تمام سلام مدعوٌ الى إخراج البلاد من النفايات الى الإنتخابات

حجم الخط
0

■ من المؤسف والمقلق معاً ان فريقاً كبيراً من اهل النظام يعتقد ان محور الأزمة التي يعانيها لبنان هي آلية التقرير في مجلس الوزراء. يُنسب الى الرئيس تمام سلام انه من هذا الرأي، وانه يهدد بالإعتكاف، وحتى بالإستقالة، اذا ما جرى التمسك بآليةٍ لعمل الحكومة تتطلب موافقة وزرائها الاربعة والعشرين.
سبق للرئيس سلام ان اعتكف خلال شهر شباط/فبراير الماضي ما ادّى الى تعليق اعمال الحكومة ومن ثم الى اجتراح آلية معدَّلة للتقرير في مجلس الوزراء، فهل انتهت معها الأزمة؟ أليس انفجار الأزمة لاحقاً دليلاً على ان مردها ليس الآلية المذكورة بل الخلاف على تقاسم المناصب السياسية والامنية والادارية وعلى المحاصصة في سائر المراكز والمصالح والمنافع؟
بات واضحاً ان الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية تركت آثارها في الشبكة الحاكمة وعطّلت قدرتها على التقرير. دونكم الأدلة والشواهد:
منذ 429 يوماً شغرت سدة رئاسة الجمهورية فما تمكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد.
منذ العام 2013 انتهت ولاية البرلمان فما جرت انتخابات عامة بل مدّد النواب لأنفسهم مرتين لمدة سنتين، ومع ذلك يمتنع هؤلاء عن التشريع بدعوى عدم جوازه مع شغور سدة رئاسة الجمهورية!
منذ العام 1996 استحقت للموظفين والمعلمين والعسكريين سلسلة رتب ورواتب جديدة فما قامت الحكومات المتعاقبة بإقرارها، والأرجح انها تقصّدت ذلك.
منذ العام 2005 تمتنع الحكومات المتعاقبة والبرلمان عن إقرار ميزانية سنوية للدولة، وتلجأ الى القاعدة الاثني عشرية لتأمين متطلبات الإنفاق العام، في وقت تجاوز الدين العام عتبة السبعين مليار/بليون دولار.
منذ اشهر شغرت مراكز القيادة في الجيش، وقوى الامن الداخلي، والإستخبارات، وعشرات المراكز في وظائف الفئة الاولى، فلجأت الحكومة الى تمديد ولاية شاغليها خلافاً لأحكام القوانين النافذة.
منذ اكثر من 17 سنة تعاني البلاد ازمة جمع النفايات وطمرها ما ادى الى انفجارها اخيراً على نحوٍ باتت معه الشوارع والساحات العامة ملأى بأطنان القاذورات.
كل هذه الازمات والإختلالات والمخالفات والمآسي والفضائح لا يجد لها اهل النظام حلاّ إلاّ بالمزيد من الشيء نفسه، اي التمديد لأنفسهم في مراكز السلطة وتطويق التداعيات بتسويات ظرفية بائسة تنطوي على الكثير من تقاسم المصالح والنفوذ والمحاصصة الفاقعة.
اذا كانت غالبية اركان الشبكة الحاكمة على هذا القدْر من القصور والتقصير والفساد فإن الرئيس تمام سلام الذي بقي بمنآى عن فسادها وقصورها مدعوٌ الى التخلي عن مهمة الحَكَم والموفِّق بين اركان السلطة المتصارعين على المغانم والنفوذ، والإقتناع بأن محور الازمة ليس الخلاف على آلية التقرير في مجلس الوزراء، فقد جرى مرتين التوافق على صيغتين معدّلتين لذلك من دون ان يؤدي التعديل الى إنهاء الصراع واخراج الحكومة والبلاد من اتون الصراعات المحتدمة والنزاعات المتأججة على المصالح والمغانم والأسلاب.
آن الاوان ليعي تمام سلام انه والبلاد في محنة وان الخروج منها يستوجب تمكين المواطنين من الإستعاضة عن حكام فاشلين لا يحكمون ولا يقررون ولا يفعلون شيئاً لوقف انحدار البلاد الى هاوية سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية يستحيل الخروج منها.
واذا كان تمام سلام يعتقد ان له من علو المكان والمكانة والتقدير ما يسمح له بتهديد اركان الشبكة الحاكمة واعيانها بالإعتكاف او الإستقالة لحملهم على منحه آلية مناسبة للعمل الحكومي، فأَولى به ان يعلم قبل غيره ان صلاحية الآلية وفعاليتها لن تدوما سوى ايام واسابيع. أليس حرّياً به، والحالة هذه، ان يعطي تهديده ثقلاً في حمأة الصراعات والتجاذبات أوزن من مطلبِ آليةٍ للتقرير هي أشبه ما تكون بركوب قارب مثقوب في معمعة عواصف وامواج عاتية؟
أليس حرّياً به ان يخاطب اركان النظام واعيانه على مرأى ومسمع من مئات الآف الناس المهددين بأن تنهار عليهم جبال النفايات والقاذورات والضاجين بالسخط والثورة قائلاً: اريدكم، قبل الإتفاق على آليةٍ للعمل الحكومي، ان تسارعوا الى الإيعاز لنوابكم ببت وإقرار مشروع قانون للإنتخابات على اساس النسبية كانت احالته حكومة نجيب ميقاتي على البرلمان قبل ثلاث سنوات فيصبح بالإمكان إجراء الإنتخابات في ربيع العام القادم على أبعد تقدير، ويكون البرلمان الشرعي الجديد مؤهّلاً لإنتخاب رئيس الجمهورية الجديد ولإنجاب حكومة وطنية مقتدرة تستطيع النهوض بمتطلبات الشعب والبلاد. وفي هذه الاثناء، تكون الحكومة جادة في تنفيذ خطة طارئة لتجميع النفايات في امكنة محددة لحين جهوز معامل الحرق للعمل في مختلف المناطق.
ألا يكون عندئذٍ لتهديدك بالإعتكاف او بالإستقالة، يا دولة الرئيس، فعالية وتأثير واستجابة ومردود اكبر إن طرحت مخرجاً من المحنة على هذا الاساس؟
ألا تشعر، يا دولة الرئيس، انك بهذا الطرح يمكنك امتصاص غضب الناس ونقمتهم ووضع البلاد على سكة الخلاص من ازماتها ومآسيها؟
لكن، يبقى وارداً عدم تجاوب سلام مع مناشدتنا إياه الإنتقال من ملهاة آلية التقرير في مجلس الوزراء الى العمل الجاد من اجل إقرار قانون الإنتخابات على اساس النسبية ومباشرة التحضير لإجرائها بالسرعة الممكنة.
نعم، ان عدم تجاوب سلام ممكن. لذلك من الضروري جداً ان تحرص القوى الوطنية والإجتماعية الحيّة على اغتنام حال السخط الشعبي على اداء اهل النظام حيال كارثة النفايات من اجل تأجيج الغضب والثورة ضد الشبكة الحاكمة وتعبئة المتضررين منها بل كل المتضررين من فساد النظام الطائفي القائم. إنها فرصة نادرة لتكوين تيار شعبي وطني واجتماعي عابر للطوائف والمذاهب والمشارب بغية إكراه اركان الشبكة الحاكمة على الرضوخ لمطلب غالبية اللبنانيين بإعتماد قانون ديمقراطي عادل للإنتخابات على اساس النسبية.
آن اوان التغيير الديمقراطي بالشعب وللشعب.

٭ كاتب لبناني

د. عصام نعمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية