تستعد تونس لتنظيم دورة جديدة لأعرق المهرجانات السينمائية العربية والافريقية، مهرجان قرطاج أو أيام قرطاج السينمائية كما تسمى في تونس من 21 حتى28 تشرين الثاني/نوفمبر. وتضفي أهمية حضارة قرطاج التاريخية بعدا أسطوريا على هذا المهرجان، سيما وأن القرطاجيين كتبوا أول دستور في تاريخ البشرية أشاد به الفيلسوف الاغريقي أرسطو واعتبره تقدميا في عصره ما جعل الكثير من خبراء القانون الدستوري يصنفون قرطاج، أو تونس القديمة، كنظام ديمقراطي فريد في حضارات الجنوب في عصور ما قبل الميلاد باعتبار أن هذا النظام السياسي يعطي لشرائح محددة حق الانتخاب ولم يكن يعتمد التوريث.
وازدهرت الفنون في هذه الحضارة التي توسعت لتلامس سواحل خليج غينيا وشبه الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا والبرتغال) وجنوب فرنسا وأجزاء هامة من جنوب إيطاليا إضافة إلى كريت اليونانية، وسادت المتوسط في عصر ما. وهو ما جعل قرطاج التي بدأت فينيقية وانتهت بضم أمم متعددة، وعاء لتلاقح الشعوب والحضارات في الحوض المتوسط وفي افريقيا جنوب الصحراء.
دورة استثنائية
وللتذكير فقد كانت الدورة السابقة للمهرجان إستثنائية بكل المقاييس وشهدت نجاحا باهرا أشاد به النقاد والجمهور والضيوف بفعل جهود المديرة السابقة درة بوشوشة التي بذلت جهدا لافتا رغم ضعف الميزانية المرصودة. ويتمنى الجمهور أن تنسج الدورة الجديدة على منوال سابقتها خاصة بعد أن آلت إدارتها إلى المخرج السينمائي التونسي إبراهيم اللطيف الذي كان باستمرار صاحب حضور لافت في هذا المهرجان العريق الذي عمل مؤسسه المرحوم الطاهر شريعة على تطوير السينما في تونس وفي القارة السمراء وكان وراء تأسيس مهرجان واغادوغو في بوركينا فاسو الذي يعتبر توأم مهرجان قرطاج.
وتم قبول عدد من الأفلام للتنافس على جوائز المهرجان المختلفة، سبعة عشرة منها للأفلام الروائية الطويلة منها ثلاثة أفلام تونسية، و16 فيلما وثائقيا من ضمنها فيلم تونسي يتيم، و15 عملا أولا (في إطار تشجيع السينمائيين الشبان) من بينها ثلاثة أعمال تونسية، و13 فيلما قصيرا من بينها ثلاثة تونسية. كما تم قبول أفلام لطلاب المعاهد العليا السينمائية وعددها 15 من بينها فيلم تونسي، و 11 فيلما ضمن الأعمال التي هي بصدد الإنجاز ومن بينها أربعة أعمال تونسية.
مخرجات تونسيات
ومن بين الأفلام التونسية المشاركة في المهرجان الذي ينطلق رسميا في الحادي والعشرين من هذا الشهر «شبابيك الجنة» للمخرج فارس نعناع، و»قصر الدهشة» للمخرج مختار العجيمي. وكذلك «شتات» للمخرج علاء الدين أبو طالب، و»القناص» للمخرج كمال العريضي وغيرها من الأفلام. كما تشهد هذه الدورة حضورا لافتا للمخرجات التونسية من خلال المشاركة بأفلام طويلة وقصيرة على غرار فيلم «على حلة عيني» للمخرجة ليلى بوزيد، و»عزيز روحو» للمخرجة سنية الشامخي و «تزوج روميو جولييت» للمخرجة هند بوجمعة.
وسيقدم سهرة الإفتتاح كما هو مقرر الإعلامي التونسي مراد الزغيدي الذي عمل في كبرى القنوات الفرنسية في المجال الرياضي وحاز شهرة واسعة، كما تقرر أن يقدم حفل الإختتام الإعلامي المصري باسم يوسف لإعطاء المهرجان بعده العربي. هذا بالإضافة إلى مشاركة أفلام متعددة من عدد من الدول العربية مشرقا ومغربا في هذا المهرجان الذي فاز فيه في السابق عمالقة السينما العربية بجوائز هامة ومنهم المصري يوسف شاهين والسوري محمد ملص والجزائريان لخضر حامينا ومرزاق علواش وغيرهم.
التانيت الذهبي
والجائزة الرئيسية للمهرجان هي التانيت الذهبي وهناك أيضا الفضي والبرونزي للأفلام الطويلة والقصيرة على حد سواء. و»تانيت» هي آلهة الخير والخصوبة لدى القرطاجيين أو التونسيين القدامى وكانت تتمتع بقداسة بالغة إلى جانب الإله «بعل حمون» كبير الآلهة الذي ركبت عليها أسماء قرطاجية قديمة على غرار القائدين القرطاجيين الشهيرين صدر بعل، وحنا بعل أو حنبعل أو هنيبعل كما يسمى في المشرق، صاحب الرحلة الأسطورية الشهيرة بالفيلة عبر جبال الآلب لحصار روما في معقلها، وآخرين.
ويتضمن المهرجان جائزة تمنحها لجنة التحكيم، وكذلك جائزة لأحسن سيناريو، وتم استحداث جائزة بإسم مؤسس المهرجان المرحوم الطاهر شريعة وتمنح لمخرجين شبان عربا وأفارقة أنجزوا أولى أعمالهم السينمائية. كما ستسند في هذه الدورة جائزة لأحد طلاب المدارس والمعاهد السينمائية من تونس وخارجها وجائزة لأفضل تقني ديكور وجائزة أيضا للنقاد السينمائيين.
داخل السجون
وعلى غير العادة لن تقتصر العروض السينمائية على قاعات العاصمة التونسية (قرطاج)، بل ستشمل مدن القيروان والمنستير وصفاقس وباجة وجندوبة وقفصة وتطاوين ونابل والكاف والمهدية والقصرين وجزيرة جربة التي رحل إليها أوليس الإغريقي وباتت تحتضن بدورها مهرجانا سينمائيا للفيلم الأسطوري. كما ستشهد مدارج الجامعات عروضا سينمائية في إطار المهرجان ولقاءات للطلبة مع مخرجي هذه الأفلام التونسية والعربية والافريقية والأجنبية ونقاشات معهم، كما ستعرف هذه المدارج الجامعية ندوات حول السينما.
ولعل اللافت هذه السنة هو تقديم عروض سينمائية داخل السجون التونسية في إطار التجديد في هذا المهرجان العريق وفي إطار تغيير النظرة إلى المؤسسة السجنية مع نهاية حقبة الإستبداد. وستشمل العروض سجن برج الرومي في أقصى شمال البلاد والذي كان إسمه إلى وقت غير بعيد يثير الرعب في نفوس التونسيين باعتباره كان معقل المحكوم عليهم أحكاما قاسية وعددا هاما من السجناء السياسيين، وسجن المرناقية بضواحي العاصمة بالإضافة إلى سجن مدينة المهدية في جهة الساحل التونسي وسجونا أخرى، وسيكون السينمائيون في زيارتهم لهذه السجون مرفوقين بأعضاء المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
السينما الأوروبية
ويشار إلى أن هناك أياما كانت تخصص في تونس للسينما الأوروبية وقد تم دمجها هذه السنة مع أيام قرطاج السينمائية لذلك سيشاهد الجمهور التونسي أحدث الأفلام الأوروبية دون أن تشارك هذه الأفلام في المسابقة الرسمية. وسيتم في هذه الدورة أيضا تكريم سينمائيين أحياء وأمواتا من تونس وخارجها منهم المخرج التونسي النوري بوزيد والكاتبة والسينمائية الجزائرية آسيا جبار وفنانات راحلات من مصر، فاتن حمامة ومريم فخر الدين وأخريات، وكذا المخرج البرتــغـــالي الـــراحــل «مانويل دي اوليفيرا» الذي أخرج آخر أفلامه بعد أن تجاوز المائة عام بسنتين.
أما عن نجوم السجاد الأحمر لهذه الدورة فهناك جون جاك أونو وتشارلز برلينغ وبينوا ماجيمال وهند صبري وكندة علوش وعمرو يوسف وآخرين بالإضافة إلى 400 ضيف. ويتوقع أن تشهد هذه الدورة حضورا كثيفا ولافتا للجمهور التونسي الذي اعتاد على ملء القاعات خلال الدورات السابقة وبقيت جماهير عريضة في كثير الأحيان خارج قاعات العروض بسبب نفاد التذاكر سواء بكبرى القاعات بقلب العاصمة أو في ضواحيها أو في المدن الأخرى، فالجمهور يشاهد الفيلم عادة بحضور ممثليه ومخرجه الذي يتولى عادة تقديمه للمشاهدين ومناقشته بعد انتهاء عرضه وهي فرصة للتفاعل بين السينمائيين والجماهير العريضة لا تتوفر إلا في كبريات المهرجانات.
روعة قاسم