توازن الموسيقى

حجم الخط
0

تحياتي للكاتب المبدع سعيد يقطين…ومضمون ودلالات مقاله يذكرنا بما سبق للحائز على جائزة نوبل للآداب الألماني (هيرمان هيسه) لعام 1946 قوله بالاتجاه نفسه في روايته : (لعبة الكريّات الزجاجية) إنما من زاوية أخرى. قال هيسه وهو يستخرج قانوناً عميقاً في دلالة الموسيقى وعلاقتها بالرّقي والتدّهور الحضاري والسيّاسي لإحساس الأمة ؛ ما نصّه :
«إنّ العلاقة بين ثقافتنا وبين الموسيقى ؛ تعرف لها مثلاً أعلى ؛ بالــغ القدم ؛ عظيم القدر؛ تكنّ له لعبة الكريّات الزّجاجيّة ؛ أعلى احترام وتبجيل.نحن نذكر
في الصين الأسطوريّة ؛ أيام كان يحكمها قدماء الملـــوك ؛ أنّ الموسيقى كانت
تلعب في حياة الدولة والبـلاط ؛ دوراً قيّاديـّـاً. وكان الناس هناك في ذلك الوقت يسـاوون بين ازدّهــارالموسيقى وبين ازدّهار: الثقافة والأخلاق ؛ بل وازدّهار الدولة كلّها. وكان على الأساتذة الموسيقيين أنْ يسهروا للمحافظة على الأنغــام الأصيلة ؛ والابقاء على نقاوتها…وإذا مـا تدّهورت الموسيقى ؛ كان ذلك لدّيهم
علامة مؤكّدة على تدّهورالحكومة والدولة…تقول حكايتهم للرّبيــع والخرّيف :
إنّ الموسيقى نشأت من العدل..وجذورها ممتدّة في السّماء العُلى.وكانت أساس الصراع بين قوّة الظلام وقوّة النّـور…فإذا كانت (الدنيـا) في ســلام ؛ وكانت الأشياء كلّها مطمئنة وكانت تتبع تحوراتها تلك التي تعلوها اكتملت الموسيقى.
وإذا لم تكن الرّغبات والعواطف في مسالك الضــلال ؛ تحسنّــت الموسيقــى ؛ وصارت إلى الكمــال. والموسيقى الكاملة لها أصــل ؛ لقد نشأت من التــوازن.
والتوازن نشأ من العدل ؛ والعدل ينشأ من روح الدنيا ؛ لذلك لا يمكن أنْ يتكلّم
المرء بشأن الموسيقى ؛ إلا مع منْ عرف روح الدنيا.إنّ الموسيقى تعتمـد على الانسجام بين : السّماء والأرض ؛ وعلى التوافق بين : الظلام والنـّور.والـدول المتدّهورة و(الرّجال) المهيؤون للتدّهور؛ لا يفتقرون طبعاً للموسيقى ؛ إنّمـا موسيقاهم ليست مرحة صافيّة.إذن : كلّما كانت الموسيقى ذات سحـرصاخب ؛ أصبح الناس (منقبضين) وأصبحت الدولة معرّضة للخطــر.وازداد انحـــدار الحاكم ومن ثمّ يضيع جوهرالموسيقى.لذا كان تأليف نغمة تسنج شانج وتسي ؛ المعروفة بموسيقى التدّهور؛ سبباً كافياً لحلول الشرّ.تلك النغمة الموسيقيّة ذات
السحرالصاخب..ما دُقت نبراتها الآثمة في قصرملك إلا أظلمت عليه السّماء ؛ وتزلزلت الأسوار؛ وسقط الحاكم ودالت دولته».

الدكتورجمال البدري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية