تمكين التطبيع والصهينة من مصر نذير بالأخطار!

أن تكون مُطبًّعا ومتصهينا فمكانك محجوز في نادي أصحاب المناصب والمسؤوليات العليا في دولاب العمل الرسمي وشبه الرسمي، وتجده كذلك بين أباطرة المال والإعلام وجنرالات التطبيع المدنيين والعسكريين، وكلهم يتمتعون برعاية رئاسية «سامية».. وكان من المفترض تناول مخطط توظيف هزيمة يونيو/حزيران في الحرب النفسية ضد الشعب في عمومه، مع تركيز واضح على الأجيال الشابة، التي لم تعاصر الأباء والأجداد في رفضهم القاطع لها.. وهو جيل حُرم من أي جهد حقيقي يذكره بما بُذل لمحو عارها والثأر لشهدائها.. ولا وجدوا من يقر بوقفة العرب والدول الصديقة، الذين قدموا العون وساهموا في بناء ما دمرته الحرب، وأهَّلَوا جيوشهم وكتائب المقاومة الفلسطينية على خطوط التماس في أقل من ثلاث سنوات، وأعيدت أقوى مما كانت. ومناهج التعليم خلت من أي إشارة جادة لدلالات لاءات مؤتمر الخرطوم الأربعة‪؛‬ (لا) صلح‪،‬ (لا) اعتراف‪،‬ (لا) تفاوض‪،‬ (لا) تفريط في حق الشعب الفلسطيني، وأرى إسقاط «اللا» الرابعة جاء متعمدا مفسحا الطريق للزحف الانعزالي والطائفي والمذهبي، الذي استنفر قواه فور وقوع الهزيمة.
ومن المعروف أن المهزوم حين يثأر لهزيمته فإنه بمثل ذلك العمل الجليل يتجاوزها ويَجُبُّها ويفك عقدها. إلا أن ذلك الزحف غير المقدس أبى، حتى نجح في جعل الهزيمة والانكسار أيديولوجية مزدوجة ذات بعدين سياسي ونفسي. فالبعد الأول غيَّب الإرادة العربية الجامعة، وتماهى مع إرادة العدو، والبعد الثاني، أدى لنجاح أجهزة الأمن والإعلام في إشاعة مبررات الضعف والخنوع، وهندسوا مواطنا آخرَ؛ فاقد الثقة بنفسه وبقدرات شعبه، ولم يصدق أنه من شعب وقف مؤازرا لجنوده ومكنهم من العبور والنصر، وصبر وصمد وثابَر وقاتل وثأر لشهدائه، وأثمرت ثقافة الخنوع، حملات مكثفة تعلي من شأن الضعف، حتى صار وكأنه قدر لا فكاك منه.
وذلك أهدر جهودا إعجازية وخلاقة انتقلت بالهزيمة من الرفض إلى الصمود، فالاستنزاف الذي مهد الأرض للنصر والتحرير؛ لكن مهمة التحرير لم تتم، وتحولت لعقدة استغلها ذلك الحلف غير المقدس، محققا ما لم تحققه الهزيمة، وأجهض بها النصر؛ وأُهْداه مجانا للأمريكيين والصهاينة وأباطرة النفط والثروة، وسقط المواطن والمجتمع والدولة إلى قاع القاع.
وراوحت بين تناول النكسة أو إلزام النفس بما تعودت عليه، وتجنب مواسم المكايدات والمزايدات، وطحن الهواء، وعدت لمتابعة تفشي وباء التطبيع والصهينة. وكان هناك رأى يقول بأنهما عمل فردي لأناس يبحثون عن مصلحة أو مكسب مادي. والواقع يقول العكس، بعد التحول لكتل منظمة؛ تحتكر السيطرة على الثروة والسلطة والسلاح، والسكوت عنها جريمة، وصمت «شيطان أخرس» عن قول الحق. ولم تعد هناك إمكانية للصمت مع ما يجري من تمكين للدولة الصهيونية من نهر النيل ومساعيها لأن تكون إحدى دول المصب، فتنازع أصحابه حقوقهم، وتتحكم فيهم، وتقضي عليهم بالجوع والعطش.
والتآمر على مياه النيل مخطط معلن منذ خمسينيات القرن الماضي، وتناسى «أولو الأمر» تدخل واشنطن لدى «المصرف الدولي للإنشاء والتعمير» وإجباره على سحب تمويل مشروع السد العالي، وكانت مصر أنذاك تتمتع بحكم وطني رافض لتلك الشروط، التي تضمنت عقد صلح مع الدولة الصهيونية، والانضمام للأحلاف الأمريكية بدعوى «الدفاع عن الشرق الأوسط»، وخلال سنوات قليلة من إعلان الدولة الصهيونية؛ تم الاعتماد عليها كضلع عدواني في المثلث البريطاني الفرنسي الصهيوني عام 1956. والربط المبكر بين تمويل السد وذلك الصلح كان لضمان حصة للدولة الصهيونية في مياه النيل. و«المشير» لا يمانع، فسوابقه في تسليم تيران وصنافير، وتوقيع اتفاق سد النهضة، الذي أعطى شرعية للجور على حقوق دولتي المصب، وطلبه لوساطة نتنياهو لدى صديقه رئيس وزراء أثيوبيا، كل ذلك ينذر بمخاطر جمة على مصر!!.
والمعلومات الجديدة عن حفل السفارة الصهيونية في القاهرة؛ ورد اسم الإعلامي عمرو أديب؛ الشقيق الأوسط لعماد الدين أديب؛ مؤكدا بذلك بأنه يسير على خطى شقيقه الأكبر، ومجموعة الأشقاء وزوجاتهم تربطهم علاقات تعاون وعمل سياسي وإعلامي بالمؤسسات والقصور الملكية السعودية، التي فتحت أمامهم أبواب التطبيع واسعة، وكان عماد أديب في بداياته قد تلقى عرضا مغريا فترك «الإهرام» لإدارة مكتب صحيفة «الشرق الأوسط» في القاهرة، ثم ترأس مكتبها في واشنطن، ورأس تحرير مجلة «سيدتي»، وبعدها رأس تحرير مجلة (المجلة)، وكلها تصدر عن «المؤسسة السعودية للأبحاث والتسويق» في لندن قبل الانتقال إلى دبي.
أسس عماد أديب دار نشر خاصة به؛ أصدرت مجلة «كل الناس»، وجريدة «العالم اليوم»؛ اليومية الاقتصادية، بالإضافة إلى إصدارات أخرى، وكان أول من أنشأ إذاعة خاصة. ووصفه موقع «المعرفة» الألكتروني بمالك إحدى كبريات شركات الإنتاج الفني، وعبر عن هواه تجاه تل أبيب في مقال بصحيفة «الوطن» المصرية عنوانه: «التكفير السياسي في موضوع الغاز»؛ قال فيه: «بدون لف أو دوران، أنا مع الاتفاق التجاري الذي تم بين شركات مصرية وشركات (إسرائيلية)، الخاص بمرور الغاز (الإسرائيلي) في مصر»؛ مبررا موقفه بأنه «صفعة» للمصالح التركية في البحر المتوسط.. ومن «يصفع» لا يطلب من شركات صهيونية أن تنوب عنه، واسترسل: «في يقيني أن مصلحة مصر العليا دون ادعاء بطولات ومحاضرات حول بيع الأوطان والتطبيع والخيانة، وكل هذا القاموس السياسي المعتاد، تأتى في أن تتحول مصر إلى المركز الإقليمي لتصنيع وتصدير الغاز في المنطقة كلها».
ووجه اللوم للجميع الذين تناولوا الموضوع وقال: «لا يوجد تحت يد أي منهم ملف متكامل بالبيانات والمعلومات حول طبيعة الشركات العاملة في مصر، وحصصها، ومصالحها في مصر وارتباطاتها فى (إسرائيل)»! واستهجن «الارتباك السياسي الذي ساد في القاهرة قائلا: وكأننا عاملين عاملة». وطعن القوى الوطنية بما أسماه: «نظريات الترويع والإرهاب الفكري ضد كل ما نقوم به تذكرني بالتكفير الديني في القرون الوسطى، وها نحن الآن نعاني من عمليات التكفير السياسي، كأن عمل اتفاق تجاري هو خيانة وطن وبيع سيادة»، وتناسى أن التطبيع السياسي والاقتصادي والتجاري شروط منصوص عليها في «اتفاقية السلام» الصهيونية المصرية منذ 1979.. وكل هذه أوراق اعتماد مطلوبة للأوساط الأمريكية والصهيونية في هذه المرحلة الصعبة..
واتخذ عماد أديب من الصحافي الراحل مصطفى أمين، الذي لم يستطع السادات رد الاعتبار القانوني له، فاضطر تحت الضغوط الأمريكية للإفراج عنه صحيا، وذلك لم يسقط الحكم بالإدانة، وتفاصيل القضية في «دار المحفوظات»، بجانب وثائق أخرى نشرها الراحل هيكل في كتابه «بين الصحافة والسياسة»؛ واتخذ عماد من أمين مثلا وقدوة وحاكاه في شكله وهيأته.
قوائم التطبيع والصهينة مليئة بكل من قبلوا العمل والتعاون مع الدولة والمؤسسات الصهيونية، أو من زاروها في تل أبيب؛ بحجة التغطيات الصحافية، التي لا يعتبرونها تطبيعا، ويستشهدون بنقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد، الذي سافر إلى هناك وهو مدير تحرير «الأهرام» عام 1981، وكتب سلسلة مقالات؛ بدأها بعدم الاعتذار عن الزيارة، فما قام به «واجب مهني»!!. وقد زار غالبية رؤساء مجالس إدارات الصحف والمجلات القومية (الحكومية) السابقين؛ أنيس منصور.. وصلاح منتصر.. ومحمد عبد المنعم.. ومن الصحافيين حسين سراج.. ومدحت فؤاد.. ونبيل عمر.. وعادل حمودة.. ومحمد عبد اللاه.. وطارق حسن، كما جاء في مقال للصحافي جمال الدين حسين في جريدة «الشروق» المصرية في 29 سبتمبر/ايلول 2009 ومن بينهم كان عماد أديب؛ الذي زار تل أبيب أكثر من ثلاث مرات وأجرى حوارا مع نتنياهو، حسب قول حسين.

كاتب من مصر

تمكين التطبيع والصهينة من مصر نذير بالأخطار!

محمد عبد الحكم دياب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد منصور:

    اليوم السيسي يقوم على مهمة رسمتها له تل أبيب تقوم على سلخ مصر من هويتها العربية الأسلامية ولهذا يتم اطلاق العنان لكل المجدفين للنيل من ثوابت الأمه عدى عن التغلغل الصهيوني الحاصل في مفاصل الدولة المصرية.

  2. يقول احمد حرب . لبنان:

    مبروك عليك يا سيساوي . مصر العروبه

إشترك في قائمتنا البريدية