«أقاويل يتمشى الزور في مناكبها، ويبرز البهتان في مذاهبها» تلك القُصاصة الأدبية الساكنة في «زهر الآداب» للقيرواني، ألفيْتها تُجسد أحوال قوم أسرتْهم الخصومة، يتربصون بكل كلمة بُغية تحريفها، وبكل عبارة سعيًا في ليّ عُنقها، فيتلقّفون حصادهم الجائر، ويطيرون به في الآفاق.
يُحكى أن رجلًا سافر سبعمئة فرسخ ليسأل أحد الحكماء عن سبع كلمات، أولاهن: ما أثقل ما في السموات والأرض؟ قال البُهتان على البريء، لكن البعض لا يشعر بهذا الثِّقل، فما البهتان لديه إلا ذباب وقع على أنفه ثم فارقه بحركة من كفِّه.
«هذا الحج ليس لله تعالى حاجة فيه، الله غني عن العباد، وإذا فرض عليهم فرائض فإنما ذلك ليزكوا أنفسهم، وليترقوا في معارج الرُقيّ الروحي والنفسي والأخلاقي إلى ربهم، ولتتحقق لهم المنافع المختلفة في حياتهم».
تغريدة عادية أُجزم أنه لو قالها غير الدكتور يوسف القرضاوي لمرت مرور الكرام في موكب (اللايكات والكومينتات والشير)، بدون إثارة أي نوع من الجدل، أَمَا وإنها لشيخ يقيم على أرض قطر، وأوته عقودًا، فإن الأمر جَلَل، فهلُمّ إلى السيف والنّطْع، وقبلها نُخرج خبيئة الرجل ونستكشف مَرَامَه.
فلنقُلْ مثلًا أن القرضاوي يُعطّل الركن الخامس من أركان الإسلام لخدمة سادته من بني تميم، ودعمهم في صراعهم السياسي كما قال بعضهم، أو نُوافِق بعضهم في قوله حين قال: ليست غريبة على من يعرف تاريخ هذا المرتزق، وسبق أن كتبت عنه، ومن قرأ تغريدتي حينها لن يستغرب فتواه وصَدّه للناس عن بيت الله وشعائره لإرضاء قذافي الخليج، أو فلنقل كما قال آخر إنها مُوجّهة للاستهلاك الداخلي، وأُلبِست لبوسًا فقهيا شاذًا يُراد منه التخفيف عن الحُجّاج القطريين، الذين حرمهم حكامُهم من أداء الركن الخامس، أو كما قال غيرهم إنها لا يُمكن فهمها خارج سياق سياسي، يريد أن يُقوّض شعائر الله ويضعها رهينة موقف سياسي مُتحجر.
وربما نقول إنها قمة التسييس في ما نراه حين يُفتي القرضاوي فتواه الشاذة بشأن الحج، ويصمت حيال التطبيع والاتصالات القطرية مع إسرائيل، بحسب وزير دولة غارقة في التطبيع حتى النخاع. لم يُخطئ القرضاوي عندما قال»هذا الحج ليس لله حاجة فيه»، لأنه سبحانه لا ينتفع بعبادة العباد، إنما هم الذين ينتفعون بكل تشريع رباني، فحكمة العبادات تحقيق تقوى العبد لربه، وله فيها منافع دنيوية أخرى، وهو القائل سبحانه عن الذبائح التي يُتقرب بها «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ» (الحج: 37)، وهو كذلك غني عن صيام عباده ليس له حاجة في جوعهم وعطشهم، لكن الغاية كما بيّنها في كتابه «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون» (البقرة: 183).
فإن قيل إن وجه تسييس القرضاوي للشعيرة هو المناسبة التي وردت في سياقها التغريدة، كما عبر عن ذلك أحدهم بقوله: «أن تقال في هذا الموسم بالذات فمعناه سياسي»، يريد التخفيف والتهوين على الحجاج القطريين، فهذا من تحميل الكلام ما لا يحتمل والإلزام بما لا يلزم، ولنا في ذلك دليلان:
أن هذا الكلام بنصه جزءٌ من خطبة للقرضاوي قبل 19 عامًا، فليس إذن كلامًا جديدًا، وقد نشر الأخ أحمد بن راشد بن سعيد ذلك المقطع على حسابه في تويتر، ورأى أن إدارة حساب الشيخ ربما تقتطف من خُطبه ودروسه، وهذا منطقي جدًا.
ثانيًا، أن هذا هو ديدن الخطباء والعلماء والدعاة في كل مناسبة دينية، يُنوّهون عادة بالحكمة من العبادة، وأن الله ليس في حاجة إليها وأن المنتفع هو العبد، فعلى سبيل المثال تجدهم دائمًا يتحدثون في شهر رمضان، عن أن الله غني عن صيام عباده، ويتناولون فوائده الإيمانية والنفسية والصحية والاجتماعية، فليس في اتباع هذا المسلك في موسم الحج شذوذًا يمكن تأويله، أو حمله على التوظيف السياسي.
ربما كان على هؤلاء الزاعمين أن ثورتهم غِيرة على شعائر الله أن ينظروا في حديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم عن آيات المنافق (وإذا خاصم فجر) والمعنى كما قال ابن الجوزي: «الْخُرُوج عَن الْحق والانبعاث فِي الْبَاطِل»، فهو يميل عن الحق ويتخذ كل السبل، ولو كانت غير مشروعة لكي ينال من خصمه.
هناك من يريد للأزمة الخليجية أن تظل مشتعلة، والهمم مُنصرفة لسكب الزيت على النار بدلا من إطفائها، ألا فلينظر العقلاء إلى العواقب والمآلات، ويراعوا في حساباتهم أن الجار أول من تصل إليه النار.
إن هذه الكلمات التي أسطرها هي بيان للحق أولا، ثم دفاعًا عن قامة علمية لها عطاؤها الجزيل عبر عقود طويلة، عن شيخ مسنٍ ترتعش يداه ويسأل ربه حسن الختام، فلا أقل من الدفاع عنه ونصرته، أمام عبث العابثين، قبل أن يلقى ربه وهو جهد المقل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
إحسان الفقيه
بعد عقدين من متابعتي لفتاوي العلامة المجدد الشيخ القرضاوي تبين لي أنه من أفقه علماء المسلمين – ولا حول ولا قوة الا بالله
مشكورة أيتها الحمامة،طيري بسلام فالرسالة واضحة ومفهومة
بارك الله فيك والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
والله معجب بحماسك الثقافيّ ياسيدتي بل يفرحني حينما أجد سيدة عربية مثلك ؛ تبزغ كالقمروسط النجوم آية فكر.وللتحوّط من ردة فعل القمرإذا غضب عليّ بالخسف أقول إنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية ؛ لأنني شخصيًا لا أقصد إلا التفاعل الإيجابيّ ولومن طرف خفي للناظرين.إنّ مشكلتنا في المشرق العربيّ أما معي أو ضدي ؛ مثل جورج بوش الذي أخذها من أصدقائه الحميميين.وأقولها بصدق علينا أنْ نحترم علماءنا وإنْ اختلفنا معهم ؛ فهم ثلاثة أعمدة لا يقوم بناء حضاري من دونهم : الحاكم العادل والعِالم المسؤول والمواطن المخلص.والدكتوريوسف القرضاويّ غني عن التعريف ؛ لكن ميزان شخصيته فيما كتب ونشرمن فكرفهذا هوالمعيار.وحينما أقرأ موضوعه الشهير( ست علامات للتطرّف الدينيّ ) المنشورله في عام 1982فإنّ الدقة والوصف الذي ورد في تلك الدراسة لا يمكن أنْ يقوم بها إلا رجل سياسة…هذا ليس من باب المديح المراد به القدح ؛ كما تقول العرب ؛ ولا القدح من باب المدح…إنما هورجل فكرسياسي ؛ وبعد ثورة 2011 في مصرظهرجليًا أنه رجل سياسي وحركي للجمهور. أما العمامة فليست عنوانًا للفقهاء هكذا ؛ ألم يرتدي نابليون بونابرت عمامة الأزهــر؟ ولا ننسى مقولة الإمام مالك ابن أنس وهويشيرإلى قبرالنبيّ سيدي رسول الله : { كلّ يُؤخذ من كلامه ويُردّ ؛ إلا صاحب هذا القبر}.وملاحظتي على العنوان : لقد وضعت فيه الاستنتاج قبل قراءة المقال ؛ وهذا سلطان على حرية القاريء بالولاء مقدّمًا…والقناعة الفكرية مثل القناعة بالزواج لا تتمّ إلا بكيمياء بين العروسين من دون إكراه ؛ ولا إكراه في الدّيــن ؛ ولا إكراه في العناوين.وننتظرمقالك القادم كبزوغ القمر.
*إذا كان إختلاف (العلماء) يصب
لصالح الناس (أهلا وسهلا ).
*أما اذا كان يصب لصالح الحكام
والسلاطين(فلا اهلا ولا سهلا )
وعلى الباغي (تدور الدوائر).
سلام
يا سيدتي
ان كان الشيخ القرضاوي او غيره فرجال الدين عندما يمارسون السياسة يفقدون كثيرا من احترام الاخرين لهم فهو عندما يتناول السياسة يحق لكل شخص ان يعطي رايه به سلبا او ايجابا
بداية ، هجوم بعض السعوديين على العلامة القرضاوي ، ليس بالجديد ، فهذا الهجوم عمره من عمر انجازات الرجل ، الذي وصل الأمر ببعض راكبي المنابر هناك الى تكفيره في فترة السبعينيات و الثمانينيات
.
واحد اكبر انجازات الشيخ العلامة ، هو كتابه الحلال و الحرام ، الذي لم اجد ما يوازيه في فكر وفقه الفتوى المعاصرة الا كتاب سيد سابق ، فقه السنة ، و لكن كتاب القرضاوي يتميز عنه بأنه اكثر معاصرة و تناول لمواضيع مستجدة ، و كنت اضع الاثنين بالقرب مني ، اتعاهدهما بالقراءة و الدراسة و المراجعة و الرجوع اليهما كلما عن لي امر يحتاج رأي شرعي فيه ، قبل ثورة التكنولوجيا الرقمية التي صار البحث من خلالها اسهل و اسرع.
رغم عظمة هذا الكتاب ، وجدنا في السعودية ، من يرد عليه و يسميه ، الحلال و الحلال ، اي ان القرضاوي ، لم يترك شئ الا وحلله و لا يوجد لديه شئ محرم !!
.
و في الحقيقة كان ذلك تطاول و بهتان من متطرفين وجهلة ، و هم برأيي مدحوه من حيث ارادوا تسقيطه و النيل منه!
.
على اية حال ، ما اردت قوله ، ان الهجوم عليه من هذه البلاد ليس بالأمر الجديد!
.
علماً ، ان السعودية الرسمية نفسها و بشخص مليكها ، قد قلدته واحدة من اكبر الجوائز ، تكريماً لانجازته في مجال الفقه و الدعوة، قبل سنوات معدودة ، و عجباً كيف يتجرأ علماء على تكفيره ، و دولتهم تمنحه جائزة تقديرية على اعلى مستوى !
.
اما تغريدته محل الخلاف ، فأنا اختلف مع السيدة الرائعة كاتبة المقال ، فلا شك ، هي لا مشكلة فيها ، من الناحية الشرعية البتة ، و قد اوضحت و بينت الاستاذة احسان ذلك ، و لكن اختلف معها من حيث انها غير مقصودة!
.
لا شك انها مقصودة سياسياً , وانا اتفق مع الاستاذ د. جمال البدري ، من ان الرجل يمارس سياسية منذ نعومة اظفاره ، وهذا لا يعيبه ، بل هو مطلوب ، ان يكون لدينا سياسيين في مختلف المجالات ، ومنها عالم في الشريعة بمستوى القرضاوي ، اذ لا نريد سياسيين من نمط واحد من الحياة ، وخاصة اذا كان جميعهم من اصحاب العمامات ، فذلك سيخرج حكم الاسلام إن اردنا ان نحكم به من كونه مدنياً الى ان يصبح ثيوقراطياً ! وهو ما جاء الاسلام اصلاً لينسفه و يلغيه !
.
برأيي التغريدة مقصودة و فيها معاني سياسية واضحة ، ومن حق القرضاوي ان يعبر عن ما يراه حقاً ويدافع عن الدولة التي آوته و حمته و كرمته و حمل جنسيتها منذ عقود وعاش فيها اكثر مما عاش في بلده الأم.