«تلمود» إعلامي بين البغدادي وورثة هتلر… ولحم عربي رخيص على القناة الثانية

حين تزور موقع «الهولوكست اليهودي»، تعثر على وثائق تاريخية مصورة عن ضحايا هذه المحرقة النازية، ومتحف هائل للصور، يضم شهادات للناجين وفيديوهات تعرض بدقة كيف تم تعذيب اليهود على يد هتلر وجيشه، وتجويعهم حتى الموت، وترحيلهم القسري عن ألمانيا في قطارات موصدة كالزنازن لأيام بلا طعام ولا أماكن لقضاء الحاجة، ترى هياكل عظمية محروقة ومكدسة فوق بعضها بعضا، بشرا يضربون ويركلون ويقتلون بالرصاص الحي ثم يدفنون في مقابر جماعية، إفقارا وتجويعا، وسجونا لا يتحرر سجناؤها إلا بعد موافقتهم على الهجرة وترك البلاد، غيتو وأحياء عنصرية عزلت خلف حوائط من الطوب والأسلاك الشائكة، معابد ومحالا تجارية وبيوتا تحرق على مرأى أعينهم في ليلة الزجاج المكسور الذي افترش شوارع ألمانيا بعد الهجمات العنصرية على أحياء هذه الفئة، التي نظمها جهاز ال SS وSA التابعين للحزب النازي، ومجموهة شباب هتلر، متخفية تحت عباءة أعمال شغب عامة وعفوية، ثم تأخذك الكاميرا إلى مخيمات الموت التي زُجَّ فيها اليهود في بولندا وأوروبا الشرقية، وأحرقوا هناك بالغاز السام، فكيف ستتجول عينك في هذا المتحف الصوري وأنت فلسطيني؟
لأول وهلة، اعتقدت أن هذا المتحف مسروق، وأن المحرقة اسرائيلية، والضحايا من فلسطين، فكل هذه الأساليب تنطبق تماما على ممارسات دولة الاحتلال الصهيوني ضد شعبنا البطل، مع فارق بسيط بالزمن، فشاشة المتحف اليهودي أرشيفية بالأبيض والأسود، وشاشة فلسطين مضمخة بالدم الطازج الذي لم يزل ينزف منذ أكثر من قرن.
متحفنا يبث وقائع المحارق الراهنة على الهواء مباشرة، ومتحفهم يمارس خدعا بصرية لا تزور التاريخ بالطبع، إنما تلعب على وتر التعاطف مع ضحية أصبحت الآن وريثة جلادها.
للأمانة التاريخية فقط، لن نبرئ هتلر، ولكننا لن نرضى أن نعتبره أول مبتكر للهولوكست، لأنك لو عدت إلى المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بازل في سويسرا عام 1897، بمقترح من تيودور هرتزل لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ستجد أن التخطيط للإبادة العرقية قد بدأ فعليا في هذا التاريخ أي بما يسبق المحرقة النازية بأكثر من ثلاثة وثلاثين عاما، مع الأخذ بعين الإعتبار أن تدريب العصابات اليهودية لارتكاب المذابح وجرائم الترويع والتهجير القسري للفلسطيين بدأت قبل أعوام من محرقة هتلر، كما كتبتُ من سنوات وأعيد مرارا وتكرار، مما يعني بالضرورة أن النية كانت مبيتة وأن الجلاد الأول هو الاسرائيلي، وأن دور الضحية لم يأت مبكرا بل على العكس تماما جاء متأخرا جدا.

الإعلام الذي يشوه كل شيء

حين يصبح الحدث كاويا، تصعد الروح التهكمية عاليا، ويصبح تداول الخبر لعبة صورية تعبر عن رأي المتلقي، وتفرز شحنات غضب ساخر، كما حدث مع الناشطين على «تويتر»، حيث تداولوا لعبا كاريكاتورية، وصورا تهكمية لوكالات الأنباء وتحديدا الـ»سي أن أن»، والـ»بي بي سي» ووكالة «رويترز»، وضعوا كلا منها بهيئة غوريلا أبله، مجرد من حواسه، لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، مما يعني أن التأويلات الإعلامية للجرائم ضد الإنسانية لم تعد تثير زوبعة في فنجان، ما دامت معروفة مسبقا، ويمكن التنبؤ بها ببساطة، وأن التصدي للتعتيم الإعلامي يتخذ طابعا هجوميا، وحربا الكترونية تستعر على مواقع التواصل الإجتماعي التي تستلم الدفة من الإعلام وتمارس مهنة الصحافة بوعي وحرية تنتقد وتحاكم وتسقط صحونا فضائية حطها الـ»فيسبوك» من علٍ !
غير أن طامة الطامة لم تعد مقتصرة على البروباغندا الغربية، فللإعلام العربي مخاطره، التي تفوق بكثير مخاطر التعتيم وقلب الحقائق، وانحراف الصورة، لأن التشويه الذي يطال المقاومة الفلسطينية عند كل محرقة اسرائيلية ما هو إلا تبرير ضمني للجرائم الصهيونية وإدانة لحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة على اعتبارها فعلا استفزازيا، كما حدث مع الفقاعة الفضائية «مصطفى بكري»، الذي خرج لنا بتلمود إعلامي جديد يبرر ثقافة الحرق الاسرائيلية، حين يربط بين جرائم البغدادي في حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة والطفل الفلسطيني علي سعد الدوابشة، معتبرا حماس فرقة إرهابية من فرق الموت الداعشية، لأنها تحارب لصالح الجماعة وليس لصالح القضية، مستغرقا ومسترسلا ومسهبا بالهجوم عليها، لينسى تماما أو يتناسى بالأحرى، محرقة دوما وجريمة المتطرفين اليهود وتستر جيش الاحتلال عليهم.. فتغيب الجريمة تماما عن الإعلام المصري ولا يتبقى في قاع الكأس سوى شوائب العنصرية والعمالة والحقد الطائفي المر.. الذي تعززه هذه الفقاعات بالآيات القرآنية التي تدعو للجهاد على اعتباره عنفا متناسية تماما أن «العهد القديم» هو كتاب دموي بشهادة أتباعه.

ثقافة الحرق

«الهولوكست» كلمة مشتقة من اليونانية تعني حرق القرابين افتداء للإله، وهي مصطلح يعبر عن ثقافة قديمة متوارثة في الإيديولوجيا الإسرائيلية، ولو عدنا إلى القرون الوسطى وما سبقها لعثرنا على دلائل تبرهن بالأدلة القاطعة، فلسفة الحرق كطقس ديني، فقرار الملك البريطاني إدوارد الأول بترحيل اليهود من المملكة المتحدة ثم قرار إسبانيا بطردهم عام 1490، وإشادة تمثال في مدينة «برن» السويسرية ليهودي يأكل طفلا صغيرا، وتمييز اليهود برباط أصفر حول الذراع، كما حدث في النمسا عام 1462 كشارة تحذير للناس منهم، لم تأت عبثا، كما ورد في كتاب «هكذا فعل حاخامات اليهود باليهود والعالم» لمؤلفه الدكتور رفعت مصطفى، بل كلها تدابير أمنية على صعيد دولي إثر اكتشاف جرائم المتطرفين بقتل الأطفال وحرقهم كقرابين في أعيادهم الدينية، وقد تستغرب لهذه الحقائق التاريخية خاصة وأنت تقرأ «الوصايا العشر»، التي تحرم قتل النفس في العقيدة اليهودية، ثم تستغرب أكثر الحرب الإعلامية على الديانة الإسلامية والقرآن الكريم على اعتباره كتابا إرهابيا، يدعو إلى الغزو وسفك الدماء ومحاربة الأديان، ولست هنا بصدد إدانة دين وتبرئة آخر بقدر ما هو تأمل لمعيارية الإعلام، وإحالة الحرق الداعشي لثقافة إسلامية موروثة، دون التطرق لتاريخ المحارق الاسرائيلية عبر الأزمنة والعصور، مما يعني بالضرورة أن القرابين التي تحرقها «داعش» هي قرابين اسرائيلية بحتة !

فطيرة دم

هذه المرة لا أكتب لك أيها القارئ، إنما هي رسالة إلى الله، وهو يرى عبر شاشة السماء المهولة، محرقة لشعبه المختار، يروح ضحيتها طفل صغير لم يتم رضاعه..
عزيزي حارس الغيب…
تحية إجلال وقدسية، وبعد !
ما رأيك في هذا العرض المتفحم لبني اسرائيل؟
السلام والرحمة يا سيد الملكوت
إنها فطيرة الدم، التي يعدها أولئك المتطرفون في عيد الموت، فماذا بعد؟
البطل الحقيقي بعد كل جريمة صهيونية هو رئيس السلطة الفلسطينية الذي يتصدر المشهد بتهديدات أزلية لا ينوبنا منها سوى طرطشة، تستجدي السلام والعودة إلى طاولة المفاوضات.

لحم رخيص

أفلام إباحية مصرية تعرضها القناة الإسرائيلية الثانية، دون أي اعتراض رسمي أو نقابي أو جماهيري، ترى فيها لحمنا الرخيص على شاشاتهم، التي تروج لأبطال سينمائيين يمارسون التشبيح الفني بالتشليح والعري، لأن في هذا العرض افتضاح للقذارة على اعتبارها البطولة الوحيدة المعترف بها في إعلام العدو، بينما يغيب اللحم المتفحم، لأنه أثمن من هذه البطولة الرخيصة، تغيب قطعة الفحم النيئة لأنها تفضح الجريمة وتدين العدو… فلأية بطولة ستتحيز أيها المشاهد؟
يحيا الفحم المقدس إذن ويسقط اللحم المدنس !

مقطوعة

اختراقا لكل الأعراف الصحافية والمهنية، لعيون (علي) هذه المقطوعة :
يبكي اللباء على صغير أرضعهْ
ذهب الصغير ولم يزل صدري ينام هناك في فمه
ويرفض أن يغادر موضعهْ
هي نجمة الرمان يوقدها الغياب
وكل ما أرجوه منه
بأن تظل هنا معهْ
قلبي على وجع الحليب بأن يجف فيوجعهْ
من ذا يحس بنار أم لن تتم رضاعه لن تشبعهْ
يما.. علي
هيه يا علي
أتراي شيعتُ الرضيع إلى التراب
أم أنه صدري الذي شيعته مذْ ودعه !

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

لينا أبو بكر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول yacoub seder:

    تحيه اجلال واكبار الىلينا ابو بكر

  2. يقول محمد امين الجزائر:

    الحمد لله انكم بداوتو تفطنو ان ما اخذ بقوة ياتي بقوة ليس ب سلام التي لا ياتي بنتيجة بل القتل و تشريد و الذل و تيتيم اطفال

  3. يقول وليد... الأردن:

    نريد منك أن تكون لك إطلالة دورية ومباشرة عبر إحدى القنوات الفضائية اما الحوار أو المستقلة أو أي قناة شبيهة.. للحديث وبشكل دائم ومفصل عن مثل هذا… بوركت اخت لينا… و

  4. يقول الدكتور رفعت مصطفى:

    عندما يكون صوت الحق قويا تنحني له الهامات احتراما
    ان حياء ونشر وتطبيق ثقافة حقوق الانسان ستسقط كل الجرائم الواقعة على الانسان وحقوقه باسم الدين ام باسم السياسة
    فحقوق الانسان واضحه نصت عليها معظم دساتير العالم وانطلقت اصلا من الامم المتحدة
    هذه الحقوق تعري كل الجرائم
    هذه الحقوق هي الفيصل في علاقات الانسان مع الانسان والحيوان والشجر والحجر
    حق الحياة وحق العودة
    تحياتي لك
    الدكتور رفعت مصطفى
    الامين العام للمنظمة الدولية لحقوق الانسان

    1. يقول الدكتور رفعت مصطفى:

      ان احياء ونشرروتطبيق \تم التصحيح يرجى التنويه \

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية