تونس -«القدس العربي» من حسن سلمان: كشفت مؤسسة حكومية تونسية عن وجود تجاوزات مالية خطيرة تتعلق بالتمويل الأجنبي والمشبوه وعدم الالتزام بإعادة التمويل الحكومي خلال الانتخابات التشريعية قد تؤدي لإسقاط عضوية بعض الأحزاب في البرلمان الحالي.
وأشارت دائرة المحاسبات في تقريرها حول «نتائج مراقبة الحملة الانتخابية لعضوية مجلس الشعب» الذي أصدرته مؤخرا إلى وجود أكثر 1150 قائمة انتخابية مطالبة بإرجاع مبالغ نقدية بقيمة خمسة ملايين ومئتي ألف دينار (حوالي ثلاثة ملايين دولار)، مشيرة إلى أنها ستلجأ لمقاضاة الأحزاب المخالفة.
وقال رئيس المؤسسة عبداللطيف الخراط خلال ندوة صحافية إن المبلغ الإجمالي الذي خصصته الحكومة لتمويل الحملة الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية (البرلمانية) بلغ أكثر من 6.5 مليون دينار، مشيرا إلى أن أكثر من 1152 من أصل 1326 قائمة (حوالي%90%) لم ترجع المبلغ المخصص لحملتها الانتخابية.
ويُلزم الفصل 78 من القانون الانتخابي كل مترشح أوقائمة حصلت على أقل من3% ٪من الأصوات بإرجاع كامل المنحة العمومية المقدمة من الحكومة، إضافة إلى المبالغ التي «ثبت أنها لا تكتسي صبغة مصاريف انتخابیة، وتسترد الدولة كل مبلغ غير مستهلك من المنحة العمومية».
وأشارت المسؤولة في المؤسسة فضيلة القرقوري إلى وجود حسابات لبعض القوائم الانتخابية تشوبها اخلالات تتعلق بمصداقية الوثائق المقدمة وكيفية صرف المنحة، فضلا عن وجود موارد نقدية مجهولة المصدر.وأكدت وجود مخاطر لتمويل «مقنع» للحملة الانتخابية عبر بعض الجمعيات المرتبطة بأحزاب سياسية او قيام وسائل إعلام بالترويج بشكل غير مباشر لبعض الأحزاب السياسية، مشيرة إلى أن حوالي مئة مرشح واصلوا مهامهم على رأس بعض الجمعيات خلال الفترة الانتخابية.
وكانت الهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) لجأت قبل أشهر لفرض غرامات مالية على عدد من الفضائيات والإذاعات المحلية الخاصة كقناة «نسمة» و»الزيتونة» وإذاعتي «إكسبريس» و»تونس الدولية» (حكومية) بسبب انتهاكهم للقانون الانتخابي فيما يتعلق بالدعاية لعدد من الأحزاب السياسية وبعض مرشحي الرئاسة.
من جانب آخر، سجلت دائرة المحاسبات ارتفاع حجم التدفقات البنكية والبريدية خلال الفترة الانتخابية، مشككة بوجود تمويل أجنبي لبعض الأحزاب، مشيرة في السياق إلى إحالة ملف أحد المترشحين غير الفائزين (لم تسمه) إلى المحكمة الابتدائية في العاصمة لوجود شكوك حول تلقيه تمويلا أجنبيا.
كما أشارت إلى «عدم مشروعية بعض النفقات (الانتخابية) وتجاوز النفقات الحد الأدنى المسموح به وتم الوقوف خاصة على خلاص (أداء) مصاريف ونفقات ذات طبيعة غير انتخابية، في غياب وثائق إثبات شاملة وذات مصداقية، وتنظيم تظاهرات دون الإفصاح عن البعض منها فضلا عن عدم شمولية الحساب البنكي الوحيد لكامل موارد الحملة الانتخابية ونفقاتها».
وأكدت في السياق وجود مخالفات لأحزاب الائتلاف الحاكم (النداء والنهضة وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحر) تتعلق بالتأخر في ايداع حساباتها، إلى جانب «عدم الإفصاح عن مجمل نفقاتها والتظاهرات التي نظمتها والإنفاق في دائرة خارج الدائرة المعنية وتجاوز سقف الإنفاق وغياب موارد مالية متأتية من تبرعات أو اشتراكات».
يُذكر أن الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي أكد في حوار سابق لـ«القدس العربي» لجوء بعض الدول لضرب المشروع الديمقراطي التونسي عبر تمويلها لبعض الأحزاب السياسية، مشيرا إلى «وجود مؤشرات كثيرة على أن دولة كالإمارات مثلا لا تريد خيرا للتجربة الديمقراطية، ونحن لا ننظر إليها بكثير من الثقة، وخاصة بعد مساهمتها في انقلاب مصر»، منتقدا عدم استدعاء وزارة الخارجية التونسية للسفير الإماراتي بعد إرسال بلاده لسيارتي حماية للرئيس الباجي قائد السبسي خلال فترة الانتخابات.
فيما أشار الخبير الاقتصادي مُعز الجودي إلى احتمال تورط بعض الأطراف السياسية بالاقتصاد الموازي المرتبط بالتهريب والإرهاب والذي يشكل أكثر من 50% من الناتج المحلي، واحتمال توظيفه في تمويل البرامج الانتخابية و»شراء الأصوات» في الانتخابات العامة في البلاد.
ويقضي الفصل 163 من القانون الانتخابي بتغريم المترشح أو القائمة الحاصلة على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابیة بدفع خطیة مالیّة تتراوح بین عشرة أضعاف وخمسین ضعفاً لمقدار قیمة التمويل الأجنبي، إضافة إلى فقدان أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب، وحرمان كل من تمت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابیة من أعضاء قائمات أو مترّشحین من الترّشح في الانتخابات التشريعیة والرئاسیة المقبلة.