الناصرة – «القدس العربي»: خلص «المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ـ مدار» في تقريره الاستراتيجي 2016، إلى أن العام 2015، شهد استمرار مساعي حسم هوية إسرائيل كهوية يهودية استيطانية يمينية من جهة.
كما شهد استمرار خطوات فرض الحل الأحادي للصراع على الأرض وفق المصالح والرؤية الإسرائيلية الاستيطانية والأمنية من جهة أخرى.
وقد انعكس هذا وفق التقرير بالتعامل العنيف مع الهبة الفلسطينية، وتجاهل إي علاقة بينها وبين الاحتلال وبين التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني، ورفض المبادرات الدولية، وتحميل الفلسطينيين وقيادتهم مسؤولية انسداد الأفق السياسي.
ويركز التقرير الذي أطلقه في مؤتمره السنوي في رام الله، السبت،على مساعي حسم الهوية من خلال القوانين والتشريعات المستحدثة، تبني خطاب الولاء ليهودية الدولة وقيمها الصهيونية، التحريض على من يعارض الاحتلال وعلى فلسطينيي الداخل.
ويوضح بشكل خاص الممارسات المختلفة التي اتخذتها حكومة نتنياهو الرابعة خلال عام 2015 بهدف ضبط هوية الدولة كدولة يهودية يمينية عبر تقليص حيز العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وملاحقة ممثليهم ومؤسساتهم السياسية والأهلية والثقافية.
ويرى «مدار» أن إسرائيل تقوم بفرض حل أحادي للصراع لا إدارته عبر فرض وقائع على الأرض، وتبييض البؤر الاستيطانية واستمرار البناء في المستوطنات، مع العلم أن هذه الخطوات هي جزء من إدارة النزاع بدلا من تسويته بالتوافق مع الجانب الفلسطيني.
ورغم أن ذلك قائم في إسرائيل منذ سنوات وتحديدا منذ عودة نتنياهو للحكم في 2009 يشدد التقرير على كيفية تغيير الوعي في إسرائيل تجاه المستوطنات، حيث تحولت من مشروع خلافي إلى حد ما إلى جزء أصيل من الإجماع الوطني الإسرائيلي تزامنا مع تغول قيم الفاشية وتجريم الحركات المناهضة للاحتلال، وإضعاف مؤسسات حقوق الإنسان، واستهداف الإعلام غير المتجند.
ويعتقد التقرير أن التطورات الداخلية حصيلة تحولات اجتماعية عميقة تشهدها إسرائيل منذ عدة سنوات، تتلخص بتحول الإسرائيليين المتسارع نحو مجتمع أكثر يمينية وتدينا وتحول بنية النخب في مؤسسات الدولة الأساسية خاصة الحزبية والأمنية والعسكرية.
وبرؤية إقليمية يلفت التقرير إلى استفادة إسرائيل من انهيار عدة دول عربية وتفكك جيوشها التقليدية، إضافة إلى شعور إسرائيل بأنها لم تعد عدوة مشتركة للدول العربية، وترى أن مصالحها تتقاطع بشكل واضح مع بعضها في المناورات والمحاور بسبب التسوية مع طهران بشأن البرنامج النووي. هذا إلى جانب استفادة الاحتلال من الانقسام الفلسطيني والظروف الدولية، خاصة انشغال الولايات المتحدة بمعركتها الانتخابية وتسابق مرشحيها في إبداء الدعم لإسرائيل، وعجز المجتمع الدولي عن الضغط باتجاه إنهاء الاحتلال.
وتناول التقرير بالتحليل على نحو مفصل ثلاثة محاور طالها التغيير، أولها محور المواطنة-القومية من خلال ضبط حيّز المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل؛ وثانيها المحور الثقافي- المدني من خلال ضبط مساحات العمل وحريته المُتاحة والخطاب الممكن مع التيارات العلمانية-اليسارية في المجتمع اليهودي، وثالها المحور الاستيطاني-السياسي من خلال ضبط العلاقة مع المستوطنات/ الأراضي المحتلة.
ويبين التقرير مستندا إلى الكثير من التفاصيل أن تفاعلات الممارسات السياسية لترسيخ الهوية اليمينية اليهودية الاستيطانية للدولة على أرض الواقع، انتجت ثقافة فاشية وقومية شوفينية في إسرائيل، مقابل تمأسس أبارتهايد عسكري استيطاني في الأراضي الفلسطينية.
ويوضح التقرير ملامح المشهد السياسي الداخلي بقراءة تركيبة الحكومة التي تضم خمسة أحزاب يمينية وحريدية واستيطانية إلى جانب تنصيب شخصيات منها في وظائف مفتاحية في الدولة خاصة في المجال الأمني، إلى جانب تغييرات غير مسبوقة في القماشة الإنسانية للدبلوماسية الإسرائيلية، عبر تنصيب شخصيات معروفة بمواقفها المتطرفة وعدم تميزها «بالكياسة الدبلوماسية» وهو ما يعني أن التحول نحو قيم اليمين موجه للرأي العالمي أيضا كمحاولة تعيين مستوطن سفيرا في الأرجنتين.
وينبه التقرير إلى تراجع حزب العمل عن حلّ الدولتين، وطرحه هو الآخر مشروعا جديدا للانسحاب الأحادي، في سياق الانطواء تحت مظلة الحلول الأحادية، التي يشكل الاستيطان من جهة، والتحول المثابر للمجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف من جهة أخرى رافعتها.
ويبين أن سياسات إسرائيل اليمينية الاستيطانية تتجاهل تماما قدرة الفلسطينيين على لعب دور حاسم في تعطيل الحل، وأيضا العامل الدولي الذي يمكن أن يلعب دورا مساندا للفلسطينيين خاصة، كحركة المقاطعة.
وقال التقرير إن الهبة التي انطلقت في تشرين الأول/اكتوبر 2015، كشفت هشاشة الافتراض الإسرائيلي أنه يمكن الحصول على الأمن في ظل استمرار الاحتلال، وكشفت استعصاء القضاء على الهبة بالطرق العسكرية التقليدية، خصوصا لصبغتها غير الحزبية وغير المنظمة. وكشفت فشل إخفاء الفلسطينيين خلف جدار الفصل وتحويل الاحتلال إلى غير مرئي. وأكد التقرير أن إسرائيل بدت غير قادرة على فرض الوضع الذي تريده من طرف واحد، الأمر الذي اتضح في القدس المحتلة، ودفع الكتاب والإعلاميين في إسرائيل لاعتبار ان شعار توحيد القدس لم يكن سوى وهم رغم كل ما تم استثماره في ضمها القسري وقمع أبنائها على مدار عقود.
على الصعيد الدولي، يركز التقرير على قرار الاتحاد الأوروبي وسم منتجات المستوطنات، وعلى تصاعد نجاحات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات (BDS) ويراهن على تزايد عزلة إسرائيل بخلاف ترجيحات أخرى تشكك بجدوى ومصداقية الموقف الدولي من «البنت المدللة»، إسرائيل.
ويحاول تقرير «مدار» التدليل على رؤيته هذه بالإشارة لتصاعد حركة المقاطعة الأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا.
يذكر أن تقرير مدار الاستراتيجي تقرير سنوي يصدر للعام الثاني عشر على التوالي، ويدرس مختلف جوانب المشهد الإسرائيلي على مدى عام.
وأشاد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» د. نبيل شعث بتقرير «مدار» الاستراتيجي واعتبر أن إسرائيل تتبع سياسة الخطوات الأحادية فعليا منذ اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، بيد أن الوتيرة أصبحت قوية، والسياسة أصبحت مكشوفة، وغير مسبوقة، بسبب اتساع الهوة في موازين القوى لصالح الاحتلال، وبسبب حالة الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، وحالة الضياع العربي.
واعتبر شعث في تعقيبه أن المقاطعة الدولية من النجاحات الفلسطينية. وختم شعث بأن التصدي للدراما التي يعرضها التقرير يتطلب الانطلاق من فلسطين، من خلال مجموعة عناوين أساسية: انهاء الانقسام، واستعادة الشرعية الديمقراطية الانتخابية، واستعادة دور منظمة التحرير، وفي مدّ اليدّ للشتات الفلسطيني.
وديع عواودة