أكد أن «الاعتذارات لن تكون كافية لتدارك ما حصل»، لكن وكالة الأنباء الفرنسية قالت الأحد إن أمين عام الناتو أبلغ أردوغان أنه تم بالفعل اتخاذ «إجراءات تأديبية» بحق الشخص المسؤول عن الحادثة.

توتر متصاعد

هذه الحادثة لم تكن سوى حلقة جديدة من مسلسل التوتر المتصاعد في السنوات الأخيرة بين تركيا والحلف الذي يتهم أنقرة بالابتعاد أكثر نحو روسيا ووصل الأمر السبت أن حذرت مسؤولة رفيعة المستوى في سلاح الجو الأمريكي من اتخاذ إجراءات بحق تركيا إذا أصرت على المضي قدما في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس 400، ملمحة إلى أن ذلك قد يؤثر في حصول تركيا على طائرات الشبح الأمريكية إف 35 وتشغيلها.
وتتهم تركيا الحلف بـ»المماطلة» والتهرب من بيعها منظومة الباتريوت التابعة للحلف ما «اضطرها» للتوجه نحو روسيا لتعزيز منظومتها الدفاعية، والسبت قال أردوغان: «موثوقية الناتو باتت تُثير تساؤلات لدى جميع الدول الأعضاء، بعد سحب منظومات الدفاع الجوي من تركيا، في وقت بلغت فيه التهديدات المقبلة من سوريا ذروتها»، مضيفاً: «ذلك أعطى انطباعًا حول احتمال عدم التحرك (من جانب الحلف) في حال تعرضت تركيا لأي هجوم».

تطورات الأزمة بين تركيا والناتو… من استهداف أردوغان وأتاتورك لسلسلة اعتذارات الحلف لأنقرة
المعارضة توحدت مع الحكومة والشعب طالب بالانسحاب من الحلف
إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dinars:

    لا تزال تركيا بوابة للشرق وللغرب وستبقى كذلك عبر التاريخ.
    في عودة إسطنبول العاصمة الرسمية لتركيا تحرر مما رسمته أوروبا بعد 1918.
    ما يُسمى بـ الناتو إنما يخشى تركيا رغم جلب أتاتورك إلى الحاضنة الغربية لإستقرار الغرب في تركيا من خلال الناتو ليبقى الغرب عينه على تركيا وعلى الشرق.
    لقد فشل الغرب وإسرائيل في تمرير الإنقلاب.
    تركيا يمكنها استغلال موقعها وقوتها لبسط نفوذها على أوروبا وبالتحديد على ألمانيا وفرنسا أمام تراجع قوتهما واعتمادهما على الإنكشارية في صفوف عسكرهما ىغم تطورهما تقنيا.
    وقع رفض انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي لأن الإتحاد يعلم جيدا مدى تأثير تركيا لذلك يستصغرها الإتحاد الأوروبي.
    أما إهانة أتاتورك وإردوغان فهو نابع من بغظاء الغرب لتركيا ولو استطاع الغرب تركيز إسرائيل في تركيا سنة 1948 لفعل لكنه كان يعلم العواقب مسبقا.
    يوم ما يركيا تُخضِع أوروبا بعدما يستتب محيطها.

إشترك في قائمتنا البريدية