لم يكن هناك من وقت أكثر مصداقيّة من ذكرى الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها في 17 كانون الأول/ديسمبر وانتهت مع هروب زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير من عام 2011 من إعادة تذكير النظام والنخبة السياسية التونسيين بالأسباب التي انطلقت الثورات العربية لأجلها.
ويثير التأمل أكثر من ذلك أن هذه الاحتجاجات الاجتماعية الجديدة بدأت في الولاية نفسها (القصرين) وزاد من تأججها قيام أحد الشبان المحتجين على عدم تشغيلهم بإحراق نفسه، كما فعل محمد البوعزيزي، البائع المتجولّ الشهير الذي اعتبرت حادثة وفاته احتراقاً شرارة انطلاق الثورة التونسية، كما لو أن جماهير هذه الولاية المهمّشة يعيدون، مجددا، وضع النقاط على الحروف، فالديمقراطية، بحد ذاتها، وحريات التعبير والتظاهر وحقوق الإنسان، لا معنى لها من دون حق العمل، فبدون عمل تصبح كل هذه الحريات مهدّدة ولا معنى لها بحد ذاتها.
نزل التونسيون إلى الشوارع مجدداً، ولاحظنا من شعاراتهم وحركات أجسادهم وتصميمهم على إيصال أصواتهم للنظام الحالي، كما للعالم، نمطاً جديداً من المواطنية العالية التي ما كان يمكن أن تحظى بهذه السلطة المعنوية من دون التضحيات التي قدّمها التونسيون منذ انطلاق الثورة وحتى الآن.
مقابل هذه السلطات المعنوية الكبيرة المستجدة بدت اللغة التي تعامل بها القادة السياسيون والأمنيون التونسيون مع الاحتجاجات الراهنة مرتكزة إلى تراث آفل كنّا نأمل أنه ذهب إلى غير رجعة.
رغم قدرة القادة السياسيين على توصيف الحال وقراءة أسبابه الحقيقية فقد انزلق أكثرهم إلى تلك اللغة الجاهزة التي توزّع الاتهامات باتجاهات عديدة، ولكنها لا تستطيع تقديم مراجعات أو حلول حقيقية.
لقد أصاب الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، يوم الجمعة الماضية، حين أشار إلى أن التحركات بدأت في جهات محرومة، وبأنها تحركات طبيعية ووراءها طلاب شغل ومعهم حق، كما أصاب في أن الحكومة الحالية ورثت وضعا صعباً من وجوهه البطالة الخانقة، وبأن لا كرامة من دون تشغيل.
غير أن هذا التوصيف الدقيق للأوضاع التونسية ما لبث أن اهتزّ حين اتهم الرئيس التونسي تنظيم «الدولة الإسلامية»، باغتنام الوضع ليرمي بدلوه في الأحداث، فالتنظيم المذكور لا يؤمن البتة بأساليب التظاهر، ومن الإهانة للمتظاهرين والمحتجين ربط احتجاجاتهم بذلك التنظيم.
الزعيم الإسلامي راشد الغنوشي قام بدوره باستخدام مقولة «الجهات الأجنبية»، وهي تهمة عامّة تستخدمها كل الأنظمة العربية لمحاربة أي احتجاج ناشئ ضدها، ولعلّ الغنوشي نفسه ناله، في السابق، الكثير من هذه الاتهامات.
رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد أشار إلى إيقاف أشخاص ينتمون لحزب «التحرير» الإسلامي، والتهمة التي قبض عليهم بموجبها هي «توزيع منشورات تحرض على العنف»، وهي أيضاً تهمة تعوّد عليها المعارضون وهي تنقض نفسها بنفسها، فالمعروف أن هذا الحزب لا يحرّض على العنف، وليس معروفاً عنه، في أي مكان معروف من العالم، قيامه بأعمال عنفية.
غير أن الطامّة الكبرى التي تمثّل، خير تمثيل، هذه الاستعادة المستنكرة لتراث الأجهزة الأمنية السابقة، ما قاله العقيد خليفة الشيباني، المكلف بالإعلام في الإدارة العامة للحرس الوطني التونسي، الذي اتهم عدداً من المنحرفين تحت تأثير حبوب الهلوسة باستغلال الاحتجاجات للسرقة والنهب والاعتداء على المواطنين، وما لبث العقيد نفسه أن ناقض نفسه مناقضة شديدة حيث أعلن عن «معطيات مؤكدة» حول ملثمين في سيارات كانوا يوزعون الأموال على المتظاهرين، واعتذر العقيد من عدم تمكن قواته من القبض على هؤلاء «متلبسين وسط الجماهير الغفيرة التي كانت تشارك في المظاهرات».
وهكذا قام الناطق الإعلامي للجهاز الأمني التونسيّ بتقديم صورة «هوليوودية» شديدة التناقض في عناصرها، فهناك منحرفون (ما هو المقصود بالانحراف؟)، مهلوسون، يسرقون وينهبون، وهناك ملثمون (لماذا هم ملثمون؟)، يوزعون الأموال على المتظاهرين، وفي كل هذه التصريحات تناقضات لا تخفى على عقل سليم.
من المؤكّد أن هناك أشخاصاً استغلّوا الفوضى التي خلقتها الاحتجاجات للسرقة أو التخريب، وهو ما رأيناه في صور وكالات الأنباء، ولكن التهشيم الأخلاقي للاحتجاجات يفقد كل المنظومة الحاكمة في تونس، والتي جاءت بسبب الاحتجاجات التي قامت على نظام مستبد عام 2011، معناها ومصداقيتها.
رأي القدس
أعاد الشعب التونسي المنظومة القديمة للحكم في اتنخابات 2014 وبذلك يتحمل تبعات اختياراته.. و ما حادثة القصرين وحذف اسم الشهيد من قائمة الناجحين و تعويضه بآخر الا استنساخ ما كان يقع في عهد المخلوع.. لكن الفارق اليوم هو هيجان الشعب الذي لم يعد يقبل الظلم و لا يخاف من أحد..
عنوان أوضح أو لخّص طريقة فهم النخب الحاكمة في النظام البيروقراطي نتيجة تربية على أسلوب علم البرمجة اللغوية العصبية لكل من يعترض عليها فهو من أصحاب النظرة السلبية، وليس من أصحاب النظرة الإيجابية، فلذلك يحق لهم أن ينعتوه بمختلف الأوصاف السلبيّة والتي تجعلها سلبيا بالضرورة، وبذلك من المنطقي والطبيعي أن تفقد النخب الحاكمة في النظام البيروقراطي ارتباطها بمشاكل المواطن على أرض الواقع.
ولذلك حقيقة أنا لا أفهم اللغة التي يتكلم بها المثقف والسياسي وخصوصا الراهب في دولة الحداثة، فحسب علمي على وجه الأرض ليس هناك ملائكة أو شياطين بين البشر، والبشر هي من تطبق القانون أو الدستور بل وحتى الشرع للدول الإسلامية، ولديك أبسط مثال العراق وإيران والسعودية، فلماذا لم تفلس السعودية مقارنة بما تتحجج به حكومتي العراق أو إيران وليس فقط تونس القيروان أو مصر الأزهر من شبح الإفلاس؟!
أنتم من تعتقدون أنكم أتباع آل البيت (الشيعة) أو غيرهم من النخب الحاكمة (الصوفية) تسرقون كل شيء، عيني عينك ويظن كل منكم إذا دفع الخُمس عليها فقد أصبحت حلال؟! ما هذه الخرابيط والخزعبلات، وأبسط مثال عملي لديك خطوط فلاي بغداد للفساد وإساءة استخدام السلطة، والتي هي من أملاك عمار الحكيم وبيان جبر صولاغ وزير النقل، ممثلي كتلة المواطن في العملية السياسية، ونفس الشيء في إيران عندك أبن رفسنجاني، والآن حافظ قائد السبسي في استحواذه على حزب نداء تونس وبمباركة الغنوشي، فمن يضحك على من؟ ولحساب من؟
صدام حسين اعترف بأن سياسة دول مجلس التعاون الخليجي كانت تختلف عن سياسة بقية الدول العربية، وقال في أحد خطبه أنّه عندما كان معهم في صف واحد، الأمير سعود الفيصل جعل كل العالم خلفي، وعندما اختلفنا جعله ضدي، وفي هذا المجال أذكر عام 1990 الأمير سعود الفيصل ذهب إلى موسكو لشراء موقف الاتحاد السوفيتي مقابل صفقات تجارية بعدة مليارات ليكون بعيدا عن عراق صدام حسين بعد دخوله الكويت في 2/8/1990، فهل الكلام في بداية 2016 عن أنَّ روسيا تفكر في تقديم عرض لصفقات أسلحة مع السعودية بعشرة مليارات دولار لتغيير موقف روسيا تجاه إيران أم سوريا أم تغيير موقفها تجاه كليهما سوية،
وهل سيكون تدخل روسيا في سوريا مثل تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان انتهى بإعدام رئيس الجمهورية الذي سمح لدخول القوات السوفيتية إلى بلاده، فهل سيكون مصير بشار الأسد مثل الرئيس الأفغاني الذي تم إعدامه؟ وهل نفهم موقف رئيس القوات اللبنانية لدعم منافسه ميشيل عون الذي يمثل الجهة التي تدعمها دولة ولي الفقيه موقف لصالح السعودية أم لصالح إيران في تلك الحالة؟!
أنا أظن الصورة معكوسة لعنوان الموضوع في تونس عام 2016، ومن لم ينتبه إلى أن قوانين اللعبة تغيرت واختلفت 180 درجة ما بين قوانين اللعب في النظام البيروقراطي عن قوانين اللعب في نظام العولمة وأدواتها التقنية، ومن لم يدرك ذلك من النخب الحاكمة إن كان في القطاع العام أو الخاص سيكون هو سبب المشاكل في دولة الحداثة وسبب شبح الإفلاس الذي يلاحقها، فجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعاني من نفس ما تعانيه اليونان بعد انهيار نظام الديون الربوي بين المصارف والبنوك عام 2008 وليس فقط تونس أو مصر أو الكيان الصهيوني أو المملكة الأردنية أو المملكة المغربية أو إيران وبقية الدول التي تراهن على مفهوم الحرب على الإرهاب في ابتزاز دول العالم لتمويل عجز ميزانياتها.
ما رأيكم دام فضلكم؟
الثورة التونسية مستهدفة ولها أعداء كثر، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مشاكل واحباطات لدى الشباب تدفعهم للأحتجاج، و في نفس الوقت هناك من يتربص بتونس وانهاء العملية الديمقراطية على أمل ان تتحول لدولة فاشلة وهذا يستعدي الحذر.
احسنت الرد يا Abdullah .لانه كو كانت القيادات التي جاءت بعد الثورة كشفت حساباتها واملاكها قبل الترشح وكشفت رواتبها وحددتها بما يرضي الله والعباد واعادت الاموال المنهوبة ..لصبر المواطن على حرمانه الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا..اما التستر على كل الفساد ومحاولة العفو عن الفاسدين وسراق اموال البلد فهذا ما يودي غالبا للفوضى الخلاقة.
تونس
تتفتح بلادي في الصباح مثل زهره
لها الأحلام ضجّت في الزياتين منتظره
و الجبال الحمر، والحب في البيوت المنتشره
يعشش في كل طاقة
ينثر الألحان في كلّ رميه
– – –
فاليأس لا يأتيها، تردّه كلّ مرّه
شوقا للطموح خلقنا …
فلنا الأيّام نكسوها صنعه
ولنا الفجرنغرُف من نوره
و نحن على الليل إن طال ظلمُه
– – –
شعر محمد المحفوظي
قصائد منسيّة في الرف